جريدة الوطن:
2025-02-17@05:02:52 GMT

كتاب “الخليج واللحظة الدولية”

تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT

كتاب “الخليج واللحظة الدولية”

 

كتاب “الخليج واللحظة الدولية”

 

 

ظل المحللون الاستراتيجيون في العالم طويلاً وهم ينظرون إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي باعتبارها ليست أكثر من مجرد دول مصدراً للنفط لا أكثر.

والمؤسف في الأمر أن البعض من أبناء الخليج اقتنع بهذا الاعتقاد وربما لا يزال بعضهم رغم كل التحولات التنموية التي تعيشها هذه الدول بفعل الاستقرار والأمن ليس كما كنا نقول قبل فترة قصيرة في “إقليم الشرق الأوسط” لا يعرف الهدوء السياسي؛ وإنما حتى في العالم الذي يعيش حالة من الارتباك الاستراتيجي غير واضح المعالم والملامح انتظاراً لولادة نظام جديد قد يدفع إلى الاستقرار النسبي وقد يؤدي إلى كارثة دولية.

استقرت نظرية “الدول النفطية” في أذهان الناس ولم يُعد يرون غير ذلك عن هذه الدول الست؛ مع أن التاريخ الدولي ومكانة هذه المنطقة في مجال التنافس القوى الدولية يؤكدان أهميتها بعيداً عن النفط ولعل ما رسخ هذا الاعتقاد أو النظرية وعززها في أذهانهم (بعضهم أكاديميون) ما حدث في عام 1973 عندما قررت الدول الخليجية استخدام “سلاح النفط” ضد الدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل في حربها ضد العرب بعد تلك المقولة التاريخية للزعيم العربي الخالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”: “النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي” استقرت،رغم أن ذلك القرار العربي لم تكن سوى أحد أدوات السياسة الخارجية الخليجية في ممارسة الضغط الدبلوماسي بالاستفادة من: “نظرية الندرة” في العلاقات الدولية.

كتابان اثنان يحفظهما عن “ظهر غيب” كل طلبة العلوم السياسية في دولنا الخليجية، أو هكذا أعتقد، الكتاب الأول يحمل عنوان: “الخليج ليس نفطاً”، للأستاذ الدكتور محمد الرميحي الذي صدر في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وهي أوج لحظات النفط الخليجي في السياسة الدولية ومحل تنافس القطبين الرأسمالي والاشتراكي. فالكتاب بجانب أنه يدعو قادة دول الخليج إلى الاستفادة من حالة “الوفرة” النفطية في التنمية الشاملة ومنها الاستثمار في الإنسان الخليجي الذي يعتبر الثروة الحقيقية لكل المجتمعات الإنسانية؛ إلا أنه (الكتاب) في مضمونه أيضاً أن الدول الخليجية قبل دول نفطية فهي دول صاحبة حضارة إنسانية.

أما الكتاب الثاني المهم في توثيق إرث منطقة الخليج سياسياً: فهو لأستاذنا الدكتور عبدالخالق عبدالله والذي حمل عنوان: “لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر” ومع أنه صدر في أوج بروز الدور الخليجي عام 2018 كسند وداعم للاستقرار السياسي والأمني لأشقائه العرب إلا أن هذا الكتاب أثيرت حوله الكثير من الانتقادات والشبهات وعرضت الدكتور لانتقادات من الذين ما زالت “تعشش” في أذانهم “نظرية الحجم” في تفسير دور الدول في النظام العالمي مع أنه لم يفعل سوى “توثيق لحظة تاريخية” حقيقية تثبتها وقائع على الأرض واليوم استشراف الدكتور عبد الخالق نراه. الكل يتناسى “إدراك القائد السياسي” لمقدرات دولته الحقيقية ويغيب عنه أن التوظيف الأمثل تلك المقدرات هو الذي يفرق بين دولة وأخرى.

“دول الخليج في النظام الدولي الجديد: مصادر القوة وحدود التأثير” هو العنوان الذي تحمله دراسة جديدة كنت قد أعددتها لـ”مركز تريندز للبحوث والاستشارات” الذي دشن (بجانب هذه الدراسة) عدداً من الإصدارات الجديدة لباحثين إماراتيين وذلك في مشاركته الفاعلة في معرض الشارقة الدولي للكتاب.

الدراسة التي جاءت في أربعة مباحث رئيسية حملت عدداً من الاعترافات في بدايتها كي تؤكد الفرق بين الحجم والتأثير وتسد الباب على أصحاب “نظريات الحجم” التقليدية من تلك الاعترافات أنها: دول صغيرة الحجم جغرافياً وأن قواتها العسكرية ليست كبيرة، بمعنى آخر أن ليس شرطاً أن تكون الدولة كبيرة الحجم ليكون لها تأثير أو نفوذ في النظام الدولي والعكس صحيح. وهنا يأتي “إدراك القيادة الخليجية” لمقومات دولها ومن القدرة على توظيفها لخدمة لمصالحها الوطنية.

أما فيما يخص محتويات المباحث الأربعة فهي كالآتي. المبحث الأول: هو الجانب النظري فيه لأنه يستعرض المقومات الاقتصادية والعسكرية والسياسية لهذه الدول مجتمعة. أما المبحث الثاني، فيعتمد على النظرية الواقعية في العلاقات الدولية في تفسير سلوكيات الدول عندما يبرر الخطوات الاستراتيجية التي قامت بها الدول الخليجية في “تصفير أزماتها” مع المجال الحيوي لجغرافيتها بالقدر الذي يؤهلها للانتقال على المستوى الدول وهنا جاء المبحث الثالث، أما المبحث الرابع والأخير، فكان استشراف مستقبل هذا الدور الخليجي وفق مؤشرات ومتغيرات منها تأثير القيادة السياسية الشابة في دول الخليج السياسة الخارجية للدول الخليجية.

كثيرة هي “اللحظات الخليجية السياسية”منذ السبعينيات من القرن الماضي في خدمة القضايا العربية والدولية لكنها مرت، بكل أسف، دون أن يكون لها بيان في الإرث التاريخي. وما يزيد الامر “غصة” اتهام البعض (وهم كثر) دولنا الخليجية بالتقصير في مواقفها القومية والدولية نتيجة، يصل الأمر أحياناً أن البعض من أبناء الخليج يصبحون “أبواق” لأصحاب المشروعات السياسية والأيديولوجيين لسبب بسيط لأن هناك أجيال خليجية لا تعرف ما قامت به دولها بسبب أننا كباحثين ومؤسسات بحثية لا نوثق تلك اللحظات فهي مرجعيات لحق هذه الأوطان.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات يعيش هو الآخر “لحظة أكاديمية” في النشر العلمي وخاصة في القضايا الوطنية لأن القائمين عليه يدركون، أنه بجانب الأدوار التقليدية لمراكز الدراسات في العالم مثل تنظيم المؤتمرات وإجراء البحوث التي تخدم صانع القرار الأدوار البحثية وخدمة صانع القرار فإن توثيق اللحظات التاريخية من خلال رصد وتحليل الأحداث الكبرى والتحولات السياسية للدول مهمة ليست هامشية بل مهمة ومهمة للغاية وإلا ستضيع حقوق الأوطان، لذا من المهم إجادة هذه المساحة لباحثين إماراتيين من خارج المراكز طالما توفرت في الدراسة المقومات البحثية.

 

 

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

بين أحلام ترامب والإرادة الفلسطينية والموقف العربي

ما زال صدى أحلام ترامب وطموحاته في احتلال غزة وتحويلها إلى «ريفييرا» الشرق الأوسط محل جدل عالمي واسع؛ فأجمع كل العالم بما فيهم ساسة أمريكيون على عدم منطقية هذه التصريحات التي تخرج من لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس عزيمة على تنفيذ أكبر تطهير عرقي - بعد نكبة 1948- عبر إجبار أصحاب الأرض على النزوح، وتتوجه الأنظار - في هذه القضية - إلى دول عربية مجاورة أدخلها الرئيس الأمريكي في حسابات هذا المشروع الاحتلالي الجديد الذي يأتي هذه المرة بلباس أمريكي خالص بعد فشل تنفيذه بواجهة إسرائيلية، فيعد إقحام دول عربية مثل جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية في هذه المعادلة لتوفّر مساحات جغرافية بديلة تحوي النازحين الغزيين بمثابة تهديدات وجودية تطال دولا عربية كبيرة، وكذلك اقتراح رئيس وزراء الكيان الصهيوني في مقابلة معه تخصيص مساحة من أراضي المملكة العربية السعودية لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين؛ لتضاف مع المحاولات الصهيونية الخطيرة التي تخفي في كواليسها مخططات أكبر تعقيدا من المسألة الفلسطينية، ولهذا؛ فإن موقف الدول العربية - حتى اللحظة - كان واضحا وصارما رافضا لكل هذه المقترحات الاستيطانية الرامية إلى صناعة نكبة جديدة كبرى تمسح الوجود الفلسطيني الجغرافي.

حتى اللحظة، لم تتجاوز رغبات ترامب وأحلامه الرامية إلى احتلال غزة وطرد أهلها حدود لسانه التي لم تسلم من تهديداتها دول كبرى أخرى مثل كندا ودول أمريكا اللاتينية التي يمكن أن نراها من زاوية أخرى - غير سياسية - تعكس شخصية ترامب التجارية المرتبطة بنفوذه السياسي الكبير عبر فلسفة التفاوض الابتزازي برفع مستوى الطلبات إلى درجات غير معقولة لإجبار الطرف الآخر للرضوخ إلى مستويات أقل تحقق أهدافا منشودة للطرف الأول، وكأن الرجل يبحث عن وسيلة - وإن غاب عنها المنطق والعقل - في ترجمة طموحه السابق بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى عبر سياسة العصا، ولكن المؤشرات تجزم أن مساره الحالي وتهديداته بمعاقبة المختلف معه بجانب الكيان المحتل وتهديداته باحتلال الدول الأخرى لن تجلب للولايات المتحدة المجد المنشود، وإنما ستجلب سخط دول العالم الحر وشعوبه الواعية، وتأتي غزة وكل فلسطين في مقدمة هذه الدول والشعوب الرافضة لنقص السيادة والمتمسكة بالأرض والوطن، فتأتي رسائل المقاومة الفلسطينية واضحة بأنها لن ترضخ لأي تهديد أو إغراء يحاول أن يمس من حريتها وأرضها، ويضاف مع هذا الصمود الفلسطيني الموقف العربي المشرّف الذي خرج من خارجيات معظم الدول العربية بما فيها سلطنة عُمان التي أكدت على موقفها الثابت غير المتزعزع بحق الشعب الفلسطيني في تحقيق وجود أرضه ودولته المستقلة ورفضه لكل أنواع الاحتلال والقهر الذي يمارسه الكيان، ويأتي الموقف المصري - بجانب المناورات الأردنية المناوئة لخطة التهجير رغم الضغوط الأمريكية - سادًّا كل هذه الأحلام برفضه القاطع لأي محاولة لإخراج الشعب الفلسطيني من أرضه، وكذلك أظهر بيان الخارجية السعودية موقفه القوي الرافض لهذه الطموحات ليعبّر عن توافق عربي مطلوب يمكن أن يسد الطريق على الأحلام الصهيونية، ولا غرو أن الدول العربية - حكومات وشعوبا - مدركة أيما إدراك مخاطر هذا المشروع الذي - إن نُفّذ - لن يقف عند أهداف محو القضية الفلسطينية، ولكنه سيمتد إلى دول عربية أخرى داخلة في حسابات المعادلة الصهيونية.

لعلّ مثل هذه الأحداث وما تحويه من تهديدات أمريكية لمنطقة الشرق الأوسط بأجمعها مدعاة إلى توجيه العرب إلى مسار أكثر حزما في التعامل مع مجموعة من المسائل أولها قضية فلسطين وأرضها المحتلة وشعبها المظلوم، ومسألة اعتبار الكيان المحتل عدوا لا يمكن قبول أيّ طريق للسلام والتطبيع معه، ومسألة تصحيح الوحدة العربية وتوحيد كلمتها فيما يخدم مصالحها لا مصالح غيرها الذي يقود إلى إعادة النظر في مستويات علاقات الدول العربية مع الدول المعادية لمبادئ سيادتها ومصالحها وأولها الولايات المتحدة الأمريكية التي آثرت أن تكون في صف الكيان المحتل بكل عنجهية وغرور دون أيّ مبالاة لمصالحها مع الدول العربية ومستقبل علاقاتها معهم؛ ليفتح هذا المشهد تساؤلات كثيرة عن التوجّه العربي في علاقاته مع الولايات المتحدة في ظل تنامي هذا العداء ولغة التهديد، والبدائل المحتملة الممكنة للتحالفات الاستراتيجية الأكثر أمانا واستقرارا مع دول أكثر قدرة على ممارسة الاحترام المتبادل وفق سياسة المصالح المتبادلة التي تحفظ للدول وشعوبها حقوقها وسيادتها. لا أستبعد أن مثل هذه التساؤلات وحلوها المقترحة محل طرح متزايد في أروقة مؤسسات صناعة القرار العربية، فلم تعد تحتمل المنطقة المزيد من الاحتقانات السياسية والصراعات العسكرية وتصاعد وتيرة التهديدات التي باتت تطال معظم دول الشرق الأوسط.

علينا أن نعي مغزى المقولة التاريخية: «أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض»، فتعكس رمزية هذه السردية واقعا يمكن أن تعيشه كل أمم الأرض بما فيها الحيوانات والبشر؛ لتجسّد معنى أن يتخلى العرب عن قضايا داخلية مهمة - مثل قضية فلسطين - وأن نبحث عن قوتنا خارج سربنا - العربي - الذي يحتوينا حتى وإن تطلب ثمنه أن تكون التضحية بقضية من أهم قضايا أمتنا ظنا من بعضنا أننا سنحقق بعض المصالح والمنافع، ولكن في واقع الأمر - كما يؤكد التاريخ وتجاربه - سيكون مثل الذي يحفر قبره بيده، ليكتشف أنه بدأ بحفر قبره منذ أول خطوة يخطوها خارج سربه الذي ينتمي إليه. يهمني أمن وطني واستقراره، وكذلك يهمني أمن إخوتي العرب - دولا وشعوبا - واستقرارهم؛ فما سيضرهم سيمتد ضرره إليّ بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا سبيل لتجنّب مثل هذا الضرر إلا عن طريق الوحدة وتوحيد الجهود التي نضمن بها القوة، وتأتي الجهود في وجوه كثيرة بعضها عاجل مثل مواجهة التهديدات التي تطال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وسيادة دول شقيقة مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية اللتان بذلتا وما تزالان تبذلان جهودا لا يمكن إنكارها لأجل القضية الفلسطينية، وهناك وجه آخر للجهود التي نحتاج أن نعمل عليها - وسبق طرحها مرارا وتكرارا - تتمثل في التنمية التعليمية وتطويرها والاقتصادية والصناعية عبر آلية التعاون المشترك اللامحدود لبناء القدرات العلمية والصناعية التي ستضمن استقلالا عربيا صناعيا واقتصاديا وعسكريا.

مقالات مشابهة

  • صدور كتاب “ساعة للتاريخ مع محمد صالح النعيمي – عضو المجلس السياسي الأعلى”
  • رئيس جامعة الأزهر: الخط العربي فن يتجلى في كتاب الله ويجمع بين الجمال والدقة
  • مناقشة كتاب “مدرسة حسن نصر الله وآيات يحيى السنوار” في القاهرة
  • مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة يفتح باب التسجيل في النسخة الثالثة من “مركز أبجد” لتعليم اللُّغة العربيَّة للناطقين بغيرها
  • بين أحلام ترامب والإرادة الفلسطينية والموقف العربي
  • الحويج: استقرار الاقتصاد الليبي وتعزيز العلاقات الاقتصادية العربية من أولويات حكومة “الوحدة”
  • “محمد السادس ملك  ذو رؤية”.. كتاب جديد ينضاف إلى مكتبات المملكة
  • الدول الخليجية تدعم بثقلها انتقال سوريا
  • «الخليج العربي» للنفط تنظم دورة تدريبية حول التشغيل الآمن والتوربينات الغازية
  • تحديد أسماء الدول والوقت الذي سيصطدم فيه كويكب “قاتل المدينة” بالأرض