"لماذا يتهم الجنوب العالمي أمريكا بالنفاق؟".. عبر هذا السؤال رصدت مجلة "فورين بوليسي" ما قالت إنها معايير مزدوجة صارخة بدأت الدول النامية تراها بوضوح في ردود أفعال الغرب المتباينة تجاه غزة وأوكرانيا، إذ يدين الاحتلال غير القانوني في أوكرانيا، بينما يقف أيضًا بقوة خلف الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقضم الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967 وأيضا يحتفظ بالمستوطنات في الضفة الغربية ومحيط قطاع غزة، وهي خطوات يعتبرها غالبية المجتمع الدولي غير قانونية، كما تفرض تل أبيب أيضًا حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على قطاع غزة منذ عام 2007.

تناقض كبير

وأشارت إلى أنه في الوقت الذي سارعت فيه الحكومات الغربية إلى إدانة روسيا لانتهاكها القانون الدولي عندما شنت هجوما واسع النطاق ضد أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، كان الغرب، وفقا لمراقبين في العالم النامي، أكثر تردداً في إدانة دولة الاحتلال الإسرائيلي سواء لاحتلالها الدائم أو لاستمرارها في الاحتلال، ناهيك عن أنها لم تفعل ما يكفي لمنع مقتل آلاف المدنيين في هجومها المستمر على غزة.

اقرأ أيضاً

تركيا تهاجم ازدواجية معايير أوروبا: ترفضون تأييد فلسطين وتسمحون بالإساءة للقرآن

واعتبرت أن هذا التناقض الملحوظ يثبت لدول الجنوب العالمي أنه "مدمر للمزاعم الغربية بشأن النظام القائم على القواعد - وهي الذريعة التي يتذرع بها قادة أوروبا والولايات المتحدة لحشد الدعم لحرب أوكرانيا ضد روسيا، حيث ترى العديد من الدول النامية في موقف الغرب بشأن إسرائيل وفلسطين دليل على تطبيقه القواعد والمعايير الدولية بشكل انتقائي - وفقًا للمصالح الجيوسياسية وليس بطريقة عالمية وإنسانية".

ويرى التقرير أن "هذا المعيار المزدوج من شأنه أن يلحق الضرر بالجهود الرامية إلى حشد الدول غير الغربية لدعم أوكرانيا".

وقد أثبت هذا التناقض الملحوظ أنه مدمر بشكل خاص للمزاعم الغربية بشأن "النظام القائم على القواعد" - وهى العبارة المركزية التى يستشهد بها زعماء أوروبا والولايات المتحدة لحشد الدعم لحرب أوكرانيا ضد روسيا.

وترى العديد من الدول أن موقف الغرب بشأن إسرائيل وفلسطين دليل على أنه يطبق القواعد والمعايير الدولية بشكل انتقائى - وفقًا للمصالح الجيوسياسية وليس بطريقة عالمية.

إلحاق الضرر بأوكرانيا

وفى تصريحات لـ"فورين بوليسى"، قال العديد من الدبلوماسيين، سواء من الغرب أو الجنوب العالمى، إن هذا المعيار المزدوج من شأنه أن يلحق الضرر بالجهود الرامية إلى جلب الدول غير الغربية إلى زاوية أوكرانيا.

ولفتت المجلة إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في 19 أكتوبر/ تشرين الأول تشكل مثالا صارخا على مدى الدعم الأمريكي الواسع لدولة الاحتلال، والذي يقوض في الوقت ذاته جهود واشنطن لبناء دعم عالمي أوسع لأوكرانيا.

اقرأ أيضاً

ازدواجية الغرب.. دعمه لعدوان إسرائيل يقوض مزاعمه في أوكرانيا

وأشارت إلى أن "تصريحات بايدن أثارت الدهشة في البلدان النامية، فبدلا من أن يشبه الفلسطينيين بالأوكرانيين شبه الإسرائيليين بالأوكرانيين. وذلك لأن الكثيرين ينظرون إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من منظور الغاصب مقابل المحتل".

وقد أصيب الفلسطينيون، على وجه الخصوص - الذين يدعم نصفهم تقريبًا أوكرانيا ضد روسيا - بخيبة أمل عندما أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن دعمه الفوري الثابت لإسرائيل "في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس، لكنه لم يذكر سوى القليل عن غزة أو فلسطين".

وأدلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتصريحات مماثلة. وقارنت إسرائيل فى الصراع بدفاع أوكرانيا ضد روسيا فى حدث سياسى أقيم فى 22 أكتوبر فى ألمانيا، قائلة إن "هذه الصراعات تشترك فى شيء واحد.. إنها تدور حول الصراع بين أولئك الذين يسعون إلى السلام والتوازن والحرية والتعاون - وأولئك الذين لا يريدون أيًا من هذا لأنهم يستفيدون من ذلك".

كانت هذه التصريحات محل جدل كبير.

تدمير البنى التحتية

وفي 9 أكتوبر، أي بعد يومين من هجوم "حماس"، أعلن وزير البنية التحتية الإسرائيلي أن حكومة الاحتلال ستقطع جميع إمدادات المياه عن غزة، وسرعان ما انتشر مقطع فيديو لخطاب فون دير لاين في أكتوبر 2022 قالت فيه إن "الهجمات على البنية التحتية المدنية، وخاصةً الكهرباء، تعتبر جرائم حرب، وقطع المياه والكهرباء والتدفئة عن الرجال والنساء والأطفال مع قدوم الشتاء، هو عمل إرهاب خالص، وعلينا أن نسميها كذلك".

اقرأ أيضاً

يتقدمهم بايدن.. قادة 6 دول يؤكدون دعمهم لعدوان إسرائيل على غزة

وربط مراقبون هذه التعليقات بتصريحاتها السابقة الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مما جعل النقاد يؤكدون أن هناك تناقضًا في الموقف الأوروبي، حيث يبدو أن هناك قواعد مزدوجة تطبق على القضايا الدولية.

ويزعم ماتياس سبكتور أن اتهامات الدول النامية للولايات المتحدة بالنفاق ليست بالضرورة أمرًا سيئًا، حيث كتب في مجلة "فورين أفيرز": "لم يكن هذا نتيجة لخلل في شخصية الولايات المتحدة، ولكن لأن الولايات المتحدة بنت سلطتها من خلال توفير المنافع العامة العالمية من خلال المؤسسات العالمية وتغطي سلطتها السياسة الخارجية بلغة الفضيلة الأخلاقية".

ومع ذلك، فهو يحذر أيضًا من أن كثيرين من الناس يعتبرون النفاق أسوأ من الكذب، في حين أن الكاذبين يضللون من أجل الربح، فإن المنافقين يذهبون أبعد من ذلك من خلال خداع الآخرين بينما يسعون إلى الثناء على فضائلهم الأخلاقية، إنهم يتظاهرون بالتفوق في عملية انتهاك المبادئ ذاتها التي يدعون إلى التمسك بها.

محاولة للاستدراك غير مفيدة

وإدراكًا لمخاطر أن يُنظر إليهم على أنهم منافقون، يؤكد العديد من القادة الغربيين، بما في ذلك فون دير لاين، الآن على ضرورة احترام دولة الاحتلال الإسرائيلي للقانون الإنساني في غزة.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تؤدي مثل هذه المبادرات إلى عكس تصورات الجنوب العالمي بشأن النفاق الغربي، وخاصة مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة.

ويقول التقرير: لقد تجاوز عدد من الأطفال الذين ماتوا في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط عدد الأطفال الذين ماتوا في جميع الصراعات المسلحة خلال كل سنة من السنوات الثلاث الماضية.

اقرأ أيضاً

دعاية وذخيرة وجزيرة.. حرب إسرائيل وحماس نعمة لروسيا والصين

ويقول جون هيربست، المبعوث الأمريكي السابق إلى أوكرانيا والدبلوماسي الأمريكي السابق في إسرائيل، مؤخرًا إنه في حين أن سمعة الولايات المتحدة العالمية ستتضرر إلى حد ما بسبب دعمها لتل أبيب، فإن هذا الموقف لن يؤدي إلا إلى جعل كسب الدعم لأوكرانيا "أكثر صعوبة".

وتشير المجلة إلى أن صناع السياسات في البلدان النامية نظروا لفترة طويلة إلى ادعاءات الولايات المتحدة بالتمسك بأرضية أخلاقية عالية باعتبارها مزعجة بلا داع.

وختمت تقريرها بالقول إنه "كلما طال أمد الحرب بين إسرائيل وحماس، تعاظمت المخاطر التي تهدد مصداقية الغرب في الجنوب العالمي".

المصدر | فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أوكرانيا غزة تناقض نفاق الغرب الحرب على غزة الاحتلال الإسرائيلي الاحتلال الإسرائیلی أوکرانیا ضد روسیا الولایات المتحدة الجنوب العالمی العدید من اقرأ أیضا إلى أن

إقرأ أيضاً:

إسرائيل والغرب الاستعماري فاتورة جنون العشاء الأخير

 

سقطت كل تموضعات الهيمنة الإمبريالية، من الكيان الإسرائيلي المحتل، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأخواتها في أوروبا الإمبريالية، وأصبحت تلك القوى مجرد أوراق ذاوية، متساقطة في خريفها الحتمي.

سقطت أساطير القوة، والتفوق العسكري البحري والجوي الأمريكي، وسقطت مزاعم التفوق الحضاري، وأقنعة السمو والرقي الإنساني الأوروبي، كما تهاوت عنجهية الكيان المدلل، المغرم بهواية ممارسة التوحش والإجرام، والمولع بإراقة الدماء وحروب الإبادة الشاملة، دون أن يجرؤ أحد على منعه.

رغم مرور عام كامل، لم تستطع أقوى الترسانات العسكرية، وأحدث المنظمات التكنولوجية، أن تجتث قوة وفاعلية، فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، ومازالت هذه الأخيرة، تلحق بأعتى جيوش الإمبريالية، أخزى وأنكى الهزائم، رغم الفوارق الهائلة بينهما، على كافة المستويات، ورغم ذلك فإن الفعل المقاوم اليوم، لم يعد ما كانه بالأمس، سواء في غزة أو في الضاحية اللبنانية، علاوة على ظهور جبهات جهاد وإسناد جدیدة، في العراق واليمن وإيران، الأمر الذي جعل الغرب الإمبريالي، يتخلى عن وقاره المصطنع، وعطف أبويته المزعومة، ويقفز إلى حلبة الصراع والمواجهة، معلنا موقفه الاستعماري وشراكته الإجرامية، وهمجيته ونزعته التوحشيه، الموغلة في دماء وأشلاء المدنيين الأبرياء العزل، في قطاع غزة وعموم فلسطين والضاحية الجنوبية، واليمن والعراق وأفغانستان، و….. و…… إلخ.

كانت القضية الفلسطينية – وما زالت – الجرح الغائر، في جسد الأمة العربية والإسلامية، غير أن خروج صورة المعركة وطبيعة المواجهة، من ضيق التصور القومي الخاص، إلى فضاء الواجب الديني، الملزم لجميع المسلمين، قد أعاد لها قوتها وزخمها الحقيقي، وأعادها إلى سياق الاستجابة للأمر الإلهي، وأصبحت المسألة أكبر من مصير مشترك، عرقيا أو قوميا أو جغرافيا، لتشمل المصير الحياتي، والمصير الأخروي معا.

مما لا شك فيه أن وعد الله حق، وسنته ثابتة مؤكدة، لا تتبدل ولا تتغير، وفي كل زمان وفي كل مكان، لا بد أن يعلو جبروت فرعون، لتسقطه عصى موسى، ورغم إمكانات القوة والهيمنة الاستكبارية، في تموضعها المادي، إلا أن أبسط الأدوات (العصى)، وأقل الإمكانيات (ضرب البحر)، كفيلة بمشيئة الله بإسقاط أعتى القوى، وطي أزمنة الهيمنة والطغيان، إلى الأبد.

إن المارد الذي انطلق من عقاله، في السابع من أكتوبر 2023م، لا يمكن أن ينكسر، بعد عام كامل من عنفوانه، والطوفان الذي ما زال يعصف بأعتى القوى، على مدار عام كامل، لا يمكن أن ينطفئ، بحيلة سياسية أو مؤامرة عالمية، كما أن ما عجزت قوى الاستكبار الإمبريالية العالمية، أن تقضي عليه مجتمعة، على مدى عام كامل، هي أعجز من أن تنال منه، مثقال ذرة بعد ذلك، مهما راهنت على عامل الزمن.

كان صدور أقل تصريح، عن أصغر ضابط أمريكي، كافيا لأن يقلب العالم، رأسا على عقب، وكانت مجزرة واحدة بحق الفلسطينيين، كافية لفرض الاستسلام، على شروط العدو، وكانت تكاليف العمليات الاستشهادية، باهظة التنكيل والقمع والإبادة، بحق المدنيين الأبرياء، لكن الوضع اليوم قد تغير، ولم يعد لحاملات الطائرات الأمريكية، أي قيمة وجودية، بعد أن عجزت عن حماية نفسها، أمام الصواريخ الباليستية والمسيرات اليمنية، ولم يعد للمجازر والإبادة والتوحش، أي أثر إرهابي، لردع المجاهدين الفلسطينيين واللبنانيين، عن خيار الجهاد والمقاومة، والسباق الجمعي في ميادين التضحية والكرامة، ولم تعد العمليات الاستشهادية، باهظة الثمن أو عبثية الجدوى، كما أن الاغتيالات الإجرامية الإسرائيلية، لم ثؤثر على موقف الجهاد والإسناد، أو تضعفه تكتيكيا أو عسكريا أو ميدانيا، وهو ما أثبت مرة أخرى، الكفاءة العالية والأداء المتفوق، لدى فصائل الجهاد والإسناد، التي ما زالت تضرب بكل قوة وفاعلية، في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد اختارت أهدافها بدقة وعناية، في ظل امتلاكها زمام المعركة، وقدرتها على تحقيق النصر، بخطوات ثابتة ومدروسة.

لم يعد من مصلحة إسرائيل وأمريكا وأخواتهما، ارتكاب المزيد من المجازر، والقتل والتدمير والإبادة، لأنها أصبحت بلا فاعلية ولا جدوى، ولم يعد في جعبة القوى الاستعمارية والاستكبار، غير الزوال الحتمي، والسقوط الكبير المدوي، وحتى الرهان على عامل الزمن، لن يخدم تلك الكيانات الوظيفية الإجرامية، التي تآكلت من الداخل تماما، وفقدت شرط التفوق العسكري، وعامل البقاء الاقتصادي، الذي يتهاوى بشكل متسارع، تزامنا مع السقوط القيمي والأخلاقي والإنساني الشامل.

مقالات مشابهة

  • في الضفة الغربية وغزة..أمريكا تدعم الفلسطينيين بـ 300 مليون دولار
  • عاجل - السر الأكبر.. لماذا لا يفتح حزب الله النار الكاملة على إسرائيل رغم الهجمات؟
  • شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (4)
  • إسرائيل تعتقل 40 فلسطينياً في الضّفة الغربية
  • هل تحاول إسرائيل جر أمريكا إلى حرب ضد إيران؟
  • إسرائيل والغرب الاستعماري فاتورة جنون العشاء الأخير
  • دول الجنوب العالمي تحذر من مخاطر تصاعد الأعمال العدائية المستمرة في أوكرانيا
  • "فورين بوليسي": أوروبا ما زالت بحاجة ماسة لأمريكا بغض النظر عن "سيد البيت الأبيض"
  • إسرائيل والغرب الاستعماري فاتورة جنون العشاء الأخير
  • بايدن: أمريكا لم تكن على علم ولم تشارك في هجوم إسرائيل على بيروت