نصر الله .. خطاب استراتيجية الوعي والمواجهة
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
بوعي عميق بالأحداث وحقائق التاريخ وبرؤى استراتيجية وبعد فترة صمت وترقب وانتظار، ظهر سماحة السيد القائد حسن نصر الله ليضع النقاط على الحروف ويحدد موقف المقاومة الإسلامية في لبنان من العدوان الصهيوني على الشعب العربي في فلسطين، وفي خطاب يمكن فعلا وصفه بـ (خطاب الغموض) الذي حمل رؤية استراتيجية وقراءة عميقة، ليس لتداعيات معركة (طوفان الأقصى) بل لما ستذهب إليه المعركة، رابطا رد الفعل من قبل محور المقاومة بمدى ديمومة الفعل الصهيوني وتوحشه وهمجيته في فلسطين ومواقف حلفائه في أمريكا والغرب وأيضا مواقف النظام العربي من هذا العدوان.
يمكن القول إن السيد حسن نصر الله قدم في خطابه خارطة طريق لمسار المعركة، محذرا من التمادي الصهيوني في البحث عن انتصار وهمي يعيد له كرامته المنهارة يوم 7 أكتوبر الماضي من خلال أشلاء أطفال ونساء فلسطين في عدوان همجي لا يمكن وصفه بغير أنه عدوان همجي ومتوحش وإجرامي، يخجل أي جيش كلاسيكي تقليدي لديه عقيدة عسكرية أن يقوم بمثله باستثناء الجيش الصهيوني الذي هو أصلا جيش من اللقطاء المجردين من قيم الهوية والانتماء ولا تجمعهم وحدة هوية ولا قيم وطنية، بل هم مجاميع من المرتزقة والقتلة ينتمون لكيان لقيط جلب سكانه من كل أصقاع الأرض..
إذا ذلك ما حمله الخطاب التاريخي والاستثنائي للسيد حسن نصر الله الذي كان العالم بأسره ينتطره ويترقبه ليعرف ماذا في جعبة الرجل وكيف يفكر، وكيف يقرأ تراجيديا المعركة ومن مختلف الزوايا والأبعاد، ويمكن أن نتوقف هنا أمام موقفه من حركة (حماس) ومحاولة تخوف البعض منها باعتبارها حركة تنتمي لجماعة (الأخوان المسلمين)، وفي هذا أوضح السيد حسن عن موقف حزب الله ورؤيته، رافضا فكرة تمرير الفتنة للانتقاص من دور المقاومة خدمة لأهداف العدو.
خطاب الغموض الاستراتيجي، كشف أيضا عن دور المقاومة في لبنان التي أكد أنها دخلت المعركة من يوم 8 أكتوبر الماضي أي منذ اليوم التالي لبدء معركة طوفان الأقصى ومن خلال مواجهة تختلف شكلا ومضمونا عن مختلف المواجهات السابقة، راهنا فكرة المواجهة التقليدية المباشرة بتطور الأوضاع الميدانية في فلسطين، مشيرا إلى أن المقاومة في فلسطين لا تزال هي الماسكة بزمام الأمور في الميدان وأن المعركة معركة فلسطينية ولا علاقة لأي أطراف إقليمية بها ولا حتى لأطراف المقاومة في المنطقة، راهنا بالمقابل تدخل المقاومة في لبنان بسير المعركة الميدانية وقدرة المقاومة الفلسطينية في الصمود أمام الجيش الصهيوني، محذرا من هزيمة المقاومة ومشددا علي انتصارها، ومؤكدا أن المعركة الإقليمية إن حدثت فإن من سيكتوي بنارها هو الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة، منوها بأن بوارج وأساطيل أمريكا وتهديداتها لن تجدي نفعا، وقد أعدت لها عدتها المناسبة.
يمكن القول إن من تابع خطاب الرجل سيجد نفسه أمام قائد عربي استثنائي، افتقدت الأمة لأمثاله منذ وفاة القائد العربي جمال عبدالناصر، والسيد نصر دائما ما تذكرنا إطلالته وخطاباته ومواقفه بذلك القائد العربي الذي تفتقده مصر اليوم وتفتقده الأمة ويفتقده أحرار العالم.
بين التلميح والتصريح، تحدث السيد حسن عن موقف المقاومة ومحور المقاومة، كما تطرق للمواقف العربية والدولية من العدوان الصهيوني الذي يتلحف باللحاف الأمريكي ويحظى برعاية أمريكا والمنظومة الغربية التي كشفت عن انحطاط سلوكي وقيمي وأخلاقي وأنها كاذبة ومخادعة حين تتحدث عن حقوق الإنسان، ويكذبون حين يصفون كيانهم بالديمقراطي والأخلاقي وهو أبعد ما يكون عن هذه القيم..
خلاصة القول إن من سيفهم خطاب السيد حسن ويعمل به سيكسب ومن تجاوزه سينال تبعات موقفه..
لكن أعتقد جازما أن أكثر من سيقف طويلا أمام خطاب السيد حسن هو الكيان الصهيوني حكومة وجيشا وأجهزة أمنية ومواطنين، لأنه كشف لهم حقيقة أنفسهم وضعفهم ووهنهم وأنهم فعلا أوهن من بيت العنكبوت بدليل أن قادة أمريكا والغرب سارعوا للكيان حين شعروا بعجزه والتيه الذي أصابه في معركة طوفان الأقصى، فجاءوا لمساعدته كي يستعيد وعيه ويقف على قدميه.
تحية إجلال وتقدير لسيد المقاومة وقائدها الرجل الأكثر إيمانا وإخلاصا لفلسطين ولكل قضايا الأمة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حكايات المكبرين للأوائل.. الجامع الكبير ساحة المعركة الأولى (الحلقة الثالثة)
يمانيون../
في قلب صنعاء القديمة، حيث تُلامس مآذن الجامع الكبير السحاب، كان التاريخ يُدوّي بصرخةٍ غيّرت مصير مَن حملوها، لم تكن جدران الجامع شاهدةً على صلوات المُصلين فحسب، بل على معركةٍ بين صلاةٍ تُرفع وسياطٍ تُلهب ظهور الفتية المكبرين.
هنا، حيث تُناطح قبّة الجامع جبروت السفارة الأمريكية القريبة، بدأت حكاية صلاح حطبة ورفاقه، أولئك الذين حوّلوا سجادة الصلاة إلى ساحة حربٍ بالكلمات.
حطبة، أحد الفتية القلائل، الذين عايشوا تلك البدايات، يلخص دوافعهم بكلمات قليلة لكنها عميقة: “عندما ترى أن التكليف يقتضي منك موقفاً ربما تستجِن، بسببه، أنت تريد أن تجاهد في سبيل الله أو تضحك على نفسك؟ إذا كان كذلك، لا بد عليك أن تتحمل”.
ويضيف: “أفضل عمل الآن في الساحة يخدم المشروع القرآني هو الصرخة في الجامع الكبير”.
كانت اللهفة تدفعهم للانطلاق، لإيصال صوت سخطهم إلى مسامع القوى المتغطرسة، ورغم القمع والاعتقالات، كانوا يشعرون برعاية الله وعونه.
الجمعة التي هزت قلوب صانعي القرار في البيت الأبيض:
مع إطلاق أذان صلاة الجمعة، تدافعت الجموع إلى الجامع الكبير، لكن قلوباً حملت أكثر من مجرد نيّة الصلاة، بينهم صلاح، شبلاً في عمر المراهقة وتحمل المسؤولية، عيناه تشعان بإيمانٍ يذيب الخوف، يتذكّر كلمات الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي _رضوان الله عليه: “اذهبوا.. ولو ضُربتم، ولو سُجنتم، اصرخوا ولا تقاوموا، فالسجون ستصير منابر”.
كان التكليف الإلهي – كما يراه – ثقيلاً كالجبال، لكن صوت الضمير كان أثقل، بعد التسليم، التقط فتية المِكبرين لحظة الهدوا، وانفجرت حناجرهم بصوتٍ واحد: ” الله أكبر، الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”.
في تلك اللحظة، تحوّل هتافُهم إلى زلزالٍ يهزّ جنوب الجزيرة العربية، وسرعان من وصلت أصداءه وتشققاته إلى أعمدة البيت الأبيض وقلوب صانعي القرار فيه.
“أثناء صلاة كل جمعة كانت شاحنات أجهزة الدولة القمعية جاهزة على ابوب الجامع الكبير، ومعها عدد من الأطقم المحملة بالأفراد المدججين بالسلاح، تنتظر انتهاء الصلاة لتنقض على كل من تجرأ على رفع صوته بهتاف الصرخة في وجوه المستكبرين.
حين دوّت صرخة حطبة مع غيره من الشباب المكبرين، بشعار ” الله أكبر، الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، واللعنة على اليهود، والنصر للإسلام” لم يتوقع أن تكون هذه الكلمات جوازه إلى عالم آخر، عالم خلف القضبان، يتذكر حطبة كيف تحولت ساحة الصلاة إلى مسرح لاعتقالات مهينة.
“في الأول بعد ما يمسكوا المكبرين في الجامع الكبير، بعد الصرخة، كان يوصلوهم الغرفة التي خارج السجن… كان عددنا 18 فرد في ذاك اليوم مسكونا كلنا… وبعدها دخلونا صالة الاستقبال أولاً، واخذوا منا ملابس الشيلان والاكوات، تركوا لنا الأثواب فقط”.
لم تكن الصرخة مجرد هتاف، بل كانت شرارة أضرمها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي “رضوان الله عليه” في قلوبهم: “اذهبوا.. ولو ضُربتم، ولو سُجنتم، اصرخوا ولا تقاوموا، فالسجون ستصير منابر”، كانت التعليمات بسيطة، لا جنبية، لا عنف، فقط صوتٌ يهز عروش الطواغيت”.
فيما لم يكن ترديد عبارات الصرخة، في نظر حملتها، مجرّد كلمات، بل كانت شفرات تقطع صمت الخوف، لكن القوى المتغطرسة رأتها سكاكين، فقبل أن يجفّ صوت الفتية المرددين للشعار، انقضّت قوات الأمن كالنسور على فريستها، “المكبّرين”، أيدٍ تُقيد خلف الظهور بالحديد الحادّ، وأحذية عسكرية تدوس على السجاجيد المزيّنة برسوم رزينة.
الجمعة التالية.. نفس السيناريو:
رغم الدماء التي لطّخت أرض الجامع، ورغم اختفاء الوجوه خلف القضبان، أقدمت فتية من شباب أخرين في الجمعة التالية، فالقمع لم يقتل الصرخة، بل حوّلها إلى نارٍ تحت الرماد.
يصف شاهد عيان اللحظة:” كان هناك سياسة تظليل تدفع بعض المواطنين الجهلة للمشاركة في هذه المظالم، وكان واضح أن لدى الشباب برنامج عملي للهتاف بالصرخة بعد التسليم من صلاة الجمعة، فيما كان الأمنيين مجهزين أعمالهم، على أساس يضربوهم ويعتقلوهم، لكن بدأ فتية الصرخة، بترديدها بعد نهاية الخطبة الثانية على الفور، قبل الإقامة، وما كان عندنا رؤية لطبيعة المشروع القرآني”.
منصور البكالي | المسيرة