معركة لها ما بعدها
د. #عبدالقادر_عبدالرحمن
لم يكن يخطر في خلد وزير خارجية بريطانيا (آرثر بلفور) الذي أعطى وعدا لا يملكه لمن لا يستحقه لإقامة وطن لليهود في #فلسطين، أن تمر مئة وستة أعوام على ذاك الوعد المشؤوم ،حتى يأتي السابع من أكتوبر ويقلب الموازين والمعادلات السياسية منها والعسكرية.
فلم يعد العالم قبل السابع من أكتوبر كما كان قبله ،فكيف لنا أن نتصور أن هذا #الكيان الهش الذي أقيم على جمع تناقضات ديمغرافية شتى في بقعة جغرافية واحدة يحمل في داخله عوامل ضعفه وانقسامه، لا بل وعوامل زواله ،قبل أن تأتي عملية طوفان الأقصى وتؤكد تلك الحقيقة الدامغة، فهم أقاموا دولتهم على أنقاض شعب قد هجروه وألقوا به في ديار الشتات، وتوقعوا أن يموت الكبار وينسى الصغار ما حصل لآبائهم من قبل ،ولكن خابت توقعاتهم عندما دخل أهل الحق عليهم في عقر مغتصباتهم ،وأثبتوا بما لا يحتمل التشكيك هشاشة كيانهم المصطنع ،والذي هو أشبه ما يكون ببيت العنكبوت.
ولقد ظهر جليا من( #طوفان_الأقصى) وما تبعها من أحداث وعدوان غير مسبوق على أهل غزة أن هذا الجيش الذي لا يقهر قد أصيب في كرامته ،و تمرغت هيبته في التراب ،فلم يعد يفرق بين مستشفى ولا مدرسة ولا هدف عسكري ، بل يهلك الحرث والنسل في محاولة بائسة لاستعادة هيبته المفقودة وقوة ردعه التي يستحيل أن يستعيدها في ظل المعارك البرية التي تدور رحاها هناك ،حيث جعلت المقاومة الفلسطينية من دباباته ومدرعاته نمراً من ورق، بعد أن اشتبكت مع جنوده من نقطة الصفر .ويأتي ذلك في سياق نتائج الحرب التي كشفت عن قدرات في تغير معادلة الردع في الجانب الفلسطيني، حيث لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تصل غنائم المقاومة الى عدد غير مسبوق من جنود الاحتلال ،الأمر الذي تستطيع معه أن تفاوض من مصدر قوة لتبييض السجون من أسرانا البواسل ،
وفي موازاة الحرب التي تدور رحاها في قلب غزة العزة، هناك حرب لا يقل تأثيرها وصخبها تلكم هي الحرب النفسية التي يتولى الإعلام اليوم بوسائله ومنصاته الرقمية إدارتها. وقد ظهر استعداد المقاومة لهذه الحرب من خلال الاعلام العسكري الذي أصبح فيه الملثم أيقونة الاعلام المعاصر باحترافية مهنية تدرس في كليات الاعلام ،بدءاً من هيبة الظهور ومروراً باختيار العبارات المؤثرة التي ترسخ في اذهان الجماهير،وانتهاءً ببثه الرسائل الخاصة للرأي العام ، حتى بات ظهوره ينتظره الملايين حول العالم.
ومن الارتدادات غير المتوقعة لهذه الحرب والمكاسب التي حققتها القضية الفاسطينية بعد السابع من أكتوبر أنها أعادت للذاكرة العربية ما كان يعرف بفلسطين التاريخية وأحيت في العقل الجمعي والوجدان العربي إمكانية تحرير فاسطين كاملة غير منقوصة بكامل ترابها من البحر الى النهر ، وهي حقيقة كادت تندثر مع الأيام ،فاذا تمكنت ثلة قليلة من فعل ما رأيناه في السابع من أكتوبر فكيف لو توحدت الامة وصدقت النوايا في تقديم الدعم اللازم لطلائع التحرير عوضا على أن نتركهم يقاتلون أشرس عدو عرفته البشرية.
واذا ما أردنا ان نكون متفائلين رغم كل الذي دمرته آلة الحرب الصهيونية فان هذه الأحداث قد أعادت -من حيث اراد العدو أم لم يرد – قضية فلسطين الى الواجهة من جديد باعتبارها محور ارتكاز القضايا العربية وقضية العرب والمسلمين الأولى.
وقد يكون من أعظم مكاسب هذه الحرب أيضا أنها عملت على كشف زيف الغرب الكاذب الذي صدع رؤوسنا باسطوانة حقوق الانسان ،فنراه يتباكى على ضحايا الحرب في أوكرانيا، فيما الضحايا من الأطفال العزل في غزة لا بواكي لهم،لا بل يقدم كل ما يملك من دعم عسكري ولوجستي لربيبته في المنطقة في انحياز سافر للجلاد الظالم ضد الضحية المظلوم الذي لا يملك حتى حق الدفاع عن أرضه ومقدساته.
وأخيرا فإن من التبعات غير المقصودة لهذه الحرب إعادة توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي للعرب والمسلمين ،وهو العدو الصهيوني الذي احتل هذه الأرض المباركة بمزاعم توراتية محرفة كما في الإصحاح(15) فيقول الرب لإبراهيم عليه السلام “لنسلك أعطي هذه الأرض” ولم يدرك هولاء الشرذمة من شذاذ الآفاق أن مصيرهم المحتوم إلى زوال قريب بوعد الله الحق”{ ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ صدق الله العظيم.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: عبدالقادر عبدالرحمن فلسطين الكيان طوفان الأقصى السابع من أکتوبر هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.