لعل مما يمكن الاستفادة منه في ظل معركة طوفان الأقصى القائمة اليوم هو التشابه الكبير، من حيث البواعث والآثار، مع هجوم الشمال القسنطيني، ذلك أنه بعد اندلاع الثورة التحريرية تركزت الفاعلية في الأوراس أكثر فتوجه لها جيش الاحتلال لاستئصالها، كما أن الشعب الجزائري لم يكن قد اندمج كلية وفي مختلف أنحاء الوطن مع الثورة، وكان الجدال داخل الحركة الوطنية

لم يحسم بعد بين أنصار مصالي الحاج الذي كان يفضل المفاوضات وشباب جبهة التحرير الوطني الذين اختاروا السلاح، علاوة على أن القضية الجزائرية لم تكن قد وصل زخمها إلى الساحة الدولية، فعالج الثوار الجزائريون كل هذا بعملية موجعة وشاملة ومذلة ضد الاحتلال تمثلت في الضربة القوية التي وجهت له في مواقع عدة بكل الوسائل وفي كل الاتجاهات في عدد من الولايات انطلاقا من ولاية سكيكدة تحت القيادة البطل الشهيد زيغود يوسف، سواء باستهداف الجنود ومراكز الشرطة والجيش، أو صوب المعمرين في المزارع التي أخذوها سابقا من أهلها الأصليين، فكان رد فعل الجيش الفرنسي شديد العنف في حق المدنيين من حيث أنه لم يجد أين يضرب الثوار الذين كانوا بالنسبة إليه في ذلك الوقت كالأشباح فأفرغ جام غضبه على السكان.



ورغم التضحيات في صفوف المدنيين التي بلغت 12000 شهيد حققت العملية أهدافها بكسر الحصار على الأوراس وتعميم الثورة في كامل التراب الوطني وبتعمق إيمان الشعب بالثورة والتحامه بها، وحسمت تلك الجومات المرجعية الشعبية لصالح جبهة التحرير الوطني، وارتفت معنويات المجاهدين، وبدأت السلطات الاستعمارية تشعر بأن فكرة “الجزائر الفرنسية” أمام خطر وجودي، كما انتبه الأشقاء العرب إلى جدية الأحداث الثورية في الجزائر فشرعوا في دعمها بفاعلية وأخذ المعسكر الشرقي آنذاك وأحرار العالم، حتى في البلاد الغربية، يراهنون على الثورة كمعطى جديد سيساهم في إضعاف الامبريالية الغربية، فاستحق ذلك اليوم المبارك 20 أوت 1955 أن يسمى يوم المجاهد.

إن هذه المعطيات والتحولات التي نتحدث عنها هي ذاتها التي تعيشها القضية الفلسطينية، قبل طوفان الأقصى وأثناءه، وسيكون ذلك بعده بحول الله، وأرجو أن يسمى هذا اليوم يوم المقاومة. لقد كانت القضية الفلسطينية تراوح مكانها بحصار غزة مع محاولة الكيان الإسرائيلي جعل كتائب عز الدين القسام ومعها كتائب الفصائل الأخرى مجرد جيش لحماية غزة التي لا يريد الصهاينة أصلا إعادة احتلالها قبل الطوفان الذي صُب عليها يوم 7 أكتوبر، وكانت المستوطنات تتوسع في الضفة  الغربية حيث تجثم سلطة أوسلو على صدور الفلسطينيين وتشتغل لصالح الاحتلال وتخون المقاومة بواسطة التنسيق الأمني، والإعتداءات على المسجد الأقصى لا تتوقف، وتهويد القدس على قدم وساق، وفلسطينيو 48 يعيشون تحت ظل الفصل العنصري، ومنظمة التحرير تواصل ادعاء تمثيل الشعب الفلسطيني رغم فقدان شرعيتها باستمرار اعتمادها على المفاوضات ومعاداة فصائل المقاومة، والحكومات العربية تسارع إلى التطبيع مع الكيان، أو إلى اعتبار القضية الفلسطينية قضية فلسطينية لا تعنيهم كثيرا، بل تمثل بالنسبة لبعضهم عبئا  يجب وضعه على الهامش وتسليمه للمخططات الصهيونية والغربية.

لا شك أن النضال الفلسطيني لم يتوقف منذ النكبة وما سبقها، فرغم هزيمة الجيوش العربية عام 1967، والنصر الذي لم يكتمل  في حرب اكتوبر 1973 والذي تم الالتفاف عليه بالتطبيع المصري في كامب ديفيد، واجتياح الصهاينة لبنان عام 1982 لتصفية منظمة التحرير، استطاع الفلسطينيون أن يأخذوا أمرهم بيدهم في الانتفاضة الأولى عام 1987 التي برزت فيها حركة حماس.

وبعد إدخال القضية الفلسطينية في النفق المظلم لاتفاقيات أوسلو عام 1993 من أجل  القضاء على روح الانتفاضة عاود الفلسطينيون الكرة في انتفاضة الأقصى المسلحة عام 2000، ومنذ ذلك الوقت نشأ صراع كبير على مرجعية الشعب الفلسطيني بين حركة حماس ومنظمة التحرير التي  اعترفت بإسرائيل وتركت عمليا المقاومة وصارت تتآمر عليها بواسطة التنسيق الأمني، إلى أن حسم الشعب الفلسطيني في أمر المرجعية التي يفضلها بانتصار حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.

وبعد أن رفض المجتمع الدولي في زمن الأحادية الغربية نتيجة الانتخابات وكثر التآمر على فصائل المقاومة وقع الحسم العسكري الحمساوي في غزة، وعندئذ صارت المواجهة مفتوحة بين الكيان الصهيوني وكتائب عز الدين القسام من خلال الحروب العديدة التي تم فيها إذلال الاحتلال، في 2008 و 2012 و 2014 و 2021 و 2022 . وبعد سلسلة هزائمه قرر الاحتلال تجنب المواجهة مع القسام والمضي في تصفية القضية الفلسطينية على النحو الذي تحدثنا عنه أعلاه، فكان رد فعل كتائب المقاومة الاشتباك معه بالصواريخ الموجهة إلى تل أبيب وغيرها، ضمن استراتيجية وحدة الساحات، بسبب العدوان على القدس ولدعم المجهود المقاوم في الضفة الغربية والقدس التي ابتكر فيه الفلسطينيون طرق الطعن والدهس رغم الاحتلال ومكائد السلطة الفلسطينية. وصار في المحصلة عنوان المعارك منذ معركة سيف القدس هو القدس والأقصى.

غير أن كتائب القسام ومختلف فصائل المقاومة أدركوا بأنه بغير الهجوم المباشر على العدو لن يقع تغيير حاسم في القضية الفلسطينية فكانت هذه المعركة والتي قبل أن تنجلي قد حققت 12 هدفا على الأقل يمكن حصرهم على النحو التالي:

كسر هيبة الجيش الإسرائيلي وإظهار ضعفه وإمكانية الانتصار عليه وأنه مجرد منظمة إرهابية مجرمة لا تقدر إلا على قتل الأطفال والنساء بالقذائف والصواريخ، وهو رغم تسلحه الجبار ومشاركة أمريكا معه في الحرب لم يقدر على تحقيق أهدافه المعلنة المتمثلة في إنهاء حماس وتهجير أهل غزة بعد قرابة شهر من التدمير الشامل.

مزيد من التمزق داخل المجتمع الإسرائيلي: وهي حالة كانت قائمة قبل طوفان الأقصى وتعمقت بعده وصلت إلى التلاسن عبر وسائل الإعلام بين المجرم نتنياهو والدمويين قادة الجيش، ولأول مرة يتم توجيه النقد للقيادة السياسية والعسكرية الصهيونية أثناء الحرب، وكل المؤشرات تدل بأن نتنياهو قد انتهى سياسيا وأن المجتمع الإسرائيلي قد تصيبه اضطرابات سياسية واجتماعية عميقة بعد نهاية المعركة تزيد في تقريب نهايته.

عدم الشعور بالأمان لدى المستوطنين وسكان الكيان من الصهاينة، الذي يعبر عنه إفراغ غلاف غزة والشمال الفلسطيني من السكان المستوطنين، وموجة الخروج الجماعي من إسرائيل والتصريحات المتتالية لكثير من العائلات والنخب بأن لا مستقبل للعيش في إسرائيل. وقد سبق أن تحدثت عن هذا السيناريو في الجامعة الصيفية بتلمسان عام 2010 معتمدا على دراسة أوروبية استشرفت أشكال نهاية دولة الكيان ومنها الخروج الجماعي للسكان اليهود الذين أكثرهم يحمل جوازات أخرى ولهم صلات وعلاقات وأسر في كثير من الدول، وأن ذلك سيحدث عندما لا يشعرون بالأمان حين يصبح ممكنا توجيه ضربات صاروخية مكثفة وفي العمق الإسرائيلي، وقد يكون ذلك من جهات غير حكومية. وهو ما نعيشه اليوم وما سيتعاظم في المستقبل بحول الله.

تكبيد العدو خسائر اقتصادية فادحة:

حيث توقف عن الشغل بسبب الحرب أكثر من مليون ونصف عامل وتصل الخسائر الاقتصادية الصهيونية إلى أكثر من  38 مليار دولار ويقدر أن عجز الميزانية في آخر السنة سيتجاوز 4 بالمائة وما يوازي 3.5 من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك كثير من الدراسات والمساهمات في هذا الشأن يمكن الاطلاع عليها.

افتكاك المقاومة مركز المرجعية والمصداقية لدى الشعب الفلسطيني، وذلك وجه من أوجه التاريخ حين يعيد نفسه إذ نفس الحالة بالضبط تحققت بعد معركة الكرامة التي خاضها الجيش الأردني ومنظمة فتح والجبهة الشعبية وفصائل أخرى عام 1968 ضد جيش الكيان الإسرائيلي حين عبر نهر الأردن للقضاء على مراكز المقاومة في الأردن ففشل في ذلك، وكانت منظمة فتح قد أبلت بلاء حسنا في هذه المعركة فنالت ثقة الشعب الفلسطيني وأقبل عليها المنخرطون فيها بأعداد كبيرة وتم الاعتراف بها من قبل كل الدول العربية والقوى الدولية المعادية للغرب، وهذا الذي يحدث بالضبط في معركة طوفان الأقصى، إذ باتت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحماس، ومعها كتائب سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي هي عنوان فلسطين عند الفلسطينيين وفي الشارع العربي، بل حتى عند خصومها، ومن حق حماس بعد هذه المعركة أن تفرض أجندتها التحررية في الساحة الوطنية الفلسطينية، خصوصا بعد إفشال مبادرة "إعلان الجزائر" من أجل المصالحة الفلسطينية من قبل السلطة ومن وراءها من الدول العربية والغربية.

صناعة جيل جديد من المقاومين الذين سيعملون في سبيل الله على الانتقام لأهاليهم من النساء والأطفال الذين تم إبادتهم جماعيا في هذه المعركة، وسيكون هذا الجيل أكثر شراسة وعزيمة وتضحية ليثخن في العدو بكل الوسائل، لا سيما وأن فكرة المقاومة صارت راسخة في المجتمع الفلسطيني بنتها وربتها حركة حماس، وأعدت لها العدة ودربت عليها أعدادا كبيرة من الشباب، على أساس الفكرة الإسلامية الحصينة المحصنة، بما يمنع قتل عزائم الناس وتدجينهم بالقمع الشديد والإبادة والقتل الجماعي ثم الإلحاق الحضاري، كما حدث لليابان والألمان بعد الحرب العالمية الثانية، وكما حدث من قبل للسكان الأصليين في القارة الأمريكية.

كسر موجة التطبيع:

حيث تشكل ضغط شعبي وأخلاقي كبير على الدول العربية المطبعة عمّق عدم شرعيتها. والإنجاز التاريخي في هذا المجال يتمثل في كسر المد التطبيعي في المملكة العربية السعودية الذي كان يمثل خطرا عظيما على القضية الفلسطينية وعلى الأمة العربية والإسلامية كلها، وقد زاد في افتضاح أمر المطبعين طرد كولومبيا وبوليفيا السفير الإسرائيلي من بلديهما، ومن المشاريع التطبيعية الخطيرة التي تم ضعف جدوى إنجازها مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والمملكة العربية السعودية ودولة الكيان وأوروبا الذي كان سيغير شكل التجارة العالمية ويمثل خطرا على مصر وقناة السويس ويجعل الصهاينة في وضع اقتصادي مركزي عالميا.

من أكبر خسائر الإسرائيليين في معركة طوفان الأقصى، والأكثر إيلاما لهم انهيار روايتهم الكاذبة في صراعهم مع الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي، إذ بان جرمهم للعالم رغم تحكمهم في وسائل الإعلام في العالم وتعتيمهم الشديد على الحقيقة وملاحقة الكلمة الحرة المعبرة عن الواقعرجوع القضية الفلسطينية للساحة الشعبية العربية: من حيث أن مخططات شغل الشعوب العربية والإسلامية بنفسها ودفعها لنسيان القضية الفلسطينية انكسرت ورجعت فلسطين في مركز اهتمام الشعوب الذي عبرت عنه المظاهرات والمسيرات الضخمة والأنشطة المتنوعة التي لا تتوقف لصالح المقاومة وفلسطين في مختلف الدول العربية والإسلامية.

إفساد مخططات الدول العربية التي أرادت جعل القضية الفلسطينية على الهامش بحجج واهية تعتمد على وطنية زائفة وترديد عبارة “لا نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين” لأن “قادتهم متصالحون مع إسرائيل” وأنه “لا يجب أن نضحي بأوطاننا من أجل فلسطين”، وهي أفكار القلوب المريضة والعقول الصغيرة التي ألغت البعد العقدي الديني في القضية والتي لا تدرك بأن مصير كل بلد عربي ومسلم مرتبط بالقضية الفلسطينية من حيث أن الغرب لا يسمح لأي بلد في المنطقة أن يماثل أو يتفوق على الكيان الإسرائيلي في أي مجال، والطريق إلى ذلك هو منع أي دولة من دولنا من أن تنهض.

علاوة على أن الأنظمة العربية استطاعت أن تتحكم في شعوبها وتخرجهم من معادلة التغيير بالقمع والتحايل والتزوير والإفساد الخلقي وبإشغالهم بلقمة العيش،  فإذا بالشارع ينفجر من جديد للتضامن مع أهل غزة ولمناصرة المقاومة ولم يستطع أغلب الحكام منع ذلك، ولهذا تعتبر الدول العربية حماس وفصائل المقاومة خطرا عليها وبعضها يتمنى سرا لو أن الكيان الإسرائيلي يستطيع القضاء عليها  لأنها هي التي أصبحت تبقي الشعوب حية مهتمة بمصيرها.

التحول الكبير في الرأي العام العالمي والغربي لصالح القضية الفلسطينية وضد دولة الكيان:

ولعل من أكبر خسائر الإسرائيليين في معركة طوفان الأقصى، والأكثر إيلاما لهم انهيار روايتهم الكاذبة في صراعهم مع الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي، إذ بان جرمهم للعالم رغم تحكمهم في وسائل الإعلام في العالم وتعتيمهم الشديد على الحقيقة وملاحقة الكلمة الحرة المعبرة عن الواقع، فقد استطاعت صور الدمار وقتل الأطفال والنساء والتجويع والحرمان من الكهرباء والماء أن تنفذ إلى كل أنحاء العالم من خلال الإعلام الموازي فأحدثت صدمة في الضمير العالمي الشعبي ولدى كثير من الدول والمنظمات الدولية والشخصيات السياسية والفكرية والفنية والأدبية، وهي حالة لو أنفق عليها الفلسطينيون ملايير الدولارات في العلاقات العامة ما تمكنوا من الوصول إليها، ويدرك الكيان الصهيوني بأن داءه التاريخي هو كره الشعوب له والذي حين يبلغ مداه ينقلب عليهم بشكل دراماتيكي.

التأثير في الموقف التركي:

لقد كانت تركيا تسير مطمئنة واثقة نحو رؤية خاطئة بخصوص القضية الفلسطينية، إذ كانت تعتقد أنها ستكون، ضمن رؤية قرن تركيا، هي راعية منطقة الشرق الأوسط الذي سيتجه إلى ضعف دولة الكيان وضعف الدول العربية وأن الجميع سيكون في حاجة للحماية التركية فتفرض حل الدولتين وتشرف عليه وترعاه، وهو ما شرحته في العديد من المقالات وفي بعض كتبي منها الكتاب الأخير “الحلقة المفقودة”، ثم جاء طوفان الأقصى فأرجع مسار التاريخ إلى طريقه المحتوم المتمثل في حتمية نهاية دولة الكيان، وقد تلقف أردوغان والساسة والمفكرون الأتراك الرسالة وأدركوا بأن الزمن قد يتجاوزهم ويعطي الفرصة والشرف لغيرهم فرجعوا إلى الاشتباك اللفظي مع الكيان بما لم يكونوا يرغبون فيه مطلقا، وإنما يختلف الأتراك مع الدول العربية أنهم لا يعادون حماس بل يعتقدون بأنها طرف أساسي في المستقبل وأنه يمكن ترويض قادتها لقبول حل الدولتين، وربما سيبقون على قناعتهم إلى أن تكون مفاجأتهم أكبر حين يدركون بأنهم مخطئون في تقديراتهم لمستقبل المنطقة وما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

مزيد من افتضاح أمر الدول الغربية في نظر الرأي العام العالمي ولدى قطاعات واسعة من شعوبهم، وانغماسهم أكثر في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بسبب اضطرارهم للرجوع لمنطقة الشرق الأوسط بعدما قرروا التخفف من الحضور فيها للتفرغ إلى الصين وروسيا، وقد رجعوا إلى المنطقة لشعورهم بأن ثمة خطر وجودي على دولة الكيان وأن تأمينها من خلال التطبيع وسط الأنظمة العربية أثناء انشغالهم بالصين وروسيا لم يصبح مجديا، وستكون كلفة هذا التحول الاستراتيجي المتعجل وغير المدروس أكبر في المستقبل على مستوى الانسجام الداخلي لدولهم وفي مواجهة الدول الصاعدة.

إقرأ أيضا: ثورة نوفمبر الجزائرية وطوفان الأقصى.. انطباعات وتحليلات (1 من 2)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الجزائري الفلسطينية الرأي العلاقات فلسطين الجزائر علاقات رأي أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معرکة طوفان الأقصى القضیة الفلسطینیة الکیان الإسرائیلی الشعب الفلسطینی الدول العربیة هذه المعرکة دولة الکیان من حیث

إقرأ أيضاً:

عُمان ودعم القضية الفلسطينية

 

 

 

محمد حسين الواسطي

 

قال الله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة: 2).

عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية، فإننا لا نتحدث عن جغرافيا أو تاريخ فقط؛ بل عن جرح إنساني عميق يتجاوز الحدود، عن مأساة شعب يقاوم الظلم ويتشبث بالأرض كما يتشبث الشجر بجذوره في مواجهة الريح العاتية. في قلب هذه المعاناة، تظل غزة رمزًا للصمود الذي يُلهم العالم أجمع، وواجبًا أخلاقيًا ودينيًا على كل إنسان حر أن يسهم في رفع الظلم عنها ولو بكلمة، بعمل بسيط، أو حتى بموقف يتسم بالكرامة.

الشعب العُماني، بعاطفته الصادقة ومبادئه الراسخة، كان دائمًا حاضرًا في نصرة فلسطين. لم تكن فلسطين بالنسبة للعُماني مجرد قضية بعيدة تُنقل أخبارها في نشرات الأخبار، بل هي جزء من وجدانه، من نشاطه، من دعائه الذي يرفعه إلى الله كل ليلة. ومع تصاعد الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين، وخصوصًا في غزة التي تقاوم الحصار والدمار، تبرز المقاطعة الاقتصادية كوسيلة عملية وفعّالة يمكن أن تترجم هذا التضامن العاطفي إلى فعل ملموس، فعل يحمل رسالة: "نحن معكم، ولن نكون يومًا جزءًا مما يُضعفكم".

 

المقاطعة الاقتصادية: أكثر من مجرد خيار

المقاطعة الاقتصادية ليست مجرد إجراء عابر أو دعوة مؤقتة؛ إنها موقف إنساني وأخلاقي ينبع من روح التضامن مع شعب مظلوم. عندما يقرر الشخص ألا يشتري منتجًا يدعم الاحتلال الصهيوني، فإنه يرسل رسالة قوية بأن المال الذي ينفقه لن يُستخدم لقصف بيوت غزة أو حصار أطفالها. إنها ليست مجرد مقاطعة منتجات، بل هي وقوف في وجه آلة القمع التي تحاول سحق إرادة الفلسطينيين.

في عُمان، هذه الفكرة تجد صداها في قلوب الناس. العُمانيون بفطرتهم الطيبة يدركون أن كل ريال يُنفق على منتج يدعم الاحتلال هو بمثابة طلقة نارية تُوجه إلى طفل فلسطيني يبحث عن أمان في حضن أمه. ولهذا، فإن المقاطعة الاقتصادية ليست فقط فعلًا سياسيًا، بل هي تعبير عن إنسانية لا تقبل أن تكون جزءًا من الظلم.

 

دور المجتمع العُماني في المقاطعة

المجتمع العُماني، الذي ارتبطت قيمه بالدين والأخلاق والكرامة، يُدرك تمامًا أن التضامن الحقيقي مع القضية الفلسطينية يبدأ من هنا، من اختياراته اليومية. لقد شهدت عُمان حملات شعبية متعددة تُشجع على مقاطعة المنتجات المرتبطة بالاحتلال أو بالشركات التي تدعمه، وقد نجحت في ذلك نجاحًا مبهرًا تحدثت عن تفاصيله ومنجزاته وكالات الأنباء الداخلية والخارجية. لم تكن هذه الحملات مجرد شعارات، بل مبادرات حقيقية انطلقت من قلوب الناس، من المساجد التي كانت منابرها تُذكر المؤمنين بأن نصرة المظلوم واجب ديني، ومن الجامعات التي كان طلابها يُنظمون فعاليات توعوية، ومن وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مساحة للتذكير بأهمية هذه الخطوة.

العُمانيون في هذه الحملات لم يكتفوا بالحديث عن المنتجات التي يجب مقاطعتها، بل ركزوا أيضًا على دعم البدائل المحلية أو المنتجات القادمة من الدول الصديقة للقضية الفلسطينية. هذه الروح لم تكن مجرد مقاطعة، بل كانت بناءً، بناء لثقافة اقتصادية واعية تُدرك أن كل اختيار، مهما بدا صغيرًا، يحمل تأثيرًا كبيرًا.

 

دور علماء الدين والمثقفين في تعزيز الوعي

علماء الدين في عُمان، الذين طالما كانوا منارات للوعي والقيم، لعبوا دورًا محوريًا في تعزيز فكرة المقاطعة. من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية، كانوا يُذكرون الناس بأن الإسلام يدعو إلى نصرة المظلوم، وأن دعم الاحتلال بأي شكل يُعد تعاونًا على الإثم والعدوان. كلماتهم لم تكن مجرد نصائح، بل كانت دعوات صادقة تُلامس القلوب وتدفع الناس للتفكير في أفعالهم اليومية.

المثقفون والنشطاء أيضًا كانوا في الصفوف الأولى لهذه الجهود. من خلال مقالاتهم وندواتهم، رسموا صورة واضحة لمعاناة الفلسطينيين، وشرحوا كيف أن المقاطعة ليست فقط وسيلة رمزية، بل أداة فعّالة تُضعف الاحتلال وتُعزز صمود الفلسطينيين. لقد أظهروا للعامة أن التضامن ليس مجرد كلمات تُقال، بل أفعال تُمارس، وأن كل شخص يُمكن أن يكون جزءًا من هذه المعركة الإنسانية.

 

التأثير الإنساني والاقتصادي للمقاطعة

عندما يُقرر شخص أن يُقاطع منتجًا داعمًا للاحتلال، فإنه لا يُحدث تأثيرًا فرديًا فقط، بل يُصبح جزءًا من حركة جماعية تُضعف الاحتلال اقتصاديًا ومعنويًا. الاحتلال الصهيوني يعتمد بشكل كبير على تصدير منتجاته واستثماراته في الخارج، وأي تقليص لهذه الأسواق يُترجم إلى خسائر اقتصادية مباشرة تُضعف قدرته على تمويل جرائمه.

لكن الأثر الأكبر للمقاطعة ليس اقتصاديًا فقط، بل يمتد إلى تأثيراته وتداعياته المعنوية. عندما يعلم الفلسطينيون في غزة أن شعوب العالم الإسلامي، ومن بينهم الشعب العُماني، يقفون معهم بكل ما أوتوا من وسائل، فإن ذلك يُعزز من صمودهم. غزة لا تحتاج فقط إلى مساعدات مادية، بل تحتاج إلى أن تشعر بأنها ليست وحدها في هذه المعركة. أن ترى أن هناك من يرفض أن يكون جزءًا من الألم الذي تعانيه، وأن هناك من يقف معها حتى وإن كان ذلك بفعل بسيط كالمقاطعة.

إذا الشعبُ يومًا أرادَ الحياةَ

فلا بدَّ أن يستجيبَ القدرْ 

المقاطعة الاقتصادية ليست مجرد أداة للمقاومة، بل هي درس للأجيال القادمة. عندما يرى الأطفال والشباب في عُمان أن آباءهم وأمهاتهم يرفضون شراء منتجات تدعم الاحتلال، فإنهم يتعلمون أن للكرامة ثمنًا، وأن التضامن مع المظلومين قيمة لا تُقدر بثمن. إنها طريقة لتربية الأجيال على قيم العزة والكرامة، وربطهم بالقضية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من هويتهم الإسلامية والعربية.

وختامًا أقول إن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية شعب يقاوم الاحتلال، بل هي اختبار لإنسانية العالم أجمع. الشعب العُماني، بوعيه ورقيه، أثبت دائمًا أنه يقف في الجانب الصحيح من التاريخ. وسوف يستمر هذا الشعب النبيل الداعم للمظلومين في شتى بقاع الأرض في نضاله ضد الظلم، ولن يترك المقاطعة حتى بعد توقف العدوان الحربي، أو وقف إطلاق النار؛ لأن الاحتلال ما زال قائمًا، وأساليب القهر والحصار والتجويع للأبرياء ما زالت مستمرة.

نعم؛ المقاطعة ليست فقط فعلًا اقتصاديًا، بل هي تعبير عن حب صادق، عن تضامن لا يعرف الحدود، عن إيمان بأن فلسطين ستظل دائمًا في القلب، حتى يتحقق النصر ويعود الحق إلى أصحابه. "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7).

مقالات مشابهة

  • عُمان ودعم القضية الفلسطينية
  • محلل سياسي: القمة العربية ستصدر قرارات حاسمة بشأن القضية الفلسطينية
  • وثيقة عربية جديدة للتحرك ضد الكيان المحتل
  • “قرار التهجير والسيناريوهات المحتملة.. القضية الفلسطينية والقمة العربية”.. ندوة بالمركز الثقافي الأرثوذكسي
  • حزب مصر 2000: موقف مصر والدول العربية ثابت وراسخ تجاه القضية الفلسطينية
  • أبو الغيط: المنطقة العربية تعيش اللحظة الأخطر في تاريخها بسببب القضية الفلسطينية
  • الاتحاد: يجب أن تلتف الدول العربية حول موقف واحد لدعم إقامة الدولة الفلسطينية
  • كاتب صحفي: وزير الخارجية يركز على عدة محاور لدعم ونصرة القضية الفلسطينية
  • محمد علي حسن: الدبلوماسية المصرية غيرت وجهة نظر دول كثيرة تجاه القضية الفلسطينية
  • بالأسماء.. القسام تفرج عن 6 أسرى إسرائيليين ضمن الدفعة السابعة