رغم التضييق والترهيب الصهيونى الذى يعيشه ذووهم فى قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أن الطلاب الفلسطينيين يتمسّكون بالأمل رغم الألم، ويحقّقون نجاحاً باهراً فى دراستهم بجامعات مصر، آملين أن تتحقّق أمنياتهم بالعودة إلى الوطن بعد الانتهاء من دراستهم، يخدمون أهاليهم الذين ينفقون كل ما لديهم من أجل تفوقهم، لكنهم يعيشون حياة صعبة قاسية خالية من الأمان الذى فقدوه مع كل نبأ استشهاد أحد من أقاربهم.

الطلاب الفلسطينيون الدارسون فى الجامعات المصرية قصّوا لـ«الوطن» معاناتهم فى ظل غياب أهلهم وانقطاع وسائل التواصل عنهم، وتوقف الحياة بسبب عدم إرسال المصروفات الشخصية والدراسية لهم، لكن دعم أصدقائهم المصريين كان دافعاً لاستمرارهم وتفوقهم.

«شعت»: تلقيت دعما كبيرا من زملائي المصريين

وقال أحمد شعت، الطالب بكلية طب كفر الشيخ: «جئت من قطاع غزة إلى مصر فى بداية العام الدراسى قبل بدء الحرب بفترة قصيرة، لأدرس وأتفوق وأعود إلى بلدى حاملاً بكالوريوس الطب، لأعالج أهلى الذين شوهت أجسادهم يد الاحتلال، لكننى أعيش ظروفاً صعبة وقاسية بعدما اندلعت الحرب».

وأكد «شعت» أن دعم زملائه المصريين كان فارقاً بالنسبة له، لأنه طالب مستجد فى الفرقة الأولى ولا يزال يتأقلم على الحياة فى مصر: «لسه جاى جديد، وباحاول أتأقلم على الحياة هنا، لكن لقيت دعم كبير من زمايلى المصريين الطيبين، فضلاً عن الدعم النفسى من الجامعة، خاصة بعد الحرب ما قامت، كتير من زملائنا فقد أهله فى الحرب الهوجاء، لكننا صامدون رغم الألم، واثقون فى مساندة مصر أم الدنيا لنا».

«راما»: دعموني ماديا

لم يكن حال الطالبة راما إيهاب، الطالبة بجامعة عين شمس، أحسن حالاً من آلاف الطلاب الدارسين فى مصر، فالفتاة التى جاءت قبل عامين إلى القاهرة للدراسة واستأجرت سكناً مع زملائها أصبحت تعانى من قلة الدعم المادى من ذويها بعدما حطمت قوات الاحتلال الإسرائيلى منزلهم فى قطاع غزة، لكن بعضاً من أفراد أسرتها نجوا من القصف الغاشم، وقالت: «أنا مؤمنة أنه من رحم المعاناة يولد الأمل، علشان كده ورغم معاناتنا ساكتين وصامدين، لكن تعبانين هون بنأجر سكن بأموال، وكل شىء يحتاج إلى مصروفات، وأهالينا كانوا مصدر وحيد لتلبية احتياجاتنا، لكن مع تهدم منزلنا ونزوح أهلى مابيوصلنى أى فلوس».

وأضافت «راما» أنها تلقت دعماً من إحدى الجمعيات الخيرية فى مصر لمساعدتها فى توفير المصروفات الشخصية وتوفير المواد الغذائية، مثمّنة دور مصر فى دعمهم. وتابعت: «بعد ما تقطعت بيّا السُّبل لقيت زميلة ليّا بتقول لى فيه جمعية بتساعد الطلاب، فتواصلت معاها وبصورة الهوية دعمونى مادياً وجابوا لى مواد غذائية، مصر بتقوم بدور كبير فى دعمنا، ومش حاسين إننا غرباء، إحنا فى بلدنا الثانى اللى واقف معانا وفى ضهرنا».

«حمد»: قلوبنا موجوعة والحرب أتت على الأخضر واليابس

وأكد محمد حمد، الطالب فى الفرقة الخامسة بكلية طب الزقازيق، أنه يعيش ظروفاً مادية صعبة بعد فقدان والده فى الحرب الدائرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلى ضد المدنيين العُزل فى خان يونس، لكن دعم الكلية له ولزملائه المصريين كان سبباً فى تحسّن حالته النفسية بشكل نسبى.

وتابع: «كل كلمات الدنيا ما بتعبر عن الألم اللى جوانا، كيف لشخص مثلى فقد أباه وسنده أن يعيش حياة من دون قلق؟، قلوبنا موجوعة، ما كنا نتوقع أن تأتى الحرب على الأخضر واليابس، أهلى نزحوا من غزة إلى خان يونس، لكن الاحتلال قصف مكان إقامتهم واستُشهد والدى وأصيبت والدتى».

وأضاف أنه تلقى دعماً من عميد كلية طب الزقازيق الدكتور أحمد العنانى، وقرر تأجيل الامتحانات لهم، نظراً لظروفهم، لكنهم لا يزالون يواجهون ظروفاً مادية صعبة فى ظل توقف إرسال الأموال لهم، رغم دعم الطلاب المصريين. وواصل: «لما بتحس إنك ما ضل ليك مصدر أمان بتفقد الأمل فى كل شىء، ورغم مبادرة الكلية الطيبة لكن هتضل معاناتنا المادية والنفسية، أنا أهلى ما بقيوا يبعتوا فلوس، وعايشين على مساعدات زملائنا وأهل الخير بمصر».

«وائل»: شكراً لأم الدنيا على كل ما تفعله

وروى أحمد وائل، الطالب بكلية طب الأسنان جامعة الفيوم، معاناته بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، مؤكداً أنه لم يتمكن من التواصل مع أهله منذ 10 أيام. وقال: «الحياة الصعبة هى العامل المشترك بين كل الطلاب الفلسطينيين فى الجامعات المصرية، ورغم عدم تقصير مصر إلا أن الحالة النفسية بتؤثر كتير على حياتنا، ما عدنا نتواصل مع أهالينا ولا نعرف عنهم شىء، كمان كيف نضل نعتمد على المساعدات المصرية هون؟، بنتلقى دعم من إخواتنا وزملائنا لكن يظل شعور العجز مسيطراً علينا، وبنوجه الشكر لمصر على كل ما تفعله لنا».

وتعيش بتول قشطة، الطالبة فى كلية الصيدلة، حياة نفسية صعبة بعد استشهاد والديها وشقيقها فى الضفة الغربية، مؤكدة أنها أثّرت على دراستها بشكل كبير، وقالت: «نحن عايشين ومو عايشين، كل يوم بنسمع أخبار عن استشهاد أهالينا، سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية، ومطلوب منا الصمود والكفاح، لكن من وين ييجى الصمود؟، من وين ييجى الصبر وأهلى راحوا؟، من وين ييجى الاستقرار؟، ما فى أمان فى أى مكان وقلبى حزين على أهلى اللى راحو».

وأكدت أنها تستأجر سكناً مع صديقاتها من نفس بلدها، مما يكبدهن مصروفات كثيرة، فضلاً عن المصروفات الدراسية التى تدفعها بالدولار، لكن دعم الجامعة والطلاب هَون عليها، مضيفة: «مستأجرة سكن مع أصحابى وبندفع كتير، لكن مبادرة الجامعة بتأجيل دفع المصروفات كانت طيبة، وشعرنا أننا فى بلدنا الثانى، المصاب واحد والألم واحد، بيواسونا زمايلنا المصريين، وما بنحس بفرق بينا».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: طلاب فلسطين فلسطين غزة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

مبتورو الأطراف في غزة يتعلّقون بالأمل

غزة- قاربت الساعة الثالثة من فجر 16 مايو/أيار الماضي، حينما استيقظت إسراء الدلو من حالة الإغماء. كان الظلام دامسا، والغبار يملأ الأجواء، ولم تكن تشعر بجسدها، وكانت غير قادرة على تحريكه، فأدركت الفتاة البالغة من العمر 17 عاما أن الصاروخ الإسرائيلي الذي سقط على منزلها قذف بها عشرات الأمتار في الهواء، وألقى بها على قارعة الطريق، قبل أن تفقد وعيها مرة أخرى.

حينما استيقظت داخل سيارة إسعاف مجددا، سألت المُسعف على الفور "هل هناك شيء مبتور من جسمي؟"، لكنه فضل عدم الإجابة، وحتى الآن، لا تدري الفتاة الفلسطينية ما الذي دفعها لطرح هذا السؤال، لكن حدسها كان صحيحا، لأنها فقدت رجليها الاثنتين فعلا.

اسودّت الحياة في وجه إسراء التي تعيش في مدينة غزة شمال القطاع، وشعرت أن كل شيء قد انتهى، وأصبحت حياتها أكثر قسوة وصعوبة، فقد كان عليها أن تتأقلم مع العزلة في المنزل، وأن تتعلم الزحف على الأرض، وصعود الدرج على يديها ورجليها.

إسراء الدلو فقدت رِجليها جراء غارة إسرائيلية وعانت كثيرا على مدى عام كامل (الجزيرة)

ولم تجد الفتاة الشابة من يدفعها على الكرسي المتحرك، حيث إنها تعيش برفقة أمها الكبيرة في السن، في حين أُجبر والدها وأشقاؤها على النزوح لجنوبي القطاع.

ووسط الآلام والخوف، وضعف العلاج، واستمرار الحرب بمآسيها التي لا تنتهي، تسلل خبر سار إلى حياة إسراء التي يملؤها العدم، لم تتخيل إمكانية حدوثه إبان الحرب، فلقد علِمت أن مركز الأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة قد عاد للعمل، بتمويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي نجحت في إدخال المواد الخام لتشغيله، فتوجهت الفتاة للمركز، وبدأت في عملية التأهيل لتركيب طرفين صناعيين.

شمالي: تركيب الطرف سيعيدني إلى الحياة وسأقدر على حمل طفلتي كأي أب (الجزيرة) بصيص أمل

داخل مركز الأطراف الصناعية الذي تديره بلدية غزة، تنبعث أصوات الأجهزة الطبية، مختلطة بأنفاس المرضى المُثقلين بذكريات مُفجعة تسببت بتغيير حياتهم إلى الأبد. ويبدأ المصابون المبتورة أطرافهم رحلة استعادة الحركة والحياة، من خلال تمارين علاج طبيعي، وتدريب قد يستغرق فترة 3 شهور، لتكييف أجسادهم مع الوافد الجديد.

إعلان

فهذا أمير شمالي، الشاب البالغ من العمر 26 عاما، لا يقدر على نسيان بقائه يوما كاملا ملقى على الأرض في مستشفى الشفاء، لعدم وجود طاقم طبي يقدم له العلاج، بينما جُرحا رجله وبطنه ينزفان، حتى شارف على الوفاة، لولا نقله لمركز صحي آخر، وإمداده بـ10 وحدات دم كاملة، وبتر رجله المُصابة.

لم يكن هذا حال أمير فقط، فقد كان العشرات من الجرحى مرميّين على الأسرة وطرقات المستشفى، ينزفون دون وجود طواقم طبية تعالجهم، بعد أن أجبرها الاحتلال آنذاك على مغادرة المستشفى.

ولم يفقد أمير رجله من قذيفة إسرائيلية، بل بنيران قناص كان يهدف إلى قتله، وكان هذا في شهر نوفمبر/تشرين الأول 2023. وبعد انسحاب الدبابات خاطر إخوته بأنفسهم ونقلوه إلى المستشفى على عربة فقدت الدابّة التي تجرها، وهم يتوقعون الموت في كل لحظة برصاص القناصة والطائرات المُسيرة.

ومنذ أكثر من عام، يعاني أمير الويلات جراء إصابته، وعجزه عن تلبية احتياجات أسرته، والحصول على قوت يومه، وصعوبة الهرب من الاجتياحات الإسرائيلية المفاجئة. ويمثل الطرف الصناعي، بالنسبة لأمير "ماء الحياة" الذي سيمكنه من الصمود في قادم أيامه، وعلى الأقل سيساعده على حمل طفلته والسير بها.

الطفلة سيلا هي الناجية الوحيدة من أسرتها وتحاول التدرب على تركيب طرف صناعي بعد بتر رجلها (الجزيرة) "سبقوني للجنة"

لا تذكر الطفلة سيلا أبو عقلين البالغة من العمر 5 سنوات، من مأساتها سوى أنها كانت نائمة مع شقيقاتها، صِبا وفرح ولِيلِي، في غرفتهن، بينما كان والداهم في غرفة أخرى، قبل أن يتعرض منزلهم للقصف في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو ما أسفر عن استشهاد جميع أفراد أسرتها، وبقيت هي وحيدة.

استيقظت سيلا لتجد نفسها بين الركام، بدون رجل، حيث بُترت من أعلى الفخذ، ووجد أقاربها الذين احتضنوها بعد رحيل أسرتها صعوبة بالغة في التعامل معها، حيث كانت طوال الوقت تنادي على أمها وأبيها وشقيقاتها الثلاث.

إعلان

بعد عدة شهور، بدأت سيلا في التأقلم مع فقدان الأسرة، وحينما تُسأل عنهم تُجيب "بابا وماما ماتوا، وصِبا وفرح ولِيلِي ماتوا، هم الآن في الجنة، ورِجلي في الجنة".

وتبدو سيلا سعيدة اليوم داخل المركز، وهي تتدرب على استخدام الطرف الصناعي داخل ممشى مكون من جسرين معدنيين، على أمل أن يساعدها على استئناف طفولتها المتعطلة.

من الصعوبات التي تواجه المركز عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولد الكهرباء الذي يغذي الآلات (الجزيرة) الآلاف ينتظرون

تأسس مركز الأطراف الصناعية ببلدية غزة شمال القطاع عام 1975، لمساعدة ضحايا الجرائم الإسرائيلية، لكنه توقف عن العمل مع بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ونظرا للحاجة الماسة له في ظل الأعداد الكبيرة من الجرحى المبتورة أقدامهم، استأنف عمله بشكل جزئي في 22 يوليو/تموز الماضي، بتمويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ثم توسع العمل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب نيفين الغصين، القائمة بإدارة أعمال رئيس المركز.

وبحسب الغصين، تسلم 7 جرحى أطرافهم الصناعية بشكل فعلي، بينهم 5 أطفال، كما ينتظر 13 آخرون دورهم بعد انتهاء عملية التأهيل، بينما يواجه المركز صعوبات جراء عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولد الكهرباء الذي يغذي آلاته.

مهنا: سجّل في برنامج الدعم نحو 5 آلاف جريح بغرض توفير أطراف صناعية لهم (الجزيرة)

ورغم الدور المهم الذي يلعبه المركز، فإن خدماته تبقى محدودة في ظل عدم قدرة الجرحى في جنوبي قطاع غزة-حيث الغالبية العظمى من السكان- على الوصول إليه.

ولا توجد معلومات دقيقة عن أعداد الأشخاص الذين بُترت أطرافهم خلال الحرب، لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 5 إلى 6 آلاف شخص، بحسب الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا.

ويضيف أن الصليب الأحمر أطلق برنامجا لمساعدة هذه الفئة، سجّل فيه نحو 5 آلاف جريح بغرض توفير أطراف صناعية لهم، موضحا أن تنفيذ البرنامج لا يخلو من تحديات، أهمها قلة الدعم الإنساني الذي يسمح الاحتلال بإدخاله لقطاع غزة، بما فيه الأجهزة المساعدة والأدوات اللازمة لتجهيز وتركيب الأطراف الصناعية، بالإضافة إلى صعوبة التنقل بين محافظات القطاع.

مقالات مشابهة

  • خطة عمل جمعية رجال الأعمال المصريين لتنمية العلاقات الاقتصادية المصرية الخليجية
  • «التعليم العالي».. الجامعات المصرية تُحلِّق في التصنيفات العالمية
  • اقرأ في عدد «الوطن» غدا.. السيسي: رفع مستوى الطلاب والمعلمين للارتقاء بالتعليم
  • كاتبة صحفية: ارتفاع تصنيف الجامعات المصرية بفضل جهود الدولة للارتقاء بالتعليم
  • السفير صالح موطلو شن: قصر المنيل أهم وأجمل رموز التاريخ المشترك  بين تركيا ومصر
  • مدرسة «STEM قنا» نموذجًا للتعليم النوعي الهادف.. و6 مطالب لأولياء الأمور بشأن تنسيق الجامعات
  • مبتورو الأطراف في غزة يتعلّقون بالأمل
  • مجدي أبوزيد يكتب: التحول الرقمي بالجامعات المصرية والرؤية المستقبلية
  • الوزير يحاول مكافحة الغش وتقليص اللجان.. خبراء يعددون عيوب إجراء امتحانات الثانوية العامة داخل الجامعات
  • برامج دراسية جديدة تواكب سوق العمل العالمي.. إنجازات الجامعات الأهلية في 2024