الفراق والمرض والموت، كلمات لا توجد فى قاموس مريد البرغوثى ورضوى عاشور، فقصة الحب التى جمعت بينهما كانت بمثابة وثاق مصرى فلسطينى لم يغيبه الموت أو تفرقه الأقدار، ظل طوال 50 عاماً يكتب الاثنان واحدة من أكثر قصص الحب رومانسية، دواوين شعر وكلمات ومعنى عميق.

من هنا بدأت قصة ستعيش عمراً أطول من صاحبيها اللذين التقيا على سلم جامعة القاهرة، فقد درس الثنائى فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، نظرات متبادلة أشعلت شرارة الحب الأولى، ولأول مرة تتخلى «رضوى» عما تحبه كثيراً «كتابة الشعر»، فهى ما إن سمعت «مريدها» يتغنى به مع أصدقائه حتى اخترق كلامه قلبها ورأت أن «الشعر أحق بأهله»، ثم قرر الثنائى أن يكونّا بيتاً، وحباً وأسرة، ومن كلمات «مريد» عن تلك القصة وذلك الحب: «تعلمت الشجاعة ووضوح الإرادة من فتاة تصغرنى بعامين، تعرف ما تريد وتذهب إليه مفتوحة العينين، بكل وعى، بكل هدوء، بكل شغف».

وُلِدَ مريد البرغوثى فى قرية قرب رام الله عام 1944، لذا فعمره أطول من دولة الاحتلال الإسرائيلى، وجاء إلى مصر لإكمال تعليمه الذى أتمه عام 1967، حينما احتلت إسرائيل رام الله، ولم يستطع العودة منذ هذا الحين ولمدة 30 عاماً: «نجحت فى الحصول على شهادة تخرجى، وفشلت فى العثور على حائط أعلق عليه شهادتى»، رغم الحسرة فى كلمات «مريد» فإنه استطاع بسلاسة أن يتحدى الانكسارات، فلجأ إلى رضوى عاشور كى يتزوجها «يا رضوى.. إنى والقمر والنجمات نسير إليك الليلة».

بعد 4 سنوات من ميلاده حدثت النكبة، وفى سنة تخرجه احتلت بلدته، هكذا عاش مريد البرغوثى صعوبة بالغة، ولم تكن رغبته فى الزواج من «رضوى» أقل صعوبة، فقد رفض والدها زواجها من الفلسطينى اللاجئ إلى مصر، بلا بيت وبلا أرض وبلا مستقبل، لكنه قرر أن يقابله، وفى اللقاء تهاوت «لا» التى قالها أول مرة ووافق على الزواج، ليحكى «مريد» عن رفض أهل رضوى عاشور فى البداية: «كم تساءلت إن كنت قد ظلمتها بالزواج منى وأنا بلا أرض تقلنى، وبلا خطة واضحة بشأن مصيرنا الجغرافى أو الاقتصادى أو الاجتماعى، رفض أهلها الزواج منى بالطبع.. كانوا على حق فى رفضهم ارتباط ابنتهم الوحيدة بشاب غير مصرى مصيره الشخصى معلق بمصير قضية فلسطين».

رغم كل الظروف بدآ بناء البيت، عاشا تلك السنوات قصة حب استثنائية، وكتب لها «مريد» الشعر، وكانت هى جزءاً من أشعاره ليس هذا فحسب، بل خصص لها دواوين بعينها، مثل قصيدة «رضوى» و«أنت وأنا.. إلى رضوى»، وسافرت قصائده المترجمة المعبرة عن حب «رضوى» والحنين لفلسطين إلى كل العالم، ولخص قصتهما كاملة فى جملته الشهيرة: «فى ظهيرة يوم 22 يوليو عام 1970 أصبحنا عائلة، وضحكتها صارت بيتى». وكتب أيضاً: «أنت جميلة كوطن محرر.. وأنا متعب كوطن محتل»، «أنتِ مشتهاة كتوقف الغارة.. وأنا مخلوع القلب كالباحث بين الأنقاض».

أتى تميم البرغوثى، وقبل أن يتم عامه الأول تم ترحيل أبيه من مصر، وظل بعيداً عن زوجته وابنه طوال 17 عاماً، وكان خلال تلك الفترة يرى زوجته لفترات قصيرة فى بلد غريب، وكان «تميم» ذو الـ5 شهور يجوب مع والدته بقاع الأرض ليجتمع الشتات، تقول رضوى فى مذكراتها: «غريب أن أبقى محتفظة بالنظرة نفسها إلى شخص ما طوال 30 عاماً، أن يمضى الزمن وتمر الأعوام وتتبدل المشاهد وتبقى صورته كما وقرت فى نفسى فى لقاءاتنا الأولى».

وكتب «مريد» فى تلك الفترة كثيراً من الشعر والكتب، ثم سُمح له لاحقاً بالعودة فى عام 1993، بعد أن تنقل وعاش فى أكثر من مدينة، مثل بغداد، بيروت، ثم بودابست، ولم يغب الحب أبداً، يقول «مريد» فى قصيدة «رضوى»: «قومى يا دائرة الأشكال.. وضمى هذا الكون الطفل وقوديه إلى الرشد.. تلثمه شفتاك حناناً.. وتعالى نتبادل حمل الكون الطفل بكفينا، فالكون جميل، وثقيل، فتعالى إنى وحدى».

عاش «مريد» كل أشكال الوجع، فبعد أن اجتمع بزوجته وولده، مرضت «رضوى» بسرطان فى المخ، وكانت تدخل فى دوامات العلاج، فبهتت الصورة، ولم تبهت كلمات «مريد» عن زوجته، وظل يسبح بحبها «عودى يا ضحكاتها عودى»، لكن «رضوى» رحلت بعد أن سقطت روحها فى فخ المرض الخبيث.

فى يوم عيد الحب العالمى، 14 فبراير 2021، توفى «مريد»، موثقاً بحياته قصصاً من فلسطين، ومصر، وفصولاً من الحب والشتات، تاركاً «تميم» ليكون هو توليفة «رضوى ومريد»، وقد رثا مريد نفسه قبل وفاته: «الموت حين يباغت الشعراء يستولى على أقلامهم، لكنه لا يأخذ الأوراق من عظمائهم»، «كلما قالوا انتهى.. فاجأتهم أنى ابتدأت»

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مصر فلسطين

إقرأ أيضاً:

انطلاق فعاليات معرض مشروعات أوائل الخريجين بفنون جميلة جامعة المنصورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

افتتح الدكتور شريف يوسف خاطر رئيس جامعة المنصورة؛ اليوم الأربعاء فعاليات معرض مشروعات تخرج أوائل الخريجين من كلية الفنون الجميلة 2023/ 2024، والتي شملت أقسام الديكور والتصوير، والجرافيك، والعمارة، النحت وتستمر فعاليات المعرض خلال الفترة من 2-10 أكتوبر 2024 م.
جاء ذلك بحضور الدكتور محمد عطية البيومي نائب رئيس الجامعة للتعليم والطلاب،  الدكتور محمد عبد العظيم نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على كلية الفنون الجميلة، الدكتور وليد الطنطاوي الأمين المساعد للتعليم والطلاب.
وأشاد الدكتور شريف يوسف خاطر، بالمستوى المتميز للأعمال الفنية والإبداعية لطلاب وطالبات كلية الفنون الجميلة، مما يعكس تمتع الطلاب بمستوى رفيع من الإبداع المقرون بالعلم الذي تلقونه بالكلية طوال سنوات الدراسة، مؤكداً حرص الجامعة على فتح المسارات أمام الطلاب للتعبير عن الطاقات الكامنة لديهم، واكتشاف مواهبهم وابداعاتهم ودعمها وتنميتها.
وأكد الدكتور محمد عبد العظيم، أهمية مشروعات التخرج، والذي يظهر فيه محصلة العملية التعليمية وما اكتسبه الطالب من نواتج تعلم علي مستوى الأقسام المختلفة علي مدار سنوات الدراسة، مقدما الشكر والتقدير لإدارة الجامعة لدعمها الكبير لأعمال المعرض، كما تقدم بالشكر والتقدير لأعضاء هيئة التدريس بالكلية والمشرفين على المشروعات لمجهودهم الكبير وتشجيع وإرشاد الطلاب بشكل علمي أكاديمى، للوصول لهذا المستوى المتميز الذي ظهرت عليه مشروعات الطلاب.
الجدير بالذكر أن المعروض الفني مفتوح أمام الجمهور بدءا من اليوم 2 أكتوبر حتى يوم 10 أكتوبر.

IMG-20241002-WA0043 IMG-20241002-WA0037 IMG-20241002-WA0047 IMG-20241002-WA0041 IMG-20241002-WA0045 IMG-20241002-WA0024 IMG-20241002-WA0049 IMG-20241002-WA0027 IMG-20241002-WA0031 IMG-20241002-WA0025 IMG-20241002-WA0035 IMG-20241002-WA0029 IMG-20241002-WA0039 IMG-20241002-WA0033 IMG-20241002-WA0044 IMG-20241002-WA0038 IMG-20241002-WA0048 IMG-20241002-WA0042 IMG-20241002-WA0046 IMG-20241002-WA0050 IMG-20241002-WA0028 IMG-20241002-WA0032 IMG-20241002-WA0026 IMG-20241002-WA0036 IMG-20241002-WA0030 IMG-20241002-WA0040 IMG-20241002-WA0034

مقالات مشابهة

  • في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين
  • «أمهات الأشجار».. دعوة للتأمل من إصدار «كلمات»
  • انطلاق فعاليات معرض مشروعات أوائل الخريجين بفنون جميلة جامعة المنصورة
  • “أمهات الأشجار”.. جديد “مجموعة كلمات” ودعوة لتأمل جمال وتعقيد الطبيعة
  • وزارة الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" لاكتشاف الموهوبين بالدقهلية
  • سليم عون: لبنان كان وسيبقى مقبرة لكل محتل
  • رضوى الشربيني.. صاحبة "نظرية البلوك" تحسم جدل زواجها سرًا من رجل أعمال
  • ناصر منسي: ليفاندوفسكي مثلي الأعلي أوروبيا.. وعماد متعب محليا
  • ناصر منسي: ليفاندوفسكي مثلي الأعلى أوروبيا.. وعماد متعب محليا
  • البرغوثي: اسرائيل تهدد الاردن بالوطن البديل ومصر بقناة بن غوريون