«وامعتصماه».. صرخة مدوية باتت الأشهر فى التاريخ، ورمزاً للشهامة والمروءة وتلبية لنصرة الضعيف.. تلك الصرخة التى أطلقتها امرأة مسلمة تعرضت للسجن والظلم والتنكيل، وكانت سبباً فى هدم أسوار أعظم مدائن الروم، وبسببها تحركت جيوش المسلمين لفتح «عمورية».
والحكاية التى تتناقلها الأجيال بفخر حدثت بعد موت الخليفة المأمون وتولى الخليفة المعتصم أميرا للمؤمنين والذى يعد الابن الثالث للخليفة الرشيد، حيث استصرخته سيدة عربية مسلمة ببلاد الروم أسرت فى الحرب على بعد آلاف الأميال لرفع الأسر عنها، ولما بلغته تلك الاستغاثة قال لبيك، وأرسل رسالة إلى أمير عمورية قائلا له «من أمير المؤمنين إلى كلب الروم: أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندى»، ونظراً لتعنت الأمير الرومى خرج المعتصم بجيش لم يشهد المسلمين قوامه من قبل وفتح عمورية وأخرج المرأة من السجن وقال لها هل أخرجك المعتصم؟ قالت نعم».
الرواية التى يعتبرها البعض أسطورية ويحفظها ويرددها خطباء المساجد والعامة عن ظهر قلب تعبر عن قوة الدولة الإسلامية فى ذلك الزمان، ويتندر بها على ضعف المسلمين الآن.
ودارت الأيام، وكبرت الأمة واتسعت رقعتها وتكاثر عددها، والآلاف المؤلفة قاربت المليارين حول العالم يملكون المال والعدة والعتاد، أما حالهم فقد أشار إليه الرسول الكريم قبل 1445 عاما من الآن قائلا: «توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».
الحقيقة أن حديث الرسول الكريم يصف بدقة حالنا كمسلمين الآن حول العالم وما آلت إليه أمورنا ونحن غير متفقين على رأى ولا تحكمنا مصالح أو خطوط حمراء تجاه قضايانا ومصالحنا وأولوياتنا كعرب ومسلمين.. ما يحدث فى فلسطين الآن من مجازر ومذابح يجسد هذه الحقيقة المُرة، فالعرب والمسلمون باتوا ثلاثة أصناف، أولهم -ويتزعم هذا الفريق مصر- أصحاب موقف ثابت لا يتغير ولا يتبدل، لا لتصفية القضية ولا للتهجير ولا للنزوح والحل الأمثل فى إقامة الدولتين، وتتحكم هذه الفئة فى ضبط النفس لتجنب المنطقة انفجاراً لا تحمد عقباه.
الصنف الثانى أشقاء يتجاهلون ما يحدث فى غزة من عمليات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ويصفّون حسابات مع المقاومة، ويلقون عليها اللوم فى أنها فكرت فى إزاحة المعتدى الجاثم فوق أرضها وأنفاسها منذ 76 عاما.
والصنف الثالث يتعامل على مبدأ «جحا» فى أن المعارك ما دامت بعيدة عنه فلا تهمه ولا تخصه ولا تعنيه، لأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، المهم علاقته وشعبه وجيرانه مع اليهودى المحتل ويرون الوطن البديل حلا أمثل، والأكثر أهمية أن يكون بعيدا عن أراضيهم.
باختصار.. صرخة امرأة عمورية أشعلت الغضب فى قلب حاكم وحركت جيشاً حررها من سجنها وفتح بلاداً جديدة، والآن صرخات آلاف الأخوات المسلمات ودماء آلاف الشهداء من الرجال والشيوخ والأطفال تثير الغضب اللحظى وتستمر الحياة.
المرأة العمورية نقل صرختها سجين فارّ من السجن إلى المعتصم، وآلاف الإخوة الأشقاء يذبحون ويقتلون ويستشهدون فى غزة وتتطاير رقابهم وترتقى أرواحهم إلى السماء على شاشات التلفزيون يوميا ليراها العالم بأم عينيه دون أن يحرك ساكنا ويتعاملون مع المأساة على طريقة «فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ»، وزادت المأساة تعقيدا وتزايدت أعداد الشهداء خلال 28 يوما وسط نار جهنم لتكشف الحصيلة المأساوية عن 9500 شهيد تقريبا، بواقع شهيد كل 3 دقائق ولا عزاء للمسلمين والعرب وأصحاب النخوة والشهامة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار وامعتصماه صرخة مدوية
إقرأ أيضاً:
«شاكر عبد الحميد».. حكاية إبداع في ذاكرة مؤتمر أدباء مصر
في حلقة جديدة من سلسلة "ذاكرة مؤتمر أدباء مصر"، نستعيد ذكرى الدورة الحادية والثلاثين التي أقيمت في محافظة المنيا عام 2016، والتي حملت عنواناً لافتاً "ثقافة الهامش والمسكوت عنه في الثقافة المصرية"، ترأس هذه الدورة الدكتور شاكر عبد الحميد، الشخصية الأكاديمية والأدبية البارزة التي تركت بصمة واضحة على المشهد الثقافي المصري.
المنيا تحتضن مؤتمر أدباء مصر للمرة الرابعةشهدت محافظة المنيا في عام 2016 استضافة مؤتمر أدباء مصر للمرة الرابعة في تاريخها، حيث استضافت الدورات السابقة في أعوام 1984 و 1995 و 2003. وقد كان اختيار موضوع الدورة في ذلك العام، "ثقافة الهامش والمسكوت عنه"، مؤشراً على اهتمام المؤتمر بقضايا المجتمع المصري المعقدة وتسليط الضوء على الأصوات الهامشية.
شاكر عبد الحميد.. شخصية متعددة الأوجهالدكتور شاكر عبد الحميد، الذي ترأس الدورة، كان شخصية أكاديمية وكاتباً موسوعياً ووزيراً للثقافة سابقاً، اشتهر بأعماله الأدبية والنفسية التي تناولت قضايا الإبداع والوعي، وحصل على العديد من الجوائز والتقديرات، من بينها جائزة شومان للعلماء العرب وجائزة الدولة المصرية للتفوق في العلوم الاجتماعية وجائزة الشيخ زايد للكتاب.
مسيرة علمية حافلةولد الدكتور شاكر عبد الحميد في محافظة أسيوط وتخصص في علم النفس بجامعة القاهرة. حصل على درجة الدكتوراه في علم نفس الإبداع، وتولى العديد من المناصب الأكاديمية والإدارية، منها عمادة المعهد العالي للنقد الفني وعمادة المعهد العالي للفنون الشعبية. كما شغل منصب وزير الثقافة في الفترة من 2011 إلى 2012.
إرث أدبي غنيترك الدكتور شاكر عبد الحميد إرثاً أدبياً غنياً شمل العديد من الكتب والمقالات والدراسات في مجالات الأدب والنفس والفن. من أبرز مؤلفاته "العملية الإبداعية في التصوير"، "الأدب والجنون"، "علم نفس الإبداع"، و"الحلم والرمز والأسطورة". كما قام بترجمة العديد من الكتب الهامة في مجال علم النفس والإبداع.
رحيل قامة فكريةتوفي الدكتور شاكر عبد الحميد في 18 مارس 2021، تاركاً فراغاً كبيراً في المشهد الثقافي المصري. وستظل مساهماته العلمية والأدبية حاضرة في ذاكرة الأجيال القادمة.
تعتبر الدورة الحادية والثلاثين لمؤتمر أدباء مصر التي ترأسها الدكتور شاكر عبد الحميد علامة فارقة في تاريخ المؤتمر، حيث تناولت قضايا مهمة وشهدت مشاركة نخبة من المثقفين والأدباء. وستظل هذه الدورة شاهداً على مكانة الدكتور شاكر عبد الحميد في المشهد الثقافي المصري.