خطاب نصرالله: البيان رقم واحد للمحور ومرحلة جديدة تمتد ١٠ أيام
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
لم يكن خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على قدر توقعات من كان ينتظر منه خطاباً على شاكلة "انظروا إليها تحترق"، ويعلن فيه الحرب الشاملة على إسرائيل والقواعد العسكرية الاميركية في المنطقة،لكن الكلمة التي انتظرتها الولايات المتحدة الأميركية أكثر من إسرائيل كانت عملياً مليئة بالرسائل المبطنة ورسمت مساراً شاملا وكاملا، لطبيعة الصراع الحاصل وللمعركة العسكرية.
عملياً شكل خطاب نصرالله البيان رقم واحد للمحور المتحالف مع حماس والذي تقوده إيران، ووضع خلاله قواعد وخطوط حمراء أساسية، أهمها المعركة البرية، اذ أشار الى أن أي خطأ في الحسابات الاسرائيلية خلال الهجوم البري قد يؤدي الى تفجير المنطقة وفتح إشتباك عسكري غير محدود عند الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة. ولعل حديثه العام عن ان تطور الاشتباك والحرب على غزة سيعني حكما الذهاب الى توسيع المعركة من لبنان خرقه تفصيل مرتبط بالحرب البرية.
لقد حذر نصرالله من تخطي الخطوط الحمراء في هذه الحرب، كأنه يقول أن كل زيادة في الانخراط الاسرائيلي في الحرب البرية في قطاع غزة سيوازيه تصعيد عسكري من جنوب لبنان، وهذه هي المعادلة الاولى التي وضعها امين عام الحزب على الطاولة والتي قد تؤدي الى التدحرج.
ثانياً تحدث نصرالله عن استهداف المدنيين في لبنان والذي رد عليه الحزب بحذر في الاسابيع الماضية، لكنه أعاد معادلة العام ١٩٩٦ الى الواجهة مع ما تعنيه من توسع للمعركة في الظروف الحالية. وعليه أَفإن المعادلة الثانية تقول أنه في حال استمرت اسرائيل بإستهداف المدنيين في لبنان فإن "حزب الله" سيستهدف المدنيين في اسرائيل، وهذا يعني انه سيقصف المستوطنات، وبما ان المستوطنات الشمالية مخلاة حتى عمق ٥ كلم، فإن الاستهداف سيطال مستوطنات في العمق.
حرر نصرالله نفسه بشكل جدي من عدم قصف المستوطنات موحيا ببدء معركة جديدة، لن يعود فيها قصف الكاتيوشا حكراً على المقاومة الفلسطينية او قوات الفجر، وهذا بحد ذاته معادلة قد تفجر الصراع وتأخذه الى مستوى آخر، لذلك عبّر نصرالله ان الحزب لن يكتفي بالمستوى الحالي من التصعيد ما يوحي بإنتقاله عسكريا الى مرحلة جديدة تكون بين الاشتباك الحالي والحرب الشاملة. الأهم أن نصرالله لم يخسر في خطابه سلاح الغموض، اذ ترك الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات وهذا ما شدد عليه بشكل علني وصريح، أي إطلالته لم يكن فيها خسائر ولم تسلبه سلاح الغموض
الرسالة الأهم في الخطاب كانت للولايات المتحدة الأميركية، اذ ان نصرالله حمّل المسؤولية الكاملة لواشنطن معتبرا انها تقف وراء استمرار الحرب، وهذا بحد ذاته له تبعات، اذ من المتوقع ان تزداد عمليات استهداف القوات الاميركية في العراق وسوريا في الايام المقبلة.
إستخف نصرالله بإسرائيل وحوّل معركته السياسية والعسكرية بإتجاه الاميركيين، وهذا ما يتطابق مع الخطاب الايراني، وتحديدا خطاب مرشد الثورة، الذي يجد أن واشنطن هي التي تجعل اسرائيل قادة على الصمود.
كان لا بد، ضمن مسار التصعيد الذي يرسم "حزب الله" قواعده ومستوياته بدقة، أن يتم توجيه تهديد رادع لاميركا، وان يخرج هذا التهديد من الحزب تحديدا (وليس من ايران كدولة) الذي جاءت الحاملات لردعه.
تهديد نصرالله للبوارج الاميركية، في رأي مراقبين، يضبط واشنطن ويحد من امكانية تورطها في الحرب في حال نشوبها، خصوصا أنه يعلم جيداً انها غير راغبة بالانزلاق الى صراع كبير في الشرق الاوسط في ظل التقدم الصيني والروسي في اكثر من مستوى.
عطّل نصرالله مفاعيل التهديد الاميركي لحزبه في حال تدخله في المعركة واعطى واشنطن فرصة جديدة للضغط على اسرائيل لوقف الحرب، وهذا ما تريده اميركا أصلا، وقد اعطى امين عام الحزب لخطابه المتوجه نحو الاميركيين طابعا استثنائيا من خلال تبنيه، وان بطريقة ضمنية، للمرة الأولى للتفجيرات التي طالت قوات المارينز عام ١٩٨٣ واحداثا اخرى كثيرة في تلك المرحلة.
اراد نصرالله القول انه على اسرائيل القبول بأن تكون خسارتها في هذه الحرب جزءاً من مسار تراجعها، بدل ان تكون حرباً شاملة تجعلها مع الاميركيين أكبر الخاسرين.
رسائل نصرالله لم تنته هنا، اذ من الواضح ان الرجل أراد مراعاة الساحة الداخلية، مسجلاً خطاباً لا يملك أي من خصومه فرصة اعتباره تصعيدياً او يجرّ لبنان الى الحرب، بل يبدو ان خصوم الحزب سرعان ما وقعوا في الفخ الاعلامي الذي اتقن نصرالله نصبه لهم، اذ جعلهم ينتقلون بسرعة من خطاب: "لا نريد حربا" الى خطاب "ترك فلسطين وحيدة"، وهذا يعني انهم سيفشلون سياسيا عند اي تصعيد لانه عندها سيكون الحزب قد لبى دعواتهم بالوقوف الى جانب غزة. سلّف نصرالله بعض القوى السياسية خطاباً هادئاً يفيدهم داخل بيئاتهم وتحديدا رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل والنائب السابق وليد جنبلاط.
حجج نصرالله ورسائله توحي بأنه البيان رقم واحد ضمن سلسلة بيانات سيكون هو الناطق الرسمي فيها، اذ اعطى الرجل مهلة واضحة للمفاوضات لوقف العدوان على القطاع ستترافق مع تصعيد ميداني في غير ساحة، ليطل مجددا في ذكرى يوم "شهيد" حزب الله" في ١١ تشرين الثاني، ويبني على التطورات مقتضاها. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
6 أيام.. نافذة جديدة على الرومانسية في السينما المصرية
مع نهاية عام 2024، عُرض فيلم "الهوى سلطان" الذي أثار اهتمام الجمهور وتمكّن من المنافسة في شباك التذاكر، محققًا ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. انقسمت الآراء حوله بين معجبين يعبرون بحماسة عن تأثرهم به، ومنتقدين غاضبين على الفيلم ومحبيه. وما يجعل هذا العمل تجربة مميزة هو نوعه الرومانسي الرقيق الذي يبتعد عن الأنواع السينمائية السائدة مثل الأكشن والكوميديا، مما أضفى عليه طابعًا فريدًا يستحق التأمل.
ربما الأمر مجرد مصادفة، أو أن نجاح الفيلم شجع على صدور فيلم رومانسي آخر في وقت متقارب، غير أن الحقيقة الواقعة هي أن فيلم "6 أيام" ينتمي إلى النوع السينمائي ذاته، ولم يمزج حتى الرومانسية بالكوميديا ككثير من الأفلام الأخرى، وذلك ما يشكل ربما إرهاصة لموجة أفلام رومانسية قادمة تصنع نوعًا من التغيير في سوق سينمائية شديدة الركود. "6 أيام" هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه كريم شعبان، ومن تأليف وائل حمدي، وبطولة كل من أحمد مالك وآية سماحة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيرادات تخطّت مليار دولار.. "موانا 2" تجربة مسلية للأطفال وباهتة للكبارlist 2 of 2القائمة النهائية لترشيحات أوسكار 2025end of list 6 أيام من الحب والفراقيبدأ فيلم "6 أيام" في عام 2006 بقصة رومانسية تقليدية بين فتى وفتاة في عمر المراهقة. يقضي الاثنان يوما لطيفا في الأيام الأخيرة من الفصل الدراسي قبل بدء الامتحانات، ويعالجان مشكلة كبيرة لديهما تتمثل في انتقال "عالية" إلى منطقة سكنية أخرى بعيدة بعد أسابيع قليلة. غير أن هذه الأزمة لن تكون همهما الأكبر بعد ساعات قليلة، ففجأة تقرر والدة الفتاة الانفصال عن زوجها والإقامة مع أخيها بصحبة بنتيها، ليفترق الحبيبان من دون إنذار أو أي أمل في اللقاء.
تقفز الأحداث حوالي 7 سنوات إلى الأمام، ليتقابلا مرة ثانية، ويوسف (أحمد مالك) على وشك التخرج من كلية الطب، وعالية (آية سماحة) تعمل نادلة في أحد المطاعم. يبدأ الاثنان الحديث كما لو أنهما لم يغيبا عن بعضهما بعضا أكثر من دقائق قليلة، ليقضيا اليوم معا. وبينما يظهر انجذابهما من جديد، تكشف هي عن خطبتها المعقودة على ابن خالها، ويقرران إنهاء اليوم مع الاتفاق على مقابلة تجمعهما في التاريخ نفسه كل عام.
إعلانينتقل الفيلم بعد ذلك من مقابلة إلى أخرى، ويكشف عن التغيرات التي تحدث في حياة كل منهما بهدف أن يقتربا أكثر في المرة القادمة، غير أن عقبة ما تظهر مع كل مقابلة، تبعدهما أكثر عن بعضهما.
اختار صناع "6 أيام" التركيز على الشخصيتين الرئيسيتين فقط، وتقديمهما بمعزل عن العالم، وسرد القصة عبر حكي كل منهما عن نفسه في المقابلة السنوية. هذا الأسلوب قد يتحول إلى مأزق خطير لسيناريو أي فيلم، فهو باب مفتوح لفخ الملل، خصوصًا مع غياب الشخصيات الثانوية أو الخطوط الدرامية الجانبية.
ولكن سيناريو فيلم "6 أيام" تجاوز هذه العقبة برسم صورة شبه مكتملة لشخصية كل من يوسف وعالية، فحوّلها من مجرد حديث شخصية خيالية عن نفسها إلى إنسان من لحم ودم، شخص ذي طموحات وإحباطات، أزمات عائلية وعثرات لا تنتهي، ونجاحات قادرة على تغيير حياته، بالإضافة إلى الواقعية الشديدة في تناول تفاصيل حياة كل منهما.
ليمثل كل من يوسف وعالية صورة حقيقية لأبناء جيل تخبّط بين كثير من الأحداث المغيرة للحياة، من تغييرات عالم الاتصالات، ودخول الإنترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى وباء كوفيد-19، ومن ثم يسهل على المشاهد التماهي معهما وتصديق حكايتهما.
حب جيل الألفيةعلينا أن نتحدث في البداية عن نوع الفيلم وهو الرومانسية، فرغم الإقبال الكبير على هذا النوع السينمائي الذي يُعدّ مفضلًا لدى النساء والمحبين، فإنه يعاني من ظلم كبير، والسبب في ذلك هو أنه يسهل أن يقع في فخ الاستسهال والكليشيهات.
إذا نظرنا إلى السنوات الماضية، سنجد أن عدد الأفلام الرومانسية المصرية التي شاهدناها محدود للغاية، باستثناء فيلم "الهوى سلطان" الذي أعاد الحياة لهذا النوع.
الملصق الدعائي لفيلم "الهوى سلطان" (الجزيرة)إذن، لماذا تتحول هذه الأفلام بسهولة إلى كليشيهات؟ لأن هذه الأفلام غالبًا ما تكون بسيطة جدا، فهي تعتمد على نسق تقليدي؛ فتى وفتاة يحبان بعضهما، ثم يواجهان عقبات كبيرة، وفي النهاية تكون النتيجة إما أن تفصل بينهما أو تجمع شملهما بسعادة.
إعلانإحدى مشاكل هذا النوع تتمثل في أن العقبة مكتوبة بشكل جيد، لكن الشخصيات مفتقرة إلى التعقيد، وتعتمد كثيرا على كاريزما الممثلين أو عوامل أخرى. أو في حالة أخرى تكون الشخصيات جيدة، ولكن العقدة وهمية جدا تجعلك تشعر أن الفيلم ليس له قيمة، فالمشكلة يمكن حلها بسهولة.
فيلم "6 أيام" قدّم ما عليه ببساطة، لم يحاول أن يكون معقدًا أو يشتت انتباه المشاهد بشخصيات وحبكات جانبية، بل بدأ من الشخصيات نفسها.
عالية ويوسف يشبهان ملايين من الشباب المصريين والمصريات أبناء الجزء الثاني من جيل الألفية، فإن قلنا إن أبطال الهوى سلطان هم الرعيل الأول لهذا الجيل، الذي بدأ من عام 1981 إلى 1996، فإن يوسف وعالية ينتميان للنصف الثاني من هذا الجيل، فتى وفتاة عاشا في أسر مصرية عادية، ويعترفان بأن والديهما كانا مسيئين، مثل كثير من الأهالي، القضية التي لا تتناولها الدراما بما فيه الكفاية، غير أن الفيلم تناولها بذكاء كعامل مؤثر في سير الأحداث، فمن دون قسوة الأم التي انتزعت عالية من محيطها ومدرستها في يوم وليلة لما فقدت القدرة على التواصل مع يوسف، بينما عنف والد يوسف واستبداده الشديد كانا السبب في دخوله كلية لا يحبها، ثم ترك مهنة الطب وتخبط سنوات قبل أن يجد لنفسه مسيرة مهنية ملائمة له بصورة أفضل.
عاش كل من عالية ويوسف مدة طويلة كعرائس الماريونيت، تتحكم فيهما أطراف خارجية، وعندما أصبحت لديهما القدرة على التحكم فيها راحا يتخبطان والدنيا تتلاعب بهما، وخلال كل ذلك كانا يحاولان اكتشاف نفسيهما، وفي الوقت نفسه يتمسكان بالعلاقة التي ظلت ثابتة رغم كل التغيرات التي مرت بهما.
والآن نأتي إلى العقبات التي تواجه هذا الحب، وهي ليست عقبة واحدة بل عقبات متعددة، وعقبات حقيقية وواقعية ومتراكمة، تعتمد بشكل أساسي على فرق التوقيت، حيث ينضج كل واحد من الشخصيتين بسرعات مختلفة وفي فضاء مختلف. لذلك، عندما يلتقيان لا يحدث التلاقي الحقيقي لأنهما لم يصلا بعد إلى النقطة ذاتها، وهذا الأمر يبعث الأمل في نفس المشاهد في كل مرة، فحتى عندما يشعر بالإحباط يبقى لديه أمل في التلاقي بالنهاية.
إعلانلم يقدم فيلم "6 أيام" ما هو جديد أو مختلف عند مقارنته بالأفلام الرومانسية العالمية، غير أنه عمل فني محكمة تفاصيله، وقدم قصة مصرية أصيلة، وأظهر أفضل ما لدى ممثليه من مهارات، ليكون بداية موفقة لعام سينمائي قادم.