لجريدة عمان:
2024-07-04@06:04:34 GMT

«إنّ الإنسان ليطغى»

تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT

حرضتني الحرب الهمجية، التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي حاليًا على غزة ومناطق فلسطينية أُخرى بدعم من قُوى عالمية مختلفة، للكتابة عن استبداد الإنسان وجبروته وقسوته تجاه أخيه الإنسان، إذا ما امتلك القوة والنفوذ.

وما إن شرعت في ذلك حتى خطرت ببالي الآية الكريمة من «سورة العلق» التي يقول فيها سبحانه وتعالى: (كلّا إنّ الإنسانَ ليطغى، أن رآه استغنى)، هذه الآية التي فسرها القرطبي بقوله: «إن الإنسان ليتجاوز حده ويستكبر على ربه فيكفر به لأنه رأى نفسه قد استغنت استغناءً يدفعه للاستبداد والتمادي في العصيان».

والآية إنما تُوصِف حال المُستبد من يملك أدوات الهيمنة في مختلف العصور والأزمنة، فلا تكاد تخلو مرحلة من مراحل التاريخ من وجود طُغاة جائرين يعيثون في الأرض فسادًا، لا يتسع المجال لذِكرهم، غير أن فرعون موسى لا شك هو الأبرز كونه بلغ ذروة الجبروت عندما خاطب قومه قائلا: (أنا ربكم الأعلى).

كما لم تغب عن ذهني الحادثة التي أوردها سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عُمان في كتابه الشهير «الاستبداد - مظاهره ومواجهته»- التي تُدونُ لبطش الإنسان واستعلائه في

الأرض زمن الفراعنة.

وقد جاء في القصة أن الفرعون «أمفيس»، الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد أمر رجلا ثريا شريفا اسمه (إخناتون) أن يتنازل له عن زوجاته وأراضيه وكل ما يملك، فطلب الرجل الاحتفاظ بداره وقليل من ماله ليُعينه على العيش، لكن ذلك أثقل على الفرعون بل أمر بتعذيبه وتقطيع يديه ورجليه وجدعِ أنفه.

دارت الأيام وإخناتون يعاني الفقر والحرمان وكل أمله القصاص من الفرعون الظالم.. لكنه ويا للغرابة عندما مات وكان الكهنة يُلقون خُطب الوداع التي تُثني عليه كذبًا، شوهد إخناتون يبكي بكاء الثكلى وقد تأثر بحزن الناس عليه، فلام نفسه وقرّعها لأنه غضب يومًا من «أمفيس» حتى بلغ حدا أن قال: لقد كان على حق فيما فعل بي لأنني لم أستجب لأوامر الآلهة.

وفي هذا العصر تتبدى أبشع صور التنكيل وأقبحها في الممارسات غير الإنسانية التي يمارسها العدو الصهيوني بحق سكان غزة بما فيها قتل الأطفال بدم بارد وترميل النساء وطمس القرى والبيوت والمجمعات السكنية ودُور العبادة بدعم صريح ومباشر من الغرب وسط صمت وعجز عالمي مُخزٍ، وهي صورة قاتمة لما وصل إليه إنسان العصر من عنجهية ودليل لا لبس فيه على سقوط القيم الإنسانية والأخلاق التي جاءت بها الشرائع السماوية سقوطا مدويا.

أخيرا.. لا يُدهشني طلب المواطن الفلسطيني للموت مقابل عزته وكرامته وتحرير أرضه، ذلك لأنه متفطن لحقيقة أنه لن يحيا إلا لمرة واحدة ولا يوجد من يملك قدرة مصادرة حريته وقهر كرامته، لذا يفضل أن يعيش بكرامة أو يموت بكرامة.

آخر نقطة..

يتساءل البعض كيف لهذا الفلسطيني المقاوم أن يُقبل على الموت بمحبة؟ وكيف يزف أطفاله وأحبابه وأقرباؤه إلى قبورهم بفرح ودون جزع؟ نسي أن الفلسطيني ليس «أحرص الناس على حياة» وأنه يختار باستشهاده ذلك حياة أُخرى دائمة لا موت فيها ولا مرض ولا ضنك ولا عوز ولا تعب.

عمر العبري كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

رايات الشمس البنفسجية

يستبشر أصحاب بساتين النخيل خيراعندما ترتفع درجات الحرارة في موسم الصيف؛ كونها تسارع في إنضاج التمور، وفي هذه يشتركون مع الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي (1889-1857م) في الترحيب بشمس الصيف، فهو يرى أن صبا الأرض يعود مع الصيف، والفتنة والجمال، حيث الخضرة التي تتسع كلما سقطت أشعة الشمس عليها، فهو يقول:

عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها

فَهي كَالخَودِ الَّتي تَمَّت حُلاها

صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ

ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها

ذَهَبُ الشَمسِ عَلى آفاقِها

وَسَوادُ اللَيلِ مِسكٌ في ثَراها

ويبدو أنه قال ذلك بتأثير البيئة التي نشأ فيها الشاعر المولود في قرية (المحيدثة) في جبل لبنان، وفيها أمضى طفولته، وغادرها عام 1992 وكان قد دخل الثالثة عشرة من عمره، ليتّجه إلى الإسكندرية، وسواحلها التي يصطاف فيها السيّاح، قبل أن يهاجر إلى أمريكا، عام 1912م ويستقرّ في نيويورك، ويموت ويدفن فيها، وللبيئة تأثيراتها على ساكنيها، كما يعرف المختصّون، لذا تغنّى أبو ماضي بالصيف، وشمسه الساطعة، بينما يخالفه الشاعر العباسي أبو بكر الصنوبري الذي اشتهر شعره بوصف الطبيعة، وعاش متنقّلا بين حلب ودمشق واستقرّ وتوفي فيها عام 945م، فيرى أن الأرض تتحوّل في الصيف إلى موقد، وتنوّر يفور من شدّة حرارة الشمس، دون أن ينسى نضج الثمار في الصيف، بقوله:

إن كان في الصيف ريحان وفاكهة

فالأرض مستوقد والجوّ تنّور

ما الدهرُ إلا الربيعُ المستنيرُ إِذا

أتى الربيعُ أتاكَ النَّورُ والنور

هذا البنفسجُ هذا الياسمينُ وذا الـ

نّسرينُ ذا سوسنٌ في الحُسْنِ مشهور

وورد البنفسج الذي يسهب الصنوبري بوصف جماله في الربيع، يتحوّل اسمه إلى نقمة ورعب في الصيف، عكس الشعور بالارتياح الذي يخلّفه البنفسج، ملهم الشعراء والمغنين، ومنهم المطرب ياس خضر الذي غنى للبنفسج واحدة من أجمل الأغاني التي كتب كلماتها الشاعر مظفر النواب هي «يا ليلة من ليل البنفسج» مشيرا للّيلة المقمرة التي تفوح فيها رائحته، وتلهب خياله، بينما لون البنفسج في الصيف ينذر بالخطر، فحين تصل درجات الحرارة إلى درجة تهدّد حياة الإنسان، وتستهدف سلامته، تُرفع الراية البنفسجية، كما فعلت الشركات الأجنبية المستثمرة في حقل غرب القرنة وحقول نفطية في البصرة، قبل أيّام قليلة، بعد أن تخطّت درجات الحرارة حاجز الـ 52 درجة، فاللون البنفسجي مأخوذ من الأشعة فوق البنفسجية القصيرة، التي إذا ما تعرّض لها الإنسان، فسيصاب بضربة شمس، وهي كفيلة بقتل خلاياه الحية، لذا تحذّر الشركات العاملين من خطرها للحيلولة دون ما لا يحمد عقباه، وتطلب منهم الابتعاد عن الشمس في ساعات الظهيرة، تلك التي تكون فيها الشمس عمودية، إذ يشتدّ الحر في «الهاجرة» ويوصي الأطباء بتجنّب التعرّض للشمس وقت الهجير الذي هو شدّة الحر في منتصف النهار، وفي ذلك يقول الأصمعي، كما جاء في كتاب (المحاسن والمساوئ) للبيهقي: «بينا أنا ذات يوم قد خرجتُ في الهاجرة والجو يلتهب ويتوقّد حرّا، إذ أبصرتُ جارية سوداء قد خرجتْ من دار المأمون ومعها جرّة فضة تستقي فيها ماء، وهي تردّد هذا البيت بحلاوة لفظ وذرابة لسان:

حرُّ وجدٍ وحرُّ هجرٍ وحرُّ

أيّ عيشٍ يكونُ من ذا أمرُّ؟»

وإذا كانت حرارة الوجد تزيد من سخونة الجو في البيت الذي ذكرته الجارية، فالراية البنفسجية التي تناقلت أخبارها وكالات الأنباء ترفع درجات الخوف وهذه تزيد درجات الحرارة بدلا من تخفيضها، ويتّفق الجميع أن الإكثار من شرب الماء في مثل هذه الأيام ضروري، للتعويض عن السوائل المفقودة، وكذلك تناول اللبن مع حبّات التمر التي تكون قد نضجت بفعل حرارة الشمس، لقطع المراحل الثلاث المطلوبة لنضجه التي كما يقول المزارعون: (صباغ اللون)، و(طباخ التمر) و(جداد النخل)، وحتى يصل المرحلة الثالثة تكون الأرض قد رفعت أكثر من راية بنفسجية !.

عبدالرزّاق الربيعي شاعر وكاتب عماني

مقالات مشابهة

  • رونالدو يهدد فرنسا بـ «القياسية»!
  • تسلل ألماني في منطقة الجزاء الدولية!
  • تقاضي خطيبها لأنه لم يوصلها إلى المطار
  • رايات الشمس البنفسجية
  • نور على نور
  • حكم الانتفاع بالأجنة المجهضة في التجارب العلمية والعلاجية
  • حركة فتح: شعب فلسطين يواصل الصمود إيمانًا منه بحقه في الحرية من الاحتلال
  • وفد فلسطيني يشيد بالجهود المصرية لإدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني
  • "القومي لحقوق الإنسان" يستقبل وفدًا فلسطينيًا
  • القومي لحقوق الإنسان يستقبل وفدًا فلسطينًا لمناقشة الأوضاع الإنسانية بغزة