وسط الحالة التي صنعتها حركة "حماس" في فلسطين، والتي دفعت دوائر غربية وأوروبية إلى المسارعة في تلبية طلب المحتل الإسرائلي بتصنيفها حركة إرهابية، ما يسهل مهمة الإبادة البشرية القائمة حاليا في غزة والأراضي الفلسطينية، يقف التاريخ ليدون الأمر، مستذكرا حالات سابقة، حشرت خلالها القوى الاستعمارية الغربية حركات تحرر وطني في خانة الإرهاب، طالما قاوموا المستعمر بالسلاح، لتبدأ مهمة الإبادة، وسط صمت دولي.

الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليا في غزة، تقوم على ذلك الأساس المشابه لجرائم ارتكبها الاحتلال الفرنسي بحق الجزائريين، عقابا على مقاومتهم، وكذلك المحتل الإيطالي في "ليبيا عمر المختار"، وأيضا المحتل الأمريكي في فيتنام والعراق وأفغانستان.

هذه أبرز ثلاثة حالات تاريخية، شيطن فيها المستعمر حركات المقاومة ليبدأ مهمة الإبادة والعقاب، والتي فشلت في النهاية في تحقيق أهدافها.

اقرأ أيضاً

الكونجرس يجرم التضامن مع حماس وحزب الله بالجامعات الأمريكية

الحالة الجزائرية

شبه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وصف الفلسطينيين بـ"الإرهابيين" بما كان يصف به المستعمرون الفرنسيون الجزائريين إبان ثورة التحرير (1954-1962)، مشددا على أن "الفلسطينيين ليسوا إرهابيين ولن يكونوا إرهابيين.. ومن يدافع عن الحق والأرض وعن وطنه ليس إرهابيا".

وأشار تبون إلى مقولة الشهيد الجزائري العربي بن مهيدي، أحد قادة ثورة التحرير، الذي هاجمه الفرنسيون بعد أسره في 1957 بسبب استعمال الثوار الجزائريين القنابل التقليدية المخبأة في قفف وحقائب نسائية، وتفجيرها في حانات ومقاه يرتادها المستوطنون، فرد عليهم "أعطونا طائراتكم نعطكم قففنا".

وبعد أكثر من نصف قرن من هذا التاريخ، وبالضبط في 2012، وقع نقاش بين المناضلة الجزائرية زهرة ظريف بيطاط، التي شاركت في عمليات "القفف المفخخة"، والفيلسوف الفرنسي اليهودي بيرنار هنري ليفي، في مدينة مارسيليا الفرنسية.

وحاول ليفي إدانة بطاط، بالحديث عن قضيتها العادلة باستخدام وسائل "غير إنسانية"، وردّت بيطاط بأنهم لم يكونوا يملكون أسلحة متطورة ولكنهم حاربوا المستعمر بـ"الوسائل الممكنة".

ويروي العقيد الطاهر الزبيري، قائد أركان جزائري أسبق، عن الرئيس الجزائري ووزير الخارجية الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، عندما طالبه أحد الرؤساء الفرنسيين السابقين بتعويضات عن أملاك (المعمرين) المستوطنين الفرنسيين الذين تركوها في الجزائر بعد استقلالها، فطالبه بوتفليقة (الرئيس السابق) بتعويضات عن حرق 8 آلاف قرية جزائرية.

وكانت مساندة الشعب الجزائري للثوار "دموية"، حيث سوى الاحتلال الفرنسي قرى كاملة بالأرض، وهجر سكانها ووضعهم في محتشدات تحت الحراسة، لحرمان الثوار من أي دعم لوجيستي.

وكانت ضريبة الحرية ضخمة، إذ خسرت الجزائر مليون ونصف مليون شهيد في أقل من 8 سنوات، رغم أن عدد سكانها بعد الاستقلال كان في حدود 6 ملايين نسمة فقط، مقابل مقتل 23 ألفا و652 عسكري فرنسي في الفترة نفسها، وفق معطيات الجيش الفرنسي وتقديرات مؤرخين.

اقرأ أيضاً

أعلن إلغاء زيارته لدولة الاحتلال.. أردوغان: حماس ليست إرهابية بل حركة تحرر (فيديو)

الحالة الليبية

أحد الأمثلة الصارخة لأبطال التحرر الذين وصمهم مستعمرو بلادهم بأشنع الصفات زعيم المقاومة الليبية عمر المختار، الذي حارب الاحتلال الإيطالي طيلة 20 عاما (1911-1931).

وعندما أُسر عمر المختار، ثم عرض لاحقا على المحاكمة وجهت له تهم التمرد والعصيان والخيانة، وأعدم شنقا في 16 سبتمبر/أيلول 1931، أمام نحو 20 ألفا من الأهالي (السكان المحليين) والمعتقلين الذين أحضروا لمشاهدة إعدام "الأسطورة الذي لا يهزم أبدا".

لكن "المتمرد" عمر المختار، تحول بعد شنقه إلى رمز بل أسطورة للمقاومة والتحرر، ليس فقط في نظر الليبيين بل في عيون العالم وحتى مستعمريهم السابقين.

ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وضع القنصل العام لإيطاليا كارلو باتوري الورود على ضريح عمر المختار في بنغازي.

وقال "أعرب خلال السنوات الماضية الكثير من القادة المهمين في بلادي عن أسفهم نيابة عن الشعب الإيطالي، وعن المؤسسات الرسمية الإيطالية، للمعاناة الكبيرة التي سببت للشعب الليبي نتيجة الاستعمار، وبصفتي مسؤولا في الدولة الإيطالية، التي أتشرف بالانتماء إليها، أجدد أنا أيضا وبصدق في هذا اليوم التعبير عن هذا الأسف".

اقرأ أيضاً

في الذكرى الـ86 لاستشهاده.. «عمر المختار» سيرة نضالية خالدة

الحالة الفيتنامية

اتهام حماس بـ"الإرهاب" ليس سوى حلقة مكررة من مواجهات "الاستعمار والتحرر"، وعلى حد قول بطل معركة "ديان بيان فو" (ضد القوات الفرنسية) الجنرال الفيتنامي "فو نغوين جياب"، فإن "الاستعمار تلميذ غبي، لا يفهم إلا بتكرار الدروس".

فالتفوق العسكري الساحق لجيوش المستعمرين لا يمكن أن يتغلب على إرادة الشعوب التي تكافح من أجل التحرر حتى لو اتُهمت بـ"الإرهاب".

وتدخلت الولايات المتحدة عام 1955 في فيتنام وشكلت حكومة موالية لها في الجنوب لكي تقف بوجه ما زعمت أنه "زحف شيوعي"، في حين سعى الفيتناميون الشماليون إلى توحيد البلاد.

وخاض الشعب الفيتنامي ومن ورائه جيش التحرير الفيتنامي حرب عصابات تحررية، اتهمها الغرب بـ"الإرهاب"، لكنه استطاع في النهاية تحرير وطنه وجرى الإعلان في الثاني من يوليو/ تموز 1976 عن قيام جمهورية فيتنام الاشتراكية الموحدة بعد 22 عاما على تقسيم البلاد.

وعلى هذا النحو، أثبتت حركات التحرر الوطني في هذه التجارب أنه ليس هناك شعب خسر حربا لتحرير نفسه من الاستعمار.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حماس فلسطين الجزائر ليبيا عمر المختار فيتنام عمر المختار

إقرأ أيضاً:

هل الإبداع وسيلة تحرر أم موهبة فقط؟

 

 

سالي علي

 

الإبداع ليس مجرد موهبة؛ بل هو بمثابة وسيلة للتحرر؛ إذ يمنح الأفراد القدرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بشكلٍ فريد؛ مما يساعدهم على اكتشافِ هويتهم وتجاوزِ القيود الاجتماعية أو الثقافية.

وهنا يطرحُ السؤال نفسه، كيفَ يُسهم الإبداع في التحرر؟

يسهم من خلال تعبير الذات حيث يُمكن للإبداع أن يكون وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر التي قد تكون غير مقبولة في بعض المجتمعات، مما يساعد الأفراد على التحرر من القيود المفروضة عليهم، ومن خلال استكشاف الناس للهوية وذلك من خلال فهم أنفسهم بشكلٍ أفضل مما يعزّز الشعور بالتحررٍ الداخلي. كما إنّ تغيير المفاهيم يُمكّن الأعمال الإبداعية لأن تتحدى الأعرافَ السائدة وتفتح بابَ النقاش حولَ مواضيع قد تكون محظورة أو مُهملة مما يُسهم بتغيير المفاهيم الاجتماعية والثقافية، علاوة على أن تنمية التفكير النقدي يعزّز ويشجّع الأفراد على طرحِ الأسئلة والتفكير بشكلٍ مستقل مما يساعدُ في التحرر من التفكير النمطي ويُمكن الأفراد من اتخاذ خطوات نحو التحرر الشخصي.

لذا يُمكن اعتبار الإبداع أداة قوية للتحرر من القيود والضغوط، ويساهم في تحقيق الذات وتطوير المجتمعات.

وأحد أهم الكتاب الذين تناولوا فكرة الإبداع يحرر الإنسان من عقده هو الفيلسوف النمساوي سيجموند فرويد، مؤسس علم النفس التحليلي، في نظرياته حول التحليل النفسي اعتبر فرويد أنّ الأنشطة الإبداعية مثلَ الفن والأدب تعملُ كآليات دفاعية، حيث يمكن للفرد من خلالها التعبير عن رغباته المكبوتة وصراعاته الداخلية بطرقٍ مقبولة اجتماعيًا.

ويُشير فرويد إلى أنّ الإبداع يسمحُ للإنسان بتحويل طاقاته النفسية إلى مخرجاتٍ فنية أو أدبية، وبالتالي تحررهُ من الضغوطِ والصراعات النفسية.

وهنا كارل يونغ عالم النفس الشهير وتلميذ فرويد السابق، والذي أشار في نظرياته إلى أن الإبداع هو وسيلة لتحقيق التكامل النفسي، حيث يمكن للأفراد التعبير عن اللاوعي الجمعي من خلال الرموز والإبداع، مما يساعدهم في التحرر من الصراعات الداخلية وتحقيق التوازن النفسي.

أيضًا، تناول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه هذه الفكرة، فهو رأى أن الإبداع والتحول الذاتي بمثابة وسائل أساسية للتحرر من القيود الاجتماعية والأخلاقية التقليدية، والوصول إلى تحقيق الذات

وفي الأدب يمكن أيضًا الإشارة إلى هربرت ماركوز في كتابه "الإنسان ذو البعد الواحد"؛ حيث تناول فكرة أن الإبداع هو طريقة للتحرر من المجتمع الرأسمالي الصناعي والقيود التي يفرضها على الفرد، وهو يرى بأن الإبداع يمكن أن يكون أداة للمقاومة والتحرر الشخصي والاجتماعي.

ومن هنا فإن الكثير من الكتاب والفلاسفة، تناولوا مفهوم الإبداع كوسيلة للتحرر من القيود النفسية والاجتماعية، فمنهم من ركز على الجانب النفسي ومنهم من ركّز على الجانب الفلسفي أو الاجتماعي.

سيجموند فرويد تناول فكرة الإبداع وتحرير الإنسان من عقده في عدة أعمال، ومن أبرزها كتاب "مستقبل وَهْمٍ"، وفي هذا الكتاب يشير فرويد إلى أن الأنشطة الإبداعية وبما في ذلك الفنون والكتابة تُعبر عن محاولة الإنسان للبحث عن السعادة والهروب من الواقع القاسي. ويوضح فرويد كيف يمكن للإبداع أن يكون متنفسًا للرغبات المكبوتة ويُساهم في تخفيف التوترات النفسية.

وهناك كتاب "التعبير الفني والتحليل النفسي"، وفي هذا الكتاب، يناقش فرويد كيف يمكن للأعمال الفنية والأدبية أن تكون بمثابة تنفيس عن الرغبات المكبوتة والأفكار المكبوحة في اللاوعي. ويرى أنّ الإبداع يتيحُ للإنسان التعامل مع التوترات والضغوط النفسية من خلال تحويلها إلى أشكالٍ رمزية في الفن أو الأدب مما يُحرره من هذه الصراعات.

كما إن نظريته عن التحويل (Sublimation) في إطار التحليل النفسي، طرحت مفهوم التحويل وهي عملية يوجه فيها الفرد رغباته المكبوتة والطاقة النفسية الناجمة عنها إلى أنشطة مقبولة اجتماعيًا، مثل الفن أو العلم. ويعتبر فرويد أن هذه العملية تُمكّن الإنسان من تحويل الطاقة النفسية المكبوتة إلى إبداعات مفيدة، مما يساعد في تقليل الصراعات الداخلية.

وفي دراسته عن ليوناردو دافنشي، يقدم فرويد تفسيرًا نفسي لسيرة الفنان ليوناردو دافنشي، موضحًا كيف أنّ إبداع ليوناردو يمكن تفسيره كعملية تحويل لرغباته المكبوتة وطاقته النفسية إلى إبداعات فنية، مما يُظهر الجانب العلاجي للإبداع في التغلب على الصراعات الداخلية.

يشير فرويد إلى أنّ الإبداع ليسَ مجرد موهبة؛ بل وسيلة للإنسان للتعبير عن صراعاته الداخلية والتخفيفِ من عقده النفسية عبر تحويل طاقاته ورغباته المكبوتة إلى أعمال إبداعية.

وختامًا يمكن القول إنّ الإبداع ليس مجرد نشاط فني أو فكري؛ بل هو أداة نفسية فعّالة يستخدمها الإنسان للتعبير عن صراعاته الداخلية وتجاوز قيوده النفسية من خلال تحويل الرغبات المكبوتة والصراعات إلى أشكال إبداعية مقبولة اجتماعيًا، يحقق الفرد نوعًا من التحرر الداخلي يعزز من توازنه النفسي ويدفعه نحو تحقيق ذاته

ولقد رأى فرويد في الإبداع عملية تنفيس وتحرير؛ حيث يمكن للفرد عبره أن يتصالح مع رغباته المكبوتة ويعيد تشكيل عالمه النفسي؛ مما يجعل الإبداع في نهاية المطاف وسيلة جوهرية للتحرر النفسي والإنساني.

مقالات مشابهة

  • أبرز تجارب النجوم التي ناقشت مرض الصدف (تقرير)
  • ماكرون يقر بقتل فرنسا الثائر الجزائري بن مهيدي
  • من وعد بلفور إلى إبادة غزة… جرائم الاستعمار والصهيونية مستمرة
  • تزايد تأييد المقاومة بين فلسطينيي الداخل المحتل.. ومخاوف من انتفاضة
  • السعودية.. تنفيذ الإعدام بحق مواطنين أدينا بـالإرهاب
  • وسائل إعلام العدو الإسرائيلي تتحدث عن دوي صفارات الإنذار في مستوطنة المطلة في الجليل المحتل
  • المرور تحرر 33 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة
  • الخامسة خلال ساعات.. فصائل مسلحة عراقية تستهدف هدفاً لقوات الاحتلال بالجولان
  • هل الإبداع وسيلة تحرر أم موهبة فقط؟
  • اليمن تدين قوانين الاحتلال بحظر ‘‘الأونروا’’ في فلسطين