حكم لبس المرأة الثياب البيضاء في الحداد.. هل تنحصر في اللون الأسود؟
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول “ما هو الضابط في اعتبار الثياب صالحة للإحداد؟ وهل هي من الزينة أو لا؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في اللون الأسود في الثياب؟”.
أمور يجب على المرأة تجنبها في لبسها خلال فترة الحداد كيف يكون الحداد على الميت للنساء؟.. ضوابطه ومدتهوأجابت دار الإفتاء، أن الموت ابتلاء من جملة ما يُبتَلى به الإنسان في أقاربه وأحبابه، وقد راعى الشرع الشريف النوازع الفطرية والانفعالات النفسية لدى الإنسان؛ فشرع للإنسان أن يظهر حزنه لموت عزيزٍ لديه، ما دام كان ذلك بما لا يغضب الله- تعالى-؛ بإظهار الاعتراض والسخط على قدره، أو التفجع المبالغ فيه بشق الجيوب أو لطم الخدود ونحو هذا؛ فقد روى الشيخان في "صحيحيهما" عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ».
وذكرت أن من مظاهر الحزن التي سمح بها الشرع كذلك: الحِدادُ للنساء. والحِدادُ شرعًا: هو ترك الزينة من المُتوفَّى عنها زوجها في عدة الوفاة بالثياب، والطيب، والحلي، وما في معناها. انظر: "أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (3/ 402، ط. دار الكتاب الإسلامي).
ولذلك فإنَّ إحداد المرأة وإن كان مشروعًا في أصله، لكنه مقيَّد بوقت محدد؛ فهو في حقّ غير الزوج يباح لمدة 3 أيام فقط، وأما في حقّ الزوج فهو واجب مدة عدتها؛ 4 أشهر و10 أيام إذا كانت غير حامل.
ودليل ذلك: ما جاء في "صحيحي البخاري ومسلم" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
وأما إن كانت حاملًا: فعدتها وإحدادها ينتهيان بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4].
وأوضحت، أن الممنوع على المرأة المُحِدَّة في خصوص الثياب: لُبس ما يُقصد به التزين؛ وقد روى أبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ».
والمُعَصْفَر: هو المصبوغ بالعُصفُر. والمُمَشَّقَة: أي المصبوغة بالمِشق، وهو نوع من الطين الأحمر. والحُلِيّ: جمع حلية، وهي ما يتزين به من المصاغ وغيره. انظر: "عون المعبود" (6/ 295، ط. دار الكتب العلمية).
ولكن مع ذلك فإنَّ الزينة لا تنحصر في لون بخصوصه، والضابط في اعتبار الملبوس من الزينة أو لا هو العرف، وهذه هي القاعدة في كل ما جاء الأمر به أو النهي عنه على لسان الشرع ولم يحدده، فيرد إلى العرف. انظر: "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 98، ط. دار الكتب العلمية).
وجاء في "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني (4/ 56-57، ط. دار الفكر) مع "حاشية البجيرمي": [الإحداد هو (الامتناع من الزينة) في البدن بحلي من ذهب أو بثياب مصبوغة لزينة.. ويباح لبس غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان وإن كان نفيسًا، وحرير إذا لم يحدث فيه زينة، ويباح مصبوغ لا يقصد لزينة كالأسود، وكذا الأزرق والأخضر المشبعان الكدران؛ لأن ذلك لا يقصد للزينة، بل لنحو حمل وسخ أو مصيبة، فإن تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان برَّاقًا صافي اللون حرم؛ لأنه مستحسن يتزين به أو كدرًا أو مشبعًا فلا؛ لأن المشبع من الأخضر والأزرق يقارب الأسود] اهـ.
قال الشيخ البجيرمي في "حاشيته" معلقًا على كلام الخطيب السابق (4/ 57): [قوله: (لزينة) أي ما جرت العادة أن تتزين به لتَشَوُّفِ الرجال إليه، ولو بحسب عادة قومها أو جنسها] اهـ.
إذن فليس ثمة لون معين من الثياب تُمنع المرأة المُحِدَّة من لُبسه إلا ما اعتبره العرف زينة، فما كان كذلك يُمنع، وما كان بخلافه فلا.
أما ما جرت به عوائد الناس في كثير من البلاد من جعل الأسود هو اللون المعتبر للحداد وإظهار الأحزان، فهو حسن، واللون الأسود كان هو اللون الذي يعبر به المرء عن الحزن منذ القدم.
كما أن العرب تسمي ثياب الحِداد: السِّلاب؛ يقال: تسلبت المرأة: إذا لبست السِّلاب. قال الإمام الزمخشري في "الفائق" (2/ 192، ط. دار المعرفة): [وَهُوَ سَواد المحدّ. وقيل: خرقَة سوداء كانت تغطي رأسها] اهـ.
وقد روى أحمد في "مسنده" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها لما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: «تَسَلَّبِي»؛ قال العلامة ابن الأثير في "النهاية" (2/ 387، ط. المكتبة العلمية): [أي: البسي ثوب الحداد، وهو السِّلَابُ، والجمع سُلُبٌ. وتسلبت المرأة إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطى به المُحِدُّ رأسها] اهـ.
لكن مع ذلك فإنَّه لا يحصر الحداد في الأسود كما تقدم، بل أحيانًا ما يكون اللون الأسود زينة، كما هو الشأن فيما يسمى بثياب السهرة النسائية مثلًا على ما جرت عليه أعراف الناس الآن، فلا يجوز لبسها حينئذ لمُحِدَّة، وقد نص الفقهاء على المنع من الأسود للمُحِدّة لو كان على وجه الزينة.
من ذلك: ما جاء في "أقرب المسالك" لسيدي أحمد الدردير (2/ 685-686، ط. دار المعارف) مع "حاشية الصاوي" في كلامه عما يجب على المُحِدّة؛ حيث قال: [(ووجبت على) المرأة (المُتوفّى عنها الإحداد في) مدة (عدتها؛ وهو)؛ أي: الإحداد: (ترك ما يتزين به من الحلي والطيب، وعمله والتجر فيه، و)ترك (الثوب المصبوغ) مطلقًا؛ لما فيه من التزين، (إلا الأسود) ما لم يكن زينة قوم؛ كأهل مصر القاهرة وبولاق؛ فإنهن يتزين في خروجهن بالحرير الأسود] اهـ بتصرف.
قال الشيخ الصاوي في حاشيته عليه: [قوله: (فإنهن يتزين في خروجهن بالحرير الأسود): وفي الحقيقة لا مفهوم للحرير، والمدار على كون الأسود زينة على حسب العادة] اهـ.
وقال الشيخ القليوبي في "حاشيته على شرح المحلي للمنهاج" [4/ 53، ط. دار الفكر] -معلقًا على قول الشارح [(كالأسود)-: إذا لم تكن عادتهم التزين به، وإلا كالأعراب فيحرم] اهـ.
عليه: فإنَّه ليس هناك لون مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المُحِدَّة، وإنما المعتبر في ذلك هو كونه زينة من عدمه؛ فما كان بقصد الزينة مُنِع، وما كان بخلافه فلا يُمنع، والضابط في هذا هو العرف.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الثياب الزينة اللون الاسود الموت صلى الله علیه وآله وسلم اللون الأسود رضی الله على الم الم ح د قال ال
إقرأ أيضاً:
دعاء بعد الظهر لقضاء الحاجة وتيسير الأمور.. احرص عليه الآن
دعاء قضاء الحاجة وتيسير الأمور بعد صلاة الظهر يُعتبر من الأمور التي يلجأ إليها المسلم في أوقات الضيق والاحتياج، وهو يعكس يقينه الكامل بأن الله سبحانه وتعالى هو القادر على تغيير الأحوال وتيسير الأمور مهما بلغت صعوبتها.
والدعاء هو أحد أهم وسائل التقرب إلى الله، حيث يبث المسلم شكواه وهمومه إلى ربه، مع طلب العون والتوفيق في أموره الدنيوية والأخروية.
وقت الظهر هو أحد الأوقات التي يُستحب فيها الدعاء، وخاصة بعد أداء الصلاة المكتوبة، حيث يكون المسلم في حالة طهارة وخشوع، مما يجعله أكثر قرباً من الله، ويُقال إن الدعاء في هذه الأوقات يحمل فرصة كبيرة للإجابة، لأن الصلاة تُعد صلة مباشرة بين العبد وربه، والدعاء جزء من تلك الصلة المباركة.
أدعية بعد صلاة الظهر لقضاء الحاجة وتيسير الأمور
"اللهم إني أتوجه إليك بحمدك وفضلك وعظيم رحمتك أن تقضي حاجتي وتيسر لي أمري، اللهم افتح لي أبواب الخير من حيث لا أحتسب، واغنني بفضلك عن سؤال غيرك.
اللهم اجعل لي من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً، وبارك لي فيما أعطيتني ووفقني لكل ما تحبه وترضاه."
ومن الدعاء المعروف أيضاً دعاء قضاء الحاجة، وهو:
"لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين."
كيفية الدعاء بعد صلاة الظهر لقضاء الحاجة:
النية الصادقة: يجب أن تكون النية خالصة لله، مع الإيمان الكامل بأن الله وحده هو القادر على قضاء الحاجات وتيسير الأمور.الوضوء والطهارة: من الأفضل أن يكون المسلم على وضوء وطهارة كاملة، فقد ورد أن الطهارة تزيد من قبول الدعاء.أداء ركعتين بنية قضاء الحاجة: يستحب أن يصلي المسلم ركعتين ويسأل الله بعدهما حاجته. ويُفضل قراءة الفاتحة وسورة قصيرة في كل ركعة، ثم الدعاء بما يشاء من الأدعية.الإلحاح في الدعاء: لا ينبغي أن يملّ المسلم من التكرار والإلحاح في دعائه، بل يكرر طلبه ويستمر في الدعاء بخشوع وخضوع.اليقين بالإجابة: من المهم أن يدعو المسلم وهو على يقين تام بأن الله سيستجيب له في الوقت المناسب وبالطريقة التي يراها الأنسب له.أهمية الدعاء في حياة المسلم:
الدعاء ليس مجرد كلمات يقولها المسلم بل هو عبادة عظيمة تُظهر حاجته إلى الله، وتُعبر عن ضعفه وعجزه أمام قدرة الله المطلقة.
الدعاء يفتح أبواب الأمل، ويُشعر المسلم بأن الله قريب منه، يسمعه ويعلم حاجته حتى وإن لم ينطق بها. ولعل من أهم فوائد الدعاء أنه يمنح المسلم راحة نفسية كبيرة، حيث يشعر بأنه قد ألقى حمله وثقله على الله، وترك الأمور لتدبيره وحكمته.
لذلك، فإن الدعاء بعد صلاة الظهر أو في أي وقت آخر هو وسيلة قوية لتحقيق الأمنيات وتفريج الكربات. ومع الصبر والثقة بالله، يفتح الله أبواب الفرج ويوسع للمسلم في رزقه وييسر له ما استعصى عليه.