#الخنساء في #غزة
د. #بيتي_السقرات/ الجامعة الأردنية
تعلمنا في التاريخ عن الخنساء الشاعرة المخضرمة التي لم تدخر جهداً في تقديم أبنائها للتضحية والفداء في سبيل قضية آمنت بها وكرست كل ما عهدته من خبرات وعلوم وأدب لهذه القضية.
وعندما بلغها نبأ استشهاد أبنائها الأربعة قالت: الحمدلله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.
وفي أيامنا هذه نرى خنساوات غزة يقمن بما يعجز عنه رجال العالم ؛ من تقبلهن لاستشهاد أبنائهن وتوديع أولادهن للشهادة أو الأسر بدمع يمتزج فيه الفخر بالحزن الطفيف المصاحب لفطرة المرأة.
نساء غزة رفعن رأس أمة نامت عن نصرة اخوتهم والمرأة في غزة منذ ولادتها أبنة وأخت وأم تحمل قلبا حنونا على وطنها أكثر من أبنائها، فهي تهز المهد بيد وتنسج كفناً بيد.
مقالات ذات صلة رشيدة طليب تهدد بايدن 2023/11/04يا خنساء غزة، استمري واصبري و صابري واعلمي أننا نحتاج دعائك فنحن أهون من أن نعبر حدود مصطنعة حتى لنقبّل الأرض التي تحت رجليك، فهنالك الجنة الحقيقة التي كانت مقصودة بقول “الجنة تحت أقدام الأمهات”.
إن أقرب موقف تاريخيّ يشبه ما فعلنه خنساوات غزة هو ما فعلته ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما لولدها عبدالله بن الزبير حين رأته مصلوبا على الكعبة، واكتفت بالقول: “أما آن لهذا الفارس أن يترجل”.
الألم كبير ونحن هاهنا نتجرع مرارة الألم والعجز عن القدرة على تخفيف المصاب، فإن ضمائرنا وقلوبنا تتألم لما نراه من تقتيل واجتثاث لوجود أخوتنا على أرضهم وقصف المساجد والكنائس والمشافي والمدارس والبيوت، وعدم وجود شفاعة لا بطفل ولا امرأة ولا كبار سن.
آن لنا أن نتعلم من الغزيات الصابرات معنى الوطن وفداء الوطن وكيفية إعداد جيل وطني يجعل القادم أجمل حقيقة ورأي العين.
مصاب الأمة جلل ويجب أن نقف مع أهلنا وقفة تتجاوز اللغة الدبلوماسية وإحقاق العدل على الأرض وإيقاف المجازر وإعادة أصحاب الشرعية لوطنهم بعز منتصرين دون استجداء من أحد.
أمينة شؤون المرأة في الحزب الديمقراطي الاجتماعي
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
كبيرها في خفاء وجسارة!
جنان بنت أحمد العبرية
يتحرك في غياهب الظلام، في رحاب أعماق السكون الذي لا يُكتشف، ولا يُعثر عليه إلا بعد جهود شاقة لا تتوانى. يقود المقاومة ببصيرة نافذة حدّ الثقب، وحدس ثاقب يبصر ما وراء الحجب، متحديًا أعظم قوى الأرض بكل جسارة وعزم. هو مدعوم بعزيمة شعبه الصامد، وبأسه الذي لا يتوانى عن المواجهة مهما اشتدت الصعاب. يمضي بخطوات مدروسة كخطى المبدعين، لا يتأثر بضغوط المحيط ولا تزعزعه التهديدات مهما كانت، يخترق صفوف الخصوم بنفس لا تكل ولا تهدأ، وقلبه معبأ بإيمان جلي بسمو قضيته وصدق نزاهة شعبه الثابت.
هو الذي خبرته الساحات العريقة، واحتفظت به الذاكرة الجمعية للجيل تلو الجيل، مشبع بروح المقاومة الأصيلة التي لا تعرف التراجع، ولا يتوقف عن تحدي كل من تجرأ على الوقوف أمامه، مستنيرًا بإدراكه العميق لخفايا التكتيك العسكري وخبايا مكائد الحرب النفسية. يقود جيشه بكل حنكة وتدبير بين ألغام لا تُرى، ويبقى دومًا خطوة مُتقدمة أمام أعدائه. عند سماع اسمه، يخيم الصمت البليغ، وتتسارع نبضات كل من تجاسر على مواجهته بحذر. إنه شخصية غامضة وعميقة الوقع، تُثير الرهبة في القلوب، وتجسد قوة الإصرار والصلابة التي لا تعرف الهوادة.
يحيى السنوار ليس مجرد فرد عابر، بل هو ذهنية مُتقدة ونابضة بالإرادة، ويد تتقن فن الضرب بدقة حينما تحين الفرصة المواتية. تُسخر له الابتكارات المتجددة والعقول الخلاقة لخدمة مقاومته العنيدة، لكنه يعلم تمام العلم أنَّ جوهر اعتماده الأول والأخير هو على شعبه المتماسك الذي لا يعرف الخوف، وعلى عقيدته الراسخة التي لا تنحني أمام أي إغواء. إنِّه كتلة من الصمود، تمشي على الأرض، واثق الخطى، لا يُبالي بما وراء التحديات.
لا توجد قوة على هذه الأرض الشاسعة قادرة على تقويض عزيمته. هو متصل بإرادة عصية على الانكسار كإرادة الجبال، وإيمان ثابت لا يهتز بأنَّ النصر مُؤجل لا محالة، مهما طالت المدة أو ازدادت التحديات أمامه. ووراء كل تحرك له، يتبصر أن المعركة ليست مجرد مواجهة بالسلاح، بل هي صراع وجودي على البقاء والإرادة الحُرة. هو في طليعة تلك الإرادة القوية، يتحرك بخطى ثابتة وكأنما يحمل في قلبه عظمة التاريخ وتحدياته.
إن رحيله، إن كان قدرًا محتوماً، فإنه سيبقى خالدًا في قلوب الأحرار الوفيّة، وسيظل طيفه حيًا نطلب له الرحمة والمغفرة، ونسأل الله أن يجعله من أهل الفردوس الأعلى. وستبقى ذكرى نضاله حية لا تنطفئ، تضيء دروب المجاهدين، وتلهم الأجيال القادمة لمواصلة الدرب بثبات وعزيمة لا تعرف الفتور.
خذوا القضية من وجدان يحيى السنوار، هذا رجل القضية المستتر عن الأعين، والمعلوم في قلوب المقاومين، من يقود بحكمة ثاقبة وقوة عارمة نحو الفكاك والتحرر، مستعينًا بعقيدة لا تهزم وبتاريخ لا يُنسى. هو رمز خفي لكنه جلي في عقول كل من آمن بالقضية العادلة، رجل يقف شامخًا، ويقود بروح غير قابلة للانحناء.