المال والبنون الإسرائيلي
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}الإسراء6 هنا الحديث عن تدفق الأموال لبني إسرائيل، وكثرة التحشيد من البنين، حيث لا يكون بالضرورة التوالد والإنجاب، ولكن التحشيد من أية جهة كانت، المهم عملية تكاثرية للجانب الإسرائيلي.
بقي التمحور حول الضمير (أنتم – هم)، وبالتالي فإن عراق اليوم وسورية والأردن وبعض فلسطين هم سلالة تلك الشعوب القديمة، فصارت الصورة كأنها حالة صراع مستمرة وثأر قائمة طوى اللفظ (ثم) كل تلك المسافات لينتقل إلى المستقبل؛ إذ أن (ثم) في العربية، عند البلاغيين والنحاة، تعني (مسافة زمنية للتراخي). وبإسقاط الأحداث الأخيرة منذ 1948 إلى اليوم 2009 (كانت هذه الدراسة منذ عام 2009 أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة مع بعض الجمل لعدوان اليوم) لمقارنتها بالصورة الواقعية مع النص سنجد التالي: منذ أن بدأت فكرة استيطان اليهود لفلسطين نهاية القرن التاسع عشر أقيمت الصناديق المالية الداعمة للاستيطان ولتهجير اليهود من كل بقاع الأرض لشراء الأراضي الفلسطينية وتمليكها لليهود، فأنشئت صناديق للتبرعات وللدعم في الولايات المتحدة وفي بريطانيا وألمانيا وفرنسا فاقت التصورات، حتى أن مؤسس الصهيونية هيرتزل عرض على السلطان عبدالحميد مبالغ مالية خيالية لسداد ديون الدولة العثمانية كلها، فضلاً عن أموال هائلة تعطى لخزينته الشخصية، فرفض ذلك الأمر رفضاً قاطعاً.
وكان اليهود المهاجرون من أوروبا إلى فلسطين يشترون الأرض بمئات أضعاف قيمتها يومذاك، وتدفقت عليهم الأموال من كل مكان، فكانت الأموال أو الخزينة الإسرائيلية يوم قيام دولتهم أضعاف ميزانيات الدول العربية مجتمعة، ونجد إلى اليوم أنه إذا التزمت الولايات المتحدة ببعض الأموال أو الأسلحة لأي من الدول العربية، فإن أضعافها ثلاث مرات تكون في المقابل التزامات منها لدولة (إسرائيل)( ). "قدمت الويات المتحدة الأمريكية إلى (إسرائيل) عام 1985 ما يقارب 5 مليارات دولار وهي تشكل ثلثي المساعدات الخارجية الأمريكية"(البعد الديني في السياسة الأمريكية: ص168- مصدر سابق. ). "وبلغ حجم التعويضات الألمانية وحدها 70 بليون دولار في 35 عاماً انعشت الاقتصاد الإسرائيلي ومكنت الدولة الصهيونية من شراء مزيد من الأسلحة والمستوطنات والقنابل العنقودية"(الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: – د/ عبدالوهاب المسيري – ص90 – مصدر سابق. ).
اقرأ أيضاً دولة جديدة تستدعي السفير الإسرائيلي بسبب مجازر الاحتلال في غزة أول تحرك لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن عقب هجمات حوثية على ‘‘إسرائيل’’ تحذير إماراتي شديد اللهجة: هذا الخطر يهدد المنطقة بحرب إسرائيل على غزة سخرية واسعة من قيادي حوثي طالب السعودية السماح للصواريخ بالمرور إلى إسرائيل: نوقف الصاروخ نسأله رايح جازان ولا تل ابيب؟ بطولات القسام.. شاهد فيديو جديد لتدمير دبابة ميركافا بصاروخ من المسافة صفر ألف جندي قتيل وجريح و30 مليار دولار خسائر.. هل توقف إسرائيل حربها على غزة؟ «تحليل» ما تأثير الضربات الحوثية نحو إسرائيل وما أسبابها وأهدافها وكيف سيكون الرد؟.. مركز أمريكي يجيب قيادي حوثي: بعض الحمقى توقعوا أن يعلن حسن نصر الله الحرب على إسرائيل أمريكا ترسل أسطولا عسكريا جديدا لدعم إسرائيل ”صور” بالفيديو.. لحظة دهس الشرطة الإسرائيلية شابًا فلسطينيًا وينجح في الفرار بعد إصابته دمار غزة.. فيديو جديد بطائرة مسيرة يكشف آثار الغارات الإسرائيلية بعد 27 يومًا من العدوان رويترز: دولة عربية تعلن نيتها المشاركة في تحالف دولي إلى جانب أمريكا وإسرائيل لضرب ”حزب الله”وهذا الأمر يتناسق تماماً مع الآية (وأمددناكم بأموال وبنين) والإمداد التواصل والاستمرار وعدم الانقطاع. يقول روجيه جارودي: "الولايات المتحدة وهبت من عام 1948 إلى عام 1967 كل إسرائيلي 435 دولاراً، وكل عربي36 دولاراً فقط"(الاساطير المؤسسة لإسرائيل: ص254 – مصدر سابق. ).
أما البنون فقد كان الصهاينة يفرقون بين من يأملون أنه سيساعد في خلق الدولة الصهيونية ويكون مفيداً لها في الجيش من الشباب والتجار والحرفيين والصناع والعلماء، وبين الكم الهائل من النساء والشيوخ الكبار فيتركونهم بين يدي هتلر "وكشفت محاكمة إيخمان -إلى حدٍ ما- جزءاً من الاتفاق بين هتلر واليهود الصهاينة، وهذه المبادلات بين اليهود الصهاينة "النافعين" لخلق الدولة اليهودية (كالشخصيات الغنية ورجال التقنية والشباب القادرين على رفد الجيش...الخ) وبين كتلة ضخمة من اليهود الأقل حظاً المتروكين بين أيدي هتلر"( لمصدر السابق: ص83. ). "وكان بن جوريون يقول: إن مهمة الصهيوني ليست إنقاذ بقية إسرائيل التي ما تزال توجد في أوروبا، بل هي إنقاذ أرض (إسرائيل) من أجل الشعب اليهودي"(المصدر نفسه ).
"وكان قادة الوكالة اليهودية متفقين على أن الأقلية التي يمكن إنقاذها ينبغي أن تختار تبعاً لحاجات المشروع الصهيوني في فلسطين"(نفسه ).
"كان الصهاينة يقومون بتهجير اصطفائي كما كانوا يرغبونه: ذلك أن الوحيدين الذين يستطيعون الهجرة هم أصحاب الملايين الذين كانت أموالهم تسمح بتنمية الاستعمار الصهيوني في فلسطين. وطبقاً للأهداف الصهيونية، فقد كان الشيء الأهم هو إنقاذ الرأسمال اليهودي من سلطان ألمانيا مما يسمح لهم بتنمية مشاريعهم بدلاً من هجرة الفقراء وغير المؤهلين للعمل أو للحرب، الذين كانوا سيشكلون عبئاً على المنظمات اليهودية"( لمصدر السابق: ص83. ).
"وجعلناكم أكثر نفيراً":
عندما قامت الحرب بين العرب ممثلين بالشعوب السورية والأردنية والعراقية والمصرية (هم) وبين اليهود الصهاينة (أنتم)، كان الجيش العربي كله جيشاً مفتقراً للسلاح الحديث وغير مدرب تدريباً جيداً، ويعاني من الفقر في المال والإمكانيات وقلة الرجال أيضاً، بينما كان اليهود الصهاينة توجد معهم أسلحة حديثة ومتطورة وطائرات وغيرها وجيش مدرب تدريباً عالياً، فضلاً عن كثرته، فقد كان يمثل ثلاثة أضعاف الجيوش العربية مجتمعة. وقد ذكر المؤرخ العسكري اللواء جمال حماد، وأحد الذين شاركوا في القتال في تلك المعركة والمعارك التي تليها في برنامج "شاهد على العصر" على قناة الجزيرة الفضائية، أن الجيوش العربية مجتمعة كجيوش نظامية كانت فقط ما بين عشرين إلى ثلاثة وعشرين ألف جندي عربي، ويصل العدد مع المتطوعين من الشعوب غير الجيوش النظامية، يصل الجيش كله في أحسن الأحوال إلى 30 ألف محارب مع ضعف الإمكانيات وفساد الأسلحة، بينما كان الجيش اليهودي الصهيوني ما بين 63 ألفاً إلى 67 ألف مقاتل، وفي بعض الأوقات يصل العدد إلى 90000(تسعين ألفا) أي ثلاثة أضعاف الجيش العربي.
إذاً في هذه الحالة إذا اسقطنا الواقع على النص القرآني كان التفسير الواقعي للحدث، وهو ما ينبئ بأن المرحلة اللاحقة والآنية هي مرحلة الإفساد الثانية والهلاك والزوال القادم للدولة الإسرائيلية الصهيونية. إذ أن النفير في العربية تعني الجيش، وهذا معنى (جعلناكم أكثر نفيراً).
كانت المعارك الكبرى، التي قامت بين (إسرائيل) والدول العربية 1948، 1967، 1973، تعزز الرؤيا لدى الديانات الثلاث بأن الواقع يسير حسب النصوص الدينية للأديان الثلاثة، وكل الأطراف بالتالي تؤمن بالنتيجة الحتمية لما سيؤول إليه هذا الصراع وهو زوال الدولة الإسرائيلية وقيام المواجهة الكبرى بين الأطراف الثلاثة. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً}( ). ولفظ الآخرة في الآية يأتي توكيداً ومزيلاً لأي لبسٍ لقائل يقول بأن الحدث قد وقع قديماً، إذ يلازم لفظ الآخرة المسافة الزمنية التي تأتي قبل قيام الساعة، وهو ما يعضده قول الرسول - صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلون اليهود ويقاتلونكم...الحديث".
"ليسوءوا وجوهكم" أكثر ما ينطبق على هذه الصورة من معنى هو واقع الحال اليوم ليحتمل عدة معانٍ وهي أن الصورة المقدسة التي بناها اليهود الصهاينة عن دولة (إسرائيل) ستزول بهدمها وفضحها للعالم وهو ما يمعر الوجوه ذلاً وخزياً ويسقط الأقنعة المزيفة، وثانيها أن الإعلام اليوم هو يلعب لعبة هامة في تزيين أو تقبيح شيء ما وستسقط تلك الهالة الإعلامية التي تمثل القناع الأكبر للدولة الإسرائيلية، وبالتالي إسقاط ذلك القناع يمحي تلك الصورة عن الدولة الصهيونية الإسرائيلية، وهذا ما بدأنا نلمسه في الفترة الأخيرة من شن إسرائيل عدونها الهمجي على غزة – كيف بدأت أقنعتها تتساقط الواحدة تلو الأخرى وتتلقى الملامة والانتقاد من كل مكان، وكيف بدأت تخسر أصدقاءها وأماكن نفوذها، ما دفعها بتكثيف حملتها الإعلامية من جديد لمحو وإزالة ما شاب صورتها من استياء لدى العالم وبعض المنظمات الدولية، وكيف أن العالم كله خرج مندداً بجرائمها في غزة. {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً}.
الضمير ما زال متحدثاً عن أعداء إسرائيل السابقين (هم)، وهذا الأمر بشرى من الله - عز وجل - بأن المسجد الأقصى لن يهدم ولن تضره تلك الحفريات التي تقوم بها الدولة الإسرائيلية الصهيونية، والمسجد بالتعريف بالألف واللام يفيد التخصيص والحصر، كما قال في بداية السورة (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، كما أن المسجد الأقصى - بهذه التسمية - لم تكن معروفة قبل القرآن أبداً؛ إذ أن اللفظ الذي كان يطلق على المسجد الأقصى هو "بيت المقدس"، وهذا دليل آخر على أن الحادثة مستقبلية، وهي إشارة إلى زوال الدولة الإسرائيلية على أيدي "عباداً لنا".
ففلسطين لم تشهد قوة وصحوة ومقاومة وممانعة مثلما هي عليه اليوم، وهي في الطريق إلى الزيادة حتى وإن كان هناك كُمونٌ من الشعب الفلسطيني والعربي عموماً للصراع القادم، فإن تزايد تلك الحركات وقوتها وممانعتها والمظاهرات والاحتجاجات والانتفاضات المتتالية التي تقوم ما بين لحظة وأخرى هي تعبر عن ذلك اللفظ "الجوس" (فجاسوا خلال الديار)، أي استعراض القوة والتردد ذهاباً وإياباً بين شوارع وأزقة الديار، وقد تكون بمعنى الحال اليوم هي المظاهرات التي تقام بين فترة وأخرى، أو التربص والجلوس والكمون بين شوارعها وأزقتها وكذلك الممانعة والأعمال المسلحة والعصيان المدني؛ لأن اللفظ "جاس" في اللغة اليمنية يعني الجلوس بسكون. "وليتبروا ما علوا تتبيرا" ليدمروا ويهلكوا كل شيء من صنع اليهود يظهرون عليه ويعتلونه. والتتبير في اللغة القطع والدمار والهلاك والخراب، أي سيزيلون كل معالم اليهود التي أقاموها حول المسجد الأقصى والمدينة المقدسة.
وقد لاحظنا في انسحاب (إسرائيل) من غزة عام 2004 شيئين ينبئان بالصورة الطبيعية التي لازمت اليهود في تاريخهم خاصة عند جلائهم من المدينة؛ إذ كانوا "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين"، فعند انسحابهم من المستوطنات من غزة دمروا بيوتهم تلك لئلا ينتفع بها الفلسطينيون من بعدهم.
كما أن الفلسطينيين الذين ورثوا مكان تلك المستوطنات لم يسكنوا ما تبقى منها بل دمروها كذلك وأقاموا بيوتهم على أنقاضها، وذلك لاعتقاد في عقيدة المسلمين أن لا يسكنوا في سُكنى اليهود، لتحذير ونهي من الله في ذلك "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم"، وهم اليهود، كما قال المفسرون؛ إذ لا يرغب أي مسلم قوي الإيمان وعارف به أن يسكن سُكنى اليهود. أما علو اليهود المذكور في القرآن فهو العلو الكبير الذي لم يبلغوا مثله، فهم أمة انتقلوا من التدنيس إلى التقديس وهم يتحكمون اليوم بأزمَّة العالم عبر البنوك وصناديق النقد ولوبياتهم التي تحكم الإدارات الأمريكية والأوروبية التي بدورها تحكم العالم، فما بعد الكمال إلا النقصان، وما بعد العلو إلا الهبوط والهوى، وقد بدأت مشاريعهم بالتقزم. ما ننوه إليه أن اليهود الصهاينة هم كانوا وراء التخطيط لغزو العراق، وهم اليوم يخططون لغزو سورية ولن يتوقفوا عندها بل سيحاولون التمدد إلى مصر والأردن، وقد دلت أكثر من مرة كتاباتهم أن تدمير العراق وغزوه هو ثأر للتاريخ القديم لتدمير الأشوريين والبابليين دولة (إسرائيل) الأولى والثانية في التاريخ القديم قبل الميلاد، وقالوا أنهم أخذوا بثأرهم من العراق اليوم وتبقى لديهم سورية ومصر يريدون الأخذ بالثأر منهما.
نحن المسلمون نعلم علم اليقين أن سورية ستغزى من قبل ذلك التحالف الصهيومسيحي صهيويهودي؛ ذلك ما نجده عندنا في النصوص الدينية للأحاديث الشريفة من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو ما سنبينه تالياً عند الحديث عن السنة النبوية.
بعض المنصفين اليهود يؤمنون بما نؤمن به نحن المسلمون من أن ما ورد في صدر سورة الإسراء حقيقة واقعة ولا تبديل لكلام الله، وأن إسرائيل إلى زوال مهما علت وتمادت ودمرت وأحرقت، بل إن تدميرها هذا لفلسطين واتخاذ سياسة الأرض المحروقة هو الإفساد بعينه الذي تحدثت عنه الآيات وليس الفساد الأخلاقي وحسب.
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: الیهود الصهاینة المسجد الأقصى على غزة وهو ما
إقرأ أيضاً: