يخاطر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذه المرة بمواجهة غضب الملايين من المصريين وجنرالات داخل الجيش نفسه، إذا صح ما يتردد عن اقترابه من الموافقة على مطالب دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة بتوطين مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة في سيناء.

ما سبق كان خلاصة تحليل نشره "المركز الأطلسي" عن الضغوط التي تواجهها مصر للتحرك إزاء ما يحدث في قطاع غزة منذ نحو شهر، حيث بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانا واسعا أدى إلى استشهاد ما قرب من 10 آلاف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.

ومنذ بداية الحرب، طالبت الولايات المتحدة وإسرائيل مصر بفتح حدودها مع غزة للسماح بإجلاء مئات الآلاف من الفلسطينيين وتهجيرهم لاحقا في سيناء، لكن القاهرة رفضت الخطة بشكل قاطع، وأصرت على أن أمنها القومي "خط أحمر" وأن "التهجير القسري للفلسطينيين من شأنه أن يعرض حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم للخطر".

اقرأ أيضاً

لاستقبال لاجئين من غزة.. نتنياهو يضغط على السيسي عبر أوروبا

ضغوط أمريكية

وبدلاً من ذلك، دعت القاهرة إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات التي من شأنها أن تؤدي إلى حل عادل للصراع الفلسطيني مع الاحتلال المستمر منذ عقود.

ويقول التحليل إن التعنت المصري بشأن اللاجئين الفلسطينيين أثار غضب الولايات المتحدة، التي كانت تأمل أن تتمكن من استخدام مبلغ 1.3 مليار دولار الذي تمنحه لمصر في الجيش السنوي كوسيلة للتأثير على القيادة المصرية.

ويؤكد التحليل أن مخاطر إذعان القاهرة للرغبات الأمريكية والإسرائيلية مرتفعة، فالمصريون قلقون من تأثيرات تدفق مقاتلي "حماس" على سيناء وشنهم هجمات على دولة الاحتلال من هناك، ما يدد بنسف اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب.

علاوة على ذلك، فإن التدفق الهائل للاجئين الفلسطينيين من شأنه أن يشكل تحديات اقتصادية وإنسانية كبيرة في وقت تتصارع فيه مصر مع أزمة اقتصادية حادة.

اقرأ أيضاً

توافق بين السيسي وبايدن على رفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر

تشديد الخناق على غزة

ويؤكد التحليل أن السيسي لا يريد التقارب مع "حماس"، على عكس سلفه محمد مرسي، الذي ينحدر من جماعة الإخوان التي أسس فرعها في فلسطين حركة "حماس".

وقبل اندلاع الأزمة الأخيرة، لم يسمح السيسي للفلسطينيين الذين يدرسون في مصر، أو الذين يسعون للعلاج الطبي بدخول البلاد عبر المعبر إلا بعد حصولهم على التصاريح اللازمة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ اندلاع الحرب، أبقت مصر على معبر رفح الحدودي ــ البوابة الرئيسية للفلسطينيين إلى مصر والعالم الخارجي ــ مغلقاً إلى حد كبير، وفتحته بشكل متقطع للسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى جنوب غزة.

ومنذ 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما وافقت إسرائيل أخيراً على السماح بمرور المساعدات الإنسانية، عبرت أقل من مائة شاحنة من المساعدات إلى جنوب غزة – وهي مجرد قطرة في محيط مقارنة بالاحتياجات الهائلة للفلسطينيين المتراكمة بالقرب من الحدود.

وتضمنت المساعدات الغذاء والإمدادات الطبية والمياه، لكن دولة الاحتلال منعت دخول الوقود – الذي يعاني بالفعل من نقص في غزة – خوفاً من وقوعه في أيدي "حماس"، كما يقول التحليل.

اقرأ أيضاً

صفقات غزة.. السيسي بين مكاسب محتملة وغضب شعبي متزايد

غضب الشعب المصري

ويقول التحليل إن الدور الذي لعبته مصر في السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ودخول الجرحى الفلسطينيين إلى البلاد يُنظر إليه باعتباره دوراً ضئيلاً ومتأخراً للغاية في نظر العديد من المصريين، الذين يشعرون بالغضب الشديد إزاء مشاهد الموت والدمار التي تظهر على شاشات التلفزيون.

ويستشهد التحليل بالمظاهرات التي خرجت في 20 أكتوبر الماضي "بضوء أخضر من السيسي"، للتنديد بما يجري في غزة ورفض تهجير أهالي القطاع إلى سيناء، لكن معظمها تحول إلى مظاهرات عفوية هتفت ضد السلطات والسيسي نفسه، وأكدت رفضها لأي تفويض له فيما يخص تطورات غزة، لتواجهها الشرطة وتعتقل العشرات.

وتشير الاحتجاجات الأخيرة إلى تزايد السخط العام بشأن فشل الحكومة في معالجة محنة الفلسطينيين والظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.

ويشكل هذا الاستياء العام مصدر قلق كبير للسيسي، بالنظر إلى أن الانتخابات الرئاسية لا تفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة (المقرر إجراؤها في 10 كانون الأول/ديسمبر).

وتغمر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المصرية انتقادات للحكومة لعدم قيامها بما يكفي لوقف "التطهير العرقي" للفلسطينيين.

اقرأ أيضاً

السيسي: تصفية حماس تتطلب سنوات.. ومصر لن تسمح بأي نزوح نحو أراضيها

رفض شعبي للتهجير

ويقول التحليل إنه على الرغم من غضب أغلبية المصريين إزاء الهجوم الوحشي الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، فإنهم يعارضون مخطط نقل الفلسطينيين إلى مصر.

وعليه، فإذا استسلم السيسي  للضغوط الدولية وفتح الباب أمام الفلسطينيين المحاصرين، فإنه يخاطر بمواجهة غضب ملايين المصريين وربما حتى المعارضة من داخل صفوف الجيش حيث خاض بعض كبار الجنرالات في القوات المسلحة المصرية حربًا واحدة على الأقل مع إسرائيل تطالب باستعادة الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، يضيف التحليل.

استغلال الوضع

وفي حين أنه من الصعب أن نتصور أن السيسي سوف يستسلم للمطالب الغربية، فإنه قد يسعى إلى تحويل الاضطرابات في غزة لصالحه، كما يقول التحليل، حيث يمكنه أن يفعل ذلك من خلال محاولة تأمين تخفيف عبء الديون و/أو المساعدات الخارجية مقابل السماح للمواطنين الأجانب بالإخلاء من غزة عبر معبر رفح أو فتح ممرات إنسانية إلى غزة.

وربما يغتنم السيسي الفرصة أيضاً للتصالح مع الولايات المتحدة بعد تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر بسبب الاتهامات الأخيرة بأن مسؤولين مصريين قدموا رشوة للسيناتور بوب مينينديز (ديمقراطي من ولاية نيوجيرسي).

وقد ترد إدارة جو بايدن بالمثل من خلال منح السيسي الدعم والاعتراف الذي يحتاجه، وربما تغض الطرف مرة أخرى عن سجل حقوق الإنسان السيئ في مصر، وتعطي الأولوية لمصالح الأمن القومي الأمريكي بدلاً من ذلك.

اقرأ أيضاً

دعوات تفويض السيسي تثير جدلا بين المصريين.. ماذا طلب؟ وكيف رد الناشطون؟

تحذير لواشنطن

لكن التحليل يحذر أنه إذا فعلت الإدارة الأمريكية ذلك، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى حرمان الشعب المصري من حقوقه، حيث حول الكثير منهم، في الأسابيع الأخيرة، غضبهم واستيائهم تجاه الولايات المتحدة، معتبرين أنها متواطئة في المذبحة الوحشية للفلسطينيين بعد أن أعرب بايدن عن دعمه لإسرائيل.

ويختتم التحليل قائلا إن الأمر يتطلب تحولاً ملحوظاً في سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع مصر والمنطقة. إن المرارة التي تكنها الجماهير العربية تجاه الولايات المتحدة قد تصبح مع مرور الوقت بمثابة راية حمراء تهدد الاستقرار ليس في بلدانها فحسب، بل في الولايات المتحدة أيضًا.

المصدر | المجلس الأطلسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة مصر السيسي تهجير أهالي غزة الجيش المصري معبر رفح سيناء الولایات المتحدة اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟

توقع تقرير  لبنك قطر الوطني تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة بشكل أكبر خلال العام المقبل، مدفوعاً بتطبيع استخدام الطاقة الإنتاجية، وتعديلات تكلفة الإسكان، واحتمال ضبط الأوضاع المالية العامة خلال ولاية ترامب الثانية مع تولي بيسنت منصب وزير الخزانة.

وقال التقرير تحت عنوان " هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟  بعد أن بلغ ذروته عند 5.6% سنوياً قبل أكثر من 30 شهراً في يونيو 2022، عاد التضخم في الولايات المتحدة تدريجياً ليقترب من نسبة 2% المستهدفة في الأشهر الأخيرة. وكان هذا إنجازاً كبيراً لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومبرراً لبداية دورة التيسير النقدي في شهر سبتمبر من العام الجاري، عندما تم إقرار تخفيضات أسعار الفائدة لأول مرة منذ بداية الجائحة في عام 2020.

وعلى الرغم من النجاح والتقدم في السيطرة على التضخم، فإن المخاوف بشأن أسعار المستهلك في الولايات المتحدة لا تزال تلقي بظلالها على أجندة المستثمرين. في الأسابيع الأخيرة، أدت بيانات التضخم الأعلى من المتوقع و"الاكتساح الجمهوري"، مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية وهيمنة حزبه على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، إلى مخاوف بشأن توقعات التضخم. والأهم من ذلك، أن المقياس الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي، والذي يستثني الأسعار المتقلبة للطاقة والمواد الغذائية من المؤشر، لا يزال أعلى من النسبة المستهدفة. وهناك مخاوف من أن "الجزء الأخير" من عملية السيطرة على التضخم قد لا يكون سهلاً كما كان متوقعاً في السابق، وأن "النسخة الثانية من سياسة أمريكا أولاً" قد تؤدي إلى زيادة التضخم، بسبب التوسع المالي وارتفاع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة.

وأوضح تقرير QNB أن احتمالية ارتفاع التضخم أدت بالفعل إلى تغيير كبير في التوقعات المرتبطة بحجم ووتيرة التيسير النقدي الذي سينفذه بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2025. ففي غضون أسابيع قليلة، خفض مستثمرو أدوات الدخل الثابت توقعاتهم بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من 150 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس فقط، مما يشير إلى أن سعر الفائدة الأساسي على الأموال الفيدرالية سيستقر في نهاية العام المقبل عند 4% بدلاً من 3%

 

ويرى التقرير أنه بغض النظر عن جميع المخاوف والصدمات المحتملة التي قد تؤثر على الأسعار الأمريكية، فإننا نعتقد أن التوقعات المرتبطة بالتضخم في الولايات المتحدة إيجابية، بمعنى أن التضخم سيعود تدريجياً إلى النسبة المستهدفة (2%) ما لم تحدث أي تطورات جيوسياسية كبيرة أو تصدعات في السياسة الأمريكية. 

ويوضح أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم وجهة نظرهم وهي:

أولاً، شهد الاقتصاد الأميركي بالفعل تعديلات كبيرة في الأرباع الأخيرة، الأمر الذي ساهم في تخفيف حالة نقص العرض وارتفاع الطلب التي كانت تضغط على الأسعار. ويشير معدل استغلال الطاقة الإنتاجية في الولايات المتحدة، قياساً بحالة سوق العمل والركود الصناعي، إلى أن الاقتصاد الأميركي لم يعد محموماً. بعبارة أخرى، هناك عدد مناسب من العمالة لفرص العمل المتاحة، في حين أن النشاط الصناعي يسير دون اتجاهه الطويل الأجل. وتأقلمت سوق العمل بالكامل وهي الآن عند مستوى طبيعي، حيث بلغ معدل البطالة 4.1% في أكتوبر 2024، بعد أن كان قد بلغ أقصى درجات الضيق في أوائل عام 2023 عندما تراجع بكثير من مستوى التوازن إلى 3.4%. وتدعم هذه الظروف التخفيف التدريجي لضغوط الأسعار.

ثانياً، سيصبح انخفاض التضخم في أسعار الإسكان مساهماً رئيسياً في انخفاض التضخم الإجمالي في الأرباع القادمة. يمثل الإسكان ما يقرب من 15% من مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ويشمل الإيجار أو، إذا كانت الوحدة السكنية مملوكة للمالك، ما قد يكلفه استئجار وحدة مماثلة في سوق الإسكان الحالية. بلغ التضخم في الإسكان ذروته عند 8.2% في أبريل 2023، حيث تأخر كثيراً عن ذروة التضخم الإجمالي، مما يعكس "ثبات" الأسعار، نظراً لأن العقود تستند إلى الإيجار السنوي. لذلك، تتفاعل الأسعار بشكل أبطأ حيث عادة ما يظهر تأثير تغير الأوضاع الاقتصادية الكلية عليها بشكل متأخر. انخفض تضخم الإسكان بوتيرة ثابتة منذ منتصف عام 2023 وهو حالياً أقل من 5%. تُظهر مؤشرات السوق للإيجارات المتعاقد عليها حديثاً، والتي تتوقع الاتجاهات في الإحصائيات التقليدية، أن تضخم الإيجار أقل من مستويات ما قبل الجائحة. وهذا يشير إلى أن مكون الإسكان في الأسعار سيستمر في التباطؤ في عام 2025، مما يساعد في خفض التضخم الإجمالي.

ثالثاً، غالباً ما يتم المبالغة في المخاوف بشأن الطبيعة التضخمية للنسخة الثانية من سياسة الرئيس ترامب الاقتصادية "أميركا أولاً". ستبدأ إدارة ترامب الجديدة في ظل بيئة وطنية ودولية مختلفة تماماً عن ظروف الولاية السابقة في عام 2016، حيث سيكون نطاق التحفيز المالي الكبير مقيداً أكثر. لقد اتسع العجز المالي الأميركي بالفعل بشكل كبير من 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 إلى 6% في عام 2024، مع زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة من أقل من 100% إلى ما يقرب من 125%. وأعرب وزير الخزانة القادم، سكوت بيسنت، الذي يعتبر "أحد الصقور" في القطاع المالي، بالفعل عن نيته "تطبيع" العجز إلى 3% بحلول نهاية الولاية. بعبارة أخرى، سيتم تشديد الأوضاع المالية أكثر بدلاً من تخفيفها، وهو ما من شأنه أن يساهم في إبطاء ضغوط الأسعار، على الرغم من أي تأثيرات ناجمة عن سياسات التعريفات الجمركية والهجرة التي لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بالكامل بعد. 

مقالات مشابهة

  • بسبب مشكلة فنية.. الخطوط الجوية الأمريكية توقف جميع رحلاتها في الولايات المتحدة
  • هآرتس تحذر من كارثة بالنسبة للرهائن الإسرائيليين فى غزة بسبب نتنياهو
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • تحرك الجيش سيستمر
  • تشاؤم إسرائيلي إزاء جبهات الحرب المتعددة بسبب المعركة الداخلية
  • ترامب يهدد بالسيطرة على قناة بنما والرئيس خوسيه مولينو يرد "كل متر مربع بالقناة هو بنمي خالص"
  • الحزب الاتحادي يحذّر من كارثة إنسانية تهدد الجزيرة أبا بسبب فيضان النيل الأبيض
  • هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟
  • كاتب صحفي: مصر مستهدفة والرئيس السيسي يقدم نموذجا مثاليا لدحض الشائعات
  • QNB: التضخم في الولايات المتحدة الأميركية يتباطأ في عام 2025