وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
أنني العاشق
والأرض حبيبة

محمود درويش
وقفت مذهولا وقد الجمتني الصدمة وأنا أتأمل مشهدا فيديو التقطته كاميرا من داخل سيارة متحركة عن الخرطوم الهادئة الوادعة وكيف انتهت بها الأقدار أشباحا كالحة وديارا مدمرة وشوارع ينعق فوقها البوم.. لكأنها هيروشيما بعد أن انقض عليها الطيار الأمريكي (بول تيبيتس) بطائرته B.

29 بقنبلة ذرية في صباح السادس من أغسطس عام 1945 بموجب الأمر التنفيذي الصادر من الرئيس الأمريكي وقتها (هاري ترومان) . لم ينكر أحد الجريمة المروعة التي أسفرت عن مصرع 100 الف في لحظة واحدة .. لم يحاول أحد التخريم الى (الدرب التحت) للخروج من أسبابها كالشعرة من العجين فقد نقل عن عالم الفيزياء الشهير (البيرت اينشتاين) أن قال لمواطنه (روبرت أوبنهايمر) صانع القنبلة الذرية (الآن جاء دورك لمواجهة عاقبة انجازك فماذا أنت قائل ؟ ) .
(2)
هذا السؤال لا يمكن طرحه على لوردات الحرب عندنا لأن الأمر هنا يختلف بل يقف على النقيض تماما في سوداننا فاذا كانت هناك اعترافات مدونة من لسان المتورطين في جريمة الاعتداء الدموي على الشعب الياباني في نهاية الحرب العالمية الثانية فان هذه الثقافة لا وجود لها في السودان ..أسألكم بالله الذي خلقكم فصوركم فأحسن صوركم هل سمعتم بسوداني يعترف بخطأ ثم يعتذر ؟ لدينا سفلة منحطون جاهزون لغسل أيديهم عن جريمة تدمير الخرطوم وانتهاك حرمات حرائره ونهب ممتلكات مواطنيه حتى ملابسهم الداخلية ونقلها عبر آلاف الكيلومترات لبيعها في أسواق مالي والنيجر وبوركينا فاسو..
(3)
الساحة تعج بأخصائيون محترفون في قتل القتيل والمشي في جنازته نائحين يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويهيلون التراب فوق الرؤوس رغم ان عدد القتلى تجاوز 10 آلاف وقفز عدد المشردين الى 10 مليون . فحتى الآن تتعرض الاحياء المسكونة بالمواطنين العزل لقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة.. المفعول به دائما معروف والفاعل مبني على المجهول بين طرفين يستميتان لتبرئة ساحتهما .بكل غباء يظن كل طرف أنه يحمل صك برائته والطرفان مرفوعان على رافعة ضاربة في جذور أعرافنا تقول (الشينة منكورة) .
(4)
نحن الذين سكن الحزن فينا واسودت الدنيا في أعيينا ورغم ذلك نمسك بأستار العبارة الشائعة (تفائلوا بالخير تجدوه ) ونتابع بقلق تام مستجدات مؤتمر جدة حيث توافق الفرقاء على خطة عمل تتمحور حول 6 نقاط منها وقف اطلاق نار دائم وإخراج طرفي القتال الى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومتر عن العاصمة ونشر قوات افريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية ومعالجة الأوضاع الإنسانية السيئة واشراك قوات الشرطة في عمليات تأمين المرافق العامة وأخيرا البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة ..لكن تظل علامة الاستفهام حائرة بدون إجابة من سيطفيء نيران الغضب والانتقام من قلوب الضحايا الذين شاهدوا بأم أعينهم اللصوص ينتزعون شقاء العمر تحت فوهة البندقية at a gun point كما تقول الفرنجة وتنتهك أمامهم أعراض زوجاتهم وبناتهم غير عابئين بصراخهن وعويلهن ؟
(5)
رغم مداولات مؤتمر جوبا الذي تحرسه الرياض وواشنطون ورغم تعهد العاصمتين بمراقبة الوضع على الأرض عبر الأقمار الصناعية عن اية تحركات عسكرية لتغيير الواقع بحجة الحصول على كروت إضافية تدعم شروطه على طاولة المفاوضات فان الوسيطين سدوا أحد الآذان بالطين والأخرى بالعجين مما يحدث على الأرض من ميليشيات الدعم السريع فالتقارير الصادرة من هناك تؤكد سيطرة قوات الدعم السريع على نيالا بعد انسحاب الفرقة 16 من قاعدتها تحت الضغط العسكري العنيف فضلا عن سيطرة الميلشيات على حقل بليلة للبترول الذي ينتج معظم نفط السودان . الصمت المريب للجيش وعدم تفاعل الوسيطين حتى بأضعف الايمان من الشجب والاستنكار يسدد ضربة مميتة للجهود والوساطات في القضية المعقدة أصلا بسبب غياب الإرادة والشجاعة وتقديم التضحيات ومستحقات السلام المطلوبة .
(6)
مع دخول الحرب شهرها السابع يواجه اقتصاد السودان فاتورة ثقيلة في ظل تعطل الإنتاج والتصدير وتهاوى قيمة العملة المحلية بالإضافة الى زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي الحاد لملايين السكان حيث تقدر الخسائر جراء الحرب بمليارات الدولارات . فلازال السلام حلما بعيد المنال .. لا أحد يدعو للتشائم ولكن بنفس القدر لا شيء يشجع على رفع سقف التوقعات الى السماء الدنيا ناهيك الى عنان السماء . فمليشيا الدعم السريع لازالت تسرح وتمرح في غرب السودان ولا أحد يدري كمية العصي التي ستحشرها داخل دولاب المفاوضات بعد اعلان سيطرتها على نيالا وزالنجي .
(7)
ااذا أضفنا الى ذلك التحركات الانتهازيه والهجمات المباغتة لقوات عبد العزيز الحلو لتشتيت جهود الجيش وأخبار أخرى مصدرها جوبا تتحدث عن انهيار الكتلة الديمواقراطية (حركات مسلحة منها الجبهة الثورية وحركة جيش السودان وحركة العدل والمساواة والتحالف السوداني وكيان الشمال والحزب الاتحادي الديموقراطي وحركة جيش السودان وتمازج ) لاختلاف المصالح وتضاربها لتأكد لنا تعقيدات المشهد الماثل أمامنا .
(8)
السؤال هنا هل يتجه السودان للتقسيم وانفصال بعض أقاليمه لتكوين دولة ذات سيادة ؟ الجواب ان تأريخ أفريقيا لا يعرف تجاربا ناجحة للانفصال من الدولة الام سوى مرتين القاسم المشترك الأعظم بينهما فشلهما .. الأولى بيافرا (شرق نيجيريا ) فقد أعلن (اوجوكو) انفصال بيافرا عن نيجيريا عام 1967 ولكنه لم يجد اعترافا بل أن دولا كبيرة مثل بريطانيا والاتحاد السوفيتي أعلنتا رفض الاعتراف فضلا عن منظمة الحدة الافريقية (الاتحاد الأفريقي) لاحقا وأكدوا دعمهم للحكومة المركزية . ولكن في يناير يناير 1970 قلب جيش الرئيس (يعقوب جوون) عاليها سافلها ومسح بيافرا من الوجود فيما فر (أوجوكو) قائد الانفصال الى ساحل العاج .أما الكيان الانفصالي الثاني فهو أرض الصومال التي أعلنت الانفصال عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد زياد بري عام 1991 .وهي دولة لا يعترف بها أحد سوى الامارات التي لها قاعدة عسكرية .
(9)
ان مشكلة السودان سياسية وليست عسكرية بل ليس لأصحاب الكاكي والقاشات دور يرجى منه فهم عرابو أكبر ازمة نعيشها.. ولأن سكانه الآن ممزقون بين النزوح واللجوء والجوع والموت بالدانات العشوائية الطائشة أوالبراميل المتفجرة فلن يجدو بواكي عليهم... ليبتعد عنا الى الأبد الذين يخططون لحكم السودان أو حرق السودان .

oabuzinap@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية

 

في المحاضرة الرمضانية الـ 12 للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أشار إلى حقيقة صارخة لا يمكن إنكارها: الفرق الشاسع بين الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، وبين تعامل الدول العربية مع القضية الفلسطينية، هذه المقارنة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة المواقف السياسية، ومعايير “الإنسانية” التي تُستخدم بمكيالين في القضايا الدولية.

أوروبا وأوكرانيا.. دعم غير محدود

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، سارعت الدول الأوروبية، مدعومةً من الولايات المتحدة، إلى تقديم كل أشكال الدعم لكييف، سواء عبر المساعدات العسكرية، الاقتصادية، أو حتى التغطية السياسية والإعلامية الواسعة، ولا تكاد تخلو أي قمة أوروبية من قرارات بزيادة الدعم لأوكرانيا، سواء عبر شحنات الأسلحة المتطورة أو المساعدات المالية الضخمة التي تُقدَّم بلا شروط.

كل ذلك يتم تحت شعار “الدفاع عن السيادة والحق في مواجهة الاحتلال”، وهو الشعار الذي يُنتهك يوميًا عندما يتعلق الأمر بفلسطين، حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين دون أن يواجه أي ضغط حقيقي من الغرب، بل على العكس، يحظى بدعم سياسي وعسكري غير محدود.

العرب وفلسطين.. عجز وتخاذل

في المقابل، تعيش فلسطين مأساة ممتدة لأكثر من 75 عامًا، ومع ذلك، لم تحظَ بدعم عربي يقترب حتى من مستوى ما قُدِّم لأوكرانيا خلال عامين فقط، فالأنظمة العربية تكتفي ببيانات الشجب والإدانة، فيما تواصل بعضها خطوات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في تناقض صارخ مع كل الشعارات القومية والإسلامية.

لم تُستخدم الثروات العربية كما استُخدمت الأموال الغربية لدعم أوكرانيا، ولم تُقدَّم الأسلحة للمقاومة الفلسطينية كما تُقدَّم لكييف، ولم تُفرض عقوبات على إسرائيل كما فُرضت على روسيا، بل على العكس، أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني سياسة علنية لدى بعض العواصم، وتحول الصمت العربي إلى مشاركة غير مباشرة في استمرار الاحتلال الصهيوني وجرائمه.

المقاومة.. الخيار الوحيد أمام هذه المعادلة الظالمة

في ظل هذا الواقع، يتجلى الحل الوحيد أمام الفلسطينيين، كما أكّد السيد القائد عبدالملك الحوثي، في التمسك بخيار المقاومة، التي أثبتت وحدها أنها قادرة على فرض معادلات جديدة، فمن دون دعم رسمي، ومن دون مساعدات عسكرية أو اقتصادية، استطاعت المقاومة أن تُحرج الاحتلال وتُغيّر قواعد الاشتباك، وتجعل الاحتلال يحسب ألف حساب قبل أي اعتداء.

وإن كانت أوكرانيا قد حصلت على دعم الغرب بلا حدود، فإن الفلسطينيين لا خيار لهم سوى الاعتماد على إرادتهم الذاتية، واحتضان محور المقاومة كبديل عن الدعم العربي المفقود، ولقد أثبتت الأحداث أن المقاومة وحدها هي القادرة على إحداث تغيير حقيقي في مسار القضية الفلسطينية، بينما لم يحقق التفاوض والتطبيع سوى المزيد من التراجع والخسائر.

خاتمة

عندما تُقاس المواقف بالأفعال لا بالشعارات، تنكشف الحقائق الصادمة: فلسطين تُترك وحيدة، بينما تُغدق أوروبا الدعم على أوكرانيا بلا حساب، وهذه هي المعادلة الظالمة التي كشفها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حيث يتجلى التخاذل العربي بأبشع صوره، ما بين متواطئ بصمته، ومتآمر بتطبيعه، وعاجز عن اتخاذ موقف يليق بحجم القضية.

إن ازدواجية المعايير لم تعد مجرد سياسة خفية، بل باتت نهجًا مُعلنًا، تُباع فيه المبادئ على طاولات المصالح، بينما يُترك الفلسطيني تحت القصف والحصار. وكما أكد السيد القائد عبدالملك الحوثي، فإن المقاومة وحدها هي القادرة على إعادة التوازن لهذه المعادلة المختلة، مهما تعاظم التواطؤ، ومهما خفتت الأصوات الصادقة.

مقالات مشابهة

  • كارثة إنسانية غير مسبوقة.. تقرير يرصد الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة السودانية
  • جبريل ابراهيم يحذر من تحشيد جديد لـ” الدعم السريع” ويؤكد أن الحرب لم تنته بتحرير الخرطوم
  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • تقرير حقوقى: توثيق اختفاء أكثر من 50 ألف شخص منذ اندلاع الحرب فى السودان
  • حميدتي الآن أحرص من الجيش على نهاية الدعم السريع
  • قيادات عسكرية تزور الجرحى في مستشفى 22 مايو وعدد من المستشفيات الخاصة بأمانة العاصمة
  • البرهان: لا مصالحة مع "الدعم السريع".. وحميدتي: الحرب لم تنته بعد
  • السودان.. «البرهان» يتوّعد باستمرار الحرب ويدعو الجميع لـ«تحكيم العقل»
  • قائد قوات درع السودان للجزيرة نت: نحتفل بالنصر والحسم يقترب بدارفور