مريد البرغوثي ورضوى عاشور ..«أنت جميلة كوطن محرَّر.. وأنا متعب كوطن محتل»
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
الفراق والمرض والموت، كلمات لا توجد فى قاموس مريد البرغوثى ورضوى عاشور، فقصة الحب التى جمعت بينهما كانت بمثابة وثاق مصرى فلسطينى لم يغيبه الموت أو تفرقه الأقدار، ظل طوال 50 عاماً يكتب الاثنان واحدة من أكثر قصص الحب رومانسية، دواوين شعر وكلمات ومعنى عميق.
من هنا بدأت قصة ستعيش عمراً أطول من صاحبيها اللذين التقيا على سلم جامعة القاهرة، فقد درس الثنائى فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، نظرات متبادلة أشعلت شرارة الحب الأولى، ولأول مرة تتخلى «رضوى» عما تحبه كثيراً «كتابة الشعر»، فهى ما إن سمعت «مريدها» يتغنى به مع أصدقائه حتى اخترق كلامه قلبها ورأت أن «الشعر أحق بأهله»، ثم قرر الثنائى أن يكونّا بيتاً، وحباً وأسرة، ومن كلمات «مريد» عن تلك القصة وذلك الحب: «تعلمت الشجاعة ووضوح الإرادة من فتاة تصغرنى بعامين، تعرف ما تريد وتذهب إليه مفتوحة العينين، بكل وعى، بكل هدوء، بكل شغف».
وُلِدَ مريد البرغوثى فى قرية قرب رام الله عام 1944، لذا فعمره أطول من دولة الاحتلال الإسرائيلى، وجاء إلى مصر لإكمال تعليمه الذى أتمه عام 1967، حينما احتلت إسرائيل رام الله، ولم يستطع العودة منذ هذا الحين ولمدة 30 عاماً: «نجحت فى الحصول على شهادة تخرجى، وفشلت فى العثور على حائط أعلق عليه شهادتى»، رغم الحسرة فى كلمات «مريد» فإنه استطاع بسلاسة أن يتحدى الانكسارات، فلجأ إلى رضوى عاشور كى يتزوجها «يا رضوى.. إنى والقمر والنجمات نسير إليك الليلة».
بعد 4 سنوات من ميلاده حدثت النكبة، وفى سنة تخرجه احتلت بلدته، هكذا عاش مريد البرغوثى صعوبة بالغة، ولم تكن رغبته فى الزواج من «رضوى» أقل صعوبة، فقد رفض والدها زواجها من الفلسطينى اللاجئ إلى مصر، بلا بيت وبلا أرض وبلا مستقبل، لكنه قرر أن يقابله، وفى اللقاء تهاوت «لا» التى قالها أول مرة ووافق على الزواج، ليحكى «مريد» عن رفض أهل رضوى عاشور فى البداية: «كم تساءلت إن كنت قد ظلمتها بالزواج منى وأنا بلا أرض تقلنى، وبلا خطة واضحة بشأن مصيرنا الجغرافى أو الاقتصادى أو الاجتماعى، رفض أهلها الزواج منى بالطبع.. كانوا على حق فى رفضهم ارتباط ابنتهم الوحيدة بشاب غير مصرى مصيره الشخصى معلق بمصير قضية فلسطين».
رغم كل الظروف بدآ بناء البيت، عاشا تلك السنوات قصة حب استثنائية، وكتب لها «مريد» الشعر، وكانت هى جزءاً من أشعاره ليس هذا فحسب، بل خصص لها دواوين بعينها، مثل قصيدة «رضوى» و«أنت وأنا.. إلى رضوى»، وسافرت قصائده المترجمة المعبرة عن حب «رضوى» والحنين لفلسطين إلى كل العالم، ولخص قصتهما كاملة فى جملته الشهيرة: «فى ظهيرة يوم 22 يوليو عام 1970 أصبحنا عائلة، وضحكتها صارت بيتى». وكتب أيضاً: «أنت جميلة كوطن محرر.. وأنا متعب كوطن محتل»، «أنتِ مشتهاة كتوقف الغارة.. وأنا مخلوع القلب كالباحث بين الأنقاض».
أتى تميم البرغوثى، وقبل أن يتم عامه الأول تم ترحيل أبيه من مصر، وظل بعيداً عن زوجته وابنه طوال 17 عاماً، وكان خلال تلك الفترة يرى زوجته لفترات قصيرة فى بلد غريب، وكان «تميم» ذو الـ5 شهور يجوب مع والدته بقاع الأرض ليجتمع الشتات، تقول رضوى فى مذكراتها: «غريب أن أبقى محتفظة بالنظرة نفسها إلى شخص ما طوال 30 عاماً، أن يمضى الزمن وتمر الأعوام وتتبدل المشاهد وتبقى صورته كما وقرت فى نفسى فى لقاءاتنا الأولى».
وكتب «مريد» فى تلك الفترة كثيراً من الشعر والكتب، ثم سُمح له لاحقاً بالعودة فى عام 1993، بعد أن تنقل وعاش فى أكثر من مدينة، مثل بغداد، بيروت، ثم بودابست، ولم يغب الحب أبداً، يقول «مريد» فى قصيدة «رضوى»: «قومى يا دائرة الأشكال.. وضمى هذا الكون الطفل وقوديه إلى الرشد.. تلثمه شفتاك حناناً.. وتعالى نتبادل حمل الكون الطفل بكفينا، فالكون جميل، وثقيل، فتعالى إنى وحدى».
عاش «مريد» كل أشكال الوجع، فبعد أن اجتمع بزوجته وولده، مرضت «رضوى» بسرطان فى المخ، وكانت تدخل فى دوامات العلاج، فبهتت الصورة، ولم تبهت كلمات «مريد» عن زوجته، وظل يسبح بحبها «عودى يا ضحكاتها عودى»، لكن «رضوى» رحلت بعد أن سقطت روحها فى فخ المرض الخبيث.
فى يوم عيد الحب العالمى، 14 فبراير 2021، توفى «مريد»، موثقاً بحياته قصصاً من فلسطين، ومصر، وفصولاً من الحب والشتات، تاركاً «تميم» ليكون هو توليفة «رضوى ومريد»، وقد رثا مريد نفسه قبل وفاته: «الموت حين يباغت الشعراء يستولى على أقلامهم، لكنه لا يأخذ الأوراق من عظمائهم»، «كلما قالوا انتهى.. فاجأتهم أنى ابتدأت»
المصدر: الوطن
إقرأ أيضاً:
المبشر: «السلام» دون قوة رادعة تحميه مجرد كلمات في مهب الريح
أكد رئيس مجلس أعيان ليبيا، محمد المبشر، أنه لا بد للسلام من أنياب لتشكل قوة رادعة تجعل السلام خيارا لا يمكن تجاوزه، مشيرا إلى أن ذلك يجعله مجرد كلمات في مهب الريح.
وقال المبشر، في منشور عبر «فيسبوك»: “لا بد للسلام من أنياب، السلام لغة العقلاء والحوار جسراً يربط بين المختلفين، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن السلام وحده، دون قوة تحميه، قد يصبح مجرد كلمات في مهب الريح، وأن الحوار مهما كان بناءً، قد يتلاشى أمام أصوات العنف والفوضى”.
وأضاف “أنياب السلام القوة الرادعة التي تجعل السلام خياراً لا يمكن تجاوزه، هذه القوة قد تكون جيشاً قوياً يحمي الأوطان، أو قانوناً صارماً يعاقب المتجاوزين، أو حتى وحدة مجتمعية تقف في وجه كل من يحاول إشعال نار الفتنة. فالسلام ليس ضعفاً بل هو ثبات وحزم يستمد قوته من توازن عادل يردع المعتدي ويطمئن المظلوم”.
وتابع “أيضاً لا يمكن للحوار أن ينجح في بيئة تسودها التهديدات أو تتحكم فيها المصالح الضيقة. إن الحوار الحقيقي يولد في ظل أمن مستتب، وثقة متبادلة. علينا جميعا أن ندرك أن السلام والحوار ليسا غاية مثالية فقط، بل هما عملية مستمرة تتطلب قوة حكيمة تحميهما، فعندما يمتلك السلام «أنياباً» تحميه يصبح أكثر استدامة”.
واستطرد “عندما يتكئ الحوار على أساس متين من القوة والاحترام، فإنه ينتج حلولاً حقيقية تضمن الاستقرار. رزقنا الله قوة حكيمة نزيهة تكون، أنياب السلام وأداته للاستقرار العادل”.
الوسومالقوة الرادعة المبشر ليبيا