لا يأتي تخوف أمريكا وبني صهيوني من مشاركة اليمن في معركة المقاومة ضد همجيتهم في غزة، من فراغ، أو لأنه يفتح جبهة جديدة لم يكن حال الكيان في الوضع المريح لوضعها ضمن حسابات الرد، وإنما – وهو الأصل – لأن هذا الدخول العنيف ولّد خوفا، عزز من حقيقة أن الكيان ليس بأكثر من عصابة هشة زرعتها أمريكا لحماية مصالحها في المنطقة وكان من الطبيعي أن تعمل على حمايتها.
منذ ظهر الكيان قبل خمسة وسبعين عاما، محتلا للأراضي الفلسطينية، والمجتمع الغربي الفاسد يحاول ترسيخ فكرة زائفة في الذهنية العربية والعالمية بأن هذا الكيان – الذي لم يكن له وجود أصلا – قوة خارقة لا يستهان بها، وأطلق له عنان الضرب والبطش ومكّنه من حيازة السلاح النووي كي يبقى لهذه العصابة القدرة على الحركة في المنطقة والعالم من واقع الترهيب.
ولما فضحت المقاومة الفلسطينية، هذه الكذبة سارعت أمريكا ودول أخرى لتدارك الأمر، فنهاية العصابة سيكون مرهقا ومُكلفا للأنظمة الاستعمارية، أن تكون على رأس مصالحها في المنطقة، فالوكيل الصهيوني يوفر عنها ذلك ولا بد أن يبقى قويا في خيالات المهزومين، ولما ظهر المارد اليمني بهذا العنفوان وهذه الثقة وهو الذي يقع في أقصى جنوب الجزيرة العربية ليضرب أقصى شمالها بمساحة (2200) كيلو متر، تعززت لدى أمريكا حقيقة أن العصابة الصهيونية آيلة للزوال لا محالة، مع ذلك ستبقى واشنطن تدعمها لأنه لم يعد لديها خيارات، وذاك فشل كبير بذاته للسياسة الأمريكية والغربية في المنطقة.
واليمن اليوم ومحور المقاومة ليسوا في وارد التراجع، فنحن نتحدث عن دم عربي يسفك ومقدسات تنتهك ومن المستحيلات جدا التراجع، فضلا عن أن زوال إسرائيل من الثوابت المقدسة، تعززها هذه المنهجية الحيوانية للكيان في التعايش.
وعار على المتثيقفين هزيلي التفكير والحسابات، أن يروا في الصواريخ والمسيرات اليمنية تحركاً خاطئاً قد يوسع نطاق المعركة، حسب تخوفاتهم، وهو نفس المنطق الأمريكي الذي يمنع أي تدخل، ريثما تنتهي العصابة الصهيونية من إبادة الشعب الفلسطيني.
المتثيقفون في الشتات عديمي البصر والبصيرة يحسبون أنهم يفكرون بعقلانية، ولو كانوا كذلك لما أوصلوا بلادهم إلى الاحتلال ونهب خيراته وتجويع شعبه، بل ولكانوا – على أقل تقدير – استطاعوا الحفاظ على كياناتهم الضئيلة من الذل والمهانة وملاحقة الداعمين والممولين.
حينما كانوا يتحدثون عن اليمن الجديد لم يكن في حسابهم بالمطلق مسألة التحرر من الهيمنة والوصاية الخارجية على البلد، وإنما المهم هو أن يكونوا هم أصحاب الرأي والمشورة، هذا هو اليمن الجديد بتصورهم، أن يلزموا كراسيهم ويعملوا في الحدود التي تسمح بها قوى الهيمنة والسيطرة.
ومتى كان لأمة أن تنهض إذا لم تكن ممتلكة لأدوات القوة الرادعة، ولم يكن بيدها التحكم بمقدراتها وحمايتها.
عار على الكيانات العربية الهزيلة التعاطي مع الإنجاز اليمني بهذه الصورة الساذجة وهو الإنجاز الذي لم يكن يخطر ببال بشر أن تحققه اليمن، وأن يبقى الكيان في حساباتهم وحشاً كبيراً لا يمكن التجرؤ عليه خصوصا وأن من وراءه أمريكا، وهو ذاته منطق المتثيقفين الذين يعملون كـ”مفسبكين” مع محتلي بلادهم، المهزومين في داخلهم، من حصروا الحياة في لقمة عيش تأتيهم من المحتل في وقتها بفضل الرضوخ لبطش المستعمر، ليس لهم أن يُفكروا أو يطمحوا إلا في الحد المسموح لهم به، بحيث لا يتعرض ذلك لمصالح الغرب التي هي أصلا مصالح وطنية سيادية.
زُلزلت الأرض من تحت أقدامهم وغدا سيلتمسون العفو والمغفرة، وهذه مسألة أكيدة مع حالة الاستهداف التي يتعرضون لها وباتوا مهددين بالطرد من الدول المستضيفة ومهدين بقطع التمويل.
هؤلاء هم، أما عصابة أمريكا الصهيونية فلا تتصور أنها يمكن أن تعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر المبارك الذي فضح حقيقتهم، ومن ترف الحسابات أن تتصور أمريكا أن تواجدها في المنطقة يمكن أن يكون له أي اعتبار في حسابات المقاومة، كما من السذاجة والوقاحة أن تتحدث بأن تواجدها هو لردع دول الشرق الأوسط من محاولة إنقاذ الفلسطينيين، لأنها اليوم في الوضع الأضعف، فهي أولا في مرمى الاستهداف، ومصالحها تحت التهديد، كما أن صلفها وغطرستها قد يربك كل العالم إذا ما قررت اليمن إغلاق باب المندب، وضربة واحدة على سفينة إسرائيلية عابرة كفيلة بذلك، كما أنه من حقها قانونيا إغلاق المضيق، فثلاثة أرباعه ضمن المياه الإقليمية اليمنية والقوانين الدولية تنص على «أن المياه الإقليمية جزء من إقليم الدولة، لكنها تمنح السفن حق المرور فيها ما لم تكن تابعة لدولة في حالة حرب مع دولة المضيق، وبما أن اليمن في حالة حرب مع الكيان فإن إغلاق المضيق أمامه مطابق للقانون»، حينها ما الذي سيكون لدى أمريكا لتفعله وقد احترقت كل أوراقها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بعد اتفاق غزة.. هل يصبح اليمن الساحة الأخيرة للصراع الإقليمي؟
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في غزة حيز التنفيذ، تتجه الأنظار نحو اليمن كآخر الملفات العالقة التي تشهد توترًا في الإقليم.
وقد حدثت تطورات كبرى منذ السابع من أكتوبر 2023 على مستوى الشرق الأوسط، فقد سجّلت الأشهر الماضية تكبّد حزب الله اللبناني خسائر قاسية أزاحته عن الساحة، وفقدت إيران بذلك أبرز أذرعها التي كانت تُعوّل عليها كثيرًا في المنطقة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شهد الشهر الأخير من العام الماضي سقوط نظام الأسد في سوريا، ما يعني خسارة طهران لأبرز حليف لها على المستوى الإقليمي.
وحُشرت إيران في الزاوية، فلم يتبقَّ لديها سوى الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، التي نأت بنفسها عن أن تكون أداة فاعلة لطهران في هذه المرحلة، وميليشيا الحوثي في اليمن.
وبذريعة مناصرة غزة، كثّف الحوثيون هجماتهم على خطوط الملاحة الدولية واستهداف سفن الشحن التجارية، ليتسع نطاق تأثيرهم من المستوى المحلي ودول الجوار فقط، إلى العالم بأسره.
ونتيجة لذلك، شكّلت الولايات المتحدة وبريطانيا تحالفًا دوليًا تحت مسمى "تحالف الازدهار" لمواجهة الخطر القادم من اليمن، والذي يتمثل في التأثير على العمليات التجارية الدولية.
واقتصر دور التحالف على تنفيذ ضربات جوية على معاقل الحوثيين العسكرية، دون الإضرار المباشر بقدراتهم القتالية.
لطالما ربط الحوثيون توقف استهداف الملاحة البحرية برفع الحصار عن قطاع غزة ووقف العدوان الإسرائيلي عليها، وهو ما قد يتحقق مع الاتفاق على الهدنة بين إسرائيل وحماس. وبغضّ النظر عن نتائج الاتفاق، فإن التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة يجعل الملف اليمني آخر الملفات العالقة التي تحتاج إلى إغلاق، خصوصًا بعد أن التمس العالم مدى الخطورة التي يمكن أن تصدر عن الحوثيين.
مدير عام الإعلام الداخلي بمكتب رئاسة الجمهورية اليمنية، فايد دحان، يقول: "حاولت جماعة الحوثي الإرهابية استغلال قضية غزة لتحسين صورتها أمام الشرائح المجتمعية وإحداث صدى داخلي، على الرغم من الحقائق الواضحة التي يراها اليمنيون تجاه هذه الجماعة".
وأضاف دحان : "من خلال اعتداءاتها المستمرة على تعز والبيضاء، وحصارها للمدن، وتجويعها للشعب، استمرت الجماعة في ترويج أكاذيبها بأنها الممثل الشرعي للشعب اليمني".
*ميليشيا الحوثي وتضليل الرأي العام*
وأكد دحان: "ولكن هذه الأكذوبة، وإن بدت قابلة للتصديق لبعض الوقت، ستنكشف مجددًا بعد انتهاء الحرب في غزة. وسيترقب اليمنيون الكذبة القادمة التي ستستخدمها الجماعة لتضليل الرأي العام، وإسكات أي صوت معارض بتهم كيدية، كما هو ديدنها منذ البداية".
ويتوقع المسؤول اليمني أن "التداعيات المستقبلية، خاصة مع عودة الحديث عن التصويت في الكونغرس لإعادة إدراج جماعة الحوثي في قائمة الإرهاب، تجعل مصير هذه الجماعة يقترب من مصير حزب الله وبشار الأسد".
وأضاف قائلًا: "في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الحسم العسكري هو الخيار الوحيد المتبقي. وينتظر الجيش اليمني فقط رفع الغطاء الدولي عن جماعة الحوثي لتسهيل مهمة القضاء عليها وإنهاء الطموحات الإيرانية في اليمن".
من جانبه، قال رئيس مركز "نشوان الحميري" للدراسات والإعلام، عادل الأحمدي: "لابد أولًا من وضع اتفاق غزة في سياق عالمي مرتبط بآخر أيام إدارة جو بايدن، التي اختارت إغلاق هذا الملف قبل رحيلها بأيام. من هنا، يبدو أن أزمة الحوثي هي آخر الملفات العالقة في المنطقة".
وأشار الأحمدي في حديثه إلى أن "هذا لا يعني أنها ستظل عالقة، بل إنها يجب أن تُغلق. وفي حال لم تُغلق، ستظل الحوثية قنبلة إيران الموقوتة التي لا استقرار في المنطقة دون نزع سلاحها".
وأضاف الأحمدي: "اليمن في المرحلة المقبلة معركته كما هي وستظل إلى حين استعادة صنعاء ونزع سلاح الحوثيين، سواء كان ذلك اليوم أو غدًا. ولا أعتقد أن أيًّا من اليمنيين كان يؤمل إغلاق هذا الملف كما هو حاصل في غزة".
*هدنة غزة ووصول ترامب*
بدوره، يرى مدير مركز "South24" للأخبار والدراسات، يعقوب السفياني، أن: "اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيضع اليمن أو الملف اليمني أمام سيناريوهين. الأول: نجاح وقف إطلاق النار في خفض التصعيد بالمنطقة، وبالتالي يشمل ذلك اليمن، وهذا يعني عدم حدوث مزيد من الضربات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية على اليمن".
وقال السفياني: "أما السيناريو الثاني، فهو مرتبط بوصول ترامب إلى البيت الأبيض. ومن المحتمل أن يُعيد ممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران والمجموعات المدعومة منها في المنطقة، وهذا يشمل الحوثيين".
واختتم السفياني حديثه بالقول: "قد تُتخذ إجراءات مثل رفع تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية إلى الدرجة الأولى، وهذا ستكون له انعكاسات كبيرة على المسار السياسي وخريطة الطريق".