غزة- "عذبونا وبهدلونا وسرقونا"، ترددت هذه الكلمات ومرادفاتها على ألسنة عمال فلسطينيين لدى وصولهم إلى الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي قطاع غزة، وقد أطلقت إسرائيل سراحهم اليوم الجمعة بعد احتجازهم في ظروف قاسية لنحو 3 أسابيع.

ونقل جيش الاحتلال آلافا من عمال غزة في حافلات إلى المعبر الواقع عند نقطة التقاء الحدود المصرية الإسرائيلية مع القطاع بعدما كانت قد اعتقلتهم من أماكن عملهم في الداخل المحتل إثر اندلاع الحرب التي أعقبت "معركة طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبدا العمال المطلق سراحهم في حالة يرثى لها وإعياء شديد جراء ظروف احتجازهم القاسية والتعذيب الشديد الذي تعرضوا له على مدار الأسابيع الماضية، وتعالى البعض منهم على الآلام والمعاناة، وسجدوا على أرض غزة وألسنتهم تلهج بالحمد والشكر لله.

عمال ينتظرون رفاقهم الذين أطلق الاحتلال سراحهم عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي قطاع غزة (الجزيرة) العامل الشهيد

وقال أطباء في وزارة الصحة ومسؤولون في "هيئة المعابر والحدود" إن العمال المفرج عنهم وصلوا إلى غزة في حالة يرثى لها، وقد بدت على أجسادهم آثار التنكيل إثر تعذيب شديد تعرضوا له خلال فترة احتجازهم لدى جيش الاحتلال الذي لم يكتف بذلك، بل وسرق أموالهم وهواتفهم المحمولة ووثائقهم الشخصية.

واستدعت الحالة الصحية الصعبة نقل عدد من العمال إلى مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح، وبحسب مدير الإعلام في معبر رفح البري وائل أبو عمر فإن العامل منصور نبهان ورش آغا من سكان بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع استشهد جراء اعتداء قوات الاحتلال عليه وضربه قبل ترحيله مع بقية العمال.

ويقدر عدد العمال المفرج عنهم بنحو 3200 عامل من بين 18 ألفا و500 عامل لم يكونوا جميعهم في إسرائيل وقت اندلاع الحرب لتوقف أعمالهم بسبب "الأعياد اليهودية".

وقال مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي (الكابينت) في بيان مساء أمس الخميس إن "عمال غزة الذين كانوا في إسرائيل يوم بدء الحرب سيعادون إلى غزة، وإن إسرائيل تقطع كل الصلات مع غزة، ولن يكون هناك عمال فلسطينيون من غزة".

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فقد كان عمال غزة محتجزين في قواعد تابعة للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ القرار الذي أعلنه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي قضى بإلغاء جميع تصاريح عمال غزة.


"عاملونا كحشرات"

بكلمات غير مترابطة وبنبرة يكسوها الكثير من القهر قال العامل الخمسيني بسام نصر للجزيرة نت "اتبهدلنا.. عذبونا وجوعونا"، وقد بدا ذلك على هيئته الرثة وملابسه المتسخة، ووفقا له فإن جيش الاحتلال تعمد تجويعهم وحرمهم من الاستحمام طوال مدة احتجازهم.

وعاد نصر إلى غزة من دون نجله (16 عاما) الذي كان يرافقه بالعمل، حيث لا يزال مصيره مجهولا، واعتقلتهما قوات الاحتلال معا، وتعرضا لتعذيب شديد وتحقيق قاس بهدف الحصول على معلومات عن فصائل المقاومة في غزة، خاصة حركة حماس ونشطائها ومواقعها.

3 أسابيع رهن الاحتجاز في قاعدة تابعة لجيش الاحتلال وصفها نصر بأنها "الأسوأ في حياته"، وقال "تعاملوا معنا كحشرات، يلقون إلينا بالقليل من الطعام، ويحرموننا النوم والراحة، وآخر المطاف سرقوا أموالنا وكل شيء معنا".

وطوال هذه الفترة لم يكن العمال المحتجزون على دراية بمجريات الحرب على غزة، ووفقا لنصر "كنا معزولين عن العالم، لا نعلم أي شيء عما يدور خارج أسوار السجن، والآن وقد وصلنا إلى غزة وعرفنا حجم الجرائم لا أعلم إن كانت أسرتي على قيد الحياة أم بين الشهداء".

وتقطن أسرة نصر (70 فردا) في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، وهو أحد أكثر الأحياء التي شهدت مجازر مروعة نتيجة غارات جوية عنيفة راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى.

العامل بسام نصر يشرح أساليب التعذيب في قواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي (الجزيرة) تعذيب جسدي ونفسي

منذ اللحظة الأولى لاعتقال نصر وعمال غزة قيدهم جيش الاحتلال من أطرافهم ووضع عصبات على عيونهم، ومارس ضدهم صنوفا من التعذيب الجسدي والنفسي.

وعن قرار الإفراج عنهم قال نصر "بعد منتصف الليل كبّلونا وعصبوا عيوننا على أساس نقلنا إلى سجن آخر، وبعد ساعات من المعاناة والقلق داخل الباصات فوجئنا بأننا على معبر كرم أبو سالم، وأمرونا بالسير نحو غزة".

مشى العمال نحو كيلومترين على أقدامهم للوصول إلى الجانب الفلسطيني من المعبر، لكن الإعياء الشديد لم يسعف العامل ضياء زعرب لتقدير المسافة، وقال للجزيرة نت "مشينا 5 كيلومترات، كانت أجواء مرعبة طوال الطريق وحتى الوصول إلى غزة".

واعتقلت قوات الاحتلال زعرب من عمله في اليوم الرابع للحرب على غزة، وخلال 3 أيام متواصلة "لم يتوقف التعذيب الشديد، من دون معرفة السبب، تعذيب لا يحتمله بشر، مع تربيط ليلا ونهارا".

وخلال هذه الأيام لم تقدم قوات الاحتلال لزعرب ورفاقه من العمال سوى القليل من الماء ووجبات طعام صغيرة ورديئة، وبحسب العامل فؤاد النونو "رمونا تحت الشمس نهارا وفي البرد ليلا بدون أغطية، ولم يقدموا لنا الأغطية والفراش والطعام إلا بعد مرور 5 أيام".

وتركز التحقيق مع زعرب وغيره من العمال على فصائل المقاومة ومنصات إطلاق الصواريخ وما توصف بـ"شبكة الأنفاق" ونشطاء وقادة حركة حماس، وطوال التحقيق الذي تخلله "التعذيب بالكرسي الكهربائي" لم يكن على لسانه سوى "إحنا عمال ولا نعرف شيئا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الاحتلال جیش الاحتلال عمال غزة إلى غزة

إقرأ أيضاً:

الاتجاه المعاكس يتساءل.. أين أصبحت القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟

وتساءل مقدم البرنامج فيصل القاسم عمّا إذا كان هذا الهجوم قد أعاد الحياة للقضية الفلسطينية التي كادت أن تُنسى، مشيرًا إلى التفاعل العالمي مع العلم الفلسطيني والتظاهرات المؤيدة في مختلف العواصم. لكنه في المقابل، أثار تساؤلات عن الأضرار التي لحقت بقطاع غزة ومستقبل المقاومة.

وقال اللواء الدكتور فايز الدويري إن "طوفان الأقصى" أعاد الحياة للقضية الفلسطينية التي كانت في مرحلة النسيان، خاصة في أجندات الدول العربية والدولية.

وأوضح الدويري أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان له تأثير عميق في إحياء القضية الفلسطينية، فقد أصبح موضوع فلسطين حديث الجميع، بعدما كادت قضيته تندثر وسط أولويات السياسة الإقليمية والدولية.

وأشار اللواء الدويري إلى أن بروز التيار اليميني المتشدد في إسرائيل، الذي يمثله الوزيران الإسرائيليان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، أسهم في فضح السياسات الإسرائيلية التوسعية، فقد أصبحت الخرائط المعلنة تشمل أجزاء من الدول العربية.

وأضاف أن القضية الفلسطينية تُبرز صمودها أمام هذه السياسات الاستيطانية، بما يعيد التأكيد أنها قضية وطنية وليست مجرد نزاع سياسي.

ورغم إشادته بهذا الإحياء، أكد الدويري أن التحديات التي تواجه المقاومة كبيرة، إذ كانت التوقعات الأولية تشير إلى أن الحرب لن تستمر أكثر من 3 أشهر، غير أن الرهان على الدعم العربي لم يتحقق، مما جعل المقاومة تواجه ظروفًا أصعب.

وأشار إلى أن النضال الفلسطيني يجب أن يستمر، ففلسطين لن تقبل القسمة وستبقى عربية، ما دام هناك إصرار على إبقاء شعلة المقاومة مشتعلة.

أهداف مبالغ فيها

في المقابل، اعتبر الباحث في الشأن السياسي نضال السبع أن فكرة إحياء القضية الفلسطينية مبالغ فيها، مؤكدًا أن القضية لم تكن في حالة موت حتى يعاد إحياؤها، فهناك أكثر من 11 مليون فلسطيني يطالبون بحقوقهم، وذلك يُثبت أن القضية ما زالت حية.

وأضاف أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والقيادات الفلسطينية تحدثت عن أهداف كبيرة عقب "طوفان الأقصى" مثل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ورفع الحصار عن غزة، لكن لم يتحقق شيء من هذه الأهداف، وفق تعبيره.

وانتقد السبع سقف التوقعات العالي الذي رفعته حركة حماس، حيث تضاءلت الطموحات إلى مستويات تتعلق بإدخال مواد غذائية وأدوية فقط إلى قطاع غزة.

ورأى أن الوضع الحالي يعكس حالة من التراجع، فقد أصبحت المقاومة تواجه مصاعب اقتصادية وإمدادات ضعيفة، وذلك يجعل صمودها أمام التحديات أمرًا صعبًا.

وفي تحليله للواقع، رأى السبع أن هناك حاجة إلى إعادة قراءة شاملة للمشهد بعيدا عن الشعبوية، معتبرا أن الحالة الراهنة لا تمثل انتصارا للمقاومة بل تُشكل هزيمة كبرى تفوق هزائم تاريخية سابقة، مثل هزيمة 1948 وهزيمة 1967، كما وصفها.

ودعا إلى ضرورة التحلّي بالواقعية والتفكير في السبل التي تعزز مقومات الصمود داخل قطاع غزة.

واستعرض الضيوف ما وصفه بعضهم بالتلازم بين مسارات متناقضة، فقد أشاد اللواء الدويري بقدرة المقاومة على إبقاء القضية الفلسطينية في الواجهة رغم الظروف الصعبة، أما السبع فأشار إلى أن القادة الفلسطينيين بحاجة إلى إعادة تقييم أهدافهم وإستراتيجياتهم في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المعقدة.

وبينما استمر النقاش بين الدويري والسبع، طرح القاسم تساؤلات عن مدى قدرة المقاومة الفلسطينية على مواجهة التحديات الحالية، ودور الدول العربية في تقديم الدعم للقضية الفلسطينية.

12/11/2024

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ405 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • فوضى بوزارة حرب الاحتلال.. استقالات وإقالات منذ عملية طوفان الأقصى (صور)
  • تكريم خريجي دورات “طوفان الأقصى” من موظفي الوحدة
  • ضباط كبار بالجيش الإسرائيلي يعلنون استياءهم بسبب تحقيقات "طوفان الأقصى"
  • يحيى السِّنوار (أبو إبراهيم) .. نور الوعد واليقين
  • تطورات اليوم الـ404 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • الاتجاه المعاكس يتساءل.. أين أصبحت القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟
  • ضمن معركة "طوفان الأقصى".. 20 عملاً مقاوماً في الضفة الغربية خلال 24 ساعة
  • ما الذي سيتغير مع عودة ترامب؟ مآلات طوفان الأقصى واتجاهات السياسة الأمريكية
  • تطورات اليوم الـ403 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة