في السابع عشر من أكتوبر الماضي عندما استضاف المذيع البريطاني الشهير بيرس مورجان عبر الأقمار الصناعية الممثل ومقدم البرامج المصري الساخر باسم يوسف في إطار تظاهُرِه - أي مورجان- بمنح مساحة في برنامجه « «Piers Morgan Uncensored(بيرس مورجان بدون رقابة) للرأي الآخر غير المؤيِّد لإسرائيل، لم يتوقع أن تُصبح هذه المقابلة التي استغرقت حوالي نصف ساعة المقابلةَ الأكثر مُشاهَدة في تاريخ برنامجه، إذْ تجاوز عدد مشاهديها حتى الآن عشرين مليون مشاهدة.
بدا لي وأنا أتابع المقابلة الجديدة أن السبب الحقيقي لها هو رغبة مورجان في حذف الهزيمة النكراء التي حاقت به في الحوار الأول قبل ثلاثة أسابيع من ذاكرة مشاهديه، ليس فقط لأنه صرّح بذلك في بدايتها عندما أخبر ضيفه أنه جاء هذه المرة وهو أكثر استعدادا لمناقشة باسم والردّ عليه وعلى ردوده الساخرة التي تندرج في إطار الكوميديا السوداء، ولكن أيضًا لأنه أعاد تقريبًا طرح نفس الأسئلة «الكليشيهية» التي سبق أن طرحها في الحوار الأول؛ من قبيل: هل تؤيد «إرهاب» حماس؟ وماذا على إسرائيل أن تفعل لتحمي نفسها من هذا «الفصيل الإرهابي»؟ مضيفًا إليها أسئلة منحازة جديدة من عينة: لماذا لا تحلّ مصر والأردن هذه القضية بقبولهما توطين الفلسطينيين؟ هذا عدا إعادته الاستشهاد من جديد بكذبة قطع حماس لرؤوس الأطفال الإسرائيليين وتشكيكه في كون إسرائيل هي التي قصفت مستشفى المعمداني وعدد ضحايا هذا القصف من المدنيين، على اعتبار أن الأرقام صادرة من وزارة الصحة الفلسطينية التي هي «حماس»!
ولكن الفنان المصري نجح هذه المرة أيضًا في الرد المقنع على جميع هذه الأسئلة باستفاضة أوضحت مدى إلمامه بتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومتابعته للأحداث في السنوات الأخيرة، مستهلًّا هذا كله بلقطة رمزية لقيتْ صدى كبيرًا لدى المشاهدين العرب حين قدم هدية من زوجته (الفلسطينية) لمورجان، هي عبارة عن قنينة زيت من الضفة الغربية واصفًا إياه بأنه أفضل زيت على الإطلاق، متحدثًا أثناء ذلك عن شجرة الزيتون الفلسطينية التي «تستطيع البقاء لنحو ستمائة عام، ويورّثها الفلسطينيون عبر الأجيال، فهي بمثابة التراث العائلي للفلسطينيين».
في معرض إجابته عن سؤال: هل تدين «إرهاب» حماس؟ قال باسم يوسف إنه «لا فائدة على الإطلاق من إدانة حماس أو إسرائيل» وأوضح أن هذه الإدانات لن تحلّ القضية، ولا تعدو كونها تصريحات يُدلَى بها للعبور من نقاط التفتيش الأخلاقية، ثم يذهب هؤلاء المُدِينون في كل الاتجاهات تاركين وراءهم القضية بلا حل. أما عن سؤال: لماذا لا توطّن مصر والأردن الفلسطينيين ما داموا متعاطفين معهم؟ فقد أكد باسم يوسف أن هذا بالضبط ما تُريده إسرائيل، ولكنه لا يحلّ المشكلة بل يمكن أن يُشعِل حربًا عالميةً ثالثة، لأن «هؤلاء هم الفلسطينيون وهذه أرضهم» مستنكِرًا الطلب منهم تركها لمحتلّ، ثم شنّ هجومًا مباغتًا على مورجان قائلًا إن أوروبا بها أربع وأربعون دولة، فلماذا لا تستقبل هي الإسرائيليين؟ ولماذا لا تستقبلهم أمريكا التي بها خمسون ولاية، في فلوريدا مثلا؟ وفي واحدة من أجمل دقائق اللقاء قال باسم: «أسمع دائمًا أن العرب كانوا يُمنحون الكثير من فرص السلام، وهذا غير صحيح. بل إنه على مر التاريخ لم تتنازل إسرائيل عن شِبر واحد بالسلام، في حرب أكتوبر 1973 أعادت سيناء بالحرب، وفي عام 2006 خرجت من جنوب لبنان بالحرب، وحتى فك الارتباط عن غزة لم يُقدم عليه الإسرائيليون لأنهم طيبو القلوب بل لأنهم تكبدوا الكثير من القتلى، بل إن اتفاق أوسلو الذي نال عنه رابين جائزة نوبل للسلام، ما كانوا سيوقعونه لولا الانتفاضة الفلسطينية. لقد كانت الرسالة التي دأبت إسرائيل على إرسالها للعرب أنني لن أعطيكم أي شيء بالسلام، وسيكون عليكم القتال لتحصلوا على ما تريدون».
وذكّر يوسف مُضيفه أن بنيامين نتانياهو -رئيس وزراء إسرائيل- تفاخر في 2001 بأنه هو من خرّب عملية السلام، وأن رابين - الفائز بجائزة نوبل للسلام- هو نفسه صاحب سياسة تكسير عظام الأطفال الفلسطينيين!
كان مورجان هادئا طوال الوقت، لكنه لم يستطع الخروج من أسر النظرة الغربية الضيقة للصراع، وأسئلته المنحازة لم تتغير عن اللقاء الأول، وربما الأمر الوحيد الذي اتفق فيه مع ضيفه هو انتقاد نتانياهو الذي قال عنه إنه يخاف من السلام، وهنا أحاله الفنان المصري على الفور إلى كتاب المؤرخ الإسرائيلي موشيه تسيمرمان «الخوف من السلام.. المأزق الإسرائيلي» ليقول: إن الإسرائيليين كلهم يخافون من السلام وليس فقط نتنياهو، ذلك أنهم لم يروا طوال تاريخ «دولتهم» إلا الحرب، ويعتقدون بجدية أن السلام لا يمكن التوصل إليه إلا إذا عاش الفلسطينيون تحت السيطرة الإسرائيلية!
لم يوفر باسم يوسف حتى أمريكا التي يحمل جنسيتها من انتقاداته، ساردًا أنه جاء إليها باحثًا عن حرية التعبير فوجد أن فيها من يفقد وظيفته لمجرد أنه مارس حريته في الكلام، وانتقد تعامل الإعلام الغربي مع الضيوف الفلسطينيين الخالي من أي مهنية أو حس بالتعاطف الإنساني، وأضاف أنه حتى الذكاء الاصطناعي مُبرمَجٌ على الانحياز، إذْ عندما سأل تطبيق «تشات جي بي تي» إن كان يحق للإسرائيليين أن يعيشوا أحرارا؟ كانت الإجابة: «نعم»، وحين طرح السؤال ذاته عن الفلسطينيين كانت إجابة الذكاء الاصطناعي: «إنها مسألة حساسة ومعقدة»!
حصدت هذه المقابلة حتى كتابة هذه السطور أكثر من ثمانية ملايين مُشاهدة في أقل من يومين، وهي مرشحة لتحطيم رقم سابقتها، ذلك لأنها واحدة من المقابلات النادرة في الإعلام الغربي التي قدمتْ تحليلًا مختلفًا للقضية الفلسطينية.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإعلام الغربی باسم یوسف
إقرأ أيضاً:
السيسي يتحدث عن تجربة مصر في السلام مع إسرائيل
مصر – أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن مصر تحرص دائما على القيام بدور إيجابي وتهدئة الصراعات و”إطفاء الحرائق” ما أمكن، محذرا من استمرار الصراع الدائر في غزة.
وأضاف السيسي في كلمة من الأكاديمية العسكرية المصرية، امس الجمعة، متحدثا حول الأوضاع في غزة: “هدفنا كان وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وإطلاق سراح الرهائن”، موضحا أن الهدف الحالي هو تثبيت وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه وإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.
وأشار إلى تحذير مصر المتكرر من استمرار الصراع “لأن أي صراع عسكري قد يخرج عن السيطرة بسبب خطأ في التقدير أو في الحسابات وقد ينتج عنها قرار خاطئ”.
وتحدث عن تجربة مصر مع السلام، قائلا إنها “تجربة رائعة” وأن مصر هي أول دولة أبرمت اتفاقية للسلام في عام 1979، في وقت لم يكن هناك أحد يتحدث عن سلام، مضيفا: “طرح الرئيس الراحل محمد أنور السادات لهذا الموضوع كان محل نقاش كبيرا جدا وأحدث آثارا كبيرة جدا في هذا الوقت”.
وواصل: “لنا تجربة في هذا الأمر ونقول دائما إن خيار السلام هو الأفضل، لأن الأموال التي تنفق في الحروب،يمكن إنفاقها في التعمير والتنمية، وحتى من يفوز بالحرب فإن حجم إنفاقه على الحرب يكون له تأثير كبير جدا على اقتصاده”.
وعن خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة، قال إن مصر وضعت تصورا رغم الدمار الكبير في القطاع، وشارك في وضعه كل مؤسسات الدولة للوصول إلى وثيقة متكاملة من كل الأوجه لتكون قابلة للتنفيذ.
ولفت إلى عمل مصر مع الدول العربية لتتحول الخطة إلى خطة عربية بعدما أقرتها الدول العربية بالإجماع في القمة العربية الطارئة التي استضافتها القاهرة الثلاثاء الماضي.
وعن الوضع الداخلي، أعرب السيسي عن تقديره “لاصطفاف المصريين خلف الدولة وقيادتها”، قائلا إنه يسجل “باحترام شديد” هذا الأمر، مشيرا إلى “وعي المصريين وتفهمهم للمخاطر الموجودة، وكانوا وما زالوا على قلب رجل واحد تجاه الأحداث التي تمر بالمنطقة”.
المصدر: RT
Previous الأرصاد الجوية: أمطار متفرقة على الشمال الشرقي وارتفاع تدريجي للحرارة Related Posts مظاهرات شعبية في المحافظات السورية تدعم جهود الحكومة في بسط الأمن والاستقرار (صور) عربي 8 مارس، 2025 وزير الخارجية المصري: فلسطين قضية العرب المركزية وسنتصدى لأفكار تصفيتها عربي 7 مارس، 2025 أحدث المقالات السيسي يتحدث عن تجربة مصر في السلام مع إسرائيل الأرصاد الجوية: أمطار متفرقة على الشمال الشرقي وارتفاع تدريجي للحرارة فرنسا تقرض المغرب 781 مليون يورو لاقتناء 18 قطارا فائق السرعة مظاهرات شعبية في المحافظات السورية تدعم جهود الحكومة في بسط الأمن والاستقرار (صور) مظاهرات في واشنطن احتجاجا على سياسة ترامب بشأن خفض التمويل المخصص للمجال العلميليبية يومية شاملة
جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results