صحيفة التغيير السودانية:
2024-09-30@16:06:37 GMT

شبح الحرب العرقيّة في السودان

تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT

شبح الحرب العرقيّة في السودان

 

شبح الحرب العرقيّة في السودان

حمور زيادة 

 

“أسوأ ما في الحرب تناسل الأحداث الغرائبية، وتحوّل القصص المأساوية إلى حدث عادي”… رواية “الموت عمل شاقّ”، خالد خليفة.

 

***

ربما تعرفه من مسجد الحي. يصلّي المغرب جوارك. ويأمركما الإمام بسدّ الفرج وتسوية الصفوف، حتى لا يدخل الشيطان بينكما. وحين تفرغان، تتصافحان، وتقولان “تقبّل الله”.

أو لعلك تدخل منزلك، فتجد ابنه يلعب مع ابنك، فهما زميلان في المدرسة. يناديك ابنُه “عمّي”. ويناديه ابنُك “عمّي”. ثم فجأة تصخُب المدينة، وتشتعل الفتنة، فإذا به يدخُل عليك بيتك. غاضباً لأمر لا تعلمه، وربما لا يعلمه هو. يحمل سلاحاً. جاء ليقتلك، ويقتل عائلتك. في لحظاتك الأخيرة، ستتذكّر ما قاله لك في المسجد قبل ساعات. “تقبّل الله”، ولن تفهم لماذا أصبح يكرهك إلى هذه الدرجة… هكذا تكون الحروب العرقية.

في الأشهر الأخيرة، لم يعد أحد يسأل عن سبب الموت وتفاصيله، يعرفونها جيداًّ، الموتُ تحت القصف، تحت التعذيب في المعتقلات، قتل بعد الخطف لطلب فدية، رصاص قنّاص، معركة. أمّا الموت كمداً، أو بسبب خيانة الجسد لصاحبه، فهي ميتات نادرة هذه الأيّام”. رواية “الموت عمل شاقّ”، خالد خليفة.

 

***

 

حيثُ يطالب شخص بقتلك لأنك تنتمي، في جدّك البعيد، البعيد جدّاً، إلى شخصٍ غير جدّه البعيد. ربما كان الجدّان أخوين، أو من نسلٍ واحد. مثل كثير من قصص الأنساب السودانية. وهذا الجدّ لم تره، ولا تعرف عنه شيئاً إلا حكايات الانتساب إليه، فهو قد عاش ومات في القرن الخامس عشر، أو ما قبله. ولكن إليه تُنسب القبيلة. ولأجل هذا النسب، تستحقّ الموت في نظر جارك.

يبدو الأمر عبثياً وسخيفاً جداً، لكن البشر لا يكفّون عن تكراره.

في رواندا، إبّان الحرب الأهلية، اقتحم القتلة منازل جيرانهم. اغتصبوا النساء وقتلوا الرجال. تحكي شهاداتٌ موثّقة عن أسر ظنّت أن الجيرة يمكن أن تحميهم، ففروا من منازلهم إلى منازل الجيران الذين يعرفونهم عمرهم كله. وكان الجيران سعداء باستضافتهم، وسعداء بتسليمهم بعد ذلك إلى المليشيات لتقتلهم. وفي الصومال، حدث مثل ذلك. تقول واحدةٌ من الشهادات إن جيرانا يسكنون البيت نفسه، ويجمع بينهم فناء واحد، قتلوا بعضهم في الفناء الذي كان أطفالهم يلعبون فيه مساء.

 

ليس لقاتلك مشكلة شخصية معك، لكنه لسببٍ ما قرّر أن انتسابك لجدٍّ مغاير مبررٌ كافٍ لقتلك. هكذا مات ملايين البشر. وهكذا مات مئات الآلاف من السودانيين. على أيدي جيرانهم اللطفاء، في لحظة حماس قبلي.

 

***

 

“في الحرب تكفيك أشياء صغيرة للأمل، تعاطف عسكري على حاجز، حاجز غير مزدحم، سقوط قذيفة بعد مئات الأمتار عنك على سيارة كانت تزاحمك على أخذ دورك. حياة جديدة منحتك إياها المصادفة، لو لم تزاحمك هذه السيارة لسقطت القذيفة عليك. هكذا يفكر البشر الذين يعيشون تحت سقف الأمنيات الواطئ في الحرب”. رواية “الموت عمل شاقّ”، خالد خليفة.

 

***

 

تكرّر هذا السيناريو القبيح في السودان عدّة مرات. أشهرها الإبادة الجماعية والتهجير القسري في إقليم دارفور، ووضع الإقليم على فوّهة بركان ينتظر الانفصال في أي لحظة. كما تكرّر بدرجات أقلّ في شرق السودان، وفي إقليم النيل الأزرق. يمكننا، من دون كثير خوف، أن نصف الاقتتال العرقي بأنه طقسٌ محليٌّ محبّب. يحدُث كل فترة وأخرى.

 

اليوم، ومع مرور أكثر من ستة أشهر على حرب الخرطوم، تبدو الحرب العرقية أقرب ما تكون. حرب شاملة، وليست مجرّد اشتباكات قبلية محدودة. حرب مفتوحة، تُخاض باسم الآباء والأجداد، ويقتل الجار فيها جاره. ويبدو سعي الحركة الإسلامية السودانية إلى الوصول بالحرب الى هذه النقطة محموماً واضحاً للجميع. كأنما ذلك عقاب مناسب للشعب الذي انتفض ضد حكمها. للأسف، لا تبدو هذه الحرب بعيدة اليوم، بل يمكن القول إنها بدأت. ولهيبها أمسك بأطراف البلاد الذاهبة إلى الهاوية.

حمّور زيادة

كاتب وروائي سوداني

الوسوم9 الجيش الحرب الدعم السريع حمور زيادة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الحرب الدعم السريع حمور زيادة

إقرأ أيضاً:

الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان

الثورة  /وكالات

يواجه السودان تحديات هائلة جراء الحرب الأهلية والفيضانات وانتشار الأوبئة، وسط حاجته الملحة لمساعدات إنسانية وإغاثية ضخمة وعاجلة.

يقول تونا تركمان، منسق الطوارئ في دارفور بمنظمة أطباء بلا حدود، إن الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتصاعدة في المنطقة أدت إلى تفاقم «الأزمة الإنسانية وتدهور الوضع الصحي في البلاد».

وأوضح تركمان الذي يعمل في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور السودانية، إن الأوضاع الإنسانية في هذه المنطقة «متردية»، محذرا من تزايد الهجمات الجوية عليها.

إلى جانب ذلك، فإن الفيضانات غير المسبوقة منذ ثمانينيات القرن الماضي والتي تشهدها دارفور تسببت بـ«عرقلة الجهود الإنسانية بشكل كبير»، وفق قوله.

وتعد دارفور واحدة من «أكثر المناطق تضررا بسبب نقص المساعدات الإنسانية.

أزمة متشابكة

وقال المسؤول في أطباء بلا حدود: إن أكبر أزمة إنسانية في العالم والتي يشهدها السودان تحولت إلى «كارثة كبرى».

وأضاف: إن الأزمة في السودان «متشابكة»، لافتا إلى أن العمليات الإغاثية الطارئة تواجه «تحديات ضخمة» في ظل «نظام صحي منهار بالكامل».

وعن تلك التحديات، قال تركمان إنهم يواجهون «مشاكل كبيرة جدا في توفير الإمدادات الطبية بسبب عدم قدرة موظفين دوليين وأمميين على الوصول للمناطق المنكوبة».

واستكمل قائلا: «ما زلنا ننتظر وصول شاحنات برنامج الأغذية العالمي إلى جنوب دارفور، لكنها لم تصل بعد».

وأشار إلى أن «المخاطر الأمنية والعوائق البيروقراطية أعاقت وصول مساعدات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى»، كانت منظمته تتوقع وصولها للسودان.

الأوبئة والمجاعة

وعن انتشار الأوبئة، قال تركمان إن منظمته تكافح انتشار مرض «الملاريا» في جنوب دارفور.

وفيما يتعلق بالجهود المبذولة في إطار ذلك، قال: إن مكافحة هذا المرض يتم عبر «إنشاء نقاط صحية متنقلة».

وأكد أن «الكوليرا» تفشى في 9 ولايات بالسودان، لافتا إلى «اتخاذ تدابير للسيطرة على الأوبئة»، دون ذكرها.

وحول تأثير الأزمة على الأطفال، قال تركمان إن «معدلات سوء التغذية بين الأطفال في جنوب دارفور تجاوزت حدود الطوارئ».

وتابع: «أزمة نقص الغذاء الحادة وصلت إلى مستويات كارثية ونقص الغذاء يؤثر بشكل كبير على الأطفال».

وحذر من أن آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت جوعا، لافتا إلى أن الكثير من السودانيين يكتفون بوجبة واحدة أو أقل يوميا.

وأشار إلى أن «حجم الأزمة الحقيقي غير ظاهر بوضوح لأن الوضع لم يتم تقديره بشكل كامل»، متابعا «نحن في حالة طوارئ، ونحاول منع حدوث وفيات جماعية».

وطالب المنظمات الإنسانية الدولية والأمم المتحدة والمتبرعين الدوليين بـ«بذل جهود عاجلة لإرسال كميات ضخمة من المساعدات للسودان».

وفي 7 سبتمبر الجاري، قال برنامج الأغذية العالمي في منشور على «إكس»، إن استمرار حرب السودان يُعرض نصف السكان للجوع الشديد، في أول مجاعة مؤكدة بالعالم منذ 2017.

مقالات مشابهة

  • وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق
  • الفرق بين مؤيدي ومعارضي الحرب !
  • الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان
  • كوكب يرسم صورة للمستقبل البعيد للحياة على الأرض
  • من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لكِ الله يا مصر ( ٩ )
  • أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال
  • الحرب ,,, والموبقات الثلاث
  • تكريم نيللي ومنير العرقي في ختام مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما
  • محمد وداعة: ام .. المعارك
  • المجاعة تنهش السودان.. الملايين على حافة الموت والمساعدات الدولية متعثرة