انضمت ميسي إليوت وكيت بوش وويلي نيلسون إلى قاعة مشاهير الروك ("روك أند رول هال أوف فايم")، مساء أمس الجمعة، في نيويورك، بحضور نخبة من الموسيقيين الأمريكيين، في أمسية ندد خلالها فنانون بالوضع الإنساني في قطاع غزة.

وشملت قائمة الفنانين أيضاً هذا العام، المغني الراحل جورج مايكل، ومغنية الروك شيريل كرو، وفرقة موسيقى آر أند بي "ذي سبينرز".

وجرى ضمهم إلى هذه القاعة الشهيرة التي انطلقت أولى حفلاتها السنوية عام 1986 وانفتحت مذاك على أنواع موسيقية مختلفة، بينها السول، والبلوز والـ"أر اند بي" والكانتري ثم الراب.
ووقف توم موريلو من فرقة "رايج أغينست ذي ماشين" الأمريكية، أمام عدسات المصورين حاملاً ورقة كُتب عليها "أوقفوا إطلاق النار"، على هامش الحفلة الموسيقية التي أقيمت في مركز باركليز في بروكلين.

"Who's to say what musicians might or might not be able to achieve with revolutionary intent?" - @tmorello of @RATMOfficial on the power of music #RockHall2023 pic.twitter.com/oxbf5wZwgP

— Rock Hall (@rockhall) November 4, 2023

ولم يتطرق موريلو علناً إلى الوضع في قطاع غزة المحاصر الذي يتعرض لقصف إسرائيلي عنيف، منذ الهجوم الدامي الذي شنته حركة حماس على أراضيها في 7 أكتوبر (تشرين الأول).
واكتفى الموسيقي بالقول "العالم تغيّر للناس العاديين، الذين يريدون الالتزام من أجل بلد وكوكب أكثر إنسانية وسلاماً وعدلاً"، وذلك لدى تسلمه الجائزة نيابة عن الفرقة التي استقطبت معجبين كثيرين بفضل موسيقاها والتزاماتها السياسية على السواء.

Get ur freak on! @MissyElliott makes history as the first female rapper inducted into the Rock & Roll Hall of Fame. #RockHall2023 pic.twitter.com/ETFnNyqw0N

— Rock Hall (@rockhall) November 4, 2023

وعقب خطابه الناري، اعتلت ميسي إليوت، أول نجمة هيب هوب تدخل قاعة المشاهير هذه، المسرح لإحياء عرض فني إثر تقديمها من جانب المغنية كوين لطيفة.
وقالت ميسي إليوت، معتمرة قبعة ذهبية لامعة ومرتدية بزة رياضية متجانسة، إنها "تشرفت" بهذا التكريم، مذكّرة بتزامن ذلك مع الذكرى السنوية الخمسين لنشوء موسيقى الهيب هوب هذا الصيف في نيويورك.

"الصفوف المقدسة"

وعند التعريف عن أيقونة موسيقى الكانتري ويلي نيلسون (90 عاماً) المتحدر من تكساس، تطرق الفنان ديف ماثيوز أيضاً إلى الصراع بين إسرائيل وحماس.
وقال "نعيش في عالم تُلقى فيه القنابل على الأطفال، ويتم الحديث عن أَضرار جانبية". لكنه أضاف "أشخاص مثل ويلي نيلسون هم الذين يمنحونني الأمل"، في إشارة إلى الناشط المناهض للحرب.

"Well I knew which side my bread was buttered. I took the knife as well". This is #GeorgeMichael Aretha AND Whitney approved. Recognize. This song is so deep & biographical. Freedom MTV unplugged. #RockHall2023 pic.twitter.com/SFWcl81dKG

— FangirlingWhileBlack (@FangirlWBTarot) November 4, 2023

وجرى الإعلان عن إدخال المغني الراحل جورج مايكل إلى القاعة العريقة من جانب زميله السابق في فرقة "وام!" أندرو ريدجلي. وأدّى ميغيل وآدم ليفين وكاري أندروود مجموعة متنوعة من أغنياته على المسرح، بينها "وان مور تراي".
ولفت أندرو ريدجلي إلى أن جورج مايكل الذي توفي عام 2016، "كان ليشعر بالسعادة والاعتزاز"، مضيفاً "كان جورج أحد أعظم المغنين في عصرنا، لقد شفى بآلامه وجعنا".
وغنت مغنية الروك شيريل كرو بعضاً من أشهر أغانيها، بينها "إف إت ميكس يو هابي" مع أوليفيا رودريغو، وانضم إليها لاحقاً ستيفي نيكس وبيتر فرامبتون.
وقالت شيريل كرو "لقد كرّست كل طاقتي للتعبير عن تجاربي من خلال الموسيقى والكلمات، وها أنا أحصل على مقابل عما قدمته".

      View this post on Instagram      

A post shared by Rock & Roll Hall of Fame (@rockhall)

تنوع

وقدّم مغني الراب "بيغ بوي" المغنية والمؤلفة الموسيقية البريطانية الشهيرة كيت بوش (65 عاماً) التي أعلنت سابقاً عدم تمكنها من حضور الحفل، لكنها قالت إنها "تتشرف" بالحصول على التكريم من "القلب النابض لصناعة الموسيقى الأميركية"، بحسب بيان.
واستطلعت القاعة آراء أكثر من ألف شخص من الموسيقيين والمؤرخين والعاملين في القطاع للمساعدة في عملية اختيار الأعضاء الجدد. ويمكن إدخال الفنانين هذا الموقع العريق بعد 25 عاماً على أول إصدار موسيقي تجاري لهم.

وتُعدّ قاعة مشاهير الروك أند رول، التي أنشئت في كليفلاند بولاية أوهايو في شمال الولايات المتحدة، إحدى ركائز صناعة الموسيقى. وقد عملت في السنوات الأخيرة، مثل "أكاديمية التسجيل" ("ريكوردينغ أكاديمي") القائمة على جوائز غرامي، على تجديد صورتها بعد انتقادات طويلة أخذت عليها هيمنة الذكور والبيض.
وتضم القاعة فنانات بارزات من أمثال ويتني هيوستن وأريثا فرانكلين ومادونا، لكنّ النساء يمثلن أقل من 100 من بين ما يقرب من ألف عضو في القاعة منذ عام 1986.
وعادت مشكلة صورة قاعة المشاهير هذه إلى الواجهة في وقت سابق من هذا العام، عندما أدلى جان وينر - أحد أعضاء مجلس إدارة القاعة والمشارك في تأسيسها - بتعليقات اعتُبرت مهينة تجاه النساء والأشخاص ذوي البشرة الملونة، نشرتها صحيفة نيويورك تايمز خلال مقابلة حول كتابه "ذي ماسترز".

وتحدث وينر البالغ 77 عاما، والذي شارك في تأسيس مجلة رولينغ ستون عام 1967، عن سبعة رجال بيض من بينهم ميك جاغر وبروس سبرينغستين في كتابه.
وردا على سؤال حول غياب النساء والأشخاص ذوي البشرة الملونة، قال وينر إن أحداً من أفراد هاتين الفئتين لم ينجح في أن يكون من "فلاسفة موسيقى الروك".
واعتُبرت هذه التعليقات على نطاق واسع بأنها عنصرية ومتحيزة جنسياً، وسرعان ما استُبعد وينر من مجلس إدارة القاعة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة هوليوود غزة وإسرائيل

إقرأ أيضاً:

السفير عبدالله الرحبي: اللغة العربية كانت دائمًا حاضرة بقوة في تاريخ عمان (صور)

نظمت سفارة سلطنة عمان بالقاهرة، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، فعالية ثقافية احتفاءً بالمكانة التاريخية واللغوية لسلطنة عمان في دعم اللغة العربية، وذلك بحضور الأستاذ الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية والسفير عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق وبعض سفراء الدول.

وألقى السفير العماني عبدالله بن ناصر الرحبي كلمة سلط خلها الضوء على الجوانب الجمالية والابتكارية للغة العربية، مستشهدًا بوصف الأدباء لها كلغة الشعر والإبداع، مشيرًا إلى أن العربية لم تقتصر على المجالات الثقافية بل امتدت لتشمل مجالات العلم والقانون والاجتماع.

وأكد السفير أن اللغة العربية كانت دائمًا حاضرة بقوة في تاريخ عمان، مشيرًا إلى مساهمة أعلام عمانيين مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي، المبرّد، وابن دريد الأزدي في تطويرها، فضلًا عن دور العمانيين في نشر العربية في إفريقيا من خلال اللغة السواحيلية.

وجاءت كلمة السفير العماني عبدالله بن ناصر الرحبي على النحو الآتي:

اللغة العربية مكانتها وفضل الإسلام عليها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين خير من نطق بلغة الضاد، أصدق الناس لسانًا وأفصحهم بيانًا، وأبلغهم كلامًا، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

فمعلوم أن كل أمة من الأمم تفتخر بلغتها وتعتز بها وتعتقد أنها أفضل اللغات، ولا عجب في ذلك، فاللغة هي هوية الأمة وسبيل مجدها وتاريخ حضارتها، كما أنها بالنسبة للأمم جميعًا أداة تواصلها وطريقة تفكيرها، ورمز عزتها، ومصدر فخرها، وأسلوب حياتها، لكنها للأمة العربية كل هذا وتزيد عليه أنها لغة دينه وكتابه، جعل الله فهمها ضرورة وتعلمها شرف، لهذا كان ارتباط المسلم بلغته يختلف عن ارتباط أي إنسان بأية لغة أخرى، إذ لا يستطيع المسلم أن يقرأ كتابه بغير لغته التي نزل بها، كما لا يتأتى له القيام بأداء شعائره وإتمام عباداته بدونها.

فهي وسيلة المسلم لفهم مقاصد النص القرآني ومعانيه وغاياته الكبرى المتمثلة في تلقي الأحكام الشرعية منه، ولذلك استعان العلماء باللغة العربية وفنونها في فهم مراد الله في كتابه والكشف عن أسراره، وتحديد دلالاته.

لهذا نظر إليها العلماء على أنها من الدين حيث إن فهم مراد القرآن والسنة من أوجب الواجبات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يقول ابن فارس عن وجوب تعلم العربية: "إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلم من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لإغناء بأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جر وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدا».

وقال الشاطبي: " لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف، فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب".

وعلى هذا يتضح لنا أن معرفة اللغة العربية شرط في فهم القرآن الكريم لأن من رام تفسيره، وسعى إلى الكشف عن مضامينه والوقوف على أسراره وقوانينه، وهو لا يعرف لغته التي نزل بها فإنه لا شك سيقع في الزلل، ولن يخلو قوله من خلل فمن قال أنه يفهم القرآن الكريم دون حاجة إلى اللغة العربية فقد قال محالا وادعى مستحيلا.

وهذا ما يأكده  ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال: كتب عمر إلى أبي موسى: «أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية وتَمَعدَدُوا فإِنّكم مَعَدِّيُّون ».

وفي أثر آخر عن أبي بن كعب، قال: «تعلموا العربية كما تَعَلَّمُونَ حفظ القرآن»".

كما جاء أيضًا في مصنف ابن أبي شيبة سئلت الحسن فقال ما بلغك ما كتب به عمر أن تعلموا العربية وحسن العبارة وتفقهوا في الدين( )، كما جاء عن جرير بن ثعلبة عنة مقاتل قال: كلام أهل السماء العربية، ثم قرأ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)سورة الدخان.

وهذا الذي أمر به سيدنا عمر رضي الله عنه من فقه العربية، وفقه الشريعة يؤكد على أهمية اللغة العربية ومكانتها من الدين ودورها في فهم حقائقه.

وهذا ما أكده أبو الوليد بن رشد في جواب له عمن قال أنه لا يحتاج إلى لسان العرب، فقال: هذا جاهل فلينصرف عن ذلك، وليتب منه فإنه لا يصح شيئ من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب يقول الله تعالى: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ". (الشعراء:195).

إلا أن يرى أنه قال ذلك لخبث في دينه فيؤدبه الإمام على ذلك بحسب ما يرى فقد قال عظيمًا".

فهذه الأقوال وغيرها كثير تدل على أن كل من أراد فهم معاني القرآن ومعرفة مراميه، والوقوف على أسراره لابد وأن يكون متمكنًا من اللغة العربية باعتبارها أهم أدوات المفسر للقرآن الكريم.

فاللغة العربية مهمة جدًا للعلوم الشرعية بشكل عام ولعلوم القرآن والتفسير بشكل خاص من ثم أولها العلماء موفور العناية، ومزيد الاهتمام، ولا غرو في ذلك خصوصًا وفضائل القرآن الكريم على العربية أكثر من أن تعد وأعظم من أن تحصى، فقد شاءت إرادة إرادة الله تعالى أن يكون آخر الكتب السماوية نزولا هو القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، هذا اللسان الذي كان العرب ينظمون به أشعارهم، ويلقون به خطبهم، ويكشفون به عن مجدهم، ويقارنون به بينهم وبين غيرهم، فقال تعالى: "إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف:2)، وقال تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ" (النحل - 103)، وقال تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ" (الشعراء)، وقال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ"  (الشورى - 7)، وقال تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (الزخرف - 3).

فهذه النصوص وإن كشفت لنا نزول القرآن باللسان العربي المبين إلا أنه في ذات الوقت تكشف عن فضله على العربية وأصحابها، إذ خص القرآن الكريم دون سواه، وانفرد دون غيره من الكتب المنزلة بالمحافظة على لغته الأصلية، فكان من آثاره عليها: ثبات ألفاظها لاتباط الشريعة وتفاصيلها بها وليس هذا فحسب بل لقد كان القرآن الكريم المصدر الأول الذي انبثقت عنه العلوم الشرعية من تفسير وفقه وحديث وعلومه وقراءات وأصول وعقيدة، كما ارتبطت به كذلك التأسيس لعلوم والوسيلة بأكملها، صحيح كانت العلوم ممتزجة فيما بينها امتزاجًا شديدًا، فلم يكن ثمة تحديد دقيق للأطر أو الدوائر التي يختص بها علم دون الآخر، حيث يجد الباحث فيما يجد علمًا قائمًا بذاته اسمه علم النحو، وعلمًا آخر اسمه علم التفسير، وعلمًا ثالثًا اسمه مصطلح الحديث، ورابع اسمه العقيدة، وخامس اسمه الأصول، وهكذا في سائر العلوم، فحرص العلماء على دراسة اللغة وارتبط بحرصهم على فهم القرآن من جهة ودراسة لغته من جهة أخرى باعتبارها مصدر العقائد والأحكام والتشريعات.

إن مثل هذا يجعلنا نقول: لقد أعطى القرآن الكريم اللغة العربية أكثر من كونها لغة، فقد حافظ عليها بحفظ الله تعالى له، قال تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر:9)، فاستمدت منه كمالها وجلالها وجمالها، فكان لها سببا من أسباب السماء     وهذا ما عبر عنه الثعالبي بقوله: " إن من أحب الله تعالى أحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ومن أحبَّ الرسول العربي أحبَّ العرب ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها وثابر عليها وصرف همَّته إليها".

بجانب هذا فإن اللغة  العربية هي لسان أهل الجنة، وهذا دليل فضل الإسلام على العربية وأهلها، يقول الفارابي الفيلسوف في ذلك: هذا اللسان كلام أهل الجنة، وهو المنزه من بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلى من كل خسيسة، والمهذب مما يستهجن أو يستشنع، فبنى مباني بايَنَ ﺑﻬا جميع اللغات من إعراب أوجده الله له، وتأليف بين حركة وسكون حلاه به، فلم يجمع بين ساكنين أو متحركين متضادين، ولم يلاق بين حرفين لا يأتلفان، ولا يعذب النطق ﺑﻬما، أو يشنع ذلك منهما في جرس النغمة، وحس السمع، كالغين مع الحاء، والقاف مع الكاف، والحرف المطبق مع غير المطبق، مثل تاء الإفتعال مع الصاد والضاد في أخوات لهما، والواو الساكنة مع الكسرة قبلها والياء الساكنة مع الضمة قبلها، في خلال كثيرة من هذا الشكل لا تحصى.

فاللغة العربية فضلها كبير وشأنها عظيم ويكفي أنها انتقلت من كونها لغة شعب وإقليم إلى لغة كونية حين غدت لغة سماوية، لغة القرآن الكريم، وبالتالي الحامل لعقيدة كونية أعلنت عن نفسها عقيدة للبشر عامة، وهذا ما جعل العربية الحاملة هذه العقيدة، في أقل من قرن، لغة عالمية كبرى تشكلت في أطرها وسياقاتها أسس الحضارة الكونية العظمى التي سادت العالم قرونا عديدة، وامتدت على مساحات شاسعة من قارات العالم القديم، وغدت لغة الحضارة الإنسانية التي انحلت في بوتقتها لغات وحضارات متعددة، وشكلت بالتالي حلقة محورية في الحلقات الحضارية الإنسانية الكبرى.

وقد قدر لها البقاء دون تحريف قبل الإسلام ثم زادها الله تعالى عزة وشرفًا وكرامة بأن اختارها لغة كتابه فحفظت بحفظه ورفع شأنها بسببه.
وبالجملة فإن ظاهرة الامتداد التاريخي غير المنقطع للعربية يعود إلى نقطة التحول الكبرى في تاريخ العرب، التي يمثلها الدين الإسلامي وكتابه المقدس القرآن الكريم الذي غير العالم، وحفظ العربية لغة مقدسة، ولغة حضارة وفكر إنساني.

لقد كان الإسلام نقطة انطلاق للعربية من لغة قومية محصورة في إطار قومي جغرافي محدود إلى لغة عالمية، لغة تجاوزت الأطر الجغرافية والقومية لتغدو لغة حضارة كونية فرضت سيطرتها طيلة قرون عديدة وامتدت على مساحة قارات العالم القديم، تاركة آثارها العميقة على كل الشعوب التي دخلت في الإسلام وتعربت، والتي احتفظت بلغاتها الأصلية، كما هي الحال في اللغة الفارسية والتركية والأردية، ولكنها وقعت تحت تأثير العربية لغة القرآن على نحو كبير، تأثير ظهر في كتابة هذه اللغات بالحروف العربية، وفي تبني عدد كبير من مفرداتها وصورها ومصطلحاتها.

لقد كانت العربية لغة حضارة كونية تأسست انطلاقا من العقيدة الإسلامية وكتابها الكريم الذي يمثل نموذجها الأعلى والذي حفظها حية متجددة، وهي إلى هذا لم تتحول إلى لغة لاهوتية، مثل بعض اللغات الأخرى، بل ظلت عبر القرون لغة الحياة والعلم والفكر الإنساني، وكل هذا يؤكد على فضل الإسلام على العربية وأهلها، الأمر الذي يدفعنا إلى ضرورة التمسك بها، والحفاظ عليها والعمل على استعادة مكانتها خصوصًا مع كثرة التحديات وتعدد المعوقات التي تعمل على وأد اللغة والاستهانة بها والخروج بها والدعوة إلى استبدالها أو العمل على تغييرها أو على الأقل مسخها باعتبار ذلك يؤدي إلى مسخ الهوية، وغياب صورة الشخصية التي كونتها هذه اللغة باستنباط نصوص الدين قرآنًا وسنة.

إن العربية اليوم تعاني ما تعانيه الأمة، ولكنها تملك على الرغم من كل ما أصابها ويصيبها من وهن ومن جناية أبنائها عليها عناصر قوة تمكنها من التجدد والانتشار، لكونها مرتكز العقيدة الإسلامية، ولغة حضارة كونية ما زالت تفرض حضورها في العالم حتى يومنا هذا، ولغة تمتاز بمرونة وقابلية غير محدودة للتعبير عن الفكر والعلم والمعارف الإنسانية. ولو أتيح لها حركة ترجمة مبدعة شبيهة بمثيلتها في القرنين الثالث والرابع الهجريين لكنا اليوم أمام نموذج متفوق للغة تعليم في الجامعات بدلا من استعمال لغة أو لغات أجنبية أو هجينة.

مقالات مشابهة

  • موسيقى وأضواء وهدايا.. انطلاق كرنفال موكب الثلاث ملوك بميدان سهو سكوير
  • جورج قرداحي وجمال سليمان.. مشاهير يغازلون الجمهور بطموحات الترشح للرئاسة
  • سبب انضمام الفصائل المسلحة إلى «الدفاع السورية».. خطة إعادة الهيكلة
  • مهرجان "بين ثقافتين".. يستقطب فنانين ومثقفين سعوديين وعراقيين
  • أعلى وأقل 10 دول في العالم دفعا لضريبة الدخل.. الدول العربية حاضرة بقوة
  • مشاهير من نوع آخر.. ما قصة النمرتين التوأم في تايلاند؟
  • القاعة رقم 5 تريند.. مشاهير تحت الأضواء بمحكمة جنوب الجيزة في 2024
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • السفير عبدالله الرحبي: اللغة العربية كانت دائمًا حاضرة بقوة في تاريخ عمان (صور)
  • زيلينسكي متفائل بإمكانية انضمام أوكرانيا إلى الناتو