عربي21:
2024-09-19@06:13:16 GMT

العائلة الديمقراطية التونسية وطوفان الأقصى

تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT

يعلم المُطّلعون على الشأن التونسي أن وراء التقسيمات التقليدية للفاعلين السياسيين (يمين/ وسط/ يسار أو قوميين/ شيوعيين/ إسلاميين.. إلخ) يوجد تقسيم أعمق عملت "القوى الديمقراطية" -أو لنقل عمل ورثة المخلوع وحلفاؤهم في اليسار الوظيفي- على ترسيخه في تونس قبل الثورة وبعدها بدعم ممنهج من الآلة الدعائية الخاضعة للمنظومة القديمة إيديولوجيا وماليا.



فالحياة السياسية والنقابية والجمعياتية كانت وما زالت تقوم على تقابل جوهري بين "الديمقراطيين" و"الإسلاميين" بمختلف تشكيلاتهم الحزبية ومدارسهم الفكرية، مهما تباينت مواقف هؤلاء من "الديمقراطية" ذاتها. وبحكم تحكّمهم في المجال العام وسيطرتهم على أجهزة الدولة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، نجح "الديمقراطيون" التونسيون بعد الثورة في تنصيب أنفسهم خصما و"حكما" في الصراع السياسي الذي أوجده الانكسار البنيوي للمنظومة "الاستبدادية"، والذي أسفر عن دخول حركة النهضة فاعلا مركزيا في الحقل السياسي القانوني ومنافسا قويا في تمثيل الإرادة الشعبية وإدارة الشأن العام.

ليس هدفنا في هذا المقال أن نبيّن تهافت مقولة "العائلة الديمقراطية" من جهة تاريخها وأدبياتها ومواقفها التي لا تشهد على ديمقراطيتها -قبل الثورة وبعدها- إلا بالقدر الذي يشهد به طوفان الأقصى على إنسانية الغرب وأخلاقيته وعُلوية القانون الدولي أو حرمة دماء العرب والمسلمين عنده، ولكنّ هدفنا هو البحث -في بياناتها الرسمية- عن تأثيرات "طوفان الأقصى" في سردية تلك العائلة من جهة علاقتها بشركائها في الوطن (خاصة من تُسميهم "إخوان تونس")، وكذلك علاقتها بحلفائها الاستراتيجيين في محور الثورات المضادة والتطبيع العربي بقيادة الإمارات والسعودية وعلاقتها بالغرب وسردياته الإنسانوية والتحديثية والحقوقية التي أثبتت الأحداث زيفها، خاصة لدى "الصديق الفرنسي" الذي كان وما زال مرجعَ المعنى وقبلته عند أغلب النخب التونسية بمختلف مرجعياتها الأيديولوجية.

قد يعترض علينا معترضٌ بأن طرح الموضوع في هذا السياق شبه "الإجماعي" على نصرة المقاومة هو ضرب لوحده الصف أو إضعاف لمحور "المقاومة". فما فائدة أن نذكر مثلا بموقف أغلب "الديمقراطيين" من حركات الإسلام السياسي "الإخواني" بما فيها حماس في إطار صراعهم ضد حركة النهضة؟ وماذا سنربح عندما نذكر بموقف "الديمقراطيين" من الانقلاب العسكري المصري واعتباره "ثورة تصحيحية"؛ رغم محاكمته "الإخوان" بتهمة التخابر مع حركة حماس؟ وما هي فائدة التذكير بعلاقة أغلب "الديمقراطيين" بفرنسا وبمحور الثورات المضادة وعرّابي صفقة القرن من جهة التمويل والدعم السياسي؟

إنها أسئلة مشروعة في الظاهر، ولكنها أسئلة مغالطية لأنها تفترض وجود "طفرة" تبرر تعديل المواقف بصورة "إعجازية" وتمنعنا من التشكيك فيها، والحال أن منطوق تلك المواقف وروحها ما زالا في موضعهما الأصلي. فالمواقف المناصرة للمقاومة "الإسلامية" لا تعكس أية مراجعات جذرية لعلاقة "الديمقراطيين" بالإسلام السياسي أو بفرنسا أو بمحور الثورات المضادة، أي لا تعكس أي مراجعات للعقل السياسي الذي كان وراء المواقف الواردة في الاعتراض أعلاه.

رغم أن البحث عن مراجعات صريحة طي المواقف الفردية أو البيانات الجماعية هو ضرب من المزايدة التي ننزّه أنفسنا عنها، فإن إمعان النظر في مواقف القوى الديمقراطية التونسية (بأحزابها ونقاباتها ومجتمعها المدني) قد يوقفنا على وجود توجّه نحو المراجعة أو غياب ذلك التوجه. لو بحثنا في بيانات "المساندة" فإننا نكاد لا نعثر على تسمية لحركة حماس أو الجهاد الإسلامي، وسنجد "تعويما" للمقاومة في مفردات عامة ومحاولة لإدخال "بقية الفصائل الفلسطينية" في خط المقاومة الفلسطينية، ولن نجد أية إدانة لنظام التنسيق الأمني الفلسطيني بقيادة محمود عباس. فإذا كان من مصلحة الكيان الصهيوني اختزال "المقاومة" (أو ما يسميه "إرهابا") في حركة حماس لمزيد عزلها دوليا وعربيا، فإن من مصلحة "القوى الديمقراطية" أن تغيّب هذه الحركة في الذكر لأنها تدرك جيدا حجم الإحراجات التي ستقع فيها والخسائر التي ستتكبّدها داخليا إذا ما طابق الوعي الجمعي في تونس بين "المقاومة" وبين "حماس الإخوانية".

لتجنّب إحراج الحلفاء في محور الثورات المضادة ومشروع التطبيع، فإن بيانات القوى الديمقراطية تتحدث عن "مكوّنات النظام الرسمي العربي" دون أي تمييز أو تفصيل، حتى يخيَّل لقارئ تلك البيانات أن الموقف التونسي أو الليبي أو القطري أو الكويتي مثلا هو الموقف نفسه الذي تبنّته الإمارات أو السعودية أو مصر أو الأردن أو البحرين أو المغرب وكل الدول المطبعة أو السائرة في طريق التطبيع.

ونحن نتفهم "حرج" من يسمون أنفسهم بـ"القوى الديمقراطية" لأن الجهر بـ"عمالة" محور التطبيع أو تصهينه سيفتح أبواب جهنم على "الديمقراطيين" التونسيين أنفسهم. أليس هؤلاء هم من وصفوا الربيع العربي بـ"الربيع العبري" ودعا الكثير منهم إلى تصنيف "حماس" حركة إرهابية وحرّضوا أبواقهم الإعلامية على ربطها بملف الإرهاب في تونس؟ أليس هؤلاء هم من صفقوا للانقلاب العسكري المصري ولحفتر ولكل المرتبطين استراتيجيا بمحور "التطبيع"؟ أليس هؤلاء هم من جعلوا كلمة "إخواني" (خوانجي) كلمة سيئة السمعة ومرادفة للا وطنية وللعمالة للإمبريالية والإرهاب؟ إنهم هم بلا شك، فكيف يستطيعون تبرير تحالفهم مع محور الثورات المضادة وهو عينه محور التطبيع الذي يتداعون الآن لمحاربته ونصرة أعدائه من "إخوان" حماس؟

إن التخفف من "حماس" أو المقاومة الإسلامية بصورة عامة في ملفوظات البيانات يعكس مقدار الحرج الذي وضع فيه طوفان الأقصى "القوى الديمقراطية" التونسية، بل العربية بصفة عامة. وآية ذلك البيان "العربي" المشترك الذي أصدرته أحزاب بعض الأحزاب "الديمقراطية" عقب طوفان الأقصى. فكل ما ذكرنا أعلاه في شأن "القوى الديمقراطية التونسية" يصح بصورة شبه كاملة على "القوى الديمقراطية العربية" الممضية على بيان مساندة للمقاومة (16 حزبا من تونس والمغرب وموريتانيا والكويت وفلسطين والأردن والسودان ومصر). فكل هذه الأحزاب لم تذكر حماس ولا الجهاد الإسلامي بالاسم، ولم تنتقد الأنظمة المطبّعة (ما عدا إحالة يتيمة إلى النظام المغربي)، واكتفت بإدانة عامة لصمت الأنظمة العربية وتواطؤها (دون أدنى إشارة لنظام عباس أو الإمارات أو السعودية أو مصر أو الأردن ودور هذه الأنظمة في خدمة الكيان الصهيوني وتبييض أجنداته في الإقليم).

قد يكون من اللا مفكر فيه عند أغلب القراء اعتبار موقف "القوى الديمقراطية" التونسية من "طوفان الأقصى" مجرد موقف انتهازي لا علاقة له بالمبدئية. وقد يجد القارئ ما يبرر به ذلك من مثل مناصرة هؤلاء للمقاومة قبل الثورة، أي في زمن التطبيع الجزئي بين المنظومة القديمة والكيان الصهيوني. ونحن لا ننكر ذلك، ولكننا نذكّر فقط بأنّ الأطروحات "الديمقراطية" التي تعتبر حماس أو الجهاد حركات تحرير وطني، لا تتردد في إعلان رفضها للمشروع المجتمعي الذي تُبشر به الفصائل الإسلامية، وتضع أنفسنا في مواجهة هذه القوى بعد انتهاء مهمة التحرير. إنه صراع مؤجل يشتغل بآلية الإسقاط، فحماس هي حركة "النهضة الإخوانية" التي لا يمكن محاربتها الآن بحكم السياق الفلسطيني، ولذلك فإن الصراع معها مؤجل ولكنه حتمي.

يؤمن كاتب المقال بأن البراديغم السياسي (النموذج التفسيري) الذي يتحكم في بناء كل السرديات "الديمقراطية" التونسية هو ما يحدد المواقف الحالية سواء من جهة ملفوظاتها، أو من جهة ما يسكنها من مهمّش ومقموع أو مسكوت عنه. فاعتبار الإسلام السياسي (خاصة الإخواني) خصما لا شريكا في مشروع التحرير الوطني أو القومي هو أمر مؤثر في هندسة التحالفات الإقليمية والدولية، وهو ما يضع "القوى الديمقراطية" في حرج كبير عند كتابة بياناتها المساندة للمقاومة أو المدينة لمحور التطبيع.

فكيف يستطيع "الديمقراطيون" إدانة الإمارات أو السعودية أو مصر أو فرنسا بصورة صريحة وهم حلفاء تلك القوى في "محور الثورات المضادة"؟ وكيف يستطيع أولئك "الديمقراطيون" الاعتراف بأن حماس "الإخوانية" حركة تحرير وطني وهم يعتبرن الإخوان في الدول العربية عملاء للإمبريالية والصهيونية ويعتبرون خصومهم "وطنيين" وأصحاب "ثورات تصحيحية"؟ بل كيف يستطيعون التفكير في تغيير مواقفهم من الإسلام السياسي التونسي وغيره وهم يُفكرون بمرجعية لائكية فرنسية لا مكان فيها للإسلام حتى في المجال الخاص؟

إنها أسئلة قد يكون على أدعياء "الديمقراطية" في تونس وغيرها أن يفكروا فيها، أما "إخوان تونس" فقد يكون عليهم أن يعيدوا التفكير -بعد انتهاء الأزمة السياسية الحالية- في منطق "التوافق" مع منظومة الاستعمار الداخلي التي ليست إلا وكيلا للمصالح المادية والرمزية للقوى الصهيونية (خاصة متصهينة فرنسا والاتحاد الأوروبي) في تونس.

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي النهضة الإخواني حماس الفلسطينية فلسطين حماس تونس الإخوان النهضة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوى الدیمقراطیة طوفان الأقصى فی تونس من جهة

إقرأ أيضاً:

من خاشقجي إلى التطبيع: الأجندة الخفية التي تحرك السياسة الأمريكية

يواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مجموعة من الضغوط الأمريكية المستمرة التي تطالبه بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل. ففي حين تدفع الولايات المتحدة نحو "صفقة كبرى" من التطبيع، تبدو شروط المشاركة غير متوازنة، مما يترك المملكة العربية السعودية تتحمل الأعباء والمخاطر دون تحقيق مكاسب حقيقية على الأرض.

تكمن القضية الأساسية في عدم وجود تنازلات جوهرية من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل في هذه الصفقة المحتملة. على مر السنين، مارست الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة ضغوطا متواصلة على المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومع ذلك، نادرا ما كان هذا الضغط مصحوبا بإيماءات أو تنازلات ذات مغزى من الجانب الأمريكي أو الإسرائيلي. بدلا من ذلك، كان التركيز على استغلال الأحداث والاستفادة من اللحظات الجيوسياسية لدفع المملكة العربية السعودية نحو التطبيع.

وكان أحد الأمثلة الأكثر وضوحا على هذا الضغط هو المرحلة التي تلت اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. أثار القتل الشنيع، الذي وقع في القنصلية السعودية في إسطنبول، إدانة عالمية وفرض ضغوطا كبيرة على العلاقات السعودية الأمريكية. ومع ذلك، خلف الكواليس، أصبح هذا الحدث المأساوي أداة للضغط الأمريكي. وظهرت قضية أدوات الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية، مثل برنامج التجسس بيغاسوس التي استُخدمت لمراقبة خاشقجي وأصدقائه ورصد تحركاتهم.

حرب الإبادة المستمرة في غزة يزيد من تعقيد إمكانية التطبيع. فقد تعرضت الولايات المتحدة، باعتبارها حليفا قويا لإسرائيل، لانتقادات بسبب عدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في غزة. ويرى المجتمع العربي والإسلامي بمن فيه الشعب السعودي؛ في هذا تواطؤا في الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المعارض السعودي المقيم في كندا، عمر عبد العزيز، المقرب من الصحافي الراحل جمال خاشقجي، رفع في وقت سابق دعوى قضائية ضد شركة برمجيات إسرائيلية ساعدت السعودية على اختراق هاتفه الذكي، والتجسس على اتصالات جرت بينه وبين خاشقجي.

إن الآثار المترتبة على مثل هذه الاكتشافات متعددة الأوجه وتشير إلى أن الولايات المتحدة على علم بهذه العمليات السرية، واستخدمت هذه المعلومات الحساسة لمزيد من الضغط على المملكة العربية السعودية للتحالف مع إسرائيل، ولم تقتصر هذه الاستراتيجية على الخطاب الدبلوماسي بل شملت أيضا تحركات عسكرية ملموسة. على سبيل المثال، سحبت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا بطاريات الدفاع الجوي باتريوت من المملكة العربية السعودية، مما يشير إلى أن الحماية العسكرية الأمريكية مشروطة باستعداد المملكة العربية السعودية للتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل، فهذا الشكل من الابتزاز الدبلوماسي يسلط الضوء على التعقيدات والمخاوف الأخلاقية المحيطة بالدفع نحو صفقة كبرى.

بالنسبة لأولئك الذين يدافعون عن التطبيع، وخاصة من المنظور الأمريكي، يبدو الطريق إلى المستقبل واضحا وهو ترسيخ قبول إسرائيل في الشرق الأوسط كقوة مدمرة ومزعزعة للاستقرار، هذا الأمر الذي نشهده اليوم في غزة حيث لا تتوانى إسرائيل عن ارتكاب المجازر المتكررة بحق الشعب الفلسطيني هناك.

وعلاوة على ذلك، فإن حرب الإبادة المستمرة في غزة يزيد من تعقيد إمكانية التطبيع. فقد تعرضت الولايات المتحدة، باعتبارها حليفا قويا لإسرائيل، لانتقادات بسبب عدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في غزة. ويرى المجتمع العربي والإسلامي بمن فيه الشعب السعودي؛ في هذا تواطؤا في الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، وهي دولة تضع نفسها كوصي على أقدس موقعين في الإسلام وزعيمة في العالم الإسلامي، فإن تأييد صفقة مع إسرائيل بينما تمارس إسرائيل أبشع الجرائم التي شهدها هذا العالم في غزة سيكون محفوفا بالمخاطر السياسية. إن تصور التخلي عن القضية الفلسطينية -وهي قضية تتردد صداها بعمق في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي- يمكن أن يشعل اضطرابات داخلية كبيرة ويقلل من مكانة المملكة العربية السعودية الإقليمية والإسلامية.

المشاركات الدبلوماسية الأخيرة للمملكة العربية السعودية، والتي تتراوح من إصلاح العلاقات مع إيران إلى الملاحة بحذر في العلاقات مع تركيا وقطر، تظهر نهجا أكثر تنوعا وبراجماتية للدبلوماسية الإقليمية. في هذا السياق، فإن القفز إلى التطبيع مع إسرائيل دون استراتيجية محسوبة جيدا ودون تأمين تنازلات حقيقية سيكون متهورا
وهناك أيضا الحسابات الاستراتيجية الأمريكية الخفية. تشير الحقائق حول تورط الموساد في اغتيال خاشقجي وتداعياته على العلاقات السعودية التركية إلى طبقة أخرى من المناورات الجيوسياسية. من خلال عزل المعارضين السعوديين المتحالفين مع تركيا، يبدو أن الولايات المتحدة تدعم استراتيجية ضغط على السعودية ودفعها نحو التطبيع، وتحد أيضا من النفوذ الاستراتيجي لتركيا في المملكة. تخدم هذه الاستراتيجية المزدوجة المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء، من خلال تعزيز التحالفات والحد من العمق الاستراتيجي الذي قد تمتلكه تركيا في المملكة العربية السعودية.

لذلك، يجب على المراقب الحكيم أن يفهم الطيف الكامل للعلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فعلى مدى عقود من الزمن، لم تدعم الولايات المتحدة أمن إسرائيل فحسب، بل ضمنته بنشاط، ودمجتها كحليف أساسي في استراتيجيتها في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن أي تحرك نحو التطبيع ليس مجرد مصافحة دبلوماسية، بل هو إعادة تشكيل محتملة لتوازن القوى في المنطقة. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن مثل هذه الخطوة ستأتي بعواقب غير متوقعة. هل سيؤدي ذلك إلى خلاف داخلي بين السكان الذين قد ينظرون إلى الصفقة على أنها خيانة للتضامن الفلسطيني؟ هل ستثير رد فعل عنيف من الجهات الفاعلة الإقليمية، التي قد ترى هذا كاستراتيجية تطويق؟ أو، الأسوأ من ذلك كله، هل يمكن ينتهي أي دور إقليمي أو دولي سعودي بهذا التطبيع؟

إن سياق الشرق الأوسط الأوسع، الذي يتميز بالتحالفات المتغيرة والحروب الأهلية والصراعات بالوكالة، يضيف طبقات من التعقيد إلى عملية صنع القرار. إن المشاركات الدبلوماسية الأخيرة للمملكة العربية السعودية، والتي تتراوح من إصلاح العلاقات مع إيران إلى الملاحة بحذر في العلاقات مع تركيا وقطر، تظهر نهجا أكثر تنوعا وبراجماتية للدبلوماسية الإقليمية. في هذا السياق، فإن القفز إلى التطبيع مع إسرائيل دون استراتيجية محسوبة جيدا ودون تأمين تنازلات حقيقية سيكون متهورا.

وفي الختام، إنّ فكرة التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل محفوفة بالمخاطر بالنسبة للقيادة السعودية. إن استراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة في ممارسة الضغط، أحيانا من خلال المناورات العسكرية وأحيانا من خلال استغلال المعلومات الحساسة، تكشف عن أجندة أعمق وأكثر إكراها لا يجب أن تخضع له المملكة.

مقالات مشابهة

  • بتهمة التزوير.. حكم بسجن المرشح للرئاسة التونسية العياشي الزمال
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • قيس سعيد يتهم جهات أجنبية بالسعي لإفشال حركة التحرر الوطني في تونس
  • السنوار: المقاومة صامدة وطوفان الأقصى ضربة قوية للمشروع الصهيوني
  • (نص) رسالة رئيس حركة حماس يحيى السنوار إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • من خاشقجي إلى التطبيع: الأجندة الخفية التي تحرك السياسة الأمريكية
  • نص رسالة رئيس حركة حماس يحيى السنوار إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • قائد الثورة يتلقى رسالة خاصة من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (تفاصيل)
  • ما بعد الإسلام السياسي بين مآلات الربيع العربي وتداعيات طوفان الأقصى؟
  • الكتلة الديمقراطية: ندين القصف العشوائي الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر