في العمق : أعضاء مجلس الدولة وطموحات متعاظمة لبناء عمان المستقبل
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
أصدر حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مرسومًا سلطانيًّا ساميًا رقم (75/2023) بتسمية أعضاء مجلس الدَّولة للفترة الثامنة (2023- 2027)، تأكيدًا لدَوْر مجلس الدَّولة في تحقيق رؤية «عُمان 2040» ومسؤوليَّاته في برامج التنمية الوطنيَّة المستدامة، خصوصًا في مجال تطوير التشريعات والقوانين، والَّتي شكَّلت هاجسًا كبيرًا وأولويَّة في اهتمامات جلالة السُّلطان المُعظَّم لبناء عُمان للمستقبل؛ وأثمرت الفترة السابقة عن إصدار العديد من التشريعات والقوانين بالشَّكل الَّذي ضَمن تهيئة البنية التشريعيَّة والتنظيميَّة لمواكبة التطوُّر الحاصل في مختلف المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتقنيَّة، ودَوْر التشريع في خلق مسارات التوازن والاحترافيَّة والكفاءة في مَسيرة العمل الوطنيَّة، الأمْرُ الَّذي يُلقي على المنظومة التشريعيَّة والَّتي يُمثِّل مجلس الدَّولة أحَد أهمِّ أركانها مسؤوليَّة القيام بهذا الدَّوْر.
يُمثِّل مجلس الدَّولة أحَد جناحَيْ مجلس عُمان وهو بتشكيلته وما يضمُّه من كفاءات وخبرات وطنيَّة وأصحاب المؤهلات العلميَّة والإمكانات والقدرات في مختلف المجالات، ممَّن مارسوا العمل الثقافي والأكاديمي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري والأمني والتشريعي، تأكيدًا على حرص جلالة السُّلطان المُعظَّم على بناء قدرات وطنيَّة تمتلك الكفاءة والنزاهة والمسؤوليَّة لِمواكبة متطلَّبات بناء عُمان المستقبل، وتتواكب مع متطلَّبات المرحلة الراهنة، والتوجُّهات والأولويَّات الوطنيَّة، وفي تحليل أصدرته وكالة الأنباء العُمانيَّة لتشكيلة أعضاء مجلس الدَّولة للفترة الثامنة، فقَدْ بلغ عدد الأعضاء (86) عضوًا، بالإضافة إلى رئيس المجلس، حيث يُشكِّل حمَلة مؤهل الدكتوراه مِنْهم (55%) وحملة مؤهلات البكالوريوس والماجستير (44%)، ومن حيث تخصُّصات الأعضاء فقَدْ بلغت نسبة ذوي التخصُّصات الاقتصاديَّة والقانونيَّة والتقنيَّة والاتِّصالات وإدارة الأعمال (47%)، في حين بلغت نسبة ذوي التخصُّصات الأكاديميَّة والهندسيَّة والطَّاقة وعلوم البيئة (40%) و(13%) مِنْهم للتخصُّصات في مجالات متعدِّدة أخرى، تربويَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة وغيرها، وحظِيَتِ المرأة بنصيب من المقاعد في التشكيلة الجديدة للمجلس بواقع (18) امرأة، وعَلَيْه فإنَّ ما تحمله هذه التشكيلة من تنوُّع في الخبرات والتخصُّصات لصالح الكفاءة العلميَّة والمهنيَّة والتطبيقات والممارسات والمبادرات الَّتي تخدم أولويَّات رؤية «عُمان 2040»، يُشكِّل قِيَمة مضافة يُحقِّقها مجلس الدَّولة في إطار ممارسته لمهامه واختصاصاته.
وعَلَيْه، فإنَّ إسقاط هذه التحوُّلات النوعيَّة والإيجابيَّة في تشكيلة أعضاء مجلس الدَّولة لصالح تعظيم الكفاءة وحضور الشَّباب في مَسيرة عمل المجلس يتناغم مع طبيعة المرحلة الحاليَّة وتسارع المستجدَّات وتعاظم الطموحات، بما تتطلبه من العمل الريادي البرلماني والشراكة الاستراتيجيَّة، والَّذي يضعُ مجلس الدَّولة كواجهة رسميَّة لها مكانتها على الصعيد الوطني والدولي، في ظلِّ ممارسة المجلس لاختصاصاته الَّتي حدَّدها النظام الأساسي للدولة، في شأن مجلس عُمان حيث نصَّت المادَّة(72) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني (6/2021) «يختصُّ مجلس عُمان بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين، ومناقشة خطط التنمية والميزانيَّة العامَّة للدَّولة، وله اقتراح مشروعات القوانين، وذلك على النَحْوِ الَّذي يبَيِّنه القانون»، كما فصَّل قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السُّلطاني (7/2021)، الاختصاصات التشريعيَّة المشتركة بَيْنَ مجلسَي الدَّولة والشورى في إطار الثنائيَّة البرلمانيَّة، ذات الصِّلة بإقرار أو تعديل، واقتراح مشروعات القوانين، في المواد (47) و(48) و(49) و(50)؛ وكذلك المادَّة (52) فيما يتعلق بإحالة مشروعات خطط التنمية والميزانيَّة العامَّة للدَّولة، في حين اختصَّت المادَّة (53) من قانون مجلس عُمان؛ مجلس الدَّولة، فـ»بالإضافة إلى اختصاصاته الأخرى المنصوص عَلَيْها في هذا القانون يجوز لمجلس الدَّولة ـ من تلقاء نَفْسِه ـ دراسة ومناقشة الموضوعات المتَّصلة بتنفيذ الخطط التنمويَّة، وتقديم مقترحاته بشأنها إلى الحكومة، كما يجوز له تقديم المقترحات والدِّراسات الَّتي تُسهمُ في ترسيخ القِيَم الأصيلة للمُجتمع العُماني والمحافظة على منجزاته».
ومن منطلق مكانة مجلس الدَّولة كبَيْتِ خبرة رفيع المستوى، الناتجة عن تنوُّع الخبرات الَّتي يمتلكها أعضاء المجلس في كافَّة المجالات، والَّتي جسَّدتها المادَّة (6) من قانون مجلس عُمان (7/2021) «يتمُّ اختيار أعضاء مجلس الدَّولة من الَّذين قضوا سنوات طويلة في الخدمة في وحدات الجهاز الإداري للدَّولة وغيرها من الأشخاص الاعتباريَّة العامَّة، ومن الشخصيَّات الَّتي أدَّت خدمات جليلة للوطن، ومن المشهود لَهُمْ بالكفاءة والخبرة في مجالات العِلْم والأدب والثقافة، ومن أساتذة الجامعات والكُلِّيَّات والمعاهد العُليا، ومن الأعيان ورجال الأعمال، وكذلك مَن يرى السُّلطان اختياره من غير هذه الفئات»؛ فقَدْ عمل مجلس الدَّولة طوال مَسيرته التنمويَّة وعلى مدى فتراته المُتعاقبة، على تحقيق مهامه واختصاصاته بكُلِّ كفاءة، ونالَ ثقة المقام السَّامي بما يُحال إليه من مواضيع لدراستها؛ كما تمكَّن من تحقيق العديد من الإنجازات النوعيَّة في إطار مُمارسته لصلاحيَّاته التشريعيَّة في إقرار أو تعديل، واقتراح مشروعات القوانين، حيث منحت المادَّة (53) المشار إليها مساحة أكبر للمجلس في اقتراح وتنفيذ الدراسات ذات الصِّلة بالعديد من القضايا الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتطويريَّة، وأتاحت له دعوة مسؤولي الوحدات الحكوميَّة والخاصَّة لتسليطِ الضوء على موضوع له علاقة بوحداتهم ومناقشته معهم للخروج بتوصيات تخدم المصلحة العامَّة.
ويبقى أن نشيرَ إلى أنَّه ما كان لمجلس الدَّولة أن يقومَ بهذه الجهود الَّتي جسَّدها المنتج التشريعي ممثلًا في جملة التشريعات والقوانين المُحالة إلى المجلس وفق الدَّوْرة التشريعيَّة لمجلس عُمان أو فيما يتعلَّق بالدراسات الَّتي يقوم بها المجلس، إلَّا في ظلِّ استشعار رئاسة المجلس ومكتب المجلس والأعضاء والأمانة العامَّة للمجلس بأهمِّية وضع الثقة السَّامية لجلالة السُّلطان مسارًا للعمل الجادِّ والمُخلِص تحقيقًا للغايات الوطنيَّة والأهداف الَّتي أرادت القيادة الحكيمة تحقيقها من المجلس، الأمْرُ الَّذي يعودُ بنا إلى التأكيد على أهمِّية استشعار قواعد السلوك الَّتي حدَّدها النظام الأساسي للدَّولة وقانون مجلس عُمان، وفصَّلت فيها اللائحة الداخليَّة للمجلس الصادرة بقرار رئيس المجلس (71/2019) حيث حدَّدت اللائحة في أحكام العضويَّة، حقوق الأعضاء والحصانة المقرَّرة لَهُمْ، ونصَّت المادَّة (16) على أنَّ: حُرِّيَّة التعبير عن الرأي مكفولة لأعضاء المجلس كافَّة، ولا يجوز مؤاخذة العضو عمَّا يُبديه أمام المجلس أو اجتماعات المكتب أو اللجان من آراء أو أقوال في الأمور الَّتي تدخل في اختصاصات المجلس؛ كما حدَّدت اللائحة» واجبات الأعضاء وجزاءات الإخلال بها؛ وفصَّلت المواد (25، 26، 27)، فيما يتعلَّق بوجوب انتظام العضو في حضور جلسات المجلس أو اجتماعات المكتب أو اللجان، وجاء في المادَّة (28) «يُحظر على العضو القيام بأيِّ من الأفعال الآتية: إفشاء وقائع جلسات المجلس غير العلنيَّة أو اجتماعات المكتب أو اللجان؛ والسَّماح لغير أعضاء المجلس بالاطلاع على جدول الأعمال ومرفقاته ومضابط ومحاضر الجلسات، ومحاضر المكتب أو اللجان»؛ ونصَّت المادَّة (29) «يُحظر على العضو في جميع الأحوال وبصفة عامَّة أن يسمحَ باستغلال صفته في الحصول على مزايا خاصَّة له أو لأيٍّ من أقربائه حتَّى الدرجة الرابعة، أو إثارة أيِّ موضوع أمام المجلس أو أحَد أجهزته يتعلَّق بمصلحة شخصيَّة له أو لِمَن تربطه بهم صلة قرابة أو علاقة خاصَّة». كما نصَّت المادَّة (30) «لا يجوز للعضو أن يأتيَ أفعالًا داخل المجلس أو خارجة تخالف أحكام النظام الأساسي للدولة أو القانون أو أحكام اللائحة، وعَلَيْه أن يراعيَ الاحترام الواجب للدَّولة وأصول اللياقة مع أعضاء المجلس ورئاسة الجلسة أو مع الغير». وتناولت المادَّة (31) الجزاءات الَّتي أجازت للمجلس توقيعها على العضو الَّذي يخلُّ بواجبات العضويَّة أو يرتكب عملًا من الأعمال المحظورة عَلَيْه، كما فصَّلت في ذلك المواد (32، 33) من اللائحة.
وبالتَّالي ما يعنيه ذلك من أهمِّية استصحاب عضو مجلس الدَّولة صفة العضويَّة أيْنَما كان وحيثما حلَّ، في التزامه بالمعايير والقواعد المنصوص عَلَيْها في التشريعات والقوانين وأحكام اللائحة، فيدرك أنَّ الأنظار موجَّهة إليه، لذلك عَلَيْه أن يحسبَ لتحرُّكاته وسكَناته وتصرُّفاته، ويقيسَ سلوكه ويزنَه بمعايير القِيَم والمبادئ والذَّوق الرفيع، كما يضع في مسؤوليَّاته التزامه بالمظهر الحَسَن والمزاج العامِّ الَّذي يجِبُ أن يظهرَ به في الأماكن العامَّة، أو في ظهوره الإعلامي، وفي منصَّات التواصل الاجتماعي وأمام الشاشات الفضائيَّة وكاميرات التصوير، وحضور الاحتفالات ومشاركته أو رعايته للمناسبات المُجتمعيَّة، وحديثه الصحفي لوسائل الإعلام، ونقله لأخبار المجلس أو تصريحه بها، واضعًا المادَّة (28) وغيرها من أحكام اللائحة الداخليَّة للمجلس محلَّ اهتمامه، وهي أحكام وقواعد أصيلة ومَرِنة تُعبِّر عن الهُوِيَّة والثوابت والمبادئ والأصالة العُمانيَّة، وتستهدف بناء شخصيَّة رجالات الدَّولة؛ الَّذين يلتمس فيهم الوطن النزاهة والمصداقيَّة، والتجرُّد من المصالح الشخصيَّة، والقدوة والنموذج والمثال في العطاء والإنتاجيَّة والمحافظة على معادلة القوَّة والتوازن في السلوك البرلماني والتشريعي، وبما يضْمَن الحفاظ على نزاهة وكفاءة عضو مجلس الدَّولة في الوفاء باستحقاقات التكريم السَّامي لصفة عضو المجلس والحصانات والواجبات والمسؤوليَّات المترتبة على هذه الثقة، وانتفاء حالة المصلحة الشخصيَّة الَّتي قَدْ تؤثِّر على عملهم.
أخيرًا، فإنَّنا نبارك للمكرَّمين أعضاء مجلس الدَّولة الثِّقة السَّامية، ونرجو لَهُمْ دوام التوفيق.
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: مشروعات القوانین أعضاء المجلس المجلس أو ة للمجلس ة العام ت الماد ن مجلس
إقرأ أيضاً:
مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب
قالت اللجنة التنسيقية للقاءات المشتركة بين أعضاء مجلسي النواب والدولة في ليبيا إن أعضاء مجلسي النواب والدولة « لا يحتاجون لموافقة أحد من أجل الاجتماع بأي مكان يرون توفر الظروف الملائمة به للنجاح سواء داخل البلاد أو خارجها ».
جاء ذلك ردا على رسالة الطاهر سالم الباعور، المكلف بتسيير مهام وزارة الخارجية، الذي راسل وزير الخارجية ناصر بوريطة معربا عن « استغراب » الخارجية الليبية، من استضافة المملكة المغربية لجلسة حوار بين عدد من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، الأربعاء، مدعيا أنه لم يكن هناك أي تنسيق مسبق أو اتباع الإجراءات الدبلوماسية المتعارف عليها في مثل هذه اللقاءات ».
وفي نفس السياق عبر المجلس الأعلى للدولة عن استغرابه العميق من البيان الصادر عن وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية بشأن جلسات الحوار التي تم عقدها بين المجلسين الأعلى للدولة والنواب في المغرب، بناءً على طلب من أعضاء المجلسين، بعد اللقاء الأول الذي جمعهما بجمهورية تونس بتاريخ 28 فبراير 2024 ، واللقاء الثاني الذي عُقد في جمهورية مصر الشقيقة بتاريخ 18 يوليو 2024.
وأوضح المجلس أن مطالبة وزارة الخارجية المغربية بالتنسيق المسبق مع وزارة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية قبل عقد أي جلسات حوار بين المجلسين، « يعد تدخلا سافرا في شؤون المجلسين » وينم عن قصور معرفي بحدود السلطة التنفيذية وجهل مركب بمبدأ الفصل بين السلطات يستوجب المساءلة، منوها أن المجلس هو جهة تشريعية مستقلة، ينشأ السلطة التنفيذية ولا يقع تحت سلطتها.
كما وضح المجلس أن دور وزارة الخارجية هو تهيئة الظروف وتقديم الخدمات لأعضاء السلطة التشريعية داخل البلاد وخارجها متى ما قرروا ذلك وفقا لأوامر تصدر عنهم، وليس من حق الوزارة الاعتراض على أعمالهم.
وتوجه المجلس بخالص الشكر والتقدير للملكة المغربية، ملكاً وحكومة وشعبا، على ما تبذله من مساعي حميدة لتقريب وجهات النظر بين الليبيين في سبيل حل الأزمة الليبية.
وكانت اللجنة التنسيقية قالت في بيان: »يدرك أعضاء المجلسين حجم المسؤولية المنوطة بهم وما حصل من توافق سيتم البناء عليه المزيد من العمل المشترك حتى نصل لتوحيد مؤسسات البلاد وللانتخابات واعادة الامانة لأهلها ».
وتوجهت اللجنة التنسيقية للقاءات المشتركة بين أعضاء مجلسي النواب الدولة في ليبيا بالشكر للمملكة المغربية
« على الاستضافة الكريمة وحسن الاستقبال » إثر « انتهاء أعمال اللقاء المشترك الناجح » لأعضاء مجلسي النواب والدولة الذي عقد بالمملكة المغربية بناء على طلب أعضاء المجلسين لمتابعة واستكمال نتائج اللقاءات السابقة التي عقدت بتونس والقاهرة.
وجاء في بيان اللجنة ان « هذا ليس بغريب على المملكة الشقيقة التي احتضنت العديد من الحوارات بين الليبيين ولم تدخر جهدا لدعم توافق الليبيين وتقاربهم ».