يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
ترجمة - بدر بن خميس الظفري -
التعرض للقصف من السماء هو رعب من نوع خاص، تشعر بأن الموت معلق فوق رأسك، لا يمكنك رؤيته إلا بعد فوات الأوان، وفي أي لحظة قد يصيبك، قد يكون الآن أو بعد قليل أو بعد برهة، تحس بكل نبضة من نبضات قلبك تطرق جمجمتك.
لقد شاهدت الطائرات الحربية الأمريكية وهي تهاجم أفغانستان؛ ونجوت بأعجوبة من ضربة مباشرة من طائرة (ميج) روسية في جورجيا، وعشت لأسابيع تحت القصف الإسرائيلي المتواصل في لبنان.
تعيد لي الصور القادمة من غزة ذكريات مدفونة، تعيد إليّ صوت دوي القنابل، ومشاهد انجراف الزجاج المكسور والحديد الملتوي حيث كانت المنازل والمتاجر صامدة ذات يوم، وخليط الغبار ورائحة الدم في الحلق، أجساد صغيرة جدًا، وأجساد قديمة جدًا، مشاعر الغضب عند حمل جنازة تحت القنابل في لبنان، ذكريات سيارات نقل الموتى من المستشفى والخندق المحفور لمقبرة جماعية، وطائرات لا تزال تحلّق في السماء، ونساء حريصات يدعين تارة من أجل الموتى وتارة من أجل الانتقام.
وبقدر ما كان الأمر سيئا في لبنان، فإن ما يحدث في غزة أسوأ بشكل لا يتصور، فطوال حياتي الصحفية لم أشهد قط الوتيرة القاسية للغارات الجوية والموت الذي يعاني منه الآن سكان غزة الذين لم يسافروا إلى منطقة حرب كمراسلين أجانب، ومع ذلك يتعرضون للهجوم في منازلهم، مع أطفالهم وأجدادهم، الذين عاشوا بالفعل تحت الحصار، ولم يكن لديهم أي إمكانية حقيقية للهروب.
مسؤولون في البيت الأبيض قالوا إن وقف إطلاق النار لا يفيد إلا حماس، وأنه حتى المطالبة بوقف القصف هو أمر -مشين- و-بغيض- ولو كان هؤلاء المسؤولون قد تعرضوا ولو ليوم واحد للقصف، لما دافعوا عن هذا الهجوم الكابوسي على غزة.
قالت وزارة الصحة في غزة: إن إسرائيل قتلت حتى الآن أكثر من 8000 شخص، أكثر من 40% منهم من الأطفال، الوزارة، بعد أن سمعت الرئيس بايدن وهو يشير إلى أن حكومة غزة قد تكون كاذبة بشأن عدد الضحايا، أصدرت الوزارة سجلًا للقتلى، صفحة تلو الأخرى، تحمل الصفحة الواحدة منها أسماء العشرات من أفراد العائلة نفسها.
كان من الواضح منذ البداية، في الساعات الأولى بعد قيام حماس بقتل واحتجاز إسرائيليين، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم تكن لديه أي رحمة تجاه غزة، إذ قال: كل الأماكن التي تنتشر فيها حماس وتختبئ وتعمل فيها، تلك المدينة الشريرة، سنحولها إلى أنقاض.
وإذا اعتبرنا أن شعب غزة ليس إلا مجرد تجريد سياسي، فربما يكون من الأسهل أن تقول إن قتل أطفالهم أمر محزن ولكن لا مفر منه، وهي نتيجة غير مقصودة ويمكن التسامح معها في نهاية المطاف للسعي الصادق للدولة للدفاع عن النفس.
ولكن بعد أن أمضيت بعض الوقت تحت القصف، وبعد أن قمت بتغطية الأحداث في غزة، لم يعد لدي وقت لهذه التفسيرات، وإذا كانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية تستطيع أن تتقبل هذا النوع من الحروب، فما فائدة الدبلوماسية والعلاقات الدولية؟ ما هي النتيجة التي ستتجنب هذه الاستراتيجية حدوثها والتي ستكون أسوأ من النتيجة التي أوجدتها بالفعل؟
لكنهم يقولون إنه لا ينبغي لنا أن ندعو إلى وقف إطلاق النار.
قد يكون ما ارتكبته حماس ضد الإسرائيليين في 7 أكتوبر مروعًا وشريرًا، فالهجوم الشرس، الذي أودى بحياة عدد من اليهود في يوم واحد أكثر من أي يوم آخر منذ المحرقة يحتاج إلى إجابة.
لكن قتل أطفال غزة ليس هو الحل.
وإذا كان لنا أن نصدق كلمات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وأعتقد أننا ينبغي لنا أن نصدق ذلك، فإن الهجوم على غزة كان مدفوعًا في المقام الأول بالانتقام المباشر.
فقد حذر اللواء (غسان عليان) من قوات الدفاع الإسرائيلية سكان غزة، الذين أشار إليهم «بالوحوش البشرية»، بأنكم «أردتم الجحيم، فسوف تحصلون على الجحيم».
وأعلن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، (رون ديرمر) أن إسرائيل «ستفعل كل ما يتعين عليها القيام به لإرسال رسالة».
وقال وزير الدفاع (يوآف جالانت): لن تعود غزة إلى ما كانت عليه من قبل، لأننا سوف ندمر كل شيء.
لا شك أن ارتكاب المذابح الجماعية أمر غير أخلاقي، ولكن الرد على تلك الأفعال بطريقة تزيد من المأساة لا ينجح أيضًا، العكس تماما هو ما يحدث.
عندما أنظر إلى صور المناظر الطبيعية المشؤومة التي يعكسها ضوء القمر لتلك المباني التي دمرتها القنابل في غزة، أرى ميلاد جيل جديد من المقاتلين، فالأطفال الذين نجوا من هذا الهجوم سوف يصبحون أكثر تطرفًا وصدمة من الأجيال التي سبقتهم.
إن جذور العنف الفلسطيني ترجع إلى المظالم السياسية التي تعيشها أجيال من الفلسطينيين، الذين يحدد حياتهم احتلال عسكري مفتوح، فهم ليست لديهم دولة يعتبرونها ملكهم، بينما تسلب حقوقهم الأساسية بشكل منهجي يوما بعد يوم، ولم يمنحهم العالم سببًا كافيًا للأمل للحصول على أيام أفضل مستقبلا. إن العنف السياسي الفلسطيني أقدم من حركة حماس، ويمتد إلى ما هو أبعد من حماس، إنه يمتد إلى المجتمع ككل، ومن المؤكد أنه سوف يظل باقيًا بعد حماس في غياب الحل السياسي.وإسرائيل تعرف ذلك، فقد قصفت إسرائيل غزة بلا رحمة من قبل، لكن حماس لا تزال هناك، لقد حولت إسرائيل أجزاء من جنوب لبنان إلى أنقاض، لكن حزب الله ما زال هناك.
وباعتبارنا أمريكيين، كان علينا أيضًا أن نتعلم هذا الدرس مرارًا وتكرارًا، إذ لم تتمكن كل القوة العسكرية للولايات المتحدة من هزيمة حركة طالبان أو إجبار العراقيين على قبول الاحتلال الأمريكي، لكن ربما لا نريد أن نفهم.
لكنهم يقولون إنه لا يمكننا الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
لقد أكلت في غزة، وضحكت هناك، ونمت هناك، ورأيت البحر هناك، لا أستطيع أن أطابق ذكرياتي مع الصور الغريبة التي أراها في الأخبار عن مكان غير واقعي وغير حضاري تم بناؤه بشكل غير مريح فوق عش من الأنفاق.
غزة مكان حقيقي مكتظ بأناس حقيقيين، أشخاص لا يعرفون الكلل، وأشخاص مزعجون، وأشخاص مرحون، وأشخاص مخادعون، هناك في غزة كل الأنواع الطبيعية من الأشخاص، الكثير والكثير من الأطفال، الكثير من الأطفال الذين كنت تتجول بينهم أحيانًا في الشوارع، يتدافعون نحوك ويلمسونك ويصرخون في وجهك، ويجرّون ملابسك، أطفال غزة، ولن أكذب، كانوا في كثير من الأحيان مصدر إزعاج، لكنه مصدر إزعاج جميل، موجة جامحة من حب الحياة التي لا يمكن كبتها في ظروف قاسية.
أتخيل غزة الآن، كيف أصبحت، أعلم أنها أصبحت مثل الجحيم، مثل الهلوسة، مثل الوقت نفسه ممتد وعالق، أعلم أنه في مثل هذه الأوقات لا يوجد سوى فكرة واحدة متماسكة: أوقفوا القنابل، كنت في جنوب لبنان في عام 2006، عندما قصفت إسرائيل الفرق الطبية والمدنيين الفارين والقرى المليئة بالأشخاص المسنين أو ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون الفرار، وما أتذكره الآن هو الألم الذي شعرت به حين علمت أن بقية العالم كان يمارس حياته كالمعتاد، أعلم أنهم يستطيعون إيقاف القنابل، لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك، ليس بعد؛ فهم يرغبون في المزيد من الموت قبل إيقافها.
لا أزال أشعر بذلك النوع من الغضب، الذي اشتعل في الأشخاص الذين كانوا حولي وفي داخل عقلي، ضد دولة قوية قد تقتل بهذه الطريقة، من مسافة بعيدة.
ولكي أكون صادقًا، أشعر بأنني ذهبت إلى الجهة الخاطئة، والآن أجلس نظيفًا وآمنًا في أمريكا بينما تتساقط القنابل بعيدًا.
قبل أن أذهب إلى إسرائيل، حاول أحد المحررين إقناعي بأنها فكرة سيئة، قال المحرر: «أنت كاتب، وتحب اختيار الكلمات الجميلة، وفي القدس، لا يمكنك استخدام الكلمات الجميلة، عليك استخدام الكلمات الحذرة»، وكان المحرر على حق، فالكتابة عن إسرائيل مليئة بالكلمات الحذرة وبالعبارات التي تصف القتل بلا مبالاة، ولذلك ندقق في كل شيء حتى لا يتمكن أي قارئ من فك ما نود قوله. الآن نقول: إن عدد القتلى غير صحيح، ولكن كيف نستطيع معرفة ذلك؟ يقولون: الأمور ما زالت تحدث، ما هي هذه الأمور؟ يمكننا أن نكتشف الحقيقة من خلال وقف إطلاق النار، لكنهم يقولون إنه لا يمكننا أن نطالب بوقف إطلاق النار.
وها نحن نشاهد الدائرة تدور في حلقة مفرغة مرة أخرى، نتظاهر بالاعتقاد بأنها قد تكون لها نتيجة مختلفة هذه المرة، إلا أن الأمر برمته لا يعدو أن يكون مجرد لعبة ذات احتمالات غير مرجحة الحدوث لكنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة الوقوع.
إننا نعطي إسرائيل المال لدفع ثمن الأسلحة، ثم نمنح الفلسطينيين المال لدفع ثمن الأضرار التي سببتها تلك الأسلحة، نواصل القيام بالأشياء نفسها، ونكرر السطور نفسها، لكن العنف يزداد سوءًا.
ميجان ك. ستاك، كاتبة رأي مشاركة، وكانت مراسلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وروسيا.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وقف إطلاق النار فی غزة
إقرأ أيضاً:
"التعليم": لن يكون هناك امتحانات تجريبية للطلاب بالثانوية العامة
أكد شادي زلطة، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، أنه لن يكون هناك امتحانات تجريبية للطلاب بالثانوية العامة؛ ولكن كما هو معتاد كل عام من خلال تدريب الطلاب على الامتحان والدخول على المنصة وتجربة للبنية الأساسية داخل المدرسة، وليس هناك تغيير في مواعيد الامتحانات، وشكل الامتحانات كما كان في الأعوام السابقة.
رئيس جامعة المنصورة يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد رئيس إدارة مكافحة التسرب التعليمى تتابع تدريبات معلمات التعليم المجتمعى تسليم التابلت بالمدارس الجاهزة من الناحية التكنولوجيةوأضاف متحدث التربية والتعليم، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية كريمة عوض، ببرنامج "حديث القاهرة"، المُذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، على أن تسليم التابلت تتم على مستوى المدارس الحكومية التي بها بنية تكنولوجية كاملة، والوزارة تتابع كافة التسليمات على مستوى الجمهورية وليس هناك تأخر لتسليم التابلت بالمدارس الجاهزة من الناحية التكنولوجية.
وأوضح أن إعلان موافقة الحكومة على تصفح مواقع التعليم والحكومة مجانا ومن خلال لجنة الاتصالات بالبرلمان، أمر جيد جدًا، مشددًا على أنه منذ عدة سنوات هناك منصات تعليمية على مواقع الوزارة مجانية، وهناك منصة "مدرستنا" لمراجعة الدروس وبها شرح متكامل للدروس وهي متاحة بشكل مستمر.
وتابع: "العام الدراسي الحالي مختلف عن الأعوام السابقة والتي كانت تشهد ضعف في حضور الطلاب، والكثافة في المدارس كانت عائق أمام المعلم لشرح المناهج بشكل متكامل، إلا أن العام الحالي يشهد انضباط تام لكافة جوانب العملية التعليمية، والالتزام بالكثافات وسد العجز بالمعلمين وليس هناك أي مدرسة ليس بها مدرسين مادة أساسية".