مفاهيم خاطئة حول المسؤولية الجرمية.. ومدير مستشفى المسرة يوضح: تقييم الطب النفسي لا يخفف عقوبة الجُناة
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
أكد مدير مستشفى المسرة على ما يؤديه الطب النفسي الجنائي من دور مهم في تحليل المخاطر وتقييم وضع المحالين من أجهزة العدالة الجنائية لتقييم وضعهم النفسي، موضحا عدم صحة بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة ومنها أن أغلب المرضى النفسيين يرتكبون الجرائم وأن المريض النفسي أو من لديه تاريخ مرضي غير مسؤول عن أفعاله وأن تقييم الطب النفسي الجنائي يساعد في التخفيف من العقوبة، ولكن في الحقيقة لا يعفي الشخص من المسؤولية الجنائية إلا في بعض الحالات، مبينا ارتفاع مستويات ارتكاب الجريمة لدى مدمني المؤثرات العقلية والكحولية ومضطربي الشخصية المعادية للمجتمع، رغم تمييزهم بين الخطأ والصواب والحكم على عواقب الأمور.
وقال الدكتور بدر بن علي الحبسي، طبيب استشاري، مدير مستشفى المسرة في حواره مع «عمان»: يعد الطب النفسي الجنائي في مستشفى المسرة أحد الفروع الدقيقة للطب النفسي المختص بتقييم المحالين من أجهزة العدالة الجنائية المشتبه بإصابتهم باضطراب نفسي أو لتقييم المرضى النفسيين وعلاجهم، ويؤدي الطب النفسي الجنائي دورا مهما في تقييم المخاطر وذلك باستخدام اختبارات ومقاييس نفسية دقيقة جدا تساعد في تقييم المخاطر المحتملة؛ حيث تساعد في تحديد إمكانية دمج المريض النفسي في المجتمع العام.
وتشتمل اختصاصات مجال الطب النفسي الجنائي على دراسة وتحليل العلاقة المركبة بين الاضطراب النفسي والسلوك الجرمي، فضلا عن الدور المحوري في التنسيق مع مختلف الجهات القانونية المختصة؛ بهدف توفير الدعم والرعاية للمرضى النفسيين وحماية المجتمع.
تطور متسارع
ويضيف الحبسي: يستند الطب النفسي الجنائي تاريخيا إلى قاعدة «ماكنوتن»، التي بدأ العمل بها منذ حوالي قرنين في القضاء الإنجليزي، بعد واقعة مقتل إحدى الشخصيات من مريض نفسي يدعى ماكنوتن، حيث تبيّن لدى ارتكابه للجريمة أنه كان تحت تأثير أعراض المرض الذهنية، مما جعله غير مذنب نتيجة للخلل في الإدراك الناجم عن مرضه النفسي. وعن التطور الحاصل في مجال الطب النفسي الجنائي، أوضح: الطب يتطور بشكل متسارع، وينطبق ذلك على الطب النفسي الجنائي، حيث إنه في الفترة الماضية حدثت طفرة واسعة في مجال تقييم المخاطر، حيث يمكن تقييم المخاطر المحتملة لارتكاب جرم ما، ويتم تحديد نوع الجرم المحتمل حدوثه وكذلك الفترة الزمنية وتحديد وجود ضحية معينة من عدمه، وذلك عن طريق استخدام مقاييس نفسية عالمية، ولا تعمل تلك المقاييس على تحديد الخطورة فحسب، وإنما تحدد عوامل الوقاية والتي بدورها تخفف من حدة الخطورة.
الجرائم الغامضة
وسألنا الطبيب الاستشاري حول إمكانية أن يساعد الطب النفسي الجنائي في الكشف عن الجرائم، فأجاب: لا يوجد له دور مباشر في الكشف عن الجرائم وتحديد المجرم، والطبيب الجنائي هو المعني بهذا الدور، إلا أنه يُستعان أحيانا بالطبيب النفسي الجنائي في بعض الجرائم الغامضة، مثال على ذلك الجرائم التي تتكرر بالسيناريو نفسه والضحايا من العمر نفسه أو الجنس أو ما شابه ذلك، ولم تتمكن السلطات من القبض على المشتبه به، يُستعان حينها بالطبيب النفسي الجنائي، حيث يمكن تقصي أحداث الجريمة ومحاولة معرفة شخصية المتهم بالتعاون مع الطبيب الجنائي.
وحول العلاقة بين المرض النفسي وارتكاب الجريمة، أفاد الدكتور الحبسي: ليس كل مريض نفسي يشكل خطرا على المجتمع ويرتكب جريمة؛ فالأمراض النفسية كثيرة جدا، وقد دلت الدراسات على أن بعض الأمراض النفسية ومنها الاضطرابات الذهانية، والتي يعاني المصابون بها من أوهام وضلالات وتكون أحيانا مصاحبة بهلاوس مختلفة الشكل، قد تزيد من احتمالية المريض النفسي لارتكاب جرم معين، لكون المريض النفسي تحت سيطرة الأعراض الذهانية وقت ارتكابه للجرم، ولا يمكنه جزم بعواقب أفعاله، وقد دلت الدراسات على أن نسبة ارتكاب الجريمة عالية لدى فئة مدمني المؤثرات العقلية والكحولية وكذلك لدى الأشخاص الذين لديهم اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وهؤلاء لديهم البصيرة في التمييز بين الخطأ والصواب والحكم على عواقب الأمور. وتابع في حديثه: انتشرت بعض المفاهيم الخاطئة منها أن المريض النفسي أو من لديه تاريخ مرضي أو سجل طبي نفسي فهو غير مسؤول عن أفعاله، ولكن في الحقيقة لا يعفى المريض من المسؤولية الجنائية إلا في الحالات التي تثبت فيها العلاقة المباشرة والمسببة للسلوك الجرمي، على سبيل المثال مريض الفصام قد لا يكون مسؤولا عن أفعاله، إذا ما أقدم على ارتكاب سلوك عنيف تجاه من يتوهم ضده، بأنه يمثل تهديدا لحياته، في حين أن مريض الفصام ذاته لو ارتكب جريمة السرقة بدافع الحصول على المال فقط، فإن المرض النفسي في هذه الحالة لا يعفيه من المسؤولية الجنائية.
وأضاف: يعد مرض الفصام مرضا نفسيا شديدا، وتشتمل أعراضه على الاضطراب في التفكير والأوهام والهلاوس والخلل في الوظائف الإدراكية مع عدم الاستبصار بالمرض؛ إلا أنه كما ورد في المثال أعلاه قد لا يعفيه مرضه النفسي دائما من المسؤولية الجنائية؛ حيث لوحظ أن بعض المحالين إلى المستشفى ليس لديهم أمراض نفسية، بل إن هناك من يدَّعي المرض النفسي لمحاولة التنصل من المسؤولية، فيجب إخضاعه إلى العديد من الاختبارات والمقاييس النفسية العالمية ومتناهية الدقة في الحكم للتأكد من ذلك، فهناك الكثير من المحالين يدَّعي فقدانه للذاكرة وقت ارتكابه للجرم.
ومن المفاهيم الخاطئة أيضا أن أغلب المرضى النفسيين يرتكبون الجرائم، وليس هذا ما تشير إليه الإحصائيات، حيث إنهم لا يمثلون سوى نسبة قليلة جدا من إجمالي المدانين في القضايا الجرمية، وكذلك من المفاهيم الخاطئة أن تقييم الطب النفسي الجنائي يساعد في التخفيف من العقوبة، ولكن على عكس ذلك ففي بعض القضايا التي تصنف جُنحًا، وبعد إجراء تقييم الخطورة، يتّضح أن المجرم يشكل خطرا على المجتمع العام، ويظل تحت الخطة العلاجية التي تستمر فترة طويلة جدا مقارنة بالعقوبة المحددة لتلك الجنح، والمريض النفسي الذي يحكم عليه قضائيا بامتناع العقوبة الجزائية عنه لثبات عدم مسؤوليته عن أفعاله، توفر له الرعاية الطبية النفسية في بيئة آمنة تحت الحراسة لحمايته وحماية المجتمع من المخاطر التي قد تصاحب الانتكاسات الحادة للاضطراب النفسي، والتي غالبا ما تحدث نتيجة لعدم انتظام المريض النفسي في تناول العلاج وعدم توفر الإشراف المباشر في محيطه المجتمعي.
تقييم شامل
وأشار الدكتور بدر الحبسي إلى أن المتهم الذي ليس لديه تاريخ مرضي سابق يحال للتقييم النفسي، لتحديد إذا ما كان لديه اضطراب نفسي من عدمه، وإذا ثبتت إصابته بذلك وجب تحديد مدى تأثير هذا الاضطراب على إدراكه ومسؤوليته عن أفعاله فيما يختص بالجريمة، ويتم التقييم النفسي للمحالين من خلال فريق تخصصي يضم أطباء نفسيين ومهنيين في مجالات متعددة من طواقم التمريض وعلم النفس والبحث الاجتماعي والتأهيل.
كما يتضمن التقييم الشامل عدة مراحل من أهمها إدخال المُحال إلى القسم الداخلي للطب النفسي الجنائي للملاحظة المستمرة والمباشرة وإجراء الفحوصات السريرية والاختبارات النفسية، فضلا عن التقييم الطبي لأية أمراض عضوية قد تكون مسببا للاضطرابات النفسية. ولا يصدر التقرير الطبي النهائي، إلا بعد استكمال جميع إجراءات التقييم الدقيقة مع التنبيه بأن الرأي الطبي ليس من صلاحياته الحكم النهائي بالمسؤولية أو بعدمها، ولكن قد يستند القضاء إلى الرأي الطبي في إصدار الحكم.
وأكد الحبسي أن توفير سبل الدعم الأسري والمجتمعي حق من حقوق المريض النفسي فضلا عن رعايته الطبية المستمرة، كما أن توفير الرعاية المتكاملة للمريض النفسي من جميع الجهات المختصة يمثل إحدى الركائز التي تحد من تورط المريض النفسي في قضايا جرمية قد تعرّضه وتعرّض أفراد المجتمع للخطر، مشيرا إلى أن مستشفى المسرة سيطلق قافلة توعوية تجوب المحافظات تُعنى بالصحة النفسية بهدف التذكير بأهمية العناية والاهتمام بالصحة النفسية وهذا العام ستكون بمحافظتي شمال الباطنة وجنوب الشرقية وتهدف القافلة التوعوية إلى رفع الوعي بأهمية الصحة النفسية وتصحيح المفاهيم حولها وتعزيز الوعي بالخدمات التي يقدمها مستشفى المسرة لدعم الصحة النفسية، وتعزيز المعرفة والوعي لدى طلبة المدارس حول كل ما يتعلق بالصحة النفسية للوقاية من الأمراض النفسية والمؤثرات العقلية والمخدرات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المفاهیم الخاطئة المریض النفسی النفسی فی
إقرأ أيضاً:
الإفتاء تكشف فضل عيادة المريض وثوابها
قالت دار الإفتاء المصرية إنه من المقرر شرعًا أنَّ عيادة المريض من حقوق المسلم على المسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (2/ 105، ط. المكتبة العتيقة): [وعيادة المريض: هِيَ زيارته وافتقاده، وَأَصله من الرُّجُوع، وَالْعود: الرُّجُوع، وَيُقَال: عدت الْمَرِيض عودًا وعيادة] اهـ.
وأوضحت الإفتاء أن الشرع الشريف رتَّب على عيادة المريض أجرًا عظيمًا؛ لِمَا فيها من الألفةِ والشفقةِ، ولِمَا يدخلُ على المريض من الأنس بعائده والسكون إلى كلامه"؛ كما يقول القاضي ابن العربي المالكي في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (3/ 1132، ط. دار الغرب الإسلامي.
وأضافت أنه أخرج مسلم في "صحيحه" عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ.
وأخرج الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً.
كما أخرج الترمذي في "سننه" أيضًا عن أبي فَاخِتَةَ قال: أخذ عَلِيٌّ كرم الله وجهه بيدي، قال: انطلق بنا إلى الحسن رضي الله عنه نعوده، فوجدنا عنده أبا موسى رضي الله عنه، فقال علي: أَعَائِدًا جئت يا أبا موسى أم زائرًا؟ فقال: لا، بل عائدًا، فقال عليٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ.
وأوضحت الإفتاء معنى "الصلاة من الملائكة" وهى الدعاء للزائر؛ قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1134): [الغُدْوَةُ: بضم الغين: ما بين صلاة الغدوة وطلوع الشمس.. والظاهر أن المراد به أول النهار ما قبل الزوال، (إلا صلَّى عليه) أي: دعا له بالمغفرة، (سبعون ألف ملك حتى يمسي) أي: يغرب؛ بقرينة مقابلته، وأغرب ابن حجر فقال: أي: حتى ينتهي المساء، وانتهاؤه بانتهاء نصف الليل.. (وإن عاده): نافية بدلالة إلا، ولمقابلتها ما (عشية) أي: ما بعد الزوال أو أول الليل (إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له) أي: للعائد في كلا الوقتين (خريف في الجنة) أي: بستان، وهو في الأصل الثمر المجتنى، أو مخروف من ثمر الجنة] اهـ.