نظم معهد البحوث والدراسات العربية، ندوة أكاديمية موسعة تحت عنوان "القضية الفلسطينية إلى أين في ظل التطورات الأخيرة "، يوم الخميس، بحضور نخبة من الأكاديميين والمفكرين بحضور سفير دولة فلسطين بالقاهرة دياب اللوح،  مدير معهد البحوث والدراسات العربية ا.د محمد مصطفى كمال،  ورئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي.

طرحت الجلسة الأولى مناقشة ورقة بحثية حول المخطط الإسرائيلي لما بعد عملية غزة والتى طرحها سعادة سفير  دولة فلسطين الأسبق د.بركات الفرا، وشهدت الجلسة الثانية طرح فكرة التهجير القسري للفلسطينيين والدور المصري من قبل السفير عاطف سالم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية،  وبدأت فعاليات الجلسة الثالثة بجلسة حول تطورات غزة في ميزان التصور الأمريكي لمستقبل النظام الدولي قدمها ا.د محمد مصطفى كمال،  ونوقش في الجلسة الرابعة فكرة إسرائيل والقانون الدولي قدمها د.حازم جاد المستشار بوزارة العدل المصرية - عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وطرح سعادة سفير دولة فلسطين بالقاهرة دياب اللوح في الجلسة الخامسة ورقة حول مستقبل الدولة الفلسطينية.

وفي مستهل مداخلة سعادة السفير دياب اللوح عبر عن شكره وتقديره للشعب المصري الشقيق وقيادته الحكيمة وفي مقدمتها سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وجزيل شكره للسادة في المجلس المصري للشئون الخارجية ومعهد البحوث والدراسات العربية، لتنظيم هذه الندوة في ظل هذه الأوقات العصيبة مع مرور 27 يومًا على حرب الإبادة الجماعية الممنهجة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا العدوان الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني في القدس وأنحاء الضفة الغربية، وما أسفر عنه من تدمير ممنهج لمقدرات الشعب الفلسطيني وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمصابين، وما خلفه من كارثة إنسانية خطيرة، على كافة مجالات الحياة الحيوية والانسانية.

وأكد السفير دياب اللوح أنه بالرغم من هذا المشهد الشنيع من الركام الناجم عن هذا التدمير الممنهج الذي تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة، إلا أن الفلسطينيين لم يفقدوا البوصلة ولا القدرة على الرؤية الصحيحة، وماضون قدمًا حتى استكمال المشروع الوطني الفلسطيني، وتحقيق الاستقلال الوطني، وإنجاز حق تقرير المصير، والعودة، وإقامة الدولة، قائلا: "نحن نتمسك بخيار السلام الاستراتيجي وبالشرعية الدولية، ونتمسك بحقنا بالدفاع المشروع عن النفس وبالمقاومة الشعبية السلمية، ونتمسك برؤية حل الدولتين كأساس صالح ومتين لحل الصراع مع إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية وخاصة في ظل انعدام فرصة إقامة دولة ديمُقراطية واحدة، ورفض إسرائيل للفكرة من أساسها، وطالب دول العالم التي لم تعترف بدولة فلسطين أن تعترف بها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، بعد أن اعترف العالم بأغلبية ساحقة بدولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012م، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعترفت عام 1974م بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفة مراقب في الأمم المتحدة، بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في داخل وخارج فلسطين."

وقال السفير دياب اللوح: "نحن إذ نتمسك برؤية حل الدولتين وبحقنا في إقامة دولة فلسطينية في خطوط عام 1967م، فإننا نتمسك بالعمق العربي، وبالعمل العربي المشترك، لدعم التحرك السياسي والدبلوماسي والقانوني الفلسطيني على المستوى الدولي، ولدعم حقنا بالإنضمام إلى المنظمات الدولية، لأننا جزء أصيل من الشرعية الدولية، وشركاء في صيانة الأمن والاستقرار والسلام والعدالة والديمُقراطية في العالم، وشركاء في مكافحة الإرهاب، ونحن الذين نكتوي بإرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه إسرائيل، وترعى إرهاب المستوطنين وعصاباتهم المسلحة والتنظيمات الإرهابية التابعة لتيار الصهيونية المتدينة المتطرفة ضد شعبنا."

وأوضح  السفير دياب اللوح بأنه بالرغم من التحديات بما نمر فيه من لحظات تاريخية صعبة وعصيبة، فإننا نتطلع ونعمل لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، برعاية مصرية، وأننا نتمسك بالدور المصري في رعاية المصالحة، فإننا نُرحب بأية جهود عربية وصديقة داعمة للجهود المصرية، وصولًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ملتزمة بالشرعية الدولية؛ لوضع الواقع الفلسطيني على أعتاب مرحلة جديدة من الشراكة الوطنية والسياسية وصهر كافة الطاقات الوطنية والقومية والدولية في بوتقة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وطنية كاملة وعاصمتها القدس الشرقية.

وأعاد التأكيد بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بإقامة دولة فلسطينية في غزة وعلى جزء من أرض سيناء المصرية: " نحترم سيادة مصر الوطنية على كامل ترابها الوطني العزيز، ولن نقبل بإقامة دولة بغزة، أو دولة دون غزة، ولسوف نقيم دولتنا على أرضنا التي أُحتلت عام 1967م بعاصمتها القدس الشرقية، وأن لا عاصمة في القدس وإنما القدس بكامل خطوط عام 1967م هي العاصمة، وأن إقامة دولة فلسطينية يُشكل رافدًا واساسًا متينًا ومدخلًا قويًا لبناء الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم."

وتطرق  السفير دياب إلى ذكرى صدور وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر من عام 1917م، الذي نص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وجاء فيه (على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين)، والذي يعني بشكل واضح أنه صنف اليهود كشعب، وأعتبر بشكل مجحف الشعب الفلسطيني بأنه مجرد طائفة من الطوائف وأسقط حقه في أرضه وحقه في إقامة دولة أوإقامة كيان سياسي له عليها، وهذا الوعد جاء كنتيجة كارثية من كوارث الحرب العالمية الأولى حلت بالشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى جوهر القرار الذي يُقدم وطنًا لشعب هدية لجماعة أخرى من بلاد متناثرة، بالإضافة إلى اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، وصك الإنتداب البريطاني الاستعماري على فلسطين عام 1920م، وبالمقابل حرمان الشعب الفلسطيني من إقامة دولته إلى جانب إسرائيل وفقًا لما جاء في القرار (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر من عام 1947، وتبنى خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين أولًا دولة عربية (فلسطينية) وثانيًا دولة يهودية (دولة إسرائيل)، والذي جاء كنتيجة كارثية أخرى من كوارث الحرب العالمية الثانية، سدد فاتورتها الشعب الفلسطيني، بتعرضه إلى نكبة بشعة مستمرة نجم عنها تشرده وتشتته في المنطقة والعالم، في أبشع جريمة تهجير قسرية لازالت مستمرة وتكبد الشعب الفلسطيني معاناة وقسوة الهجرة واللجوء والغربة عن الأرض والوطن والبيت إلى البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية المقر من المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة المنعقدة في القاهرة في ١٩٧٤ وأن إنعقاد دورة المجلس الوطني الثانية عشرة، وإطلاق البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير، بعد إنتصارات حرب أكتوبر المجيدة، والتي أحدثت تحولًا جذريًا في التكتيك والاستراتيجية، والمفاهيم والرؤى السياسية تجاه إستشراف المستقبل وكيفية إدارة الصراع، بما يُفضي إلى تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة من نير الإحتلال الإسرائيلي الغاشم،وكيف تستثمر الثورة، وتواصل الكفاح الوطني الفلسطيني، وصولًا إلى حدوث إنتفاضة الحجارة، الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما واكبها من متغيرات إقليمية ودولية، تبعها إنعقاد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر من عام 1990م، وإنطلاق مفاوضات السلام في مسارين، مسار واشنطن ومسار أوسلو، والتي تمخض عنها إتفاق أوسلو الذي تم توقيعه في البيت الأبيض، برعاية وشهادة وضمانة أمريكية، والذي تدرج إلى مرحلتين، المرحلة الانتقالية لمدة خمس سنوات من تاريخ توقيع إتفاق القاهرة في 4 مايو 1994بإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، تجري خلالها مفاوضات حول قضايا مرحلة الحل النهائي، بما يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، والذي حصل أنه تم تعطيل الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية وتم إعادة إحتلال كافة المناطق والمدن والأراضي التي انسحبت منها قوات الاحتلال الاسرائيلي بموجب إتفاق أوسلو، وتنصلت إسرائيل القوة القائمة بالإحتلال من تنفيذ إلتزاماتها والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأخذت تنفذ إجراءات أحادية الجانب وتصور الصراع بأنه نزاع سكاني بين الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين التاريخيين من جهة والمستوطنين الغرباء من جهة أخرى، وقلب الحقائق وتزوير وفبركة الروايات والاساطير الكاذبة، وتمارس أبشع الممارسات العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، وحرمانه من حقه في تقرير مصيره، وتصريحات قادة إسرائيل بأنهم لن يسمحوا بإقامة دولة فلسطينية، وأمعنوا في أضعاف السلطة الوطنية، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات عليها، وإقامة جدار العزل والضم العنصري بطول أكثر من سبعمائة كم داخل أراضينا، وتقطيع جغرافية الضفة الغربية لمئات القطع والجزر الجغرافية، لغرض فصل جنوب الضفة عن شمالها، وعزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني، للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا قابلة للحياة، وإطلاق يد المستوطنين وعصاباتهم المسلحة وإرتكاب جرائم الحرب المكتملة الأركان ضد الشعب الفلسطيني.

وأردف السفير اللوح: والمحطة التالية، المبادرة العربية للسلام التي أعتمدتها القمة العربية في بيروت في عام 2002م، والتي أصبحت لاحقًا مبادرة إسلامية ودولية، ومؤتمر باريس المنعقد في يناير من عام 2017م والذي شارك فيه 51 دولة، والذي تعطلت دورته الثانية سواءً في باريس أو في موسكو، وصولًا إلى إطلاق رؤية حل الدولتين، ورؤية السيد الرئيس محمود عباس للسلام في الشرق الأوسط، والتي تدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في المنطقة يقوم على أساس المرجعيات والقرارات الدولية ذات الصلة والمبادرة العربية للسلام ورؤية حل الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإطلاق مفاوضات سياسية جادة ذات سقف زمني، تُفضي إلى إنهاء الإحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل استقلاله الوطني، وحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الوطنية الكاملة، المتصلة جغرافيًا والقابلة للحياة، على خطوط عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وآخر دعوة وجهها السيد الرئيس محمود عباس بالخصوص كانت  من على منصة الأمم المتحدة في دورتها رقم (78) في 21 سبتمبر2023م، حينما طالب معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط قبل فوات الأوان وقد تكون الفرصة الأخيرة، وكان الرد الإسرائيلي على مبادرة الرئيس محمود عباس بشن حرب الإبادة الجماعية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأنحاء الأراضي الفلسطينية والقدس، والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك ومحاولات تقسيمه زمانيًا ومكانيًا وتغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم فيه، وإفراغ القدس من سكانها الأصليين وسرقة منازلهم، وهدم منازل المواطنين الفلسطينيين ومحاولات تهجيرهم وانتزاعهم من أرضهم واقتلاعهم من وطنهم، وجاء الرد من القيادة وأبناء الشعب الفلسطيني، بأننا لن نغادر أرضنا، ولن نترك وطننا، ولن نسمح بحدوث نكبة جديدة، وأننا باقون على أرضنا ما بقي الزعتر والزيتون، والشعب الفلسطيني رفض ولازال يرفض كل مخططات التوطين والتهجير، التي تتناقض مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة.

وأكد  السفير دياب اللوح على وجوب التزام المجتمع والنظام الدولي وقف سياسة الكيل بمكيالين، والقيام بدورهم المنوط بهم عبر اتخاذ خطوات ملموسة تهدف إلى إنهاء الاحتلال على أساس القانون الدولي والقرارات الدولية، للاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مما من شأنه أن يدفع نحو تنفيذ حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ورفع الظلم عن أبناء الشعب الفلسطيني وانصاف حقوقه المشروعة مما سيساهم في تحقيق السلام العادل والشامل، مؤكدا بقوله أن الشعب الفلسطيني لنْ يستسلم، وسوفَ يواصلُ نضاله وتصديه لهذهِ الممارسات، وذلكَ من خلالِ تمتينِ الجبهة الداخلية، وتحقيقِ وحدةِ شعبِنا والمصالحة الوطنية والوقوف صفًا واحدًا على قلبِ رجلٍ واحد، وسوف يبقى الشعب الفلسطيني صامدا حتى النصر على هذا الاحتلال البغيض، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.. والحرية لأسرانا البواسل.. والشفاء العاجل لجرحانا..

وفي ختام اللقاء تقدم بالشكر باسم الشعب الفلسطيني المناضل وقيادته الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس، للشعب المصري الشقيق وقيادته بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي على كل ما تُقدمه مصر من دعم تاريخي مستمر للشعب الفلسطيني ولكفاحه المشروع ولقضيته العادلة، ولحقوقه الوطنية المشروعة في الحرية والتحرير والعودة، والشكر موصول إلى الدول العربية الشقيقة، التي شكلت حاضنة تاريخية للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية بالنسبة لأمتنا العربية المجيدة، والشكر إلى جامعة الدول العربية الموقرة، وإلى الأمانة العامة للجامعة، وإلى معالي الأمين العام السيد أحمد أبو الغيط على دوره العربي المتقدم في الدفاع عن حقوق وتطلعات وآمال الشعب الفلسطيني ودعم تحركة السياسي والدبلوماسي والقانوني، والشكر إلى كل الأصدقاء والأحرار في العالم، والخزي والعار للإحتلال والاستعمار والإمبريالية العالمية والإرهابيين قتلة النساء والأطفال، والمجرمين الذين باعوا ضمائرهم أو الذين أجروها بثمن بخسٍ.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: فلسطين القاهره السيسي محمد العرابي مكافحة عطل جامعة الدول عضو المجلس إقامة دولة فلسطینیة السفیر دیاب اللوح الرئیس محمود عباس الشعب الفلسطینی القدس الشرقیة المجلس المصری الأمم المتحدة الفلسطینی فی حل الدولتین للسلام فی العربیة ا من عام

إقرأ أيضاً:

اغتصاب الشعب الفلسطيني

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرا هذا الأسبوع يفيد بأن جنودا إسرائيليين اعتدوا جنسيا على شقيقين فلسطينيين بعد خطفهما وتعذيبهما في شوارع الضفة الغربية خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. وهذه ليست حادثة استثنائية، إذ أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل، تقريرا يوثق العنف الجنسي الممنهج الذي تمارسه إسرائيل ضد فلسطينيي غزة والضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأكد رئيس اللجنة أن التقرير المعنون "أكثر مما يحتمله أي إنسان" يقدم أدلة دامغة على تورط إسرائيل في هذه الجرائم، مشددا على أنه "لا مفر من الاستنتاج بأن إسرائيل استخدمت العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد الفلسطينيين لإرهابهم وترسيخ نظام قمعي يقوض حقهم في تقرير المصير".

ومع ذلك، ورغم وفرة التقارير التي توثق حوادث الاغتصاب والاعتداءات الجنسية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ عام 1948، لا تزال وسائل الإعلام الغربية تكرر، دون أدنى مستويات التحقق الصحفية فضلا عن الاستقصاء، مزاعم إسرائيلية عن وقوع عمليات اغتصاب ارتكبها فلسطينيون بحق إسرائيليين. في الواقع، وثقت تقارير حقوقيّة عديدة استخدام الجيش الإسرائيلي للتعذيب الجسدي والجنسي ضد الفلسطينيين بشكل ممنهج منذ عام 1967 على الأقل، فكيف يمكن لهذه الحقائق أن تتوافق مع السرديّة التي تروجها إسرائيل والغرب؟

 يمكن العثور على الإجابة في حقيقة أن العنصرية ضد الفلسطينيين متجذرة في إسرائيل وفي الغرب، وهي التي تغذي هذه الروايات استنادا إلى تصوّر راسخ في الوعي الغربي بأن الفلسطينيين، بخلاف الأوروبيين البيض، بمن فيهم اليهود الإسرائيليون، هم همجيون وبرابرة. ويبرز هذا الخطاب بوضوح عندما يتعلق الأمر بمزاعم "الفجور الجنسي" للرجال العرب المفترسين، وخاصة الفلسطينيين، وضرورة حماية النساء اليهوديات الإسرائيليات من "شهواتهم وعنفهم" المزعوم.

تسرّع وسائل الإعلام الغربية في تبني المزاعم الإسرائيلية غير المؤكدة وتقديمها على أنها حقائق يجب أن يُقارن بإهمالها التقارير الإسرائيلية والأممية المؤكدة والموثقة عن الاعتداءات الجنسية الإسرائيلية واغتصاب الفلسطينيين، والتي غالبا ما تُهمَّش أو يُقلَّل من شأنها، إن لم يتم تجاهلها تماما
لقد سارع المسؤولون الإسرائيليون، في أعقاب 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى الترويج لعمليات اغتصاب جماعي ارتكبها فلسطينيون بحق نساء يهوديات، إلى جانب تلفيقات أخرى مفبركة عن قطع رؤوس أطفال يهود وشويهم في الأفران، وهي صور ادعى الرئيس جو بايدن أنه شاهدها، على الرغم من أن البيت الأبيض نفى ذلك لاحقا. ورغم عدم تقدم أي امرأة إسرائيلية حتى الآن بادعاء تعرضها للاغتصاب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وعدم ظهور أي دليل مصوّر من مئات الساعات من لقطات الفيديو لعملية حماس يوثق أي حالة من حالات الاغتصاب المزعومة، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا العام الماضي يزعم وقوع جرائم جنسية في ذلك اليوم، رغم إقرارها بعدم توفر أدلة مرئيّة أو طبية أو شهادات مباشرة تؤيد هذه المزاعم. وبينما نفت حركة حماس ارتكاب أي عمليات اغتصاب من هذا القبيل على يد مقاتليها، لم تقدم الحكومة الإسرائيلية، حتى اليوم، أي دليل ملموس يدعم مزاعمها.

لا يعني ذلك، بطبيعة الحال، نفي وقوع حالات اغتصاب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بل يشير إلى أن إسرائيل لم تقدم حتى اللحظة أدلة دامغة لإثبات مزاعمها، ومع ذلك، لم يتردد الخطاب الإعلامي والرسميّ في إسرائيل والعواصم الغربية في تبني هذه المزاعم كحقيقة لا تقبل الجدل، لدرجة أن أي محاولة لمساءلة الإسرائيليين بشأن هذه الادعاءات تجعل المرء متواطئا في إنكار وقوع هذه الفظائع المزعومة و/أو في تحيز جنسوي ضد النساء، وهذا بالرغم من عدم تقدم أي امرأة إسرائيلية حتى الآن بادعاء تعرضها للاغتصاب في ذلك اليوم.

إن تسرّع وسائل الإعلام الغربية في تبني المزاعم الإسرائيلية غير المؤكدة وتقديمها على أنها حقائق يجب أن يُقارن بإهمالها التقارير الإسرائيلية والأممية المؤكدة والموثقة عن الاعتداءات الجنسية الإسرائيلية واغتصاب الفلسطينيين، والتي غالبا ما تُهمَّش أو يُقلَّل من شأنها، إن لم يتم تجاهلها تماما.

تستمد مزاعم إسرائيل بوقوع عمليات اغتصاب جماعية للنساء الإسرائيليات في 7 تشرين الأول/ أكتوبر مصداقيتها من عقود من القلق بشأن التهديد المُفترض للذكورة الفلسطينية على النساء اليهوديات، وهو ما أثار في الواقع قلق العديد من الصهاينة منذ بداية الاستعمار الاستيطاني اليهودي. وفي سياق تحليلها لهذا القلق الصهيوني، وصفت الفيلسوفة اليهودية الألمانية حنة أرندت مظاهره بعد تأسيس إسرائيل عام 1948 على النحو التالي: "يبدو أن المواطنين الإسرائيليين، المتدينين وغير المتدينين، مُتفقون على استصواب وجود قانون يحظر الزواج المختلط [بين اليهود والفلسطينيين]، ولهذا السبب الرئيس.. فهم مُتفقون أيضا على عدم استصواب وجود دستور مكتوب يُلزم فيه بتوضيح مثل هذا القانون بشكل مُحرج"، مُعتمدين بدلا من ذلك على الشريعة اليهودية للحماية منه. وقد أشارت أرندت إلى المفارقة التي وجدتها في سياق محاكمة المجرم النازي أدولف أيخمان عام 1961 في إسرائيل، حيث "أدان الادعاء قوانين نورمبرغ [النازية] المشينة لعام 1935، التي حظرت الزواج المختلط والعلاقات الجنسية بين اليهود والألمان. كان المراسلون [الصحفيون] الأكثر اطلاعا على دراية بهذه المفارقة، لكنهم لم يذكروها في تقاريرهم".

تصاعدت حدّة المعارضة الصهيونية للاختلاط الجنسي العرقي بشكل ملحوظ بعد عام 1948، وبلغت مستويات متطرفة منذ سبعينيات القرن الماضي، مع صعود الحاخام المستوطن اليهودي الأمريكي مائير كاهانا، مؤسس رابطة الدفاع اليهودية، إلى الواجهة السياسية. كان كاهانا الأمريكي، الذي عمل مستشارا لمكتب التحقيقات الفيدرالي وأدين بالإرهاب، قد انتقل للاستقرار في إسرائيل عام 1971، وكان يشعر بهلع شديد من الاختلاط الجنسي والعرقي بين اليهود والفلسطينيين، مرددا صدى قوانين المجتمع الأمريكي العنصري الأبيض ضد الاختلاط العرقي الجنسي، خاصة بين النساء البيض والرجال السود، الأمر الذي أثار إعجابه بوضوح أثناء نشأته في الولايات المتحدة الأمريكية العنصرية. ومع ذلك، لا تقتصر هذه النزعة العنصرية في إسرائيل على محاكاة قوانين نورمبرغ النازية، التي قارنتها بها أرندت، بل تتماشى مع التوجه العام لمجتمعات المستعمرات-الاستيطانية الأوروبية التي حرصت على فرض الفصل العرقي وعدا الاختلاط الجنسي في معظم أنحاء العالم المستَعمر. وتجدر الإشارة إلى أن ولاية ألاباما الأميركية لم تلغ قانونها المناهض للاختلاط الجنسي بين الأعراق إلا في عام 2000، ليكون بذلك آخر قانون من نوعه في الولايات المتحدة.

لكن الرغبة الجنسية الجشعة التي يُقال إن الرجال الفلسطينيين يكنّونها للنساء اليهوديات كانت شديدة لدرجة أنه حتى عندما لم يغتصبوهن، يبدو أنهم اغتصبوهن بالفعل، كما حصل حين قضت محكمة إسرائيلية عام 2010 بإدانة رجل فلسطيني بتهمة "الاغتصاب عن طريق الخداع"، بزعم أنه تظاهر بأنه يهودي لممارسة الجنس بالتراضي مع امرأة يهودية. وعندما اكتشفت المرأة أن الرجل الذي جامعته ليس يهوديا، رفعت دعوى قضائية ضده، وأدانته محكمة إسرائيلية بالاغتصاب. وقد تزايدت عمليات ضرب وقتل الرجال الفلسطينيين على يد يهود في القدس ومناطق أخرى من إسرائيل خلال العقدين الماضيين بافتراض أنهم يواعدون أو يسعون لمواعدة نساء يهوديات، كما ازداد عدد المنظمات اليهودية الملتزمة بمنع الاختلاط الجنسي بين الأعراق وحماية النساء اليهوديات من إفساد الرجال الفلسطينيين.

هذا النمط من العنصرية ليس فريدا في السياق الإسرائيلي، بل يتطابق مع أنماط القمع الاستعماري الأخرى. وقد أشارت الناشطة الأمريكية السوداء الشهيرة أنجيلا ديفيس منذ عقود إلى أن أسطورة الرجل الأسود المغتصِب في السياق الأمريكي "تُستحضر بشكل منهجي كلما تطلبت موجات متكررة من العنف والإرهاب ضد المجتمع الأسود مبررات مقنعة". إن قيام إسرائيل بتقديم هذه المزاعم بالاغتصاب في خضم إبادة الشعب الفلسطيني في غزة يتناسب تماما مع النمط الذي وصفته ديفيس.

لكن ما يغفل ذكره عادة في الولايات المتحدة هو الاغتصاب المنهجي للنساء السود على يد رجال الشرطة البيض، الذي كان ممارسة شائعة رافقت أسطورة "المغتصِب الأسود" في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين وما بعدها. وقد استمرت هذه الجرائم بحق السود بوصفها امتدادا للإرث الوحشيّ لاغتصاب الأسياد البيض للنساء السود المستعبدات؛ الأسياد البيض الذين لم تهتز مكانتهم الاجتماعية بعد انتهاء العبودية، رغم تاريخهم الحافل بجرائم الاغتصاب للنساء السود التي تواصلت بعد الحرب الأهلية على يد جماعة "كو كلوكس كلان" العنصرية.

في السياق الإسرائيلي، يُفصّل المؤرخ الإسرائيلي المناهض للفلسطينيين، بيني موريس، العديد من عمليات الاغتصاب التي ارتكبها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين خلال حرب عام 1948 ومن الأمثلة على ذلك "اغتصاب أربعة جنود من الكتيبة الثانية والعشرين (كارميلي) لفتاة عربية وقتلهم والدها". وفي قرية صفصاف، "تم تقييد 52 رجلا بحبل وإلقاؤهم في بئر وإطلاق النار عليهم. فقُتل 10. وتوسلت النساء طلبا للرحمة. [وكانت هناك] 3 حالات اغتصاب.. فتاة تبلغ من العمر 14 عاما تعرضت للاغتصاب. وقُتل 4 آخرون". أما في بلدة الجش، "فقد قُتلت امرأة وطفلها". وفي دير ياسين، حيث قُتل "ما مجموعه حوالي 250" فلسطينيا، "معظمهم من غير المقاتلين؛ وكانت هناك أيضا حالات قطع الأعضاء واغتصاب".

تحول العنف الجنسي إلى أداة قمع تُستخدم ضد الفلسطينيين من كلا الجنسين. وآخر فضيحة تناولتها وسائل الإعلام نتيجة تسريب فيديوهات لها؛ كانت حالات الاغتصاب الجماعي للرهائن الفلسطينيين الذكور في الزنازين الإسرائيلية العام الماضي. ويوضح تقرير الأمم المتحدة الأخير أن الجرائم الجنسية التي ترتكبها إسرائيل ليست مجرد تجاوزات فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة
على الرغم من هذا السجلّ المروع، الذي تفاقم بشكل كبير في العقود اللاحقة، فقد أدت العنصرية المتفشية في المجتمع والشعور بالتفوق الغربي على الفلسطينيين في إسرائيل إلى التأثير على الذاكرة الإسرائيلية لأحداث الحرب على النحو التالي، وفقا لموريس: "إن الذاكرة الجماعية للإسرائيليين عن المقاتلين [اليهود] الذين يتميزون بـ"نقاء السلاح".. تقوضها أدلة عمليات الاغتصاب التي ارتكبت في المدن والقرى المحتلة. وردت في الوثائق المعاصرة المتاحة حوالي اثنتي عشرة حالة -في يافا وعكا وغيرهما- ونظرا لتردد العرب في الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث وصمت الجناة (المتوقع)، ورقابة جيش الدفاع الإسرائيلي على العديد من الوثائق، فمن المرجح أن العدد الحقيقي أعلى، وربما أعلى بكثير، من هذه الحالات. ويبدو أن العرب لم يرتكبوا سوى القليل من أعمال الاغتصاب. وفي المجمل، فإن حالات الاغتصاب في حرب عام 1948، نسبيا، تعد منخفضة جدا".

ويضيف اليميني موريس أنه "بعد الحرب، مال الإسرائيليون إلى الإشادة بـ"نقاء سلاح" رجال مليشياتهم وجنودهم، ومقارنتهم بالهمجية العربية، التي عبّرت أحيانا عن نفسها بتشويه جثث القتلى اليهود. وقد عزز ذلك الصورة الإيجابية للإسرائيليين عن أنفسهم وساعدهم على "ترويج" دولتهم الجديدة في الخارج؛ كما قاموا بشيطنة العدو. لكن في الحقيقة، ارتكب اليهود فظائع أكثر بكثير من العرب، وقتلوا عددا أكبر بكثير من المدنيين وأسرى الحرب في أعمال وحشية متعمدة خلال عام 1948".

ليست روايات موريس عن الاغتصاب خلال حرب عام 1948 استثنائية، بل استمرت لتصبح ممارسة شائعة لدى الجنود الإسرائيليين عند مواجهتهم للاجئين الفلسطينيين الذين حاولوا العودة إلى ديارهم داخل إسرائيل بين عامي 1948 و1955. على سبيل المثال، في آب/ أغسطس 1949، اعتقل الجنود الإسرائيليون لاجئا فلسطينيا وزوجته وقتلوه، ثم تناوب 22 جنديا على اغتصاب زوجته قبل قتلها. وفي آذار/ مارس 1950، اختطف الجنود الإسرائيليون فتاتين فلسطينيتين وصبيا من غزة، قتلوا الصبي ثم اغتصبوا الفتاتين قبل إعدامهما. وفي آب/ أغسطس 1950، اغتصب أربعة من رجال الشرطة الإسرائيليين امرأة فلسطينية بينما كانت تقطف الفاكهة من بستان عائلتها عبر حدود الضفة الغربية.

أصبحت هذه الممارسات أكثر منهجية بعد احتلال عام 1967، حيث تحول العنف الجنسي إلى أداة قمع تُستخدم ضد الفلسطينيين من كلا الجنسين. وآخر فضيحة تناولتها وسائل الإعلام نتيجة تسريب فيديوهات لها؛ كانت حالات الاغتصاب الجماعي للرهائن الفلسطينيين الذكور في الزنازين الإسرائيلية العام الماضي. ويوضح تقرير الأمم المتحدة الأخير أن الجرائم الجنسية التي ترتكبها إسرائيل ليست مجرد تجاوزات فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف ليس فقط إلى إذلال الفلسطينيين وإلحاق الأذى بهم، وإنما إلى "الهيمنة عليهم، وقمعهم، وتدميرهم جزئيا أو كليا". ومع ذلك، فإن عنصرية المجتمع الإسرائيلي وإيمانه العميق بتفوقه، إلى جانب الدعم الغربي غير المشروط، لا يزال يحصّن إسرائيل من المساءلة، ويعزلها عن مواجهة هذه الحقائق الموثقة.

مقالات مشابهة

  • ندوة بنقابة المهندسين تسعى إلى ربط بين العلوم الشرعية والذكاء الاصطناعي
  • بالفيديو.. باحث بـ"المصري للدراسات": مصر أنقذت القضية الفلسطينية ومقترح ترامب انتهى
  • بنك الشمول الإسلامي ينظم ندوة عن الشمول المالي والادخار ضمن أسبوع المال العالمي 2025
  • اغتصاب الشعب الفلسطيني
  • ذكرى رحيل البابا شنودة .. دعّم القضية الفلسطينية وجمع المسلمين والمسيحيين على موائد الإفطار
  • كيف ساهمت المواقف المصرية فى الحفاظ على القضية الفلسطينية؟
  • تحالف الأحزاب: الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة الأكثر إنصافا لحل القضية الفلسطينية
  • تحالف الأحزاب: الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة الأكثر عقلانية لحل القضية الفلسطينية
  • التأمين الصحي ببني سويف ينظم ندوة لنشر الوعي المجتمعي بالقضية السكانية
  • «الإمارات للدراسات» ينظم جلسة «في فكر القيادة الرشيدة»