لا تزال العلاقات التركية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تأخذ منحى تصاعديا منذ بدء العدوان الوحشي على قطاع غزة، بدءا من تصريحات التنديد بالجرائم الإسرائيلية، مرورا بحديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مغبة تحويل "ما يجري في غزة إلى قضية بين الصليب والهلال" وانتهاء بإعلان أنقرة استدعاء سفيرها في "تل أبيب" للتشاور.



وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفع في حدة انتقاداته لدولة الاحتلال الأسبوع الماضي بعدما رفض وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس بأنها "إرهابية"، معلنا أن بلاده "لن تكتفي بلعن المجازر التي تحدث في قطاع غزة".

والسبت، أعلنت وزارة الخارجية التركية استدعاء سفيرها لدى الاحتلال شاكر أوزكان تورونلار للتشاور، "في ضوء المأساة الإنسانية التي تتكشف في غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة ضد المدنيين ورفض إسرائيل وقف إطلاق النار".

جاء ذلك بعد هجوم لاذع شنه أردوغان ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال عودته على متن الطائرة من كازاخستان، مشددا على أن الأخير هو المسؤول الأول عما يجري في قطاع غزة، وأنه شخص لم يعد في إمكان تركيا التعامل معه.

وقال أردوغان إن "نتنياهو لم يعد شخصا يمكننا التحدث معه بأي شكل من الأشكال. لقد محوناه وألقيناه جانبا"، وأضاف أن الأخير "شخص يثير غضب الشعب الإسرائيلي أيضا، وقد فقد دعم مواطنيه ويسعى لحشد دعم للمجازر عبر استخدام تعبيرات دينية".


ورغم انتقادات أردوغان اللاذعة وتنديده بجرائم الاحتلال، إضافة إلى استدعاء السفير لدى دولة الاحتلال التي سحبت بعثتها الدبلوماسية من أنقرة قبل أيام، إلا أن الرئيس التركي شدد على عدم توجه بلاده نحو قطع العلاقات بشكل كامل، ما يفتح التساؤلات حول دلالات الموقف التركي ومضامينه، وما إذا كان سيواصل أخذ منحى متصاعد في ظل تصاعد وتيرة جرائم الاحتلال في غزة.

"من القول إلى العمل"
الباحث في العلاقات الدولية، جاهد طوز، رأى أن تركيا وضعت استراتيجية واضحة منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي، تهدف إلى وضع قصارى جهدها لضمان عدم اتساع رقعة الصراع بشتى الوسائل الدبلوماسية، لأنها ترى أن المنطقة ذاهبة إلى خيارين لا ثالث لهما، وهما إما سلام كبير أو حرب كبيرة، بحسب تعبيره.

وقال في حديثه لـ"عربي21"، إن تركيا اتبعت كافة الوسائل الدبلوماسية في سبيل الوصول إلى وقف إطلاق النار والحد من الجرائم الإسرائيلية في غزة، إلا أن الموقف الغربي الداعم لـ "تل أبيب" أدى إلى تأزم الوضع عبر السماح لحكومة نتنياهو بتصعيد حربها على المدنيين والأبرياء.

وأشار إلى أن استدعاء السفير التركي، أول خطوة ملموسة من تركيا منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وهي إشارة واضحة إلى تحول الموقف التركي من القول إلى العمل وانتقاله إلى مرحلة ثانية، موضحا أنها رسالة مباشرة أيضا إلى الولايات المتحدة التي يعتزم وزير خارجيتها أنتوني بلينكن زيارة تركيا الأحد في إطار جولته في المنطقة.

وفي السياق ذاته، رأى طوز أن تركيا مقبلة في الأيام القادمة على اتخاذ خطوات متقدمة أكثر إزاء العدوان المتواصل في ظل الغضب الشعبي المتصاعد بسبب المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، والدعوات التي أطلقتها المعارضة لتشكيل قوة حفظ سلام لإرسالها إلى غزة فضلا عن الضغط لصالح فتح معبر رفح وإيصال كافة المساعدات إلى أهالي غزة.

وحول تصريحات أردوغان بشأن رئيس وزراء الاحتلال، ذكر طوز أن نتنياهو احترق بالنسبة لصانع القرار التركي ولم يعد في موقع يؤهله لترؤس أي مفاوضات مع تركيا لا سيما أنه ينظر إليه على أنه المسؤول الأول عما يجري الآن في المنطقة وسط تراجع شعبيته في الأوساط الإسرائيلية.


"رسالة إلى إسرائيل وأمريكا"
في المقابل، رأى الباحث في العلاقات الدولية والشأن التركي مهند أوغلو، أن التوترات في العلاقات التركية مع الاحتلال مؤقتة ومرحلية طرأت بسبب العدوان على قطاع غزة.

وأشار في حديثه لـ "عربي21"، إلى أن رفض أردوغان لفكرة قطع العلاقات بشكل كامل يدل على أن تركيا تريد أن تتقدم خطوتين وتتراجع خطوة، إذ لا تريد قطع العلاقات بالمطلق مع "إسرائيل" لأنها لم تفتأ ببداية جديدة في العلاقات ما بين الدولتين بعد قطيعة لأكثر من عقد من الزمن.

ونوه أوغلو إلى أن الرئيس أردوغان، يدرك أن نتنياهو ومستقبله في الداخل الإسرائيلي عمليا قد انتهى في ظل تراجع شعبيته والملفات التي تلاحقه، لذلك فإن العلاقات مع نتنياهو مقطوعة وسوف تبقى مقطوعة ولن يكون لها آفاق مع الرئيس أردوغان.

وتابع مشددا على أن احتراق نتنياهو لا يعني احتراق العلاقات التركية مع "إسرائيل" فهي مستمرة، ولكنها الآن معلقة مرحليا بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.


وشدد أوغلو على أن القرار التركي بسحب السفير من دولة الاحتلال يحمل رسائل مبطنة، حيث تزامن مع انعقاد اجتماع وزراء خارجية خمس دول عربية في الأردن مع نظيرهم الأمريكي، وهو ما اعتبره أوغلو خطوة قوية أكدت استياء أنقرة وصعدت من خطابها تجاه "إسرائيل"، كما بعثت في الوقت ذاته رسالة واضحة إلى بلينكن مفادها أن الموقف التركي الرافض للجرائم الإسرائيلية والعدوان المتواصل جاد ومتسق مع المواقف الإقليمية.

"حذر تركي"
من جانبه، قال الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، إنه رغم الموقف السياسي القوي للرئيس أردوغان ضد إسرائيل؛ إلا أن أنقرة لا تزال تُبدي حذرا شديدا في خطواتها لتجنب انهيار دبلوماسي جديد مع تل أبيب ولضمان دور نشط لها في الدبلوماسية الإقليمية لتهدئة حدة الصراع، فضلا عن رغبة تركيا في لعب دور نشط في الترتيبات المستقبلية لقطاع غزة بعد الحرب. 

وأضاف خلال حديثه لـ"عربي21" أنه من غير المتصور بأي حال أن تستعيد العلاقات التركية الإسرائيلية طبيعتها في ظل استمرار نتنياهو في السلطة، حيث تدرك أنقرة أن نتنياهو انتهى سياسيا ولن يستطيع البقاء بعد الحرب. لذلك، فإن تجنب التواصل معه لن يؤثر بشكل جوهري على مستقبل العلاقات.  

ورأى علوش أن الخطوة التركية الأخيرة قد تتطور إلى خطوات دبلوماسية أخرى في المستقبل مع تواصل "الحرب الإسرائيلية" على قطاع غزة، موضحا أنه في الوقت ذاته تسعى تركيا لتجنب الوصول إلى وضع يؤدي إلى انهيار جديد في العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

وأشار إلى أن أنقرة تحاول الاستفادة من تجارب العقد الماضي من الاضطرابات الكبيرة مع تل أبيب لأنها قوضت قدرة تركيا على لعب دور نشط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فضلا عن أنها ساهمت في تأزيم العلاقات التركية الإسرائيلية وعلاقات أنقرة بالغرب لا سيما الولايات المتحدة.




المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الاحتلال الإسرائيلي غزة أردوغان حماس تركيا الفلسطينيين تركيا فلسطين حماس أردوغان غزة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات الترکیة على قطاع غزة فی العلاقات تل أبیب إلى أن على أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

سفير تونس بالقاهرة: العلاقات السياسية مع مصر في أبهى صورها

قال سفير تونس بالقاهرة ومندوبها الدائم بالجامعة العربية محمد بن يوسف، إن التاريخ حافل بالعلاقات المتميزة بين تونس ومصر، وحتى في بعض الفترات التي شهدت حدوث بعض الاختلافات في التوجهات السياسية لم تنقطع العلاقات أبدًا.

وأضاف السفير خلال استضافته في حوار مفتوح للجنة العلاقات الخارجية برئاسة حسين الزناتي بعنوان "مصر وتونس.. تحديات وطموحات مشتركة" ان العلاقات الحالية بين البلدين في أبهى صورها، والتي تجلت في زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد لمصر في أبريل ٢٠٢١ التي كانت زيارة تاريخية في فترة ما لم تكن العلاقات في المستوى الذي تشهده اليوم، وحدثت نقلة نوعية على مستوى العلاقات ونشأت كيمياء كبيرة بين القيادتين في البلدين، وكان انعكاسها إيجابيا على العلاقات الثقافية والفنية، وتلاها في 2022 عقد اللجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي وزراء البلدين في تونس. 

كما أشار إلى أنه عقدت في سبتمبر الماضي لجنة تشاور سياسي، وأنه يجري الإعداد حاليا لزيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى تونس. 

وذكر أن هناك تشابهًت كبيرًا بين مصر وتونس على مستوى الثقافة والانفتاح والاهتمام بالتعليم، وعشق الفن والتراث؛ فكانت ولاية المهدية التونسية مهدًا لأول دولة شيعية في تاريخ الإسلام، وهي مسقط رأس المعز لدين الله الفاطمي اول الخلفاء الفاطميين في مصر، وانشئ جامع الزيتونة على غرار الجامع الأزهر العريق وشارع الحبيب بورقيبة هو المعادل لميدان التحرير.

وأضاف: "كنا اول دولة اندلعت منها شرارة الربيع العربي ورحل الرئيس بن علي عن تونس 
يوم 14 يناير 2011، ويوم 15 كان لدينا رئيس مؤقت استنادا إلى الدستور. وبفضل وعي ونضج الشعب التونسي وارتفاع نسبة التعليم لم تحدث لدينا خسائر كبيرة أو أعمال عنف وتوترات".

وتابع/ "لا يمر شهر أو شهرين إلا ويشهد علاقات على مستوى القمة أو اتصالات هاتفية، وخلال اللقاءات على المستوى العربي والدولي وتحدث دائما لقاءات بين رئيسي البلدين، وفي السادس من أكتوبر شهدنا انتخابات رئاسية في تونس وتلقينا التهاني وكانت تهنئة مصر خاصة ولم تكن مجرد رسالة تهنئة لكن اتصال من الرئيس السيسي بالرئيس قيس سعيد". 

وعن مسيرة تونس الديمقراطية بعد عام 2011؛ 
قال "عشنا أوضاعا متشابهة مع ما مرت به مصر بعد 2011، فقد كانت هناك محاولة لأخذ البلدين نحو اوضاع لا يعرفها النسيج الاجتماعي فيهما في مجتمعين منفتحين وغير منغلقين ويؤمنان بالدولة وعشنا عشر سنوات اضطرابات عديدة بسبب طبقة سياسية لم تنجح في أخذ البلاد نحو التقدم وتجسيد طموحات المجتمع الذي قام بثورة وينتظر ان تتغير الأمور.  

وتابع “ما حدث ان الأوضاع ساءت ونشأ حنين لما قبل عام 2010 والتي ثار عليها الناس، فالرئيس قيس سعيد انتخب عام 2019، لكن بعد الرئيس بن علي كنا قد انتقلنا من نظام رئاسي طبق منذ عام 59 إلى نظام برلماني مختلط ويقترب اكثر من الديمقراطية، لكنه لم يكن هينا مع التعود من قبل على النظام الرئاسي والذي كنا نعيشه في 2010، وأصبحنا وفقًا للدستور الجديد ننقسم بين ثلاث سلطات مجلس نواب يشكل الحكومة ورئيس جمهورية لديه بعض الصلاحيات، ورئيس للحكومة يعينه رئيس الجمهورية ولديه كل السلطة التنفيذية وتقسمت السلطة لوضع غريب وكانت هناك اصوات عديدة بأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر”.

واستطرد بقوله “في 25 يوليو 2021 جمد الرئيس قيس سعيد مجلس النواب، حيث كانت هناك أوضاعًا مزرية وصلت للعراك ولم تكن مقبولة للمجتمع التونسي وسار في مسار ديمقراطية تونسية تكرس الحقوق والحريات للجميع وتستجيب لطموحات الشعب التونسي، وتقوم مسيرة الإصلاح هذه على تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، فكانت العشرية التي مضت تشهد عدم تطبيق القانون على الجميع سواسية، وتعزز المسار الإصلاحي بتنظيم انتخابات تشريعية أسفرت عن انتخاب مجلس نواب جديد وانتخابات للمجالس المحلية وتنفيذ المجلس الوطني للجهات والأقاليم، والذين ناقشا الميزانية."  

وأسفرت الانتخابات في اكتوبر الماضي عن انتخاب الرئيس قيس سعيد لفترة جديدة مدتها خمس سنوات باغلبية 69% بمشاركة 2.8 مليون تونسي، والشعار الذي رفعه الرئيس لفترته الجديدة محاربة الفساد.

مقالات مشابهة

  • تركيا تؤيد مذكرة الاعتقال بحق نتياهو وغالانت
  • تركيا تتحدى اللوبي الصهيوني
  • الرئيس التركي يشيد بقرار الجنائية الدولية بحق قادة إسرائيليين
  • تركيا تنشئ قاعدة فضائية في الصومال
  • أردوغان: نمضي بخطى ثابتة نحو استقلال تركيا في قطاع الطاقة
  • سفير بريطاني سابق يدعو بلاده لتخفيف تحذير السفر إلى ليبيا
  • أردوغان يشدد على سعي بلاده لتحقيق الاستقلالية التامة في قطاع الطاقة
  • سفير ليبيا بموزمبيق يؤكد التزام بلاده بدعم التنمية الاقتصادية والزراعية
  • سفير تونس بالقاهرة: العلاقات السياسية مع مصر في أبهى صورها
  • وزير الخارجية يستقبل سفير دولة الكويت