واهمٌ من يعتقد أن ما يحدث الآن من عدوان إسرائيل الوحشي؛ سيقف عند حدود قطاع غزة. كل متابع لما يجري، أيًا كان موقفه من الأحداث، سيكون مخطئًا إذا ظن أنه في مأمن من أية أخطار – سواء أكان هذا المتابع حاكمًا أو مواطنًا – ذلك لأن ما تمارسه إسرائيل اليوم هو انتهاك بشع لكل القوانين الإنسانية، فهى تسلك وفقًا لقانون الغابة وتعمل على ترسيخه؛ إنه القانون الذي بمقتضاه يفترس القوي الضعيف دون وازع أو رادع، في الوقت الذي يفر فيه بقية القطيع، مرتعدة فرائصهم، حامدين الله على نعمة النجاة.
هذا هو الوهم الكبير، وهذه هى الحماقة بعينها. إن أطماع إسرائيل في المنطقة بدعم ومساندة دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، تجعل أية بقعة في منطقة الشرق الأوسط – حين نشوب صراع عسكري مع إسرائيل – تتعرض لما تتعرض له غزة الآن!! هذا ما تسعى إسرائيل لترسيخه في وجدان كل عربي في المنطقة. كل شئ مباح ومتاح لإسرائيل: قتل للأطفال والنساء والشيوخ، وهدم للبيوت على قاطنيها، وتدمير المستشفيات، وحظر وصول الماء والدواء والكهرباء والمأكل والمشرب والطاقة بكل أنواعها إلى المناطق المستهدفة.
إن من يجلسون الآن أمام شاشات التليفزيون في منطقتنا العربية، يشاهدون ما يحدث في غزة وكأنهم يتابعون أحداث أحد أفلام الرعب، مع قدر من التعاطف مع الضحايا!! ستدور عليهم الدوائر في المستقبل الذي قد لا يكون بعيدًا. إن ما يجري اليوم في غزة له ما بعده، أعني أن تداعيات تلك الأحداث لها توابع على كافة المجتمعات العربية – حكامًا ومحكومين – ذلك لأن الهزيمة التي قد تلحق بغزة – لا قدر الله – ستكون هزيمة لكل العرب والمسلمين الذين لم يهبوا لنجدة النساء والأطفال الذين يستغيثون بحكام وشعوب المنطقة ويناشدونهم أن يهبوا لنجدتهم. ولا تلقى صرخاتهم صدى سوى تصريحات جوفاء لذر الرماد في العيون. إننا لا نبالغ إذا قلنا إن الهزيمة التي قد تلحق بغزة – لا قدر الله – ستكون هزيمة للإنسانية جمعاء.
إن محاولة ترديد النغمة القائلة إن حماس مسئولة عما يحدث في هذه اللحظات من مذابح وجرائم في حق الشعب الفلسطيني في غزة بسبب ما قامت به في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ من هجوم على إسرائيل؛ هو قول باطل من أوجه كثيرة؛ فهو أولًا ترديد لدعاية صهيونية زائفة ومضللة، وهو ثانيًا يكشف عن فهم قاصر لطبيعة المشكلة، وجذورها التاريخية؛ إن عملية غزة لم تبدأ في السابع من أكتوير، ولن تنتهي عندها. إن الفلسفة في تعريف أرسطو لها هى «البحث عن العلل البعيدة للظواهر» أي البحث عن الأسباب الحقيقية للظواهر، وإذا أمعنا النظر سنكتشف أن عدوانية إسرائيل واحتلالها لأراضي الغير، واستخدامها للقوة المفرطة هو سبب التوتر والقلق والحروب والنزاعات الدموية في منطقتنا العربية.
إسرائيل لها تاريخ أسود فيما يتعلق بقتل المدنيين الآمنين. إن جرائمها في هذا المجال أكثر من أن تُحصى.. فالمذابح التي ارتكبتها إسرائيل طوال ٧٥ عامًا كثيرة وبشعة، منها على سبيل المثال لا الحصر مجزرة بحر البقر حين شنت القوات الجوية الإسرائيلية هجومًا في صباح الثامن من أبريل عام ١٩٧٠ م، حيث قصفت طائرات من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية في مصر، أدى الهجوم إلى استشهاد ٣٠ طفلًا وإصابة ٥٠ آخرين وتدمير مبنى المدرسة تمامًا. هل كان هؤلاء التلاميذ عسكريين أو ينتمون إلى منظمة حماس؟ وهل كانت القوات المسلحة المصرية قد قصفت مدرسة إسرائيلية أو منزلًا يسكنه مدنيون إسرائيليون؟
وخلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وبينما كانت المعارك محصورة في الجبهة، قامت إسرائيل بغارة جوية صباح يوم ١٢ فبراير ١٩٧٠ قصفت خلالها مصنع أبو زعبل الذي كانت تملكه الشركة الأهلية للصناعات المعدنية، أثناء وردية قوامها ١٣٠٠ عاملًا، فاستُشْهِد منهم ٧٠ وأصيب ٦٩، وحُرِقَ المصنع.
وكذلك هجوم إسرائيل على نجع حمادي، وبالتحديد على محطة محولات كهرباء السد العالي، حيث أغارت يوم ٢٩ أبريل ١٩٦٩ على محطة محولات نجع حمادي، وأسقطت عبوات ناسفة زمنية قرب إدفو أصابت بعض المدنيين الأبرياء.
أما فيما يتعلق بإجرام إسرائيل مع الأسرى المصريين عام ١٩٦٧، فقد ارتكبت جرائم حرب ضدهم؛ إذ أطلقت النار على بعضهم وهم مقيدون، ودفنت بعضهم أحياء.
إسرائيل دولة محتلة لأرض فلسطين، والشعب المحتل – وفقًا للقانون الدولي – من حقه مقاومة الاحتلال.. أما ما تفعله إسرائيل من اعتداءات وحشية على سكان غزة الآن، فاللوم لا يقع على حماس، إنما يقع على الدولة الغاصبة لأراضي الغير.. سواء قامت حماس بما قامت به في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ أو لم تقم بذلك؛ فإن إسرائيل تعامل الفلسطينيين بوصفهم حيوانات وليسوا بشرًا.. وهذا ما يصرح به قادة إسرائيل على الدوام.
واليوم قد تتسع رقعة الصراع في المنطقة، لتشمل حزب الله وإيران. إن اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية بضرب إيران لتدمير قدراتها العسكرية والاقتصادية هى - في حقيقة الأمر - أمنية غالية لدى قادة إسرائيل وبخاصةٍ نتنياهو، الذي حاول مرات كثيرة حث الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب إيران. قد تكون هذه فرصة سانحة لتحقيق ذلك، لكن إيران ليست بالصيد السهل، وأمريكا تعلم ذلك جيدًا. ولكن قد تأتي الأحداث بما لا تتمناه الدول!!
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل تتلاقى عند فكرة تهجير أهالي غزة إلى سيناء، فضلًا عن أن هذا المخطط يمثل جانبًا مهمًا من جوانب صفقة القرن. ترفض مصر هذا المخطط، وماتزال الأيام القادمة حبلى بالأحداث الجسام.
د. حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حماس السابع من أكتوبر إسرائيل العرب فلسطين طوفان الشرق الأوسط المتحدة الأمریکیة
إقرأ أيضاً:
عبد المنعم سعيد: ترامب سيدمر أمريكا ثم العالم| وغير متفائل بوضع الشرق الأوسط
قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسي، إن لبنان بلا رئيس وتشهد انهيار كبير في العملة، مؤكدًا أن الظروف السيئة في لبنان ساعدت في تفاقم الوضع وأملها كان عدم وقوع حرب، وحزب الله قرر مد الوقت للرد على المقترح الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار بلبنان لحين وصول الأمر من طهران، موضحًا أن الجميع ليس لديهم عمل بالقوة لحزب الله.
وأضاف عبد المنعم سعيد، خلال لقائه مع الإعلامية كريمة عوض، ببرنامج "حديث القاهرة"، المُذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، أنه لا أحد يستطيع تحديد حجم القوة العسكرية لحزب الله، مؤكدًا أن عند الحديث عن المقاومة لا يجب فقط لتسجيل الموقف ولكن لابد أن يكون هناك استراتيجية عاملة واستخدام السلاخ.
وأشار عبد المنعم سعيد، إلى عدم تفاؤله لما يحدث في لبنان، لأن العالم لا ينتظر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا أن ترامب سيدمر أمريكا أولًا وبعدها العالم، وهناك ايدولوجية تنظر للعالم ذات وجه نظر قاسية.
وتابع: "لست متفائلا بما يحدث في المنطقة.. أمام علاقات قوى واستراتيجيات، علينا الحديث عن ما سيحدث بعد الاتفاق.. هل سيلتزم حزب الله أما سيكون هناك أي عمليات أخرى؟"، موضحًا أن السيد نبيه بري هو شيعي ولديه وسائل الاتصال بقوة مسلحة جبارة "حزب الله"، مؤكدًا أنه حتى بعد وقف إطلاق النار نحتاج لترك القرار لليد الممثلة للبنان وليس لقوى أخرى مسلحة.