العم "أحمد" وحكايته مع عربة البصل والطماطم
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
كتب / د. الخضر عبدالله
كان "العم " أحمد محمود عبده 70عاما يعتقد أن حياته قد أصبحت "طبيعية جدًا حينما بلغ من الكبر عتيا وأن المخاوف من حياته قد أصبحت شيئًا من الماضي، وذلك قبل ان تقرع ا طبول الحرب في اليمن وفقا لما ذكره في حديثه لـ "عدن الغد
ويُعد العم ( احمد ) أنموذجا لكثير من كبار السن في اليمن، وهو نازحِ من قرية الفواهة من محافظة الحديدة ( غرب شمال اليمن ) وأحد المتضررين من الحرب المشؤومة التي حلت باليمن، ينام فوق إحدى دكك مدينة الشيخ عثمان في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن) فلا مأوى يأويه ولا فراش، ولا غطاء يستره، فهو يلتحف السماء في هذه المدينة.
وكعادته كل صباح يستيقظ مبكرًا وبجسمه النحيل يَجرّ عربته الصغيرة ويقف خلفها كل صباح ليبيع البصل الأحمر والبنادورا لمرتادي هذه السوق.
في حديثه لـ" عدن الغد يقول العم أحمد هو أبٌ لستِّ بناتٍ وثلاثة أولاد ويسكن في الحديدة في قريته (فواهة) ولكن الحرب أجبرت أسرته للمغادرة من منطقتهم، فأولاده غادروا صوب محافظة تعز (شمال اليمن)، وهو نزح إلى محافظة عدن.
ويقول:" إن الحرب فرقت شمل أسرته التي كانت نواة واحدة تعيش تحت سقف واحدٍ.. ويكابد الحياة من أجل توفير لقمة العيش لأسرته، بالعمل في مهن شاقة رغم كبر سنه بأجر زهيد، في البلد الذي يعاني من تداعيات الحرب القاسية، منذ نحو تسع سنوات، وكل ما يدخره من مالٍ من العمل يقوم بتحويله إلى أولاده النازحين في تعز.. بحسب قوله.
مهنة بيع البطل والبنادورا
ويعمل في بيع البصل الأحمر والبنادورا وهي مهنة متعبة تتطلب جهدا بدنيا شاقا وخبرة وتجربة حيث يظل واقفا طوال ساعات العمل التي تصل إلى 8 ساعات مقسمة على فترتين صباحية ومسائية في سوق الخضار والفواكه بالشيخ عثمان ويجني نحو 2000 إلى 3000 آلاف ريال يمني في عمل يومي لا يناسب سنه، لكن دافع مكافحة العوز والفقر والجوع يقوي عزيمته.
العمل بالكد والتعب
بصوتٍ مليء بالحسرة يقول أنه كان مستور الحال في قريته (فواهة)؛ لكن منذ اندلاع الحرب، صار يعمل بكدٍّ وتعب كل يوم، وذلك هو الخيار الوحيد لتوفير أدنى ما يسد احتياجات أسرته النازحة. ولا يعرف العطل أو الراحة أبدا، واليوم الذي يعمل فيه يأكل وبالكاد... والذي لا يعمل فيه يصبر على جوعه، ومع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في مدينة عدن الساحلية يسعى للهروب من قيض الصيف بالاحتماء من أشعة الشمس بأحد مباني السوق الذي يعمل فيه.
من أين لنا المال.
يصمت برهة و يشبك العم بين أصابعه ويتساءل قائلاً :" من أين لنا المال إذ لم نعمل، ومن الذي سينفق عليك وأنت قاعد في البيت؟!" و يُشير إلى أنه كان في حالٍ أفضل "نسبيًّا"، عندما كانت أسرته تستلم، كل شهرٍ أو شهرين، سلةً غذائيةً ، مقدمة من برنامج الغذاء العالمي، التي بالكاد كانت تسد رمق أسرته النازحة في تعز، لافتًا في الوقت ذاته، إلى أنه لم يتسلم أية مساعدات مالية أو إغاثية في مدينة عدن.
ويعكس الوضع الذي يعيشه العم (أحمد)، مدى تأثر ملايين اليمنيين جراء تقليص الأمم المتحدة دعمها الإغاثي لليمن، في ظل الحرب المدمّرة التي تمضي في عامها التاسع.
الصراع مع الحياة
العم (أحمد) ليس أفضل حالا من العمال الذين يجلسون على بعد أمتار من المكان الذي يقف فيه.. يقف طابور من العمال على الرصيف (حراج العمال)، كثير منهم مسنون، في انتظار فرصة عمل يومية، يسدون بها رمق جوعهم وإعالة أسرهم .
يصارعون من أجل العيش الكريم في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة التي أفقدت الريال اليمني قيمته وحوَّلت الكثير من اليمنيين إلى عاطلين عن العمل وتحت خط الفقر المدقع.
العم أحمد نموذج للمعاناة
وطال تأثير الحرب في اليمن كل فئات وشرائح المجتمع، بمن فيهم كبار السن، إذ يضطر كثير منهم إلى العمل في مهن شاقة، لإعالة أسرهم وتأمين قوت يومهم.
ويعاني اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم مع حاجة 80% من السكان إلى المساعدات الإنسانية والحماية، كما أن 10 ملايين شخص على عتبة المجاعة، وسبعة ملايين يعانون من سوء التغذية، وفقًا لإحصاءات عن الأمم المتحدة في أغسطس/ آب 2020م وفي منتصف يوليو/ تموز 2020م حذرت الأمم المتحدة من مجاعة محتملة في اليمن.
وشهد اليمن موجات نزوح نتيجة الحرب، فحين اندلع القتال داخل محافظة الحديدة نفسها منتصف 2018، لا سيما في مركزها، مدينة الحديدة، ومحيطها، لجأ العديد من السكان الذين فروا من منازلهم إلى أماكن أخرى في المحافظة. لم يقتصر النزوح عليهم فقط إذ في بعض الأحيان نزح سكان آخرون في المحافظة من مناطقهم بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات. أوائل عام 2021م بلغ العدد الإجمالي للنازحين الذين يحتاجون إلى المعونة الإنسانية في الحديدة 425,059، مع اعتبار أن 40٪ منهم يواجهون ظروفًا "كارثية".
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
يتّفق المحللون الإسرائيليون على أنّ المذكرةَ التي قدّمها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار إلى المحكمة العليا، (أعلى سلطة قضائية)، وما تضمّنته من اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستعمّق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتنعكس مباشرة على مسار مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزّة.
لا جدال حول ما يعيشه نتنياهو اليوم من لحظة تقييم حقيقية، بعد أن حصل في السابق على تفويض غير مشروط لتصعيد الحرب من أجل استعادة الأسرى، وتحقيق أهداف عسكرية، دون أن ينجح فعليًا في أي منها.
لم تهدأ الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولم تستكن تلك الاحتجاجات الملونة في دعواتها، التي تبدأ بالدفع بالحكومة نحو إبرام صفقة الأسرى مع حركة حماس ووقف النار، ولا تنتهي عند حالات التمرّد داخل المؤسسات العسكرية، والتي شكّلت حالة "توترية" مستحدثة سببتها تلك الرسالة العلنية التي نشرها نحو ألف من أفراد سلاح الجو الإسرائيلي في 10 أبريل/ نيسان الجاري، والتي تدعو إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب.
لا شكّ أن الداخل الإسرائيلي يشهد على اهتزازات، لم تعهدها الدولة العبرية في تاريخها، حيث وصلت الحال بزعيم المعارضة الإسرائيلي، يائير لبيد، في تصريحات أطلقها، الأحد 20 أبريل/ نيسان الجاري، إلى حدّ التحذير من أن هناك كارثة ستبدأ من الداخل الإسرائيلي "نتيجة التحريض المستمر"، محملًا رئيسَ جهاز الأمن المسؤولية عن "الفشل في التعامل مع هذه التحديات".
إعلانكما أضاف لبيد، أنه "وفقًا لمعلومات استخباراتية، نحن مقبلون على كارثة وهذه المرة ستكون من الداخل". ما دام أن جميع المعطيات تتقاطع حول موضوع الانهيار الداخلي الإسرائيلي، فلمَ لم يحصل إذًا؟
عقبات كثيرة تقف عائقًا أمام استمرارية حكومة نتنياهو، وإشكاليات تطرح عليها من الداخل والخارج، وهذا ما برزَ بعد استئناف حربه على قطاع غزة، حيث تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تصاعد الضغوط داخل الحكومة على رئيسها، لاتخاذ قرار باحتلال كامل قطاع غزة، في ظلّ مخاوف رئيس الأركان الجديد إيال زامير من الثمن العسكري لمثل هذه الخطوة.
يشير أغلب التقارير إلى أن إطالة أمد الحرب في المنطقة، يصبّ في صالح توفير الحماية لنتنياهو، الذي تحيط به ملفات مشبوهة. هو الذي مثَلَ في مارس/ آذار الماضي أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، للردّ على اتهامه بالتورط في فساد وتلقّي رِشا.
كُشفت نوايا نتنياهو من خلال إفشال مسارات التفاوض، ومن الذهاب إلى الخيار العسكري، ولكن الذي ما يزال غامضًا، هو الموقف الأميركي (اللين) تجاه نتنياهو، ورفضه المقترحات التي قدّمها الأميركي لحلّ الأزمة في المنطقة.
هذا (التراخي) الأميركي تجاه نتنياهو، قابله صرامة وصلت إلى حدّ "البهدلة" بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض عقب لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 28 فبراير/شباط الماضي.
لا يوفّر ترامب مناسبة إلا ويتهجم فيها على زيلينسكي، لا بل ذهب بعيدًا في مواقفه، عندما عرض عليه الأربعاء 23 أبريل/ نيسان الجاري، ورقة "الذل" لإنهاء الحرب، طالبًا منه الموافقة على التخلي عن شبه جزيرة القرم، من خلال أخذ كييف إلى الاعتراف بملكيتها لروسيا. لا يتوقف الموضوع عند فرض الاستسلام على كييف، بل ذهب بعيدًا في المطالبة بالاستيلاء على الموارد النادرة في أوكرانيا. رغم أن ترامب أطلق في حملاته الانتخابية مواقف حاسمة تتعلق بإنهاء حالة الحرب في كل من القطاع وأوكرانيا.
إعلانلا مصالح لأميركا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بل على العكس هناك مكاسب لها تستطيع أن تستغلها لصالح سياساتها في الشرق الأوسط. يفتّش ترامب عن صادقات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كيف لا وهو يجد في أوكرانيا تسوية كبرى ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط.
إنّ جلّ ما يريده الرئيس الأميركي من روسيا ممارسة المزيد من الضغط على حليفتها إيران للتوصل إلى تسويات في المنطقة، بهدف إبعاد شبح الحرب معها.
أفصح نتنياهو عن "تهديد وجودي" يداهم إسرائيل من خطورة التسوية التي تقودها أميركا مع إيران، ورفع من مستوى خطابه تجاه إيران. فعبّر قائلًا الأربعاء 23 أبريل/ نيسان، إن "إيران تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وخطرًا على مستقبلها"، مؤكدًا عزم حكومته على مواصلة التصدي لما وصفه بـ"الخطر الإيراني" حتى لو اضطرت إسرائيل للتحرك بمفردها".
هذا السقف العالي من التهديدات تحتاجه إدارة ترامب، كي تستغلّه لفرض شروطها في المفاوضات مع الجانب الإيراني. وبهذا يتبلور ما تخطط له واشنطن في المنطقة، بعيدًا عن التوجّسات الإسرائيلية، مستغلة تهديدات نتنياهو تجاه إيران.
إنّ زيارة وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إلى الرياض، السبت 19 أبريل/ نيسان الجاري، وإعلانه عن "طريق مشتركة" لاتفاق نووي مدني مع السعودية، دليل واضح على ما تراه الإدارة الأميركية للمرحلة القادمة في المنطقة، ودليل إضافي على أن النظرة الأميركية تختلف كل الاختلاف عن نظرة نتنياهو.
في السبعينيات، قام نيكسون ووزير خارجيته في حينها "هنري كيسنجر" ببلورة مبادئ ما سُمي "سياسة الركيزتين" ووقتها الخطة استهدفت ضمان استقرار إقليمي، ووفرة النفط ومساعدة متبادلة ضد النفوذ السوفياتي، بينما اليوم تتوجه ضد النفوذ الصيني.
وقعت المملكة مع الولايات المتحدة على اتفاقية المادة 123 التي تطرق إليها قانون الطاقة النووية الأميركية من العام 1954، والذي يسمح لواشنطن بنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى. قد تهدف واشنطن من هذا الاتفاق إلى خلق تقاربات إقليمية تعتمد على ركائز متنافسة، بدل اللجوء إلى خيار الحروب المباشرة، التي يحتاجها نتنياهو.
إعلانليس صحيحًا أن يد نتنياهو مطلقة التصرف، بل الأصح هو أن لواشنطن حساباتها في المنطقة، وأن نتنياهو أصبح أداة تدار من قبل الإدارة الأميركية، التي تتصرف بما ينسجم مع مصالحها.
فنتنياهو يدمر غزة لأجل تحقيق الممر الاقتصادي الهندي، وبناء "ريفيرا الشرق"؛ تمهيدًا لفتح الاستثمارات الأميركية تحديدًا الخدماتية والسياحية.
لهذا لن يتخلَّى ترامب في المدى المنظور عن نتنياهو، ولن يُسمح للداخل الإسرائيلي بالتهور وأخذ الأمور نحو الانهيار، ما دام لم تُرسم المنطقة بحسب مع تريده واشنطن، ولم يزل النظام الدولي يرسم أطره العامة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline