التغير المناخي يُدمِّر موسم الزيتون في إيطاليا.. ما القصة؟
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
كان يُفترض أن تكون الأشجار المزروعة في أرض آلان ريسولو في وسط إيطاليا مليئة بالزيتون خلال هذه الفترة من السنة؛ لكنّ الأحوال الجوية القاسية التي تُعزى إلى التغير المناخي قد دمّرت محصوله.
وقال المزارع البالغ 43 عاماً المتحدر من سابينا في شمال روما، وهو يمسك بغصن شجرة لا يوجد عليه سوى عدد قليل من حبات ذابلة من الزيتون الأخضر والأسود: "لقد انخفض الإنتاج بنسبة 80 بالمائة".
جاء ذلك ضمن تقرير عرضته فضائية “يورونيوز”.
وتشتهر هذه المنطقة منذ العصر الروماني ببساتين الزيتون، وتضم أشجاراً يُقال إن عمرها مئات، بل آلاف السنين؛ لكن أنماط الطقس المتغيرة تشكل تحدياً هائلاً لهذه الزراعة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التغير المناخي الطقس الزراعة إيطاليا الزيتون
إقرأ أيضاً:
حقيقة أم خديعة.. ماذا وراء معجزة إيطاليا الاقتصادية؟
منذ أن فازت "جورجيا ميلوني" وحزبها "إخوة إيطاليا" في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2022 وحصول الحزب على أكثر من 26% من الأصوات بمفرده و44% من الأصوات للائتلاف الحاكم ككل، استطاعت ميلوني أن تشكل حكومة تمتعت باستقرار واستمرارية يصعب تحقيقها في إيطاليا التي تُعرف وسط جيرانها الأوروبيين بالسقوط السريع للحكومات بسبب الانقسامات المستمرة في صفوف الأحزاب السياسية.
فمنذ تأسيس الجمهورية الإيطالية بشكلها الحالي عام 1946 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تعاقبت على البلاد 68 حكومة، ما يسلط الضوء على الطبيعة المعقدة للنظام البرلماني الإيطالي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماذا تعرف عن إمبراطورية لوكهيد مارتن التي تُشعل ساحات الحروب بالعالم؟list 2 of 2أميركا اللاتينية.. ساحة الصراع المنسية بين الصين وأميركاend of listيجبرنا تاريخ إيطاليا على الحذر حين الحديث حول استقرار حكومة ما أو التفاؤل بمدة بقائها، لكن بعد أكثر من عامين قضتهما "المرأة الحديدية" في الحكم، وهي للمفارقة أول رئيسة وزراء أنثى في تاريخ بلادها، لا تزال ميلوني تتمتع بنفس القوة السياسية، إذ استطاع حزبها أن يتصدر نتائج الانتخابات الأوروبية في إيطاليا عام 2024 بـ27% من الأصوات، وهي الانتخابات التي حولتها ميلوني إلى استفتاء على شخصها، إذ طالبت الناخبين بأن يكتبوا اسمها على بطاقات الاقتراع.
واحدة من العوامل الرئيسية التي كفلت شعبية ميلوني وحافظت على استقرار سلطتها كان الأداء الاقتصادي الجيد لإيطاليا خلال العامين الماضيين، والذي صحبه تفاؤل واضح ولاقى استحسانا من قبل العديد من المحللين الاقتصاديين الأوروبيين، الذين اعتبروا أن رئيسة الوزراء أدارت الملف الاقتصادي بحكمة واحترافية مبتعدة عن السياسات الاقتصادية الكلاسيكية لتيارات أقصى اليمين، ومتبنية سياسات أكثر "وسطية" في هذا الملف.
إعلانلكن بعض الأرقام الأخيرة الخاصة بالأداء الاقتصادي الإيطالي تصطدم بالصورة المشرقة التي رسمتها الحكومة والمحللون للاقتصاد الإيطالي في العامين المنصرمين، وتنذر بأن هناك مشكلات هيكلية في الاقتصاد الإيطالي يمكن أن تنفجر في أي وقت قريب.
رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني (رويترز) أوروبا تائهة وإيطاليا مستقرةبعد فوز جورجيا ميلوني بأشهر قليلة، انهالت عبارات الاستحسان بشأن أدائها الاقتصادي حتى من منافسيها الذين أعربوا عن دهشتهم من كونها لم تنتهج سياسات اقتصادية يمينية متشددة.
على سبيل المثال صرح "إنريكو ليتا"، زعيم يسار الوسط السابق، قائلا إن رئيسة الوزراء أدت أفضل كثيرا مما توقعه في ملفات الاقتصاد والمالية، وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية فإن ميلوني في السياسة الاقتصادية اتبعت نفس المسار الذي سلكه سلفها رئيس الوزراء ذو الشعبية الكبيرة ماريو دراجي، الأكاديمي الاقتصادي والرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، وأكدت الإذاعة الدولية الألمانية أن هذا المسار في الواقع آتى ثماره مع ميلوني.
بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حقق الاقتصاد الإيطالي في العامين الماضيين نموا، وإن كان بطيئا، تفوق على متوسطات النمو الحالية في منطقة اليورو بفضل سياسات تقليص الإنفاق الحكومية وتوسع البلاد في تصدير منتجات التكنولوجيا والسيارات، وهو أداء متميز بالنسبة لواحد من الاقتصادات في جنوب القارة التي كان ينظر عليها قبل أقل من عقد على أنها مركز للديون في منطقة اليورو.
وقد انخفض معدل البطالة في البلاد على نحو ملحوظ، فيما تؤكد دويتشه فيله على أن سوق الأسهم الإيطالي استفاد من المزاج المتفائل تجاه الأداء الاقتصادي لروما بشكل عام، إذ ارتفع مؤشر "بورصة ميلانو"، وهو مؤشر سوق الأسهم القياسي لبورصة إيطاليا، بنحو 28% مقارنة بالعام الماضي أكثر من أي مؤشر آخر لسوق الأسهم الأوروبية.
من وجهة نظر كثير من الخبراء، تعد هذه النتائج المبشرة للأداء الاقتصادي الإيطالي ثمرة لمليارات الدولارات التي ضخها الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد الإيطالي لتحقيق التعافي من تبعات جائحة كوفيد-19، لكنها تعززت بفضل سياسات الإنفاق الحذرة والميزانيات الصارمة التي اتبعتها حكومة ميلوني.
إعلانولكن بغض النظر عن الأسباب التفصيلية التي سنتطرق إليها لاحقا، كان مشهد الاقتصاد الإيطالي مع مطلع عام 2024 مثيرا للإعجاب بين قطاعات من المحللين خاصة إذا ما قورن المشهد بأداء الاقتصادات الأوروبية الأخرى.
فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، نما الاقتصاد الإيطالي بنسبة 0.6%، بينما انكمش الاقتصاد الألماني، الأكبر في أوروبا، بنسبة 0.3% خلال الفترة نفسها. ولم يختلف اتجاه التنبؤات المستقبلية آنذاك عن الأداء الراهن، إذ توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو الاقتصاد الإيطالي بنسبة 0.7% خلال عام 2024، مقابل نسبة 0.3% للاقتصاد الألماني.
وبحسب يورغ كرامر، كبير الاقتصاديين في بنك كوميرز (البنك التجاري العالمي بفرانكفورت في ألمانيا)، فإن الاقتصاد الإيطالي قد نما منذ عام 2019 إلى عام 2024 بما يعادل ضعف نمو الاقتصاد الفرنسي وخمسة أضعاف النمو الاقتصادي الألماني، وبنسبة تصل إلى 3.8%.
يعد هذا الانتعاش الاقتصادي الإيطالي، الذي يبدو أنه بدأ قبل عصر ميلوني وتعزز تحت سلطتها، مفاجأة بالنسبة لأوروبا، خاصة أنه ترافق مع أزمات متعددة في دول أوروبية أخرى اعتادت أن تكون هي نماذج الاستقرار والنمو، فمتوسط بقاء الحكومة في إيطاليا منذ الأربعينات لا يكاد يتجاوز عاما كاملا، ويعني ذلك أن روما اختبرت أكثر من ضِعف عدد الحكومات التي شهدتها ألمانيا وبريطانيا على سبيل المثال.
هذه الحقائق هي ما جعلت إيطاليا ينظر إليها دائما في أوروبا بوصفها "الطفل المراهق المزعج الذي يستنزف بطاقة ائتمان عائلته"، بحسب نيويورك تايمز.
لكن هذه الصورة تغيرت مؤخرا، فمع اقتراب العام الحالي من نهايته، وبينما تتمتع إيطاليا بحكومة مستقرة تعد من الأطول عمرا في تاريخ البلاد؛ أسقط البرلمان الفرنسي حكومة ميشال بارنييه بعد 3 أشهر فقط من توليها السلطة لتصبح أقصر الحكومات عمرا في تاريخ فرنسا الحديث، وذلك عقب اقتراع لسحب الثقة تعاون فيه أعضاء من اليسار واليمين المتطرف، وكانت تلك الحادثة الخاصة بتصويت حجب الثقة هي الأولى من نوعها في فرنسا منذ عام 1962.
إعلانأما ألمانيا التي تمتعت بفترة استقرار طويلة حكمت فيها المستشارة السابقة أنجيلا ميركل 16 عاما غيرت إيطاليا خلال 10 حكومات، فقد صارت الآن تعاني من عدم الاستقرار، إذ انهار ائتلافها الحكومي مؤخرا، وخسر المستشار الألماني "أولاف شولتس" التصويت على مذكرة حجب الثقة في البرلمان، ما يعني التوجه نحو تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
هذا المشهد غير المعتاد الذي ظهرت فيه إيطاليا مؤخرا باعتبارها جزيرة الاستقرار السياسي والاقتصادي في قارة مضطربة عائمة على جبل من التوتر والأزمات، جعل رئيس وزراء إيطاليا الأسبق "ماتيو رينزي" يمزح قائلا: "مرحبا بكم في الفوضى الإيطالية…، لطالما تعرضنا للسخرية لسنوات بسبب عدم استقرار الحكومات في إيطاليا.
لم نصدر فقط جبن البارميزان والمعكرونة والنبيذ، وإنما أيضا مشكلات الائتلافات السياسية وعدم الاستقرار"، في حين قال جوليو أغاتا، السفير الإيطالي السابق بواشنطن وعضو حزب ميلوني "إخوة إيطاليا"، أن حكومة ميلوني قد أثبتت أخيرا أن إيطاليا قادرة على التمتع بحكومة تستمر لأكثر من عام ونصف.
هذا الاستقرار السياسي ومعه النمو الاقتصادي دفعا ميلوني وحزبها إلى التباهي بما وصلت إليه إيطاليا في وقت ينزف فيه الآخرون، فقد تفاخر رموز حزب "إخوة إيطاليا" بأن الاستقرار والنمو ساعدا في جذب الاستثمارات، وعلى رأسها إعلان شركة مايكروسوفت مؤخرا عن أكبر استثمار لها في إيطاليا، كما أعلنت خدمات أمازون ويب للحوسبة السحابية عن خططها لإنفاق 1.2 مليار دولار لتوسيع وتحسين البنية التحتية السحابية في إيطاليا.
حتى إن رئيسة الوزراء نفسها مارست الاستعراض السياسي مستندة إلى أرقام أداء الاقتصادي الإيطالي، مشيرة إلى أن اقتصاد بلادها يحقق معدلات نمو في عهدها أكثر من بقية اقتصادات أوروبا الكبرى رغم تباطؤ الاقتصاد في العالم كله عموما، كما تباهت ميلوني بالمعدلات المميزة التي حققتها حكومتها على صعيد تقليص البطالة وزيادة الاستثمار، وزيادة الثقة عالميا في مستقبل الاقتصاد الإيطالي.
إعلانلكن يبدو أنه في إطار هذا الاحتفاء والنغمة المتفائلة قد تناسى البعض شيئا ما، وهو أن النمو المستمر والانتعاش الاقتصادي في إيطاليا بعد جائحة كوفيد-19 كان مرتبطا بشكل أساسي بالدعم الأوروبي والديون الجديدة، وأن الاقتصاد في الحقيقة لا يزال يعاني من مشكلات هيكلية عميقة يمكن أن تطل برأسها بعنف قريبا إذا لم تسارع الدولة في حلها بحلول طويلة المدى وفعالة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني (رويترز) ما وراء الأرقامعلى خلاف الأرقام العامة المبهرة التي تعمل حكومة ميلوني دائما على تصديرها في الواجهة للجماهير وللإعلام الخارجي، فإن الأرقام التفصيلية للأداء الاقتصادي الإيطالي التي تقدمها المفوضية الأوروبية تسلط الضوء على نقاط عمياء مهمة لا يلتفت إليها كثيرا.
على سبيل المثال، تشير الحكومة الإيطالية أنها حققت أرقام إيجابية للغاية فيما يخص مشكلة البطالة، لكنها تتغافل عن ما تظهره الأرقام التفصيلية حول أن المزيد من الإيطاليين صاروا يعملون بالفعل لكن بأجور أقل، كما أن معدل التشغيل في إيطاليا لا يزال يقل عن المتوسط الأوروبي بـ9 نقاط مئوية، وبحسب معايير الاتحاد الأوروبي فهو يقع تحت تصنيف "ضعيف ولكن يتحسن".
وتزيد المشكلات الاقتصادية كلما اتجهنا إلى جنوب البلاد، إذ من المعروف أن إيطاليا من أشهر الدول فيما يتعلق بالتباين الكبير بين التنمية في شمالها وجنوبها وكأنهما بلدان منفصلان وليسا منطقتين داخل نفس الدولة.
لا تقف التفاصيل القاسية عند هذا الحد، حيث تشير أرقام المفوضية الأوروبية أن نسبة الأشخاص المتضررين من الحرمان المادي والاجتماعي في إيطاليا مرتفعة للغاية، إذ بلغت نسبة من يعيشون في فقر مدقع في البلاد 9.8% بحلول نهاية 2023. أما بالنسبة للفجوة في الدخل بين الجنسين فلم تتحسن بحسب المفوضية الأوروبية طوال العقد الماضي، إذ تبلغ نحو 19.5 نقطة مئوية، وهذا الرقم هو ضعف متوسط الاتحاد الأوروبي.
إعلانفي غضون ذلك، لا تزال لدى إيطاليا واحدة من أعلى معدلات الشباب الذين لا يدرسون ولا يعملون داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل إلى 11.2%، ويفتقد التلاميذ في البلاد إلى المهارات الأساسية أكثر من متوسط الاتحاد الأوروبي بوضوح، إذ يعاني واحد من كل ثلاثة في إيطاليا -بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- من الأمية الوظيفية، علما بأنه في عام 2023 كان 45.8% فقط من البالغين الإيطاليين لديهم مهارات المعرفة الرقمية الأساسية.
كل تلك الأرقام وغيرها تجعل الاتحاد الأوروبي يضع العديد من المؤشرات الاقتصادية في إيطاليا في خانة "المشكلات الحاسمة" أو "التي ينبغي مراقبتها"، كما يعتبر الاتحاد الأوروبي إيطاليا من الدول التي لديها اختلالات مفرطة في الاقتصاد الكلي.
على جانب آخر، تلقت الحكومة الإيطالية مؤخرا خبرا غير سار، حيث خفضت وكالة الإحصاء الوطنية الإيطالية في شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 أرقامها عن نمو إيطاليا الاقتصادي هذا العام إلى النصف، بواقع 0.5% فقط، مقارنة بالتوقعات التي بلغت 1% في يونيو/حزيران الماضي. كذلك صارت الوكالة تتوقع نموا في العام القادم بنسبة 0.8% فقط بدلا من نسبة 1.1% في توقعاتها السابقة.
ويأتي هذا التخفيض في الأرقام بحسب الصحيفة البريطانية "فايننشال تايمز" في ظل "مشكلات خطيرة" يعاني منها القطاع الصناعي في إيطاليا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، بحسب وصف وزير المالية الإيطالي جيانكارلو جيورجيتي.
المشكلة الحقيقية هي أنه برغم أن استقرار حكومة ميلوني السياسي يجعلها قادرة على تمرير الميزانية والإجراءات اللازمة لخفض الإنفاق والتعامل مع الرياح الاقتصادية المعاكسة بخلاف بلدان مثل فرنسا وألمانيا التي تشهد اضطرابات سياسية، فإن ديون إيطاليا التي تفوق بوضوح نظراءها الأوروبيين تجعلها أكثر عرضة للتأثر بالصدمات الخارجية مقارنة بالبلدان الأخرى.
إعلانوبحسب يورغ كرامر، كبير الاقتصاديين في بنك كوميرز، فإن النجاح الإيطالي في العامين الأخيرين لا يمكن نسبته لسياسات ميلوني بشكل أساسي، وإنما يعود للتدفقات المالية الخارجية القادمة من الاتحاد الأوروبي في أعقاب جائحة كوفيد-19، والتي ستبلغ 200 مليار يورو (216 مليار دولار) بحلول عام 2026.
تمثل هذه الحصة الإيطالية نصيب الأسد من الأموال الأوروبية المخصصة للتعافي في أعقاب الجائحة، ويحذر الخبراء من أن روما إذا لم تنتبه إلى خفض عجز الميزانية شديد الارتفاع في أقرب وقت وتستخدم تلك الأموال في حل المشكلات البنيوية العميقة لاقتصادها، فمن المرجح أننا سنشهد قريبا انتهاء سريعا لفترة النمو الاستثنائية التي مرت بها، وستسقط البلدان حينها في دوامة من المشكلات الاقتصادية الجديدة القديمة.
تعد هذه الديون والمنح الأوروبية المحرك الأساسي للنمو الإيطالي خلال السنوات الأخيرة. وبحسب "دويتش فيلله"، كانت نسبة "الديون الجديدة" للدولة الإيطالية قبل جائحة كوفيد هي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها وصلت بحلول النصف الأول من عام 2023 إلى 8.3%. ومن ثم فإن "جبل الديون"، بحسب تعبير المنصة الألمانية، ينمو باضطراد.
وفي بداية عام 2024، قدرت المفوضية الأوروبية أن إجمالي الدين الإيطالي سوف يتجاوز نسبة 140% من الناتج المحلي بنهاية العام الحالي، وأنه سيستمر في الارتفاع في عام 2025، في حين أن نسبة الدين في ألمانيا مثلا تتجاوز 66% من إجمالي الناتج المحلي، وفي فرنسا تقترب من 100%.
هذه الحقائق التفصيلية دفعت رويترز إلى التوقع بأن الضعف الهيكلي في الاقتصاد الإيطالي سيبدأ مرة أخرى في الظهور بعد موجة التعافي الاقتصادي من الجائحة، وأن إيطاليا ستعود سريعا لموقعها المعتاد بوصفها واحدة من أسوأ بلاد اليورو أداءً من الناحية الاقتصادية، إذ كان الاقتصاد الإيطالي هو الأكثر بطئا في منطقة اليورو منذ انطلاق العملة الموحدة قبل 25 عاما.
إعلانويهدد الركود الأخير، المخالف لتوقعات بداية العام، المالية العامة للبلاد، وهو ما يتناقض -بحسب رويترز- مع الصورة التي تقدمها حكومة جورجيا ميلوني التي تؤكد على أن عدم الاستقرار السياسي قبل عهدها كان السبب الرئيسي في الأزمات الاقتصادية بالبلاد، وأن هذه الأزمات قد انتهت حاليا.
لا تختلف الأرقام المحلية الإيطالية كثيرا عن تقديرات المفوضية الأوروبية، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن الدين العام للبلاد سيبلغ 138% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، ما يضعها في المرتبة الثانية على مؤشر الديون في منطقة اليورو.
ومع أرقام النمو المتراجعة حاليا، والتي تخالف التوقعات المتفائلة في منتصف العام، فإن الدين العام ربما يرتفع بشكل أسرع، وستقل الثقة في شراء السندات الإيطالية ويزداد عبء خدمة الديون على الدولة، في ظل أزمة تصنيع كبيرة وانكماش في قطاع الخدمات الذي يعد الآن الداعم الرئيسي للاقتصاد، وفي ظل حقيقة سلبية أخرى هي أن معدل ثقة الأعمال في إيطاليا بلغ أقل مستوى له منذ عام 2021.
انظر إلى إسبانيا لا ألمانيالا شك أن حكومة ميلوني حققت استقرارا سياسيا مقارنة بالحكومات السابقة، لكن الأرقام المتفائلة للاقتصاد الإيطالي ربما يحتاج أن تُقرأ في سياقات مختلفة أكثر دقة.
إن النظر إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي في إيطاليا مؤخرا مقارنة بالوضع في فرنسا وألمانيا قد يعطي الإيحاء بقصة نجاح كبيرة للغاية، لكن ربما تكون المقارنة الأدق في الحالة الإيطالية، وهي اقتصاد جنوبي آخر في منطقة اليورو احتل المرتبة الثانية في قائمة المتلقين للمساعدات الأوروبية في أعقاب الجائحة.
نجحت مدريد في تحقيق نمو يتجاوز بـ4 أضعاف معدلات النمو الإيطالي بحسب رويترز، ومن المتوقع أن يصل نمو ناتجها الإجمالي بنهاية هذا العام إلى 3%، ويرجع ذلك بحسب أنغيل تالافيرا، رئيس قسم البحوث الأوروبية بـ"أكسفورد إيكونوميكس"، إلى قدرة إسبانيا على جذب المهاجرين المهرة ودمجهم في اقتصادها، بعكس إيطاليا التي جذبت عددا أقل من المهاجرين مع مهارات أدنى، وهم يعملون بشكل أساسي في الاقتصاد غير الرسمي، في وقت يهاجر فيه شبابها من بلادهم بمعدلات مرتفعة، هذا فضلا عن قدرة إسبانيا في العشرين عاما الماضية على تحديث بنيتها التحتية وخدماتها بصورة أفضل من إيطاليا.
إعلانفي دراسة اقتصادية حول الأمر، يتفق الخبير الاقتصادي وأستاذ برنامج الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال بكلية إدارة الأعمال بجامعة تورينو، جوسيبي روسو، على أن نجاح إسبانيا بعد الجائحة في مقابل التعثر الهيكلي الإيطالي يعود بالأساس إلى حصيلة الخطوات الاقتصادية السليمة التي اتخذتها إسبانيا في العشرين عاما الماضية مقابل إيطاليا، ويقدم "روسو" رؤية خالية من الأحلام الوردية التي تقدمها حكومة بلاده، مؤكدا أنه لا مجال للحديث عن معجزة اقتصادية في إيطاليا بعد الوباء، بل ينبغي على الدولة أن تجري تخفيضات دائمة وليست مؤقتة في الإنفاق، ويؤكد أيضا على أن السبيل الوحيد لتحقيق نمو مستدام في المستقبل يمكن في الاستثمار والابتكار، وهما بحسبه الكلمتان اللتان فشلت إيطاليا دائما في ترجمتهما على أرض الواقع بالصيغة المثلى.