[email protected]
يقال: «الخلافات ملح الحياة» وعلى الرغم من واقعية هذه المقولة، إلا أن الخلافات مؤذية إلى حد كبير، مؤذية؛ لأنها تسوق للأنفس الغاضبة، وللأنفس الضعيفة، وللأنفس القانطة، وللأنفس المحرومة من كثير من الإشباعات النفسية والمادية، ومعنى هذا أنه يبقى القليل من لا يقع في مصيدة هذه الصور بصورة مستمرة، وينشئ لنفسه خلافا ما، مع شخص ما، أو مجتمع ما، حيث يعيش في كنف نفس راضية، «ترى الوجود جميلا» ولذلك تقاس مسألة الرضا ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى الشعوب، والأنظمة من خلال ما تفتقد ما هو موجود عند الآخر، ومن هنا تبدأ حالات التضاد، والمشاكسات، وقد تصل إلى ذروتها عندما تصل إلى مستويات التصادم؛ وما أكثرها.
وبقدر ما يكون الاختلاف سنة كونية، وأمرا متوقعا بين الأفراد لاختلاف تجربة الحياة، ومجموع العوامل النفسية والمادية الموجود عند كل واحد على انفراد، إلا أن الاختلاف يظل هو المسوق أكثر لمجموع الخلافات القائمة بين الناس، ففي اختلاف المستويات المادية، أو الوجاهية، أو الوظيفية، أو المعنوية كالأخلاق الرفيعة، أو الذكاء، أو الجمال، أو الكرم، أو التسامح، بين الأفراد، ولو على مستوى المجتمع الصغير في بيئة اجتماعية ما، يثير حنق الآخرين تجاه منْ منّ الله عليه بمثل هذه الفضائل، وهذا الحنق الذي يشعر به الآخر تجاه الآخر من حوله؛ لأن الحانق لم يصل إلى حالة الإشباع من هذا الذي يميز الآخر من حوله، وذلك يشعره بالنقص، ويرى أن من حقه أن يكون مثل صاحبه، مع أنه لو فكر في الأمر قليلا، لوصل إلى قناعة أن الله هو الرازق، وأن الله هو المانع، وما الآخرون من حوله سوى مكلفين بأمانة توصيل ما لديهم من نعم إلى الآخر، بصورة أو بأخرى، وأنهم ممتحنون في ذلك، ومحاسبون على مثقال ذرة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) إذن ليست هناك فضلة تستحق أن تنشئ خلافا ما قد يصل ذروته إلى التصادم، والبغضاء، ومنازلة الشر بالشر، وهذا النوع من التفكير ـ إن حصل- فإنه يعكس سذاجة صاحبه، وتوغل نفسه في مستنقع الحسد.
يشدد المنظرون؛ كثيرا على مسألة التسامح، وأن على الفرد أن يتسامى عن الصغائر التي تذهب به إلى الوقوع في الخلاف مع الآخر، انعكاسا لتميزه، ولكن هذه من الفطرة الإنسانية، ولا يقدر أحد أن ينكرها، والأمر ليس يسيرا أن يتحرر الفرد من إنسانيته، ويقولب نفسه في قالب الطهر الناصع من كل شائبة، وإلا عد ملكا من ملائكة الرحمة، وهذا ما لا يتحقق على الأرض، فالناس فطروا على مجموعة من النقائص التي لا محيد عنها، كما أنهم فطروا على مجموعة من القيم السامية، وتبقى المحنة هنا عند كل شخص على حدة، في قدرته على توظيف القيم السامية على نقائصه، أو عدم قدرته على كبح جماح نقائصه فيؤذي بها نفسه والآخرين من حوله، وهذا كله من الفطرة الإنسانية.
ومع ذلك فهناك انفراجات في مواقف كثيرة لهذا الفرد «الإنسان» في هذه الانفراجات تتجلى القيم السامية، وقد يتفاجأ الآخرون من ذلك، وقد يتساءلون: أيعقل أن يكون هذا فلان الذي نعرفه؟ وهذه الصورة تتكرر في حالتيها الإيجابية والسلبية، ولن تكون مقصورة على حالة واحدة، وهذا ما يدهش بعضنا بعضا من هذا التبدل المستمر في سلوكيات الإنسان بين مقدامين: أحدهما في لحظة ما، مقدام للخير، وثانيهما، في لحظة ما، مقدام للشر «ولله في خلقه شؤون».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من حوله
إقرأ أيضاً:
متى ستنتهي الحرب في لبنان؟.. إليكم ما كشفه مسؤول إسرائيليّ
بعد فشل الهدنة المؤقتة التي سعت واشنطن لإبرامها بين حزب الله وإسرائيل بسبب الشروط "التعجيزية" التي فرضتها إسرائيل، توقع مسؤول إسرائيلي التوصل لإتفاق إنهاء الحرب في لبنان خلال أسبوعين أو العمل على اتفاق يشبه اتفاق الهدنة 1949. وتنص هدنة 1949 بين لبنان وإسرائيل على أن يتعهد الجانبان اللبناني والإسرائيلي بالتقيد بدقة بالأمر الصادر عن مجلس الأمن بعدم اللجوء للقوة العسكرية لتسوية قضية فلسطين، وبامتناع الجانبين عن اتخاذ أي عمل عدائي ضد شعب الجانب الآخر أو قواته وأن يُحترم احتراما كاملاً حق كل طرف في أمنه وحريته من الخوف من هجوم تشنه عليه قوات الجانب الآخر المسلحة. (العربية)