في عالم بلا قواعد.. كل الصراعات «المجمّدة» مهدّدة بالانفجار
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
ترجمة: حافظ إدوخراز -
كشفت الحرب في أوكرانيا عن نوعٍ من الانجراف القاري، خاصّةً مع ابتعاد الجنوب، الذي نطلق عليه الآن اسم «الجنوب العالمي»، عن الشمال. ويُحيل هذا الأخير في الجغرافيا السياسية الحالية على الغرب. من المؤكد أنه ليس ثمة وحدة داخل الجنوب العالمي، غير أن هذا لا يمنع من وجود استياء مشترك تُجاه القوى الغربية ورفض سياسة العقوبات ضد روسيا وعزلها.
ثمة درس مهم آخر يمكن أن نستخلصه من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، يكمن في التقادم الغادر الذي يلحق الآن بأحد التابوهات المتمثل في عدم اللجوء إلى القوة، والذي شكّل الأساس الذي قام عليه ميثاق الأمم المتحدة. وتتكاثر الحالات التي تقوم فيها دولة ما، خلافا لأحكام الميثاق، باستخدام القوة ضد دولة أخرى دون إذنٍ من مجلس الأمن، كما فعلت الولايات المتحدة عندما أقدمت على غزو العراق عام 2003.
إننا نشهد ما يسمّيه عالم السياسة الفرنسي اللبناني غسان سلامة بـ «تحرير اللجوء إلى القوة». الكيانات الموالية لإيران في العراق أو سوريا، وتدخل تركيا في سوريا، واستعراض الصين للقوة في بحر الصين الجنوبي، أو حتى هجوم أذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ، كلّ هذا يندرج في المنطق نفسه.
ينتمي هجوم حماس إلى سجلٍّ آخر، لكنه يؤكد أنه في عالم يفتقر إلى القواعد - وبدون دركيٍّ يعمل على فرض هذه القواعد - فإن كل الصراعات «المجمّدة» مهدّدة بالانفجار عمّا قريب. فهل يتوافق هذا الوضع حقّا مع مصالح دول الجنوب على المدى الطويل؟ وفي السياق نفسه، هل بإمكاننا أن نستسلم أمام انتهاكات القانون الدولي الإنساني؟ في كلتا الحالتين، يجب أن يكون الجواب هو لا.
وعلاوة على ذلك، هل يعي القادة الغربيون ضرورة إعادة مدّ الجسور مع الجنوب العالمي، وبشكل خاص مع القوى الصاعدة الكبرى؟ يبقى ذلك محتملا في الواقع. لقد اعتمدت قمة مجموعة الدول السبع في أوكيناوا، في عام 2022، مجموعة من التدابير لصالح البلدان الهشّة. وتبذل إدارة بايدن كل ما في وسعها للتقرب من الهند أو المملكة العربية السعودية، بعد أن وضعت جانبا خارطة الطريق الأولية ضد الأنظمة السلطوية. وعقدت فرنسا في يونيو الماضي قمّة حول ميثاق مالي دولي جديد. ولقد أثيرت فيه مسألة إصلاح حوكمة المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) من أجل أخذ الثقل الذي اكتسبه الجنوب العالمي بعين الاعتبار.
غير أن كل هذه المبادرات تركّز في المقام الأول على القضايا الاقتصادية أو «التحديات العالمية»، مثل التنمية أو التحول البيئي أو تدبير المحيطات. نرى أن الوقت قد حان، في ظل الاضطرابات الرهيبة التي نمر بها، لكي يقترح الشمال على الجنوب حوارا يمتد إلى قضية الأمن العالمي، خاصة وأن التوترات الجيوسياسية لا يمكن إلا أن تعيق حوكمة القضايا العالمية.
أشرنا سابقا إلى عدم اللجوء للقوة. لقد اقترحت فرنسا منذ فترة طويلة الحدّ من استخدام حق النقض المخوّل للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في حال وجود خطر وقوع جرائم جماعية. وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح يظل سديدا، إلا أنه لم يعد كافيا. لا بد الآن من وضع آلية تهدف إلى احتواء مخاطر العدوان. وينبغي أن يصبح الخضوع لالتزام الوساطة هو القاعدة بالنسبة إلى الدول. وبوسع أعضاء مجلس الأمن أن يكونوا مثالا يحتذى به من خلال الالتزام مقدّما بتطبيق مثل هذه الآلية على أنفسهم. كما يمكن للأعضاء الدائمين، إذا كانوا طرفا في صراع ما، أن يقيّدوا استعمال حقهم في النقض (عدم المشاركة في التصويت؟ على سبيل المثال).
لا ريب أن شرعية مجلس الأمن قد أصبحت محلّ اعتراض متزايد بسبب تركيبته. وهنا أيضا، تقتضي مصلحة الغربيين إعادة فتح هذا الملف. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر المنصرم، تبنّى الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفا منفتحا بخصوص توسيع مجلس الأمن. إن الروس والصينيين هم من كانوا يعرقلون الفكرة من بين الأعضاء الخمسة دائمي العضوية، لكنهم خلال الاجتماع الأخير لمجموعة البريكس، دعموا ترشيح كلٍّ من الهند والبرازيل. ومن الممكن أن يشجعهم السياق الأوكراني على التحرك، خاصة الجانب الروسي الذي يحتاج إلى حلفاء.
وفي انتظار تحقق مثل هذا التقدم، يمكن للأعضاء الغربيين الثلاثة دائمي العضوية في مجلس الأمن أن يقترحوا إجراء مشاورات منتظمة بشأن الأزمات مع الدول الأربع المرشحة للتوسيع (ألمانيا والبرازيل والهند واليابان)، وكذلك مع إفريقيا (من المفترض أن تلتحق دولتان من القارة بالأعضاء الدائمين المستقبليين)، أو حتى مع قوى الجنوب الأخرى بحسب الملفات.
وربما أن الإجراء الأكثر إلحاحا من دون ريب يتمثل في إنشاء منتدى غير رسمي على الفور يمكن لدول الشمال والجنوب أن يعملوا فيه معا، على أساس كل حالة على حدة، من أجل حل أزمات معينة. ما من شك أن التمرين سيكون صعبا، لكن المخاطر الضاغطة المتراكمة في الشرق الأوسط ستبرر بالتأكيد إنشاء تحالف يضم الفاعلين الإقليميين والغربيين للدفع بالحلول إلى الأمام. وبالطبع ثمة العديد من الأفكار الأخرى تبقى ممكنة.
كيف يمكن تنظيم الحوار بين الشمال والجنوب بشأن الأمن العالمي؟ ما هي البلدان التي ينبغي أن نجمعها حول الطاولة؟ دعونا نترك الأمر للدبلوماسيين ولهم أن يقترحوا الصيغة المناسبة أكثر. ولكن دعونا نقترح أن يكون الهدف هو البقاء قدر الإمكان ضمن إطار الأمم المتحدة، التي تظل الفضاء العالمي الوحيد الذي تجتمع فيه الدول.
ويمكن للقمة المقبلة المزمع عقدها من طرف الأمم المتحدة في عام 2024 أن تكون فرصة لإضفاء الطابع الرسمي على مثل هذا الحوار بين الشمال والجنوب حول قضية الأمن. ومن الممكن أيضا أن يكون منتدى باريس للسلام، الذي من المقرر أن تعقد نسخته السادسة في العاشر والحادي عشر من نوفمبر المقبل، حاضنا لهذا الحوار.
ميشيل دوكلو دبلوماسي فرنسي سابق
عن لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجنوب العالمی مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
واشنطن: اعتماد الأسد على روسيا وإيران هو سبب فقدان السيطرة على حلب
المناطق_متابعات
قالت الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم الأحد، إن الرئيس السوري بشار الأسد فقد السيطرة على حلب بسبب اعتماده على روسيا وإيران.
وأفاد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي شون سافيت في بيان بأن “اعتماد سوريا على روسيا وإيران”، إلى جانب رفضها المضي قدما في عملية السلام التي حددها مجلس الأمن الدولي عام 2015، قد “أوجدا الظروف التي تتكشف الآن” وفقا لـ “العربية”.
أخبار قد تهمك لمدة غير محددة.. وزير الدفاع الإيراني يبدأ زيارة لسوريا 17 نوفمبر 2024 - 2:11 صباحًا مسيرة تستهدف للمرة الثانية ريف دمشق.. وفشل باعتراضها 30 سبتمبر 2024 - 1:08 مساءًقال شون سافيت، إن الولايات المتحدة تراقب الوضع في سوريا عن كثب. وأضاف في بيان بأن واشنطن “كانت على اتصالات مع العواصم الإقليمية خلال الــ48 ساعة الماضية”.
وشدد البيان على أنه “لا علاقة للولايات المتحدة بهذا الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام، وهي منظمة إرهابية”.
وتابع: “تحث الولايات المتحدة، مع شركائها وحلفائها، على وقف التصعيد وحماية المدنيين والأقليات”.
وأشار إلى أن “هناك حاجة لتسوية سياسية جادة في سوريا تتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن”.
واختتم البيان بالقول: “سنواصل الدفاع والحماية الكاملة للأفراد الأمريكيين والمواقع العسكرية الأمريكية، والتي تظل ضرورية لضمان عدم تمكن داعش من الظهور مرة أخرى في سوريا”.
وشنّت “هيئة تحرير الشام”، التي عرفت سابقاً بـ”جبهة النصرة”، وهي تنظيم متطرف كان مرتبطاً بالقاعدة، إضافة إلى فصائل أخرى متحالفة معها، هجوماً على مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية في محافظتي حلب (شمال) وإدلب المحاذية لها (شمال غرب).
وسيطرت هذه الفصائل المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد، على معظم مدينة حلب والعديد من القرى والبلدات في الشمال السوري، على ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت.
بدوره، أقر الجيش السوري بدخول الفصائل المسلحة إلى “أجزاء واسعة” من مدينة حلب، ومقتل العشرات من عناصره في اشتباكات ممتدة على جبهة بطول نحو 100 كيلومتر.
وأسفرت المعارك عن مقتل 327 شخصاً، وفقاً للمرصد السوري، غالبيتهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم مدنيون قضى معظمهم، بحسب المرصد، في قصف من طائرات روسية تدعم الجيش في المعركة.