راجت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة صورة لدبابة إسرائيلية من طراز ميركافا "مقلوبة" رأسا على عقب، وسرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم، وكُتِبت عليها جُمَل حماسية وأحيانا ساخرة من قبيل: "طريقة صنع المقلوبة مع الشيف أبي عُبيدة". ورغم أن الصورة الرائجة ليست من الصراع الحالي في غزة وتعود على الأرجح إلى العام 2020، فإن هناك العديد من الصور ومقاطع الفيديو من عملية طوفان الأقصى تظهر دبابات ميركافا تشتعل فيها النيران، وإن لم تنقلب رأسا على عقب بهذا الشكل الدرامي.

يسلط ذلك الضوء على السقوط المُريع والمفاجئ للدبابة التي يعتمد عليها الجيش الإسرائيلي الاعتماد الأكبر ويروِّج لكونها إحدى أبرز الدبابات المُدرَّعة في العالم. فلم تكن تلك إذن هي المرة الأولى التي تسقط فيها الميركافا، ولن تكون الأخيرة على الأرجح.

لم تكن تلك إذن هي المرة الأولى التي تسقط فيها الميركافا، ولن تكون الأخيرة على الأرجح. (الصورة: مواقع التواصل) الميركافا.. ميلاد متأخِّر

"لقد اعتقدنا بعد حرب 1967 أن كل ما نحتاج إليه هو دبابة وطائرة، ثم بوسعنا أن نفعل ما شِئنا. لكننا لم نفعل ما شِئنا في الأخير".

حاييم هِرتزوغ، مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عام 1974، مُعلِّقا على هزيمة إسرائيل عام 1973 (1)

في العقود الأولى من ظهورها إلى الوجود، عكفت دولة الاحتلال الإسرائيلي على بناء عقيدة عسكرية ناجعة في مواجهة الجيوش العربية. وقد صقلت معارك الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها بعض اليهود ممن هاجروا لاحقا إلى الأراضي الفلسطينية خبرات ميدانية واسعة لديهم، وسرعان ما استفادت منها العصابات الصهيونية في حرب 1948، بالمقارنة مع العرب الذين لم تكن جيوشهم الوليدة قد اكتسبت خبرة بالحروب. بعد ذلك، عملت إسرائيل على تأسيس قوات مسلحة نظامية مماثلة لنظيراتها الغربية، وسرعان ما وجدت بعض النجاحات في المعارك التي خاضتها أثناء حرب 1956، حيث أثبتت الدبابات نجاحها في مواجهة الجيش المصري الذي كان قد بدأ لتوِّه محاولات التسليح الجادة بصفقة الأسلحة التشيكوسلوفاكيَّة عام 1955 دون أن يجني ثمارها بَعْد (2).

في نهاية السبعينيات، وُلِدَت الميركافا من تصاميم "يسرائيل طال"، ودخلت الخدمة عام 1979. (الصورة: شترستوك)

في تلك الأثناء ظهر اسم الجنرال "يسرائيل طال". لقد كان "طال" واحدا من اليهود الذين تطوَّعوا مع الجيش البريطاني وشاركوا في الكتيبة اليهودية بإيطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية، قبل أن ينضم إلى عصابة "الهاجاناه" الصهيونية عام 1946 ثم جيش الاحتلال بعد عام 1948 (3). وقد رأى "طال" من خبرته في المعارك أن الدبابات ستكون مركزية في حسم المعارك مع العَرَب، وتحقَّقت رؤيته بالفعل في حرب 1967 التي لعبت فيها الدبابات دورا محوريا وأفضت إلى أسوأ هزيمة عسكرية عربية في القرن العشرين (4).

 

نتيجة لذلك، وفي عام 1970، قدَّم "طال" دراسة عن الجدوى الاقتصادية والعسكرية لتطوير وإنتاج دبابة محلية الصنع بالكامل. لكن القدر لم يُمهِله الوقت الكافي كي تظهر أفكاره في ساحة المعركة قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. وبعد أن هُزِمَت دولة الاحتلال في ذلك العام، خرج "طال" من الخدمة إثر خلافات مع قياداته، ومن ثمَّ تفرَّغ من جديد لمشروع تطوير دبابة إسرائيلية داخل أروقة وزارة الدفاع في دولة الاحتلال، آخذا في الاعتبار أوجه القصور في الدبابات المُستخدمة عام 1973 (5).

 

في نهاية السبعينيات، وُلِدَت الميركافا من تصاميم "يسرائيل طال"، ودخلت الخدمة عام 1979، وهو العام نفسه للمفارقة الذي وُقِّعَت فيه اتفاقية السلام مع مصر من جهة، واندلعت فيه الثورة الإيرانية من جهة، وبدا فيه لسوء حظ "طال" أن الحروب النظامية في طور الأفول البطيء. على مدار الثمانينيات، تمخَّضت الحرب العراقية-الإيرانية عن طفرة في الحرب غير النظامية عند الحرس الثوري الإيراني، الذي سرعان ما نقل خبراته إلى حزب الله اللبناني كي يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أن اجتاح لبنان عام 1982. يُضاف إلى ذلك انتقال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أيضا إلى عالم الحرب غير النظامية مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومن بعدها حركة حماس وغيرها من الفصائل التي واصلت المقاومة المُسلَّحة ضد الاحتلال منذ التسعينيات فصاعدا.

 

الميركافا.. أسطورة لم تُختَبَر

"إن ميل الجيش الإسرائيلي دوما إلى إعلاء أهمية الحلول التكنولوجية على حساب الابتكار التكتيكي أدى إلى التراجع النسبي لأدائه العسكري في مواجهة العَرَب، وهو تراجع أمكن إخفاؤه بالأعداد الضخمة للقوات الإسرائيلية المُستخدمة دوما ليس إلا".

مارتِن فان كرِفيلد، مُنظر ومؤرخ عسكري إسرائيلي (6)

في عام 1980، بدأ الإنتاج واسع النطاق للميركافا، وبحلول يونيو/حزيران 1982 الذي بدأت فيه تل أبيب غزوها البري للبنان، كانت هناك 200 دبابة ميركافا في حوزة الجيش الإسرائيلي اشتبك الكثير منها بقوة في العديد من المعارك مع الدبابة السوفيتية "تي 72" التي استخدمها الجيش السوري آنذاك. وقد تباينت تقييمات المعارك التي خاضها الطرفان بين مَن يدَّعي تفوُّق الميركافا، ومَن يقول إن معظم المواجهات الناجحة للإسرائيليين مع الدبابات السوفيتية كانت بفضل استخدام صواريخ أميركية مضادة للدبابات أو زرع الألغام في طريقها. ومع ذلك، راجت تصريحات شارون عن تفوُّق الميركافا، وسرعان ما انفتح باب الدعاية الإسرائيلية التي روَّجت لها بوصفها دبابة لا تُقهَر (7).

دبَّابة ميركافا مُدمَّرة أثناء اجتياح لبنان في الثمانينيات. (الصورة: مواقع التواصل)

منذ تلك اللحظة أصبحت الميركافا دُرَّة القوات البرية في دولة الاحتلال، التي أنتجت منها أجيالا جديدة باستمرار، دون أن تُختَبر في أي معركة نظامية حقيقية، أو تُصَدَّر إلى دولة تخوض حربا نظامية بحيث تُثبت كفاءتها من عدمها. وقد كانت محدودية تسليح المقاومة الفلسطينية طيلة الثمانينيات والتسعينيات، وانسحاب الجيش السوري من لبنان ومن أي مواجهات نظامية مباشرة مع إسرائيل، سببا في استمرار اختلال الموازين لصالح إسرائيل المتفوِّقة بأعداد قواتها وترسانتها الضخمة، مقابل جماعات مقاوِمة لم تملك السيطرة في الجو أو البحر، وبالكاد حقَّقت نجاحات برية بالتمترُس في المدن. ولذا، لم تندلع مواجهة تكشف أوجه قصور الميركافا وجدواها طيلة تلك السنوات.

 

في ظل الهيمنة الأميركية على المنطقة في التسعينيات، وانحياز منظمة التحرير الفلسطينية لخيار الدبلوماسية، بدأت حركات مقاومة جديدة في الظهور أكثر من ذي قبل، وعلى رأسها حركة حماس بالإضافة إلى حزب الله في لبنان. وكانت السنوات الأولى للألفية الجديدة إيذانا بطفرة نتيجة انتقال الخبرات الإيرانية في الحروب غير النظامية إليهما. وعلى خلفية اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وطرد القوات الإسرائيلية من لبنان في العام نفسه، بدأت جولات جديدة أشد كثافة في مواجهة جيش الاحتلال، سرعان ما وصلت إلى ذروتها في منتصف العقد الأول من القرن الجديد، وسلَّطت الضوء على هشاشة الميركافا (8).

 

الميركافا في قبضة المقاومة

"لقد نجح تنظيم شبه عسكري من بضعة آلاف مقاتل في مقاومة أقوى جيش في الشرق الأوسط طيلة أسابيع".

إلياهو وينوغراد، رئيس لجنة التحقيق الإسرائيلية في حرب يوليو/تموز 2006 أثناء تقديمه تقرير اللجنة النهائي (9)

في فبراير/شباط 2002، وبعد أن قام مسلحون من المقاومة الفلسطينية بالهجوم على مستوطنين إسرائيليين، أرسلت تل أبيب دبابة ميركافا لمواجهتهم، وسرعان ما اتضح أن الميركافا كانت تسير نحو فخ صُنِع بدقة عبر عبوة ناسفة وضعتها المقاومة الفلسطينية في طريقها. دمَّر الانفجار الدبابة، وقلبها على إحدى جانبيْها، وفصل البُرج عن بقية الدبابة، كما أردى ثلاثة جنود إسرائيليين قتلى. وقد علَّق محللون إسرائيليون حينها على الهجوم قائلين إنه ضربة قاصمة لهيبة الجيش الإسرائيلي (10).

 

كانت تلك هي البداية فقط. ففي عام 2006، وحين اندلعت حرب يوليو/تموز مع حزب الله في الجنوب اللبناني، عانى الجيش الإسرائيلي الأمرَّيْن، وخسر العشرات من دباباته. وقد برز آنذاك صاروخ الكورنيت بعد أن مرَّرته سوريا إلى حزب الله في جنوب لبنان، وهو صاروخ روسي متطور مداه خمسة كيلومترات ويمكنه أن يخترق تدريعا سُمكه أكثر من متر. على مدار 33 يوما من المعركة مع حزب الله التي شاركت فيها 400 دبابة إسرائيلية، تعرَّضت 48 دبابة لضربات من السلاح المضاد للدبابات، ولحقت أضرار جسيمة بـ40 أخرى، وتعرَّضت 20 غيرها لاختراق تدريعها في حين دُمِّرَت بالكامل أكثر من خمس دبابات (11).

 

"لقد كانت واحدة من المفاجآت العسكرية للقتال في لبنان هي الهشاشة الواضحة للسلاح الإسرائيلي في مواجهة صواريخ حزب الله المضادة للدبابات"، هكذا جاء في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بعد حرب يوليو/تموز 2006 (12). لقد اشتهرت الميركافا بأن تدريعها مُصمَّم لمنح حماية خاصة لطاقم الدبابة، وهو تصميم حرص عليه "طال" بالنظر للأهمية التي توليها إسرائيل لحياة جنودها وضباطها. لكن عدد جنود أطقم الدبابات الذين قُتِلوا في لبنان عام 2006 وصل إلى 30 من أصل 120 جنديا إسرائيليا مقتولا، أي رُبع القتلى (13).

 

أظهرت حرب لبنان الطفرة التي حقَّقها حزب الله بعد ست سنوات من انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب البلاد، ومدى هشاشة جيش الاحتلال في مواجهة تنظيم مُسلَّح وعالي التدريب بعيدا عن الحروب النظامية المفتوحة في الصحارى، التي صُمِّمَت الميركافا للمفارقة كي تتحرَّك فيها بيُسر. بعد نحو عام وصلت حماس إلى السلطة في غزة، وبات هناك صداع آخر في رأس إسرائيل من الجنوب هذه المرة، ولم يمضِ وقت طويل حتى راكمت الحركة خبرات وعتادا كافيا أوجعت به جيش الاحتلال. ولكن ما تغيَّر بعد كل تلك السنوات هو طبيعة الحروب غير النظامية نفسها، التي أحدثت فيها الحرب الأوكرانية نقلة كبيرة بفضل الاستخدام المُكثَّف للمُسيَّرات والاعتماد على الخنادق عند الطرفيْن في ظل جغرافيا كثافة سكانية يصعُب التحرُّك فيها على عكس المعارك النظامية المفتوحة.

 

الدرس الأوكراني.. الخندق في مواجهة الدبابة رغم القفزات الهائلة في التكنولوجيا العسكرية، فإن اختراق موقع مُحصَّن يظل تحديا كبيرا إلى يومنا هذا. (الصورة: الفرنسية)

"إن الأوكرانيين يُعيدون اكتشاف حرب الخنادق ويتبنون تكتيكات شبيهة بتلك التي ابتدعتها قوات شتورم تروبِّن الألمانية في الحرب العالمية الأولى".

ثيبو فوييه، مدير معهد الدراسات الإستراتيجية والدفاعية بجامعة ليون 3 الفرنسية (14)

على عكس المركزية التي حظيَت بها الدبابات في الحرب العالمية الثانية والمواجهات النظامية الكُبرى، على غرار حرب أكتوبر 1973، يبدو أن الصراعات الأخيرة التي اندلعت في مناطق عِدة قد أزاحت الدبابة عن عرش المواجهات البرية. فقد لفتت الأنظار بُعيْد اندلاع الحرب الأوكرانية صور العشرات من الدبابات الروسية التي دُمِّرَت وطارت أبراجها بعد أن انقض عليها الأوكرانيون بصواريخ رخيصة مضادة للدبابات وبمُسيَّرات "بيراقدار" التركية. كان ذلك خبرا سعيدا للدول الغربية الداعمة لأوكرانيا، لكنه كان خبرا سعيدا أيضا للعديد من الجماعات المُسلَّحة صاحبة العُدة والعتاد الأقل شأنا في مواجهة خصوم يمتلكون التفوُّق التقني (15).

 

لم تعانِ الدبابات الروسية وحدها، بل إن أوكرانيا ما إن اعتمدت عليها هي الأخرى في هجومها المضاد حتى وجدت القوات الروسية تستخدم التكتيكات غير النظامية نفسها لعرقلة هجمات كييف وتدمير دباباتها. ومنذ اندلعت الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، خسرت كلٌّ من روسيا وأوكرانيا أكثر من نِصف الدبابات التي بدأت بها الحرب. فحين شنَّت موسكو حربها كانت تمتلك نحو 3400 دبابة في الخدمة، وبعد نحو عام، كانت قد فقدت 1688 دبابة (أي نصف ما امتلكته سابقا تقريبا)، في حين بدأت أوكرانيا الحرب بنحو 900 دبابة وخسرت 459 بعد عام (أيضا نحو النصف). ويعني ذلك أن الكُلفة المادية للهجوم البري، بالنظر لما يتكلفه صُنع دبابة، أكبر كثيرا من التكنولوجيا الرخيصة التي تُدمِّرها بسهولة، وهو ما يضع الصناعات العسكرية في مأزق كبير (16) (17).

 

نتيجة لذلك، فإن الحرب التي بدأت بهجوم روسي من أجل إسقاط العاصمة كييف، ثم تبعها هجوم مضاد أوكراني من أجل تحرير الشرق والجنوب، سرعان ما تحوَّلت من الهجوم واسع النطاق إلى التمترُس من أجل الدفاع. ورغم القفزات الهائلة في التكنولوجيا العسكرية، فإن اختراق موقع مُحصَّن يظل تحديا كبيرا إلى يومنا هذا، وهو ما دلَّلت عليه الحرب التي بات يعتمد فيها الأوكرانيون على الخنادق لوقف الزحف الروسي، في حين يعتمد فيها الروس على التكتيك نفسه للحيلولة دون تحرير أوكرانيا للمناطق التي تحكمها موسكو. والنتيجة هي حرب عالقة وخط فاصل يتأرجح بالكاد، ومواقع حصينة لا يبدو أنها ستسقط بسهولة، ومعارك محدودة يحسمها الدفاع الصلب لا الهجوم المفتوح، ومعادلة اقتصادية تفرض قيودا على وتيرة إمداد الأسلحة (18).

 

بينما تحوَّل الصراع من الهجوم إلى الدفاع، لعبت الخنادق والتحصينات دورا مركزيا، وكذلك الطبيعة المُعقَّدة للمدن. لقد عانى الأوكرانيون في هجومهم المضاد على المواقع الروسية من التحصينات التي بناها الروس بكفاءة عالية، التي تشمل شبكة من الخنادق والألغام والحواجز الترابية والحواجز المضادة للدبابات المعروفة بأسنان التنين (Dragon’s Teeth)، علاوة على بعض الأنفاق المُستخدمة في نقل القوات والعتاد والمؤن، وهي تحصينات تُعَدُّ الأضخم من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية (19). ورغم الدمار الهائل الذي لحق بالمُدن الأوكرانية بسبب القصف الجوي، فإن الروس عجزوا عن تحقيق أهدافهم الأولية التي بدأوا الحرب من أجلها، في حين أثبتت تكتيكات الأوكرانيين نجاحها في وقف الزحف الروسي رغم الفارق في القدرة على تعبئة الجنود وأعدادهم على الجبهتَيْن (20).

 

دفاع القسَّام في مواجهة دبابات الاحتلال

"إنني أعتقد أن ما تواجهه روسيا في أوكرانيا هو نفسه الذي واجهته إسرائيل في لبنان عام 2006، لكن على نطاق أوسع بكثير".

ديفيد جونسون، عقيد أميركي متقاعد (21)

في جولة المواجهات بين المقاومة وجيش الاحتلال عام 2014، ظهرت بشكل حاسم شبكة الأنفاق واستخداماتها العسكرية، حيث استطاع مقاتلو القسام تغيير قواعد الاشتباك وعبروا منها إلى غلاف غزة وتسلَّلوا إلى خلف خطوط العدو وهاجموه من داخل أراضيه، كما ساعدتهم الأنفاق في أسر الجنود (22). في حين تشي الاشتباكات التي جَرَت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى الآن بين المقاومة وجيش الاحتلال بأن الميركافا، على غرار عام 2006، سقطت ضحية صواريخ وألغام ومُسيَّرات المقاومة، دون أن تُختَبَر بعد الأنفاق وأثرها إلى اللحظة. فقد بلغت خسائر إسرائيل من دبابات الميركافا حتى الآن 15 دبابة، تدمَّرت منها أربع بالكامل، ووقعت 10 في قبضة المقاومة، وأُلحِق الضرر بواحدة، علاوة على العشرات من ناقلات الجنود (23).

 

في أثناء الحرب الدائرة، وزَّعت كتائب القسام تعليمات لمقاتليها كي يستهدفوا الدبابات الإسرائيلية، وقد حصل عليها جنود الاحتلال من أحد المقاتلين الذين استُشهِدوا في القتال، وهي تحوي توجيهات باستهداف أنظمة "تروفي" المُثبَّتة على الدبابات. وتروفي هي مجموعة من الرادارات الصغيرة ومنصات إطلاق القذائف التي تستشعر تلقائيا أي صواريخ متجهة نحوها وتعترضها، وطوَّرتها تل أبيب بعد حرب 2006. وقد كشفت التعليمات أن إطلاق صاروخ من مسافة قصيرة جدا يُمكِن أن يُعطِّل نظام "تروفي"، ولذا لم يكن غريبا التسجيل الذي أُذيع قبل ساعات ويُظهِر محاولة استهداف ميركافا من مسافة تكاد تقترب من الصفر، وهو مشهد مُرشَّح للتكرار في ظل الكثافة السكانية لمدينة غزة، وكذلك الدمار الهائل الذي لحق بالكثير من أحيائها السكنية، الذي ربما يمنح المقاومة تحصينا إضافيا إن استطاعت استخدامه في مواجهة الهجوم الإسرائيلي (24).

 

"لقد وصلنا إلى السقف فيما يُمكن أن نوفره من حماية لأي مَركَبة، دون أن نجعلها أكبر أو أثقل من اللازم كي تُناسب البنية التحتية في المُدن، وفي الوقت نفسه، تزايدت قوة فَتْك الذخائر المُصوَّبة نحو الدبابات بوتيرة عالية"، هكذا عبَّر عن المُعضلة "جاك واتلينغ"، أستاذ بمعهد الخدمات الملكية المتحدة للدفاع في بريطانيا (RUSI)، مُضيفا أن عصر الدبابة لم ينتهِ بالضرورة، لكن التحوُّلات الجارية في القرن الحادي والعشرين تعني نقلة في دور الدبابة وأولويات تصميماتها المستقبلية، التي يجب أن تُعلي من سرعتها وقوة نيرانها على حساب تدريعها، وهو خبر سيئ للميركافا وصُنَّاعها (25).

 

لطالما اعتمدت الإستراتيجية الإسرائيلية على التفوُّق التقني والمادي، وتبنِّي تكتيكات تُقلِّل من أعداد القتلى في صفوف الجنود والضُبَّاط قدر الإمكان بالنظر للتعداد السكاني المحدود لدولة الاحتلال، علاوة على نقل الحرب إلى أرض العدو، والمُبادرة بالهجوم الاستباقي الأول في حالة تفاقم الخطر الوجودي عليها (كما جرى عام 1967 وفي اجتياح لبنان). هُنا تظهر بجلاء أوجه الشبه بين الهزيمة الإسرائيلية في أكتوبر 1973 وفي أكتوبر 2023؛ ففي كلتا الحالتيْن فوجئت إسرائيل بتكتيكات وعُدَّة وعتاد لم تأخذها في الحسبان، وبخسائر فادحة في الأرواح آلمتها بشِدة، وبامتلاك عدوِّها لزمام المبادرة والمفاجأة. لم تكشف فصول المعركة الجارية عن نفسها بالكامل، بيد أن مُجريات الحرب الأوكرانية، والتحصينات التي أعدَّتها المقاومة في قطاع غزة، قد تعني أن الدرس الاستخباراتي القاسي لن يكون الدرس الوحيد المؤلم لتل أبيب، بل يُمكن أن يكون هناك درس جديد في طريقه إلى الدبابات الإسرائيلية (26).

——————————————————–

المصادر:

(1) Breaching the Bar-Lev Line

(2) بالصور والأرقام: تاريخ صفقات السلاح بين مصر وروسيا منذ 1952 حتى 2014

(3) Father of Merkava tank dies at 86

(4) Major General Israel Tal obituary

(5) The Merkava MBT series

(6) The Israeli War Machine in Lebanon

(7) Merkava

(8) Why Iran Is Gambling on Hamas

(9) Key quotes from Israel’s report on Lebanon war

(10) Israel investigates Gaza tank blast

(11) Lessons of the 2006 Israeli-Hezbollah War

(12) Tough lessons for Israeli armour

(13) Lessons of the 2006 Israeli-Hezbollah War

(14) Trench warfare makes a comeback in Ukraine’s fight against Russia

(15) THE TANK IS DEAD: LONG LIVE THE JAVELIN, THE SWITCHBLADE, THE … ?

(16) Back in the Trenches

(17) Trench warfare makes a comeback in Ukraine’s fight against Russia

(18) Why modern technology hasn’t rendered trench warfare useless in Ukraine

(19) RUSSIAN OFFENSIVE CAMPAIGN ASSESSMENT, AUGUST 27, 2023

(20) Seizing the Initiative in Ukraine: Waging War in a Defense Dominant World

(21) THE TANK IS DEAD: LONG LIVE THE JAVELIN, THE SWITCHBLADE, THE … ?

(22) The Evolution of the Military Action of the Izz al-Din al-Qassam Brigades: How Hamas Established its Army in Gaza

(23) Israel At War: Documenting Equipment Losses During The October 2023 Israel-Gaza Conflict

(24) Hamas Distributed A Handy Guide To Destroying Israeli Tanks

(25) Is this the end of the tank?

(26) The Israeli War Machine in Lebanon

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة الجیش الإسرائیلی دولة الاحتلال غیر النظامیة جیش الاحتلال ت المیرکافا میرکافا م فی مواجهة حزب الله فی لبنان أکثر من دون أن بعد أن التی ت فی حین عام 2006 فی الم

إقرأ أيضاً:

سفير إيران في دمشق يكشف كواليس ليلة سقوط نظام الأسد

أكد سفير إيران لدى سوريا حسين أكبري أن أحدا لم يتوقع سرعة سقوط نظام بشار الأسد، وأعلن أنّ "السفارة الايرانية في دمشق ستعود للعمل قريباً".

وقال أكبري، بحسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية "إرنا" إن "أحدا لم يتوقع أن تحدث هذه التطورات بهذه السرعة وفي مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة. وليس المسؤولون في الحكومة السورية فقط لم يتوقعوا مثل هذا الأمر، بل حتى أولئك الذين كانوا وراء كواليس هذه الأحداث وكانوا مسؤولين عن إدارتها، تفاجأوا أيضا".

وأضاف سفير إيران في سوريا أنه "حتى الذين بدأوا العملية لم تكن أهدافهم وشعاراتهم الأولية سوى الرد على تصرفات ما يسمى (ردع العدوان)، أي قبل أيام قليلة من بدء العملية، قصفت الطائرات السورية والروسية مقرهم وهم بدأوا عملياتهم بهدف الانتقام من هذا القصف".



وقال أكبري إن "الملفت أن هذه العملية انطلقت من نقطة بعيدة تماما عن حلب وإلى الشمال هذه المدينة. حيث كان هدفهم الوحيد ضرب الجيش السوري وإعلان النجاح في عملية محدودة. لكن عندما بدأت العملية ولم يقاومهم الجيش السوري، تشجع هؤلاء على توسيع العملية من محاور مختلفة".

وتابع السفير الإيراني في سوريا أن "مدينة حلب التي قاومت السقوط لأكثر من أربع أو خمس سنوات، سقطت خلال فترة قصيرة جدا، خلال يوم أو يومين. لقد كان هذا الحدث غير متوقع إلى درجة أنه غير كل المعادلات وأثر بشكل جذري على الوضع".

وأضاف: "أنا شخصياً كنت حاضراً في السفارة مع العديد من زملائي حتى مساء السبت، اليوم التالي لسقوط دمشق. حتى أننا كانت لنا لقاءات وراقبنا الوضع عن كثب. اكتشفنا أنه تم التوصل إلى تسوية بين الطرفين وانتهى كل شيء. ولهذا أعلنت لزملائي تلك الليلة أنه لم يعد من المفيد البقاء في السفارة، لأن الجماعات المشبوهة قد تتدخل في هذه القضايا وتسعى للحصول على وثائق أو معدات أو إمكانيات خاصة".

وفيما يتعلق بتوقعاته أكد أكبري أن "سوريا لن تصبح كما هو الحال في ليبيا لأن الظروف الجغرافية والاختلافات الإقليمية لليبيا تختلف عن سوريا"، وقال: "في ليبيا، بسبب وجود مناطق لديها اختلافات واضحة مثل الشرق والجنوب والشمال، فإن غالبية المشاكل تعود إلى هذه الاختلافات، لكن في سوريا لا توجد مثل هذه الاختلافات الواسعة على هذا النحو، رغم أنه ستكون هناك مشاكل مماثلة في سوريا، لأن كل فئة أو منطقة تبحث عن حقوقها في الحكومة المقبلة، فمثلا منطقة السويداء تبحث عن حقوقها، والأكراد أيضا يريدون حقوقهم ونصيبهم في الحكومة".

واعتبر أن "إحدى المشاكل التي يمكن أن تجعل سوريا أقرب إلى ظروف مشابهة لليبيا هي العلاقات الخارجية لكل مجموعة، بمعنى أن كل مجموعة من هذه المجموعات تحظى بدعم جهات خارجية".



واعتبر السفير الإيراني في دمشق، أن "المتغير الأهم المؤثر في هذا المشهد هو دور الكيان الصهيوني الذي لا يريد تشكيل حكومة قوية في سوريا تكون تهديدا له. كما يتم تعديل سياسات الولايات المتحدة على أساس مصالح الكيان الصهيوني. هذه العوامل تشكل تحديات جادة تواجه سوريا في الوقت الراهن".

وكان أكبري أعلن أن "هيئة تحرير الشام" تؤمن السفارة الإيرانية في دمشق ووعدت بالسماح باستئناف عملنا القنصلي بدمشق.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في 4 مناطق سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد
  • ليلة رعب.. طاقم مستشفى كمال عدوان يكشف تفاصيل العدوان الإسرائيلي بشمال غزة
  • نتنياهو يوعز للجيش الإسرائيلي بالبقاء في جبل الشيخ السوري حتى نهاية 2025
  • مقتل 12 ألفاً و799 طالباً فلسطينياً منذ بدء الحرب
  • مصر تطالب بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من معبر رفح
  • أول تعليق للجيش الإيراني على تهديدات ترامب المستمرة لطهران
  • لجان المقاومة الفلسطينية تُشيد بالقصف اليمني للعمق الإسرائيلي
  • الأسد يكسر صمته ويكشف كواليس ليلة سقوط دمشق
  • سفير إيران في دمشق يكشف كواليس ليلة سقوط نظام الأسد
  • قصف صاروخي إسرائيلي يستهدف موقعاً عسكرياً للجيش السوري في طرطوس