جلسة بـمعرض الشارقة للكتاب تناقش حركة المستقبلية الأفريقية في الأدب المعاصر
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
الشارقة في 4 نوفمبر/ وام / تحدث كلٌّ من وولي سوينكا الأديب النيجيري الحاصل على جائزة نوبل للآداب والشاعر السوداني عالم عباس محمد النور عن حركة "المستقبلية الأفريقية" أو ما يطلق عليها "أفروفيوتشريزم" في مرحلة ما بعد الحداثة والأدب المعاصر وكيف يمكن للأدب والشعر والفنون كسر الصورة النمطية المتداولة عن البلدان الأفريقية خلال جلسة حوارية بعنوان "إعادة تصور الهوية والثقافة الأفريقية في الأدب المعاصر" ضمن فعاليات الدورة الـ 42، من "معرض الشارقة الدولي للكتاب" الذي يقام في "مركز إكسبو الشارقة" تحت شعار "نتحدث كتباً".
وأشار سوينكا إلى أن حركة "المستقبلية الأفريقية" تشكل مزيجاً إبداعياً من الخيال العلمي والتاريخي والواقعية السحرية وتستخدمه كأداة لاستكشاف وإعادة تخيّل التجربة الأفريقية فمن خلال جمع عناصر متنوعة من التكنولوجيا والعادات والتقاليد الأصيلة والفخر والاعتزاز الثقافي نجح كتّاب حركة “المستقبلية الأفريقية” بتشكيل مساحة إبداعية فريدة يتداخل فيها الماضي والحاضر والمستقبل بطرق جميلة ومبتكرة وأصيلة.
وأكد أن كتّاب هذا النوع من الأدب يُقدّمون قصصاً تتحدى النظرة التقليدية للزمان والمكان أو "البُعد الزمكاني" مع الاحتفاء بثراء التراث الأفريقي حيث يستخدم هؤلاء الروّاد الأكاديميون في أعمالهم مجموعة واسعة ومتنوعة من الميثولوجيا والفلكلور والابتكارات التكنولوجية المتطورة لبناء مشهد سردي يحتفي بالمرونة والحيوية الثقافية.
وشدّد سوينكا على أن النقاشات حول مسألة الذات والهوية تعني أن الكثير من الخطوات قد قطعتْ في مشوار التأكيد على الخصوصية الأفريقية مضيفا أن استكشاف الذات هو العملية الأساسية في حركة “المستقبلية الأفريقية” لأنها تتعمق في التفاصيل المعقدة لمعنى الوجود الأفريقي في عالم متغير فمن خلال شخصياتهم الرئيسية يستكشف هؤلاء الكتّاب مفاهيم عالمية مثل النزوح والتطهير الثقافي والرحلة نحو اكتشاف الذات مُوفّرين رؤية فريدة تساعد القرّاء على التفكير في الطبيعة المتنوعة للتجربة الأفريقية.
من جانبه أشاد الشاعر السوداني عالم عباس محمد النور بمجهودات إمارة الشارقة الكبيرة من أجل الثقافة والإبداع موجها شكره لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي جعل الحبر يندلق لينبت ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
وتطرق في حديثه إلى سطوة الغرب وانجذاب الناس للثقافة الغالبة والطاغية والقياس عليها مشيرا إلى أهمية التقليل من سطوة الغرب علينا بالتخلي عن الأفكار ما بعد الاستعمارية التي تعيق رؤيتنا لذاتنا فلا نقدر على البناء للمستقبل.
وأوضح أن تأثير حركة "المستقبلية الأفريقية" لا يقتصر على مجال الأدب وإنما يمتد إلى أشكال فنية متنوعة حيث نجح إدخال العناصر الرئيسية لهذه الحركة في الجماليات الفنية الأفريقية بالمساهمة في النهضة العالمية وتمكين الأفراد المنحدرين من أصول أفريقية في جميع أنحاء العالم وتعزيز شعورهم بالفخر والاعتزاز والانتماء لجذورهم الثقافية.
عبد الناصر منعم/ بتول كشوانيالمصدر: وكالة أنباء الإمارات
إقرأ أيضاً:
الأدب المسرحي ضد العنصرية.. وفاة كاسر محرمات جنوب أفريقيا أتول فيوغارد
توفي الكاتب المسرحي الجنوب أفريقي أتول فيوغارد عن عمر ناهز 92 عاما، تاركا وراءه إرثا أدبيا ومسرحيا شكّل علامة فارقة في النضال ضد نظام الفصل العنصري.
ونعت بلدية مدينة كيب تاون -الأحد- هذا المسرحي البارز الذي واجه محرمات النظام العنصري من خلال أعماله الجريئة التي جمعت ممثلين من البيض والسود على خشبة المسرح، متحديا بذلك القوانين الجائرة التي حاولت فرض التفرقة العنصرية في جميع نواحي الحياة.
وفي بيان لها، أشادت بلدية كيب تاون بإسهامات فيوغارد، مؤكدة أن "كل من تأثر بفنه سيبقى يحمل إرثه الإبداعي"، لافتة إلى أنه "اشتهر بمواقفه الثابتة ضد نظام الفصل العنصري".
وُلد فيوغارد في 11 يونيو/حزيران 1932 ببلدة ميدلبورغ خلال حقبة كان فيها الفصل العنصري سياسة رسمية متجذرة تحرم السود من حقوقهم الأساسية.
وفي عام 1961 قدّم واحدة من أولى مسرحياته الكبرى "عقدة الدم"، والتي تناولت قصة أخوين غير شقيقين، أحدهما أبيض (أدى دوره فيوغارد نفسه)، والآخر أسود، يجتمعان على خشبة المسرح أمام جمهور مختلط، وهو أمر كان يعد سابقة خطيرة في ظل النظام العنصري.
لكن لم يطل الأمر حتى فرضت السلطات حظرا على الفرق المسرحية المختلطة، ومنعت وجود جمهور متنوع الأعراق في المسارح، مما دفع فيوغارد إلى التعاون مع فرقة "سربنت بلايرز" التي ضمت ممثلين سودا -بينهم جون كاني- لتقديم عروض مسرحية تتناول واقع الحياة في جنوب أفريقيا آنذاك.
إعلانومن أشهر مسرحياته "بوسمان ولينا" التي عرضت لأول مرة عام 1969، وتناولت قسوة الحياة التي يعانيها زوجان من السود، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2000 من بطولة داني غلوفر وأنجيلا باسيت.
تدور المسرحية حول شخصيتين من عرق مختلط، يعيشان منبوذين يتجولان في أراضٍ طينية بالقرب من نهر، وخلال رحلتهما يحاولان البحث عن جذورهما والمصالحة مع ماضيهما، لكنهما يواجهان صراعات داخلية وخارجية.
ووسط الظلام الذي يلف حياتهما يظهر رجل أسود يحاول سرد قصته، لكن حاجز اللغة يمنعهما من التواصل معه، ويتوفى الرجل الأسود بجانب نارهما، وفي لحظة نادرة وسط الألم واليأس تقرر "لينا" أن تغني وترقص.
كسر القيود المسرحيةمن جانبه، عبّر الممثل المسرحي الجنوب أفريقي جون كاني المعروف بصوته الأجش الذي ميز شخصياته في أفلام "مارفل" و"ديزني" عن حزنه الشديد لفقدان صديقه فيوغارد، مشيرا إلى أنهما تشاركا العمل معا منذ شبابهما.
ولم تكن شراكتهما مجرد تعاون مسرحي، بل كانت تحديا صريحا للنظام العنصري، إذ تجاهل الاثنان القوانين الجائرة، وعقدا تدريباتهما في الخفاء داخل الفصول الدراسية والمرائب هربا من مضايقات الشرطة.
وفي هذا السياق، أشادت صحيفة غارديان البريطانية عام 2012 بشجاعة فيوغارد، واصفة إياه بـ"الأفريكاني العنيد الذي ساعد في كشف وحشية نظام الفصل العنصري وظلمه الأعمى للعالم".
لم يقتصر تأثير فيوغارد على المسرح، بل امتد إلى السينما، إذ سُلطت الأضواء عليه مجددا عام 2006 عندما فاز فيلم "تسوتسي" المقتبس من قصة قصيرة كتبها عام 1961 بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، ليصبح أول فيلم جنوب أفريقي ينال هذا التكريم.
أما مسرحيته "السيد هارولد والصبيان" -التي استلهمها من سيرته الذاتية- فتدور أحداثها في خمسينيات القرن الماضي، وتتناول قضية التحيز العنصري من خلال العلاقة بين مراهق أبيض ورجلين أسودين يعملان لدى عائلته.
إعلان ثيمة المقاومةشكّلت مسرحيات أتول فيوغارد مرآة تعكس معاناة السود في جنوب أفريقيا، إذ تكررت في أعماله ثيمة المقاومة، ولا سيما في مسرحيتيه الشهيرتين "سيزوي بانزي مات"، و"الجزيرة"، واللتين كتبهما بالتعاون مع رفيقيه في النضال المسرحي جون كاني ووينستون نتشونا.
تناولت مسرحية "سيزوي بانزي مات" -التي عُرضت لأول مرة عام 1972- قضايا الهوية والكرامة الإنسانية، حيث تدور حول رجل أسود يجد بطاقة هوية لشخص متوفٍ، ويضطر إلى انتحال هويته للحصول على فرصة عمل، في إدانة واضحة للقوانين العنصرية التي فرضت قيودا مشددة على حركة السود في البلاد.
"صحيح أن نظام الفصل العنصري حصرني، لكنني فخور بالعمل الذي نتج عن ذلك، والذي يحمل اسمي"
أما مسرحية "الجزيرة" -التي استُلهمت من تجربة السجناء السياسيين في جزيرة روبن آيلاند حيث سُجن نيلسون مانديلا- فقد سلطت الضوء على القمع السياسي والمعاناة داخل المعتقلات من خلال قصة رجلين يقضيان حكما بالسجن مع الأشغال الشاقة.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية عام 1995 بعد عام من أول انتخابات ديمقراطية غير عنصرية في جنوب أفريقيا قال فيوغارد "صحيح أن نظام الفصل العنصري حصرني، لكنني فخور بالعمل الذي نتج عن ذلك، والذي يحمل اسمي".
وكان هذا الموقف انعكاسا واضحا لإيمانه بدور الأدب والمسرح باعتبارهما وسيلة قوية للمقاومة والتغيير.
إرث مستمر بعد زوال الفصل العنصريلم يتوقف فيوغارد عن استكشاف تداعيات الفصل العنصري حتى بعد انتهائه رسميا في عام 1994، إذ واصل في أعماله المسرحية استعراض إرث هذا النظام في جنوب أفريقيا الجديدة.
وفي مسرحية "الرجل الأول" الصادرة عام 1997 عاد إلى طفولته وتأملاته الشخصية، في حين ناقش في مسرحية "أرض الناس الجميلة" -التي كتبها في العقد الأخير من حياته- التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها البلاد بعد التحول الديمقراطي.
إعلانحصد فيوغارد خلال مسيرته الحافلة العديد من الجوائز، كان أبرزها جائزة توني الخاصة عام 2011 عن مجمل أعماله المسرحية -وهي واحدة من أرفع الجوائز المسرحية في العالم- تقديرا لإسهاماته الفريدة في الفن المسرحي.
كما منحته الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون جائزة تقديرية عن إبداعاته السينمائية والمسرحية.
وتأثر أتول فيوغارد بالنسيج القانوني والسياسي لجنوب أفريقيا، كما تأثر بكتاب عالميين مثل جورج أورويل وبرتولت بريخت وآرثر ميلر الذين استخدموا المسرح أداة نقدية لكشف الاستبداد والظلم.
وبفضل جرأته أصبح أحد الأسماء البارزة في حركة "المسرح الاحتجاجي"، والتي ظهرت في جنوب أفريقيا لمواجهة التمييز العنصري من خلال الأعمال الدرامية.
يذكر أن أعمال فيوغارد لم تكن تُعرض بسهولة في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري، إذ كانت تُمنع أو تُفرض عليها رقابة صارمة، مما اضطره إلى تقديم عروض سرية أو نقل مسرحياته إلى خارج البلاد، حيث لقيت إشادة واسعة في لندن ونيويورك ومدن أخرى.
ووُلد أتول فيوغارد عام 1932 في بلدة ميدلبورغ بجنوب أفريقيا لأب من أصول أيرلندية وفرنسية وأم أفريقية.
ونشأ في بيئة متواضعة بمدينة بورت إليزابيث، حيث التحق بمدارس محلية، قبل أن يدرس الفلسفة والأنثروبولوجيا في جامعة كيب تاون، لكنه تركها دون إكمال دراسته.
قضى فيوغارد فترة من حياته في التدريس، إذ عمل أستاذا مساعدا للكتابة المسرحية والإخراج بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو.
ورغم عودته إلى جنوب أفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري فإنه أعرب عن خيبة أمله من التحديات التي واجهتها البلاد في فترة ما بعد الفصل العنصري، وهي الخيبة التي يشترك فيها معه كثير من أبناء جيله من المناضلين ضد الفصل العنصري.