الشارقة - الوكالات
أجمع أدباء ومتخصصون في دراسة اللغة العربيّة وتدريسها أنّ الكثير من التجليات تجسّد اليوم جماليات اللغة العربيّة وانتشارها الواسع وحجم تأثيرها في لغات العالم وثقافته؛ بدءاً من تأثيرها الشكلي حيث كُتبت أكثر من 160 لغة حول العالم بالأحرف العربيّة، وُصولاً إلى مساهمتها في تغذية العديد من اللغات بالمصطلحات المتنوّعة، وُصولاً إلى كونها اللغة الأولى عالمياً من حيث سرعة التطوّر.

جاء ذلك خلال جلسة استضافها معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023 تحت عنوان "جماليات اللغة العربيّة وتأثيرها حول العالم"، بمشاركة كلّ من الدكتور الخليل محمد النحوي، الخبير في المنظمة العربيّة للتربية والثقافة ورئيس مجلس اللسان العربي في موريتانيا، والدكتور لويس ميغيل، أستاذ جامعي في اللغة العربيّة ومترجم، وآمنة الهاشمي باحثة لغوية في لجنة التنسيق والتدقيق الفني في المعجم التاريخي للغة العربيّة.

 

لغة عالميّة بامتياز

وقال الدكتور الخليل محمد: "العجيب في تأثير اللغة العربيّة أنه وصل إلى لغات إفريقية لشعوب غير مسلمة، هذا التأثير نجده في مفردات من اللغة العربيّة في مجالات مختلفة مثل التجارة والزراعة وغيرها. اللغة العربية حققت انتشاراً كبيراً في العالم حتى أن نصف القبائل الإفريقية أصبحت ناطقة باللغة العربيّة، وهناك أمر أساسي جداً، اللغة العربية ليست للعرب فقط بل هي عالمية بامتياز، ولعلّ أهم أعلامها ليسوا عرباً مثل ابن جني والجرجاني وغيرهم ليسوا عرباً، بل تأثروا بالعربية وأحبوها وشكلوا تجلياً واضحاً للأقوام التي أحبّت العربية فأتقنتها".

وأضاف: "هناك مؤشرات لمكانة اللغات، مثل مؤشر النطاق الجغرافي يشير إلى أن العربية هي الثانية بعد اللغة الإنجليزية، باعتبارها موجودة في 60 دولة إمّا كلغة أم أو أنها تُدّرس فيها. كما أنّ العربيّة هي الرابعة عالمياً من حيث الناطقين بها بحسب معظم الجهات المختصّة. والأهمّ من ذلك حضورها على شبكة الإنترنت فقبل 5 سنوات تقريباً كانت ضعيفة ويقدر حضورها بـ0.8% واليوم في 2023 حسب العديد من المصادر غير العربية هي الرابعة عالمياً من حيث المحتوى بـ5.2%".

مجالاً خصباً للدراسات والبحوث

وشاركت آمنة الهاشمي تجربتها التي تصفها بالملهمة في مشروع المعجم التاريخي للغة العربيّة منذ المراحل الأولى إلى إطلاق الأجزاء الأخير في دورة هذا العام من معرض الشارقة الدولي للكتاب. وأضافت: "العربية اليوم تتبوأ مكانة سامية بين لغات العالم فهي لغة تاريخية استطاعت أن تقاوم تغيرات الزمن وهي قادرة على التكيف مع الحياة ومع مختلف العلوم والمعارف. لقد أكسبتها التجربة الحضارية على مدى قرون طويلة ثروة هائلة من الصيغ والتراكيب والأساليب مما منحها قدرة على العطاء والإيحاء والتنوع في التاريخ، فهي لغة دقيقة وقادرة ومستوعبة".

من جهته قال الدكتور لويس ميغيل: "لا أراني قادراً على وصف جماليات لغة يعتبرها مئات الملايين من البشر لغة إلهية وليست بشرية، لذلك ما يمكنني تقديمه هنا هو علاقتي وشغفي المتواضع بهذه اللغة. إنني أجد اللغة العربية لغة في غاية الجمال، فمنذ أن بدأت بدراستها في سنّ الثامنة عشر وصولاً إلى اليوم تعلّقت بالعربيّة بشكل لا يمكنني وصفه، وقد أصحبت مترجماً ليقيني أن الثقافة العربيّة لديها الكثير مما تقوله للثقافة الغربيّة، والأمر الآخر الذي زاد من شغفي في العربيّة هي فرص السفر التي مكّنتني من التعرف على ملايين اللهجات المختلفة، في هذه الرحلات كنت أنقل من بلد إلى بلد وحتى من شقة سكنية إلى أخرى مناهج تعلّم اللغة العربية والأدب العربي والمعاجم والموسوعات".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اكتشاف بروتين قد يكون مفتاحا لفهم سر نشأة اللغة المنطوقة

لا تزال أصول اللغة البشرية لغزا محيرا للعلماء، وعلى الرغم من أن بعض الأدلة تشير إلى أن النياندرتال كانت لديهم تراكيب تشريحية في الحنجرة والأذن تمكنهم من التحدث والاستماع، فإن الدماغ البشري وحده هو الذي شهد توسعا في المناطق المسؤولة عن إنتاج وفهم اللغة.

وبحسب دراسة جديدة نُشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، فإن فريقا بحثيا من جامعة روكفلر الأميركية أعلن أنه على مقربة من الكشف عن هذا السر، حيث حصل العلماء على أدلة وراثية مثيرة تشير إلى وجود بروتين يُعرف باسم "نوفا 1" موجود حصريا لدى البشر ربما قد لعب دورا حاسما في نشأة اللغة المنطوقة.

ويقول محمد الجندي، باحث في الكيمياء الحيوية في جامعة أوبسالا السويدية، وغير المشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "المتغير هو أحد أشكال التحول في الجينات، فلكل جين شكل أساسي، وعندما تحدث له بعض التغيرات الطفيفة تؤدي إلى ظهور المتغيرات، ولكن في معظم الحالات تحافظ المتغيرات على نفس وظيفة الجين الأساسي ولا ترقى إلى تكوين جين جديد بوظيفة مختلفة".

والجينات هي أكواد موجودة على الحمض النووي الموجود في خلايا أجسامنا، كل منها مسؤول عن سمة أو وظيفة محددة، ويمكن النظر إلى الحمض النووي كله على أنه "كتاب تعليمات" ضخم يحتوي على جميع الأوامر البيولوجية التي تجعل الكائن الحي على ما هو عليه.

نمط التعبير عن جين (نوفا 1) في دماغ الفأر، ويظهر (نوفا 1) باللون الأخضر (جامعة روكفلر) لغز النطق يحير العلماء

لطالما ارتبطت القدرة اللغوية لدى البشر بجين يدعى (فوكس ب 2)، يتحكم في تطوير الدماغ، إلا أن دوره لا يزال محل جدل. وعلى النقيض، يُعتقد أن جين (نوفا 1) يلعب دورا أكثر تعقيدا.

إعلان

ولقياس ذلك، أدخل فريق بقيادة روبرت دارنيل، رئيس مختبر علم الأورام العصبي الجزيئي في جامعة روكفلر، المتغير البشري من بروتين (نوفا 1) في فئران المختبر، وأظهرت النتائج نجاح الفئران في إصدار أصوات مختلفة عند التواصل فيما بينها، مما يشير بحسب الباحثين إلى تأثير هذا المتغير على الأنماط الصوتية.

وتشرح يوكو تاجيما، من مختبر علم الأورام العصبية الجزيئي، جامعة روكفلر بالولايات المتحدة الأميركية، والمؤلفة الأولى للدراسة في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه قائلة: "التغيرات التي طرأت على جين (نوفا 1) ربما قد أدت إلى تطورات مهمة في الدماغ البشري ساهمت في نشأة اللغة وتطورها." وأضافت: "اكتشفنا أن التغيير البشري الفريد في البروتين يتسبب في تغييرات جوهرية في التعبير الجيني المرتبط بالصوتيات."، ولذلك يعتقد الباحثون بناء على تجربتهم أن (نوفا 1) ربما يكون جينا رئيسيا في اللغة البشرية.

استخدم الباحثون تقنية كريسبر لتحرير الجينات بهدف استبدال النسخة الطبيعية من بروتين (نوفا 1) في الفئران بالمتغير البشري (شترستوك) توظيف التحرير الجيني رغم التحديات

استخدم الباحثون تقنية كريسبر لتحرير الجينات بهدف استبدال النسخة الطبيعية من بروتين (نوفا 1) في الفئران بالمتغير البشري. وعند تحليل تأثير هذا التغيير، لم يجد الباحثون أي تأثير على الوظائف العصبية أو الحركية، لكنهم لاحظوا تغيرات ملحوظة في الأصوات التي تصدرها الفئران.

ويقول الجندي: "من التحديات التقنية لاستخدام التحرير الجيني في هذا المجال هو أن بعض المتغيرات لا تتوافق عند نقلها بين البشر والفئران، وثاني التحديات يكمن في قَصْر عملية التحرير على حمض أميني واحد فقط تجنبا لظهور أي نتائج غير مرغوب فيها، بالتالي تسهل عملية قياس نتائج تحرير الجين".

راقب الباحثون، وسجلوا وحللوا الأصوات التي تصدرها الفئران المعدلة وراثيا، وقارنوها بالفئران الطبيعية. ونظرًا لأن الفئران تصدر أصواتا لا يمكن سماعها بالأذن البشرية، استخدم الباحثون ميكروفونات حساسة للموجات فوق الصوتية لتسجيل الأصوات في حالتين: عندما تكون صغار الفئران منفصلة عن أمهاتها، لاستكشاف نداءات الاستغاثة، وأثناء تفاعل الذكور مع الإناث البالغة لدراسة أصوات المغازلة.

إعلان

وبعد جمع التسجيلات، حلل الباحثون الصوتيات باستخدام برامج متخصصة لتحديد الفروق بين الفئران العادية والمعدلة، وركزوا على عدة معايير، هل الفئران المعدلة تصدر أصواتا أكثر أو أقل من العادية؟ وتصنيف الأصوات إلى أنواع مختلفة، مثل نغمات بسيطة أو متغيرة أو متقطعة، والتغييرات في تردد الأصوات، مثل ارتفاعها أو انخفاضها، وطولها وقصرها، ومدى التعقيد.

وعند مقارنة البيانات، وجد الباحثون أن الفئران المعدلة وراثيا أظهرت تغيرات في تردد الأصوات عند الصغار، حيث أصبحت بعض النغمات أكثر حدة أو أقل حدة من المعتاد. كما لاحظوا انخفاضا في عدد النغمات مما يشير إلى نمط صوتي مختلف.

أما في البالغين، فقد ظهرت تغييرات في الأصوات المستخدمة خلال المغازلة، حيث أصبحت بعض النغمات أقل تكرارا أو أكثر تعقيدا، بالإضافة إلى اختلافات في الترددات العليا، مما يشير إلى تأثير محتمل على التحكم العصبي بالأصوات. وكانت لحظة مذهلة بحسب الباحثين، إذ لم يتوقعوا هذه التغيرات.

أثر المتغير

لمعرفة ما إذا كان هذا التغيير الجيني فريدا للبشر، قارن الباحثون بين الجينوم البشري والحمض النووي الخاص بالنياندرتال والدينيسوفان، وهم أفراد من الجنس الإنساني الذي يضم الإنسان العاقل كذلك (البشر الحاليين)، وقد أظهرت النتائج أن المتغير غير موجود لدى النياندرتال والدينيسوفان، مما يشير إلى أنه تطور حديث نسبيا في تاريخ البشر، وربما كان عاملا رئيسيا في قدرة الإنسان على تطوير لغة معقدة.

إلى جانب دوره في اللغة، قد يساعد البحث أيضا في فهم بعض الاضطرابات اللغوية والتطور العصبي. فهناك دلائل على أن الطفرات في جين (نوفا 1) قد تكون مرتبطة بالتوحد واضطرابات النطق.

ورغم النتائج المثيرة، لا يرى الجندي أن (نوفا 1) وحده يمكن أن يكون المسؤول عن نشأة اللغة البشرية، مختتما: "كان يعتقد أن جين (فوكس ب 2) لفترة طويلة هو أحد أهم العوامل المسؤولة عن نطق اللغة أو التواصل البشري، لكن الأمر أكثر تعقيدا مما كنا نظن، وهذه الدراسة تدعم هذه الفكرة. لا يوجد جين واحد فقط مسؤول عن القدرة على النطق والتواصل اللغوي، "فالدلائل التي تقدمها هذه الدراسة وغيرها تستند إلى قياسات وظيفية غير حصرية لتطور اللغة".

وقد تساعد الأبحاث المستقبلية في تحديد العلاقة بين هذا الجين والاضطرابات العصبية، وربما حتى تمهيد الطريق لعلاجات جديدة للاضطرابات اللغوية. في النهاية، يبقى السؤال مفتوحا: هل يمكن من خلال علم الوراثة فك شفرة اللغز الذي جعل البشر متحدثين فريدين؟

إعلان

مقالات مشابهة

  • الكوردية.. إرث اللهجات المتعددة يصطدم بتحدي اللغة الموحدة
  • “الشؤون الإسلامية” تقيم مأدبة إفطار في كلية اللغة العربية للبنات بسريلانكا
  • الشؤون الإسلامية” تقيم مأدبة إفطار في كلية اللغة العربية للبنات بسريلانكا
  • مناهج التعليم
  • الصين والدول العربية.. ازدهار التبادلات الثقافية وتعزيز العلاقات الاستراتيجية | تفاصيل
  • أحمد علي عبدالله صالح يُعزِّي في وفاة الدكتور فضل أبو غانم
  • اكتشاف بروتين قد يكون مفتاحا لفهم سر نشأة اللغة المنطوقة
  • الدكتور بن حبتور يعزي في وفاة الشيخ علي أبو سالم
  • التجربة الثانية لسباق أستراليا.. لوكلير الأسرع وهاميلتون خامساً
  • بالفيديو.. لماذا نريد رضا الله؟.. الدكتور علي جمعة يجيب