أَتُعَدُّ خوارزمية الذكاء الاصطناعي متحيّزة وعنصرية؟ القضية الفلسطينية أنموذجًا
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
تابعت عددا من التقارير والمقاطع المرئية التي أظهرت ما يمكن أنْ يراه البعض تحيزا وعنصرية تمارسها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل «شات جي بي تي ChatGPT»؛ حيث تُظهر بعض التجارب التي عرضتها هذه التقارير تحيزا لأنظمة الذكاء الاصطناعي لصالح الكيان المحتل عبر سؤال عن أحقية الفلسطينيين في الحرية والدولة المستقلة، وفي المقابل سؤاله عن حق اليهود في الحرية والوطن المستقل، وكانت إجابات النموذج التوليدي «شات جي بي تي ChatGPT» كما يعرضها صاحب التجربة في المقطع المرئي منحازة بشكل صريح مع الكيان المحتل؛ إذ تُقرر بكل وضوح حق هذا الكيان ومستوطنيه نيل الحرية والوطن ذي السيادة المستقلة، بينما يعطي إجابة عامة للوضع الفلسطيني في أنها قضية معقّدة ولا يمكنه التغلغل في تشعباتها السياسية؛ وبالتالي يفهم البعض أن لمثل هذه النماذج الذكية رأيًا يوافق رأي المحتل أن لا حقوق للشعب الفلسطيني، ولا وجود لقضيته كما يوحي ذلك عبر أسلوب التهرّب من الإجابة الصريحة والموضوعية -إثبات حق شعب ما في نيل حريته وحقوقه وتأسيس دولته المستقلة-.
قبل الولوج إلى مَعرِض هذه القضية وما يُمكن تقديمه من آراء علمية من المهم أن أذكّر أنه سبق التحذير من مخاطر نماذج الذكاء الاصطناعي -بشكل عام- المتعلقة بالتحيّز والعنصرية -سبق ذكره في مقالات سابقة نشرتها في جريدة عُمان- الذي أُثبتَ حدوثه؛ فثمّة تقارير علمية منشورة أكدت وجود حالات تحيّز لصالح عرق أو ديانة على حساب عرق وديانة أخرى مثلما حدث وما يزال يحدث في أنظمة -تعمل بواسطة نماذج الذكاء الاصطناعي- مراقبة الأشخاص عبر تمييز السلوك الإجرامي من ملامح الوجه التي يُعمل بها في بعض الأماكن العامة والمطارات في بعض الدول التي رُصِدَ أنها تمارس تحيزا غير عادل؛ إذ من الشائع أن نماذج الذكاء الاصطناعي تقوم بالتركيز على من تشتبه خوارزمياتها بهم من أصحاب عرق ولون معيّن دون غيره من الأعراق والألوان، وفُسّرَ هذا أنه نتيجة تدرّب النموذج الذكي على بيانات وأنماط خاصة -مثل بيانات لجرائم حصلت في مجتمعات ذات عرقيّة ما ومجرمين من العرقيّة ذاتها- أسفرت عن ممارسة النموذج الذكي لمثل هذه السلوكيات المنحازة وذي الطابع العنصري.
قمت بتوجيه سؤال -باللغة الإنجليزية- لـ «شات جي بي تي ChatGPT» فحواه: «أيستحق الفلسطينيون دولة مستقلة؟» فكان جواب النموذج التوليدي -بعد ترجمة جوابه للغة العربية دون أيّ تعديل للنص الأصلي باللغة الإنجليزية-: «السؤال فيما إذا كان يستحق الشعب الفلسطيني دولة مستقلة هي مسألة تتعلق بالنقاش والمفاوضات الدولية؛ فالرغبة في وجود دولة فلسطينية مستقلة هي قضية رئيسة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. الحق في تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي، ونال نصيبه من الالتفات من قبل قرارات الأمم المتحدة المختلفة. تؤيد العديد من الدول والمنظمات الدولية فكرة الحل المتمثلة في وجود دولتين؛ حيث توجد إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة جنبًا إلى جنب، كل منهما بسيادتها وحقها في تقرير المصير. تخضع تفاصيل أيّ اتفاق سلام محتمل، وحدود دولة فلسطينية، وطبيعة سيادتها للمفاوضات بين الأطراف المعنية. في النهاية، سيعتمد حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على المفاوضات والدبلوماسية، وعلى إرادة الأطراف المشاركة في العثور على حل مقبول من جانبهم يحترم حقوق وطموحات كل من الإسرائيليين والفلسطينيين». عند توجيه هذا السؤال ذاته لشات «جي بي تي» لكن بوضع كلمة الإسرائيليين بدل الفلسطينيين وفقا لصيغة السؤال: «أيستحق الإسرائيليون دولة مستقلة؟»، كان جوابه: «نعم، الشعب الإسرائيلي لديه الحق في وجود دولة مستقلة، وتأسست دولة إسرائيل في عام 1948م، والتي نالت اعتراف الأمم المتحدة. كان تأسيس إسرائيل نتيجة للأحداث التاريخية والاتفاقات الدولية، وكان هناك رغبة في تحقيق تقرير المصير اليهودي بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست. اعترفت الأغلبية الساحقة من الدول والمنظمات الدولية بشرعية دولة إسرائيل، بما في ذلك الأمم المتحدة. مثل أي دولة ذات سيادة، يحق لإسرائيل الوجود وتحديد حكومتها وسياستها الخاصة، وحماية حقوق وأمان مواطنيها. من المهم أن نلحظ أن المناقشات المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني غالبًا ما تدور فيما يخص اعتراف إسرائيل بحقها في الوجود جنبًا إلى جنب مع حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم والحصول على دولة مستقلة. سعيًا نحو حل سلمي لهذا الصراع القائم منذ فترة طويلة، يتعين معالجة حقوق وتطلعات كل من الإسرائيليين والفلسطينيين».
يتضح من هذه التجربة البسيطة -التي تعتمد على منهجية الحوار عبر السؤال والجواب - وجود أسلوب غير منصف -عبر المقارنة بين الجوابين- يحمل طابع التحيّز لصالح الكيان المحتل، وعبر اللغة «الأسلوب والمفردات» المتعالية التي تعطي الشرعية المطلقة لتأسيس الكيان المحتل دون اعتبارات قانونية وأخلاقية واضحة لأصحاب الأرض من الفلسطينيين، ومن الممكن أن يرى البعض عدم وجود هذا التحيّز الكبير، ولكنّي أعطي وجهة نظري الخاصة من زاوية ذاتية ومن زاوية موضوعية نسبية، ولكن ما يهمنا من الناحية العلمية هذا السؤال: لماذا من الممكن أن يتصرّف النموذج التوليدي بهذا السلوك التحيّزي؟ والجواب ببساطة أن النموذج التوليدي يعتمد على بيانات ومعلومات ضُخت إليه، وقام بالتدرّب عليها؛ ليستطيع التنبؤ بالنصوص وفقا لما يُطلب منه ويُسأل عنه، ويمكن استنتاج -من الجوابين السابقين لشات «جي بي تي»- عدة نقاط أولها تأكيد أن التأثير الإنساني الممكن على نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر ما يكون بواسطة نوع البيانات التي تُوفّر لخوارزمية الذكاء الاصطناعي التي بواسطتها تتحدد سلوكيات الخوارزمية، ومن البديهّي أن معظم البيانات التي تدرّب عليها النموذج التوليدي منتقاة بعناية -بواسطة صانعيه- ومن مصادر محددة، وهذا يؤسس للاستنتاج الثاني الذي يؤكد استقلالية النماذج التوليدية بعد مرحلة التدرّب من حيث قدرتها على التنبؤ النصّي وفقا لتدرّبها على البيانات وتحليلها لها بناء على آلية رياضية سبق أن شرحتها في مقالات سابقة؛ فمن حيث المبدأ العلمي تعمل خوارزمية الذكاء الاصطناعي وفق آلية رياضية ثابتة لا سبيل إلى التحكم بها سواء عبر البرمجة أو بوسيلة أخرى أثناء عملها الفعلي -إلا في مراحل تأسيس عناصرها الرياضية من حيث عدد الشبكات العصبية ودوال التعلّم وسرعته، وهذا بطبيعته لا يتداخل مع آلية التنبؤ والقرارات فترة عمل النموذج-، وحينها لا يمكن أن نُلصِقَ صفة التحيّز والعنصرية بآلة رقمية ذكية -نتيجة تشابه عملها ومنطقها التفكيري مع الدماغ البيولوجي للإنسان-؛ كونها لا تملك عنصر العقلانية الكلّية التي يملكها الإنسان؛ فالمشاعر الداعية لممارسة التحيّز والعنصرية غير موجودة في أصلها، ولكنها تتولد نتيجة بيانات تتفاعل مع خوارزمية رياضية فائقة الذكاء؛ وهذا ما يُفسّر عنوان مقال سابق لي «الذكاء الاصطناعي ليس عقلا».
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نماذج الذکاء الاصطناعی شات جی بی تی ChatGPT دولة فلسطینیة الکیان المحتل دولة مستقلة التی ت
إقرأ أيضاً:
تأثير فوز ترامب على القضية الفلسطينية والعلاقات العربية
أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
تعود الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في الشرق الأوسط كلما شهدت تغييرات في إدارتها، لا سيما حين تكون هذه الإدارة عائدة إلى البيت الأبيض بنهج وسياسات غير تقليدية مثلما هو الحال مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية سيحمل تداعيات عميقة على القضايا العربية، وبالأخص القضية الفلسطينية، التي تأثرت بشكل كبير خلال فترة ولايته الأولى، فماذا قد يحمل فوز ترامب لهذه القضية المحورية؟ وما انعكاسات ذلك على العلاقات العربية والدولية؟
1. تقوية الدعم الأمريكي لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية
إن عودة ترامب إلى السلطة قد تكون بمثابة تعزيز للمواقف المتشددة تجاه القضية الفلسطينية، حيث يُتوقع أن يعيد ترامب دعمه اللامحدود لإسرائيل، بما في ذلك سيادتها على الأراضي المحتلة -سبق أن اعترفت إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت السفارة الأمريكية إليها- كما دعمت شرعنة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. هذه الخطوات تعتبر محاولة لتغيير الحقائق على الأرض وتكريس الاحتلال، مما يجعل أي حل سياسي مستقبلي أكثر صعوبة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يسعى ترامب إلى تهميش دور المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، التي تقدم دعمًا للحقوق الفلسطينية وتدعو إلى حل الدولتين، هذا التوجه سيعزز من موقف إسرائيل في المحافل الدولية ويقلل من الضغوط عليها لإيجاد تسوية عادلة.
2. التطبيع العربي الإسرائيلي وتداعياته على القضية الفلسطينية
خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، شهدنا تطبيع عدد من الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل عبر "اتفاقيات أبراهام". ومع العودة للبيت الأبيض قد يضغط ترامب على دول عربية أخرى من أجل السير في هذا الاتجاه، في ظل تشجيع أمريكي للتعاون بين إسرائيل والعالم العربي على أسس اقتصادية وأمنية.
إلا أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى شعور الفلسطينيين بالعزلة، إذ قد يجدون أنفسهم في موقف ضعيف دبلوماسياً أمام انفتاح عربي متزايد على إسرائيل دون وجود تقدم حقيقي في ملف حقوقهم الوطنية.
ومثل هذا السيناريو سيضعف الموقف العربي حول القضية الفلسطينية، وقد يجعلها قضية ثانوية على جدول الأولويات الإقليمية.
3. الضغوط المالية والسياسية على السلطة الفلسطينية
سبق أن قطعت إدارة ترامب السابقة الدعم المالي عن وكالة الأونروا ومؤسسات دولية وفلسطينية، وسياسة كهذه قد تتكرر، مما يضاعف الأعباء الاقتصادية على الفلسطينيين ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة الغربية، إن تقليص الدعم قد يدفع السلطة الفلسطينية إلى اتخاذ قرارات صعبة ويزيد من صعوبة تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ما يؤدي إلى مزيد من التوترات الداخلية.
كذلك، قد يتعرض الفلسطينيون لعزلة دبلوماسية في حال تجاهلت الإدارة الأمريكية الجديدة طلباتهم، وقلصت من دعمها للهيئات الدولية التي تسهم في تحسين أوضاعهم، مما يضعف من أوراق الضغط السياسي المتاحة لهم.
4. تصاعد الاستقطاب الإقليمي وتفاقم التوتر مع إيران
عودة ترامب قد تعني إعادة التركيز على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث من المتوقع أن يدفع بحلفائه العرب إلى تبني مواقف أكثر تشدداً تجاه إيران، هذا التصعيد قد يساهم في خلق حالة استقطاب إقليمي بين الدول العربية المؤيدة لهذا المحور والمناهضة له.
وتداعيات هذا الاستقطاب قد تكون كارثية، حيث يمكن أن يتسبب في توترات عسكرية أو حتى صراعات داخل بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما يعمّق من أزمات هذه الدول ويزيد من معاناة شعوبها.
5. تجاهل حقوق الإنسان وتدعيم سياسات الاستبداد
تميل سياسات ترامب إلى إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والأمنية على حساب حقوق الإنسان، وهذا النهج قد يشجع بعض الأنظمة العربية على اتخاذ إجراءات قمعية ضد المعارضة والتضييق على الحريات.
قد تجد بعض الأنظمة العربية في غياب الضغوط الأمريكية بشأن حقوق الإنسان فرصة لتوسيع سيطرتها وتقوية نفوذها الداخلي، خاصةً إذا استمر الدعم الأمريكي المباشر لها.
وهذه السياسة قد تؤدي إلى تراجع الحريات العامة وتفاقم قضايا حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، مما يؤثر على استقرار المجتمعات بشكل عام.
6. تعزيز الصفقات الاقتصادية على حساب الحلول السياسية
تعكس سياسة ترامب في الشرق الأوسط تفضيله للصفقات التجارية والعقود الاقتصادية، ومن المحتمل أن يركز في حال فوزه على تعزيز صفقات اقتصادية كوسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي، بدلاً من الضغط لحل القضية الفلسطينية بطرق دبلوماسية مستدامة.
هذا النهج التجاري قد يحقق مكاسب اقتصادية قصيرة الأمد للدول العربية، إلا أن غياب الحلول السياسية الدائمة سيتسبب بتفاقم الأزمات على المدى الطويل، فالاقتصاد وحده لا يمكن أن يكون بديلاً عن تحقيق العدالة والحلول الشاملة، وقد يؤدي هذا إلى زيادة التوترات في المستقبل بسبب غياب رؤية سياسية متكاملة.
الخلاصة.. أنه مع عودة ترامب للرئاسة الأمريكية، من المرجح أن يواجه الفلسطينيون تحديات أكبر في ظل دعم أمريكي غير محدود لإسرائيل، وتزايد التطبيع العربي معها. وهذا الدعم قد يعزز من حالة الانقسام العربي ويزيد من تدهور الأوضاع في بعض الدول العربية.
إن عودة ترامب قد تجعل الحلول السياسية بعيدة المنال وتدفع باتجاه تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة.