هاشم كرار .. فاجعة الرحيل لصحافي أحب السودان وقطر .. بقلم : محمد المكي أحمد
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
يشكل رحيل الأخ ،الزميل ،الصحافي السوداني المقيم في قطر منذ سنوات عدة ، الأستاذ، هاشم كرار ، صباح اليوم ، الجمعة 3نوفمبر 2023 فاجعة كبيرة ...
شكلت مغادرة هذا الانسان النبيل ..الصحافي الماهر .. البارع ..الحاذق..الملتزم أمانة الكلمة .. الى دار البقاء فاجعة لسودانيين وقطريين ،ولصحافيين في الخرطوم والدوحة وعرب وأفارقة زاملوه في السودان وقطر .
رحيله فاجعة ،مع القناعة والايمان الراسخ بقوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون ) .
هذا نوع من انواع الرحيل الأكثر ايلاما لأحباب الكلمة الصادقة،الجميلة .. الأمينة.. وعشاق المهنية ..والابداع ..
هاشم ،الصديق، والزميل.. هو أيضا شريكي في الإصابة بمرض السرطان،وأصفه في رسائلي ويصفني ب(الحبيب) تعبيرا عن محبتنا ومودتنا المتبادلة ..
شخصية الراحل العزيز تحمل سمات عدة، فبات -وهو انسان واحد- يشكل شخصيات متفردة بخصالها تجمعت في شخص واحد.. هو هاشم كرار ..
كان صحافيا مهنيا يتمتع بقدرات مدهشة على تطويع الحروف واستنطاقها ، فكان يعبر عن ما يمور بدواخله بطريقة رائعة ، وكان يعكس بجلاء ومن دون غموض مواقفه الانسانية .. وما يثور ويضطرم من احاسيس وأفكار ومواقف وطنية.. وما يصنعه بالكلمات الحيوية من ايقاعات بوح انساني أروع ..
تميز الراحل بتمسكه باستقلالية الصحافي المهني، فكان دوره أرفع من الانتماءات السياسية أو العنصرية الضيقة ،لكنه كان في الوقت نفسه منحازا لحقوق شعب السودان في الحرية والعدالة والسلام والعيش الكريم .
لم يستخدم قلمه لخدمة أشرار ظالمين سرقوا أحلام الشباب وتطلعاتهم الجميلة .. وأذلوا الصغار والكبار وشردوهم وذبحوا تطلعاتهم المشروعة بالأمس ، واليوم ..
على الصعيد الانساني كان يمد جسور التواصل والتلاقي من خلال علاقاته الاجتماعية الواسعة ..تعبيرا عن وجدان عامر بقيم المحبة وفعل الخير ..
اليوم فقدت هاشم ..الحبيب.. والصديق والانسان الذي غمرني بأجمل عبارات الدعم الانساني بعدما أصابني السرطان رغم انه كان يعاني من تداعيات المرض ..
رغم ظروفه الصحية - وهو في البيت او المستشفى/ كانت رسائله عبر (واتساب) تحمل لي الدعاء والأمنيات الطيبة والدعم المعنوي بطاقة وجدانية متجددة، وينبض ايماني عميق الجذور .. وكنت أسعد أيضا بالرد على رسائله في أصعب الظروف .
كان سعيدا بصوتي القديم الذي فقدته بعد عملية جراحة كبيرة اذ اتكلم اليوم بصوت اصطناعي والحمد لله رب العالمين ..
قال (صوتك صوتنا) في اشارة الى مساهماتي في فضائيات عدة بشأن أوضاع السودان و دعمي ثورة شعبنا في العام 2019 ).
رسائله عكست أيضا نبض الايمان العميق بالله العلي القدير .. اذ قال ( في رسالة 28 مارس 2022 (يا حبيب محمد ،معاك كل دعواتنا..خاصة في الهزيعين..رطب فمك دائما بالصلاة على النبي، والسلام عليه..
عن تجربة، لهذه الصلاة سحر عجيب في قهر الامراض ).
أضاف(انا شايف انتصارك انتصارنا ، يا حبيب كل الناس.
ابشر ياخوى)..
عن السودان كان هاشم يحرص على التعليق على مقالاتي عن السودان وقطر ، آخر رسالة كتبها هاشم كرار في 3 سبتمبر 2023 على صفحتي في فيسبوك تعليقا على مقالي بعنوان ( قوى الحرية في الدوحة.. ضجة ورسائل) .
استهل رسالته ببث محبته كما كان يفعل باستمرار، قال (حبيبنا ود المكي ..ياخ انت معلم. مهني بامتياز،. انت منفتح دائما على الحقيقة، بوعى وشفافية، ومروءة ذهنية، ونقرات طيبة، كريمة وشريفة، وموزونة، على لوحة مفاتيحك محمولك، الامين).
من أبرز سمات هاشم الصحافي الذي عاش وعمل في صحافة دولة قطر سنوات عدة ( في صحيفتي الخليج اليوم ،والوطن ) أنه رغم ظروف المرض وتحدياته في الفترة الأخيرة كان منحازا للحقيقة،والكتابة عن قطر بنزاهة وصدق وشفافية في ظروف صعبة .. سواء كان على فراش المرض في البيت أو المستشفى.
أحب هاشم قطر التي احتضنته كما احتضنت وتحضن عددا كبيرا من السودانيين من الجنسين ..
وشكلت محبة قطر والدفاع عن حقائق الواقع قاسما مشتركا بيني وبينه.
لم يترك هذه المحبة والحقائق حبيسة قلبه وعقله ، أو يرددها من خلف ستار في اطار مجاملات ، أو على استحياء ، اذ كتبها للتاريخ .. تعبيرا عن قناعاته .
كتب رأيه في 3 نوفمبر 2022 على صفحتي في فيسبوك تعليقا على مقال كتبته بعنوان (هل قطر مؤهلة لاحتضان المونديال).
قال في سطوره (انصفت، ومثلك ينصف هذه الدولة الفتية, أنت- حبيبنا محمد المكي- كنت- ولا تزال- شاهدا أصيلًا على صناعة المعجزة القطرية.
الشيخ الامير الوالد- حمد بن خليفة- صانع المعجزة، هو زعيم استثنائي، بكل المقاييس.. كذلك هى الشيخة موزا بنت ناصر، المرأة العظيمة، الذي ينحني لها الحاضر، اعجابا.. وسينحني لها التاريخ اجلالا، وامتنانا.
هاهو ذا الامير الشاب تميم، وجيله، يمسكون الراية، لصناعة معجزتهم هم، ايضا.. بكل فهم أن بناء الأوطان، لا نهاية له.. وهو بناء يتسلمه جيل عن جيل..والمجد دائما يبقى للأجيال التي تفهم حقا، مقتضيات العصر.. وكل العصور، من حال إلى حال.
شكرا صناع المعجزة،
شكرا صناع المعجزة، من بعد تلكم المعجزة،
شكرا صناع الحياة).
هذا شيء من مواقف الصدقية وسمات الراحل هاشم كرار …
نودعك يا هاشم بحزن شديد ..ويبكيك كثيرون - بدم القلب ..وبدموع. حارة كحرارة قلبك..
اللهم أرحم عبدك وحبيبنا هاشم كرار وأدخله فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء.
التعازي لرفيقة دربه زوجه ولأبنائه وبناته وجميع محبي هذا الصحافي الرائع.. والكاتب الكبير.. والانسان النبيل .
(انا لله وانا اليه راجعون).
لندن ٣ نوفمبر ٢٠٢٣
modalmakki@hotmail.com
////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المنشاوي.. "القارئ الباكي" الذي نجا من محاولة اغتيال بالسم
يعد الشيخ محمد صديق المنشاوي واحداً من أعظم قراء القرآن الكريم في تاريخ العالم الإسلامي، حيث تميز بصوته الخاشع الباكي الذي أسر القلوب وأدخل السكينة على النفوس، وارتبط الجمهور بتلاواته العذبة، لا سيما خلال شهر رمضان.
النشأة في بيت القرآنوُلِدَ الشيخ محمد صديق المنشاوي في 20 يناير (كانون الثاني) 1920 بمدينة المنشاة بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، في أسرة قرآنية عريقة اشتهرت بتلاوة كتاب الله وحفظه. فقد كان والده، الشيخ صديق المنشاوي، وأجداده من قبله، من كبار قرّاء القرآن، وكذلك شقيقاه أحمد ومحمود صديق المنشاوي.
أتم الشيخ حفظ القرآن الكريم في الثامنة من عمره، حيث بدأ رحلته مع الحفظ على يد الشيخ محمد النمكي، ثم انتقل إلى القاهرة لإتقان أحكام التلاوة والقراءات السبع والعشر الكبرى، على يد مشايخ مثل الشيخ محمد السعودي والشيخ أبو العلا محمد.
وبفضل صوته العذب ودقة أدائه، أصبح المنشاوي مدرسة قرآنية متفردة، أطلق عليها البعض "المدرسة المنشاوية".
التحاقه بالإذاعة المصريةبدأ الشيخ محمد صديق المنشاوي رحلته مع التلاوة الاحترافية في إحدى ليالي رمضان عام 1952، عندما اصطحبه والده إلى سهرة قرآنية في محافظة سوهاج، حيث تلا خواتيم سورة "المؤمنون" أمام حشد كبير من المستمعين. وبمجرد انتهائه، تدافع الحاضرون للثناء عليه، ليبدأ منذ تلك الليلة رحلة التألق والشهرة.
ولم يكن التحاق الشيخ المنشاوي بالإذاعة المصرية أمراً عادياً، بل كان نتيجة إصرار المسؤولين على ضمه، بعد أن رفض في البداية إجراء الاختبار، فبعدما وصل صوته إلى الإذاعة، أرسل المسؤولون إليه دعوة للانضمام، لكنه رفض الذهاب، فما كان من الإذاعة إلا أن انتقلت إليه بنفسها.
ففي إحدى الليالي، بينما كان يُحيي أمسية قرآنية في قرية بإسنا بمحافظة الأقصر، فوجئ الشيخ بمندوب الإذاعة يسجّل تلاوته مباشرة؛ وهكذا أصبح أول قارئ يتم اعتماده في الإذاعة دون أن يذهب إليها بنفسه.
عُرف الشيخ محمد صديق المنشاوي بكرامته وعزة نفسه، وهو ما ظهر بوضوح في واقعة رفضه التلاوة أمام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. فقد دعاه أحد الوزراء لحضور حفل رسمي، قائلًا له: "سيكون لك الشرف أن تقرأ القرآن أمام الرئيس عبدالناصر"، فما كان من الشيخ إلا أن رد بحزم: "ولماذا لا يكون الشرف لعبدالناصر أن يستمع إلى القرآن بصوت المنشاوي؟!".
ورفض الدعوة، معلقاً: "لقد أخطأ عبدالناصر حين أرسل إليّ أسوأ رسله".
محاولة اغتياله بالسم
لم يكن النجاح الذي حققه الشيخ محمد صديق المنشاوي خاليًاً من الحقد والغيرة، حتى وصل الأمر إلى محاولة التخلص منه بالسم، فبحسب ما رواه حفيده الشيخ علاء المنشاوي، فإن جدّه تعرض لمحاولة اغتيال في عام 1963، حين دعاه أحد الأشخاص إلى سهرة قرآنية، وبعد انتهائها، طلب منه المضيف تناول الطعام مع أهل بيته.
في البداية رفض، لكن بعد إلحاح وافق، وعندما همّ بتناول الطعام، اقترب منه الطباخ مرتعشاً، وهمس في أذنه: "يا شيخ محمد، لا تأكل هذا الطعام، فقد دُسّ لك السم فيه"، فتظاهر الشيخ بالإعياء، ورفض تناول الطعام بحجة عدم الشعور بالجوع، ثم انسحب من المكان.
ولم يكشف المنشاوي عن هوية من حاول اغتياله، لكنه أخبر عائلته أنه كان أحد قراء القرآن المشهورين.
سر لقب "القارئ الباكي"اكتسب محمد صديق المنشاوي لقب "القارئ الباكي" بسبب خشوعه العميق وتأثره الشديد بمعاني القرآن الكريم أثناء تلاوته، فقد كان صوته يحمل نبرة حزينة تخترق القلوب، وكأنه يبكي من خشية الله، مما جعل مستمعيه يشعرون بروحانية خاصة خلال تلاوته.
وكان الشيخ يقرأ القرآن بإحساس صادق ومعايشة كاملة للآيات، فتتجلى في صوته مشاعر التضرع والتذلل والخشية، حتى وصفه الشيخ محمد متولي الشعراوي قائلًا: "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي.. إنه ورفاقه الأربعة (مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، والبنَّا، والحصري) يركبون مركباً، ويُبحرون في بحار القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها".
ورغم رحيله المبكر عن عمر يناهز 49 عاماً في 20 يونيو 1969، ترك الشيخ محمد صديق المنشاوي إرثاً خالداً، حيث سجّل القرآن الكريم كاملًا مرتلًا ومجوّداً، إلى جانب العديد من التلاوات النادرة في دول مثل الكويت، سوريا، ليبيا، وفلسطين، حيث تلا القرآن في المسجد الأقصى أيضاً.