ألقى رئيس اتحاد المحامين العرب، عبدالحليم علام نقيب المحامين المصريين، كلمة خلال مشاركته في افتتاح الانعقاد الأول للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بالأردن، الذي أقيم أمس الخميس الموافق 2 نوفمبر 2023، وذلك تحت شعار (فلسطين القضية العادلة).

وجاءت نص كلمته كالتالي:


خطاب النقيب عبد الحليم علام رئيس اتحاد المحامين العرب في افتتاح الانعقاد الأول للمكتب الدائم بالأردن نوفمبر 2023

بسم الله الرحمن الرحيم
•  معالي السيد الأستاذ / رئيس مجلس النواب الأردني
•  معالي السيد الأستاذ / رئيس مجلس الأعيان الأردني
•  معالي السيد الأستاذ / وزير العدل الأردني
•  معالي السيد الأستاذ / يحيى أبو عبود نقيب المحامين بالأردن رئيس الدورة
•  معالي السيد الأستاذ / المكاوي بنعيسى أمين عام اتحاد المحامين العرب
•  السادة الأمناء العموم المساعدون
•  السادة النقباء العرب أعضاء المكتب الدائم
• السادة ضيوف المؤتمر .

. الحضور الكريم

تحية الحق والعروبة
بداية أقدم الشكر والتقدير، للمملكة الأردنية الهاشمية، ونقابة المحامين برئاسة معالي النقيب يحيى أبو عبود، التي حملت على عاتقها استضافة هذا الانعقاد في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ أمتنا العربية وعلى الرعاية الكريمة التي حظى بها هذا الانعقاد من مجلس النواب الأردني برئاسة السيد أحمد الصفتى رئيس مجلس النواب.

حضرات السيدات والسادة؛ نجتمع اليوم في لحظة فارقة منً التاريخ الإنساني تشهد فيه منطقتنا العربية حربًا ضروسًا لم تشهد لها مثيل من قبل فقد اجتمعت على أرضنا كل جيوش العالم تدعم وتضرب جنبًا إلى جنب مع عدونا، بعد أن دمرت كل مظاهر الحياة على إحدى أراضينا العربية المقدسة، أنها أرض فلسطين وأنه قطاع غزة رمزالعزة والكرامة.

وقد كشفت هذه الحرب عن مخططات أعدائنا  نحو تهجير وطرد أهلنا من أراضيهم واقتالعهم من جذورهم، وفرض واقع جديد، يزيد مساحة الأرض المحتلة، ويضعنا أمام نكبة جديدة، وتصفية كاملة للقضية، ولكن بسالة المقاومة، وصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه ووطنه، ووقفة مصر وأشقائها العرب، أحبطت كل ذلك.


نعم، لقد غيرت معركة طوفان الأقصى، معادلة الصراع العربي الصهيوني،، وأحبطت كل مؤامراته، وقلبت كل موازين القوى، وأثبتت صحة المقولة التاريخية، للزعيم الخالد جمال عبد الناصر، "ًأن ما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة".

ومن هنا،  فإننا نوجه التحية كل التحية،، إلى هؤلاء الأبطال، الذين رفعوا راية العزة والكرامة، وأعادوا روح المقاومة إلى جسد الأمة العربية كلها.

وعلى الجانب الآخر، رأينا صمودًا أسطوريًا،  للمدنيين من الشعب الفلسطيني، الذي حوصر من كل مكان، وحرم وسائل العيش، من ماء ودواء، وكهرباء ووقود، ثم حرم كل مظاهر الحياة، وتحمل هذا الشعب الأعزل، مذابح وحشية، ومجازر بربرية هزت ضمير العالم منها، لم تسلم منها مساجد ولا كنائس ولا مدارس، ولا مستشفيات، وقد راح ضحية هذه المجازر، أكثر من تسعة آلاف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من عشرين ألف جريح ومصاب.

فالتحية كل التحية لهذا الشعب العربي البطل ومقاومته الباسلة.

وقد قامت مصر منذ اللحظة الأولى، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي،، بالعمل على وقف العدوان، ورفض الطلب الأمريكي بخروج 
الرعايا الأجانب من معبر رفح، حتى يتم إدخال المساعدات لأهالي غزة المحاصرين، وأصرت على ذلك.

وحذرت مصر من الاقتراب بحدودها، تنفيذًا لمخططات التهجير والتوطنين، التي أعلن عنها، وأنها تدعم حق الشعب الفلسطيني، في تقرير مصيره، وإقامة دولته على أرضه، التي لا يقبل بديلاً عنها.

وفي نفس الوقت أكدت مصر أنها لن تسمح بأي مساس بحدودها، وأن جيشها،  على استعداد لمواجهة ذلك بكل القوة، وكما قال الرئيس: "إذا كان جيش مصر قد فعلها مرة، فهو قادر على أن يفعلها مرة أخرى".

وقد ساندت المملكة الأردنية الهاشمية مصر في ذلك وتكامل الموقف العربي عندما رفضت مصر والأردن، والسلطة الفلسطينية لقاء الرئيس الأمريكي في القمة الرباعية التي كان مقررًا عقدها بالأردن في موقف مشترك يؤكد عدم التنازل عن مبدأ وقف العدوان، وإدانة قتل الأبرياء دون تمييز.

وتحملت مصر بعضًا من الاستفزازات ولم تنجرف إلى حماقات أو تصرفات غير مسئولة ومارست كل الضغوط حتى نجحت في توصيل قوافل من المساعدات عبر معبر رفح.

وكشفت مصر ، أمام دول العالم فى مؤتمر السلام،، حقيقة القضية ،،وكامل أبعادها، وحذرت من تداعياتها ، حتى وإن لم يصدر عن ذلك بيان، فإن رفض إصدار بيان لم يكن فشلاً، بقدر أنه كان تعبيرا عن عدم رضوخ الإرادة العربية للموقف الأمريكي والغربي المنحاز للعدو.

وقد ظهر غياب المجتمع الدولي، وخضوعه في البداية، للإملاءات الأمريكية، المنحازة إلى جيش الاحتلال، إلا أن تصرحيات الأمين العام للأمم المتحدة قد خففت شيئًا من ذلك عندما قال: "إن هجمات حماس يوم السابع من أكتوبر كانت رد فعل على ممارسات الاحتلال طيلة 56 عاماً، وأنها لم تحدث من فراغ، وأنها لا تبرر القتل الجماعي الذي تشهده غزة.

كما ساندت شعوب العالم الحق الفلسطيني وانتفضت تعلن إدانتها للكيان المحتل، وتندد بالمجازر التي ترتكب في حق الأبرياء، وترفض تبرير أعمال العنف، والعقاب الجماعي، وتطالب برفع الحصار عن قطاع غزة.

ومع تواصل العدوان، وأعمال العنف، التي وصلت إلى ذروتها، ومع فشل مجلس الأمن الدولي أمام مشروعات قرارات بوقف إطلاق النار، نجحت المجموعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحصول على قرار أممي، وبأغلبية كبيرة، صوتت فيها 120 دولة عضواً بالأمم المتحدة على قرار هدنة إنسانية توقف
خلالها أعمال العنف، وتسمح بدخول المساعدات، وقوافل الإغاثة إلى المحاصرين.

ومع أنه قرار غير ملزم، إلا أنه يعد بادرة لفرض الإرادة العربية على الهيمنة الأمريكية ومقدمة لإعادة موازين العدالة إلى المجتمع الدولي.

دعونا نقول بكل الصدق أن الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني  باتا يشكلان منعطفًا جديدًا في التعامل مع القضية الفلسطينيةً، وأصبح على العالم، أن يعيد النظر في جدوى المنظمات الدولية، بعيداً عن غطرسة الدول الكبرى، فالحق يعلو فوق كل قوة، والإرادة والعزيمة تسمو على كل غطرسة وكبرياء.

علينا أن نصارح أنفسنا بأننا لم نكن على إدراك كامل، بمدى قوتنا، وأهمية وحدتنا، وأن عدونا واحد، وعلينا أيضًا ألا تقتصر ردود أفعال مؤسساتنا تجاه أي عدوان على شعوبنا ببيانات شجب أو ادانة واستنكار،  فقد فرضت المعركة على الواقع العربى، أن تكون له آلياته الجديدة لمواجهة كل التحديات.

نعم : لقدحان الوقت، أن تكون للأمة العربية،وسائل لفض المنازعات التي تجرى فيما بين دولها، بعضها البعض،  أو فيما يحدث من نزاعات داخل البلد العربى الواحد.

ولعل ما يجرى في السودان، وليبيا، وسوريا، ولبنان من نزاعات داخلية ساهمت قوى أجنبية في إشعالها، تغذي هذه الصراعات، على حساب مصالح شعوب هذه البلدان العربية، لتستمر الفتنة، ويزداد الصراع،، فما أحوجنا أن تكون لنا آليات لكل الخلافات العربية.

فقد أصبح علينا أن نراعي الآتي:

أولاً: أن نعيد النظر في كل اتفاقيات السلام التي أبرمت بين العرب والكيان الصهيوني فقد أصبحت حبراً على ورق، ومن جهة ثانية لابد من إعادة النظر في اتفاقيات التطبيع مع هذا الكيان لأثاره المدمرة على مستقبل شعوبنا.

ثانيًا: علينا أن ندرك جيدًا أن أي اتفاق سلام يتم إبرامه بعد هذه الحرب لا يعيد الأرض الفلسطينية لأصحابها، ولا يعطي الشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره، وإقامة دولته على كامل أرضه، وعاصمتها القدس الشريف، فإنه والعدم سواء.


ثالثًا: علينا أن نطالب حكوماتنا بطرد سفراء الدول التي تدعم الكيان الصهيوني، على حساب الشعب
الفلسطيني.

رابعًا: على الدول العربية جميعاً أن تقف ضد مخططات التهجير والتوطين التي يخطط لها العدو منذ سنوات، بعد أن أصبحوا مدركين بخطورة ذلك على بقاء القضية الفلسطينية ذاتها دون تصفيتها، باعتبار أن ذلك مقدمة لإقامة دولة الكيان، من النيل إلى الفرات.

خامسًا: علينا ألا نتهاون في قبول تدنيس مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، لأن المساس بهما انتهاك للأمن القومي العربي،  وقد أدرك العالم كله، أن الشعوب العربية باتت على قلب رجل واحد، وأنهم لن يعودوا كما كانوا من قبل.

سادساً: علينا في اتحاد المحامين العرب أن نسعى لوضع برنامج عمل نوثق فيه جرائم الحرب التي ارتكبت كل على حدة، لتقديم مرتكبيها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعلينا توفير الدعم الكامل للقضية الفلسطينية، قانونياً ومادياً ومعنوياً.

وفى الختام نقول أن إسرائيل إرهابية، وأن أمريكا إرهابية، وأن فرنسا إرهابية، وأن ألمانيا إرهابية وأن فلسطين عربية رغم أنف الصهيونية
عاشت فلسطين وعاشت القضية الفلسطينية، عاشت الأمة العربية.

كلمة رئيس اتحاد المحامين العرب في الحفل الافتتاحي لأعمال المكتب الدائم بالأردن اتحاد المحامين العرب في الحفل الافتتاحي لأعمال المكتب الدائم بالأردن اتحاد المحامين العرب في الحفل الافتتاحي لأعمال المكتب الدائم بالأردن اتحاد المحامين العرب في الحفل الافتتاحي لأعمال المكتب الدائم بالأردن اتحاد المحامين العرب في الحفل الافتتاحي لأعمال المكتب الدائم بالأردن اتحاد المحامين العرب في الحفل الافتتاحي لأعمال المكتب الدائم بالأردن

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: اتحاد المحامين عبدالحليم علام للمكتب الدائم بالأردن رئیس اتحاد المحامین العرب الشعب الفلسطینی علینا أن

إقرأ أيضاً:

علوم العرب القديمة وقضاياهم المعاصرة بعيون أبرز العقول العربية المهاجرة

الكتاب: محادثة مع رشدي راشد في الرياضيات، في تاريخ العلوم وفي العالم العربي الإسلامي
الكاتب:  ديديي غازانيادو، ترجمة وتقديم د. يوسف بن عثمان مراجعة رشدي راشد
الناشر: منظمة المجتمع العلمي العربي، إنجلترا ويلز ومؤسسة الربان للدراسات والبحوث، الدوحة- الطبعة الأولى،  2025.
عدد الصفحات: 190 صفحة

ـ 1 ـ

هذا الكتاب حوار مطوّل أجراه أستاذ الأنثروبولوجيا ديدبي غازانيادو، مع الأستاذ الباحث في فلسفة العلوم رشدي راشد، سلّط فيه الضوء على  حياته الخاصة وعلى مسيرته العلمية والفكرية. وفضله يتمثّل في كونه قدّم لنا قامة علمية عربية لا نكاد نعرف عنها الكثير من جهة نشأتها في القاهرة أو من جهة طلبها للمعرفة في الجامعات الأوروبية ثم أسهامها في إنتاجها هناك.

نشأ رشدي راشد صاحب الأصول القروية واليتيم الأب، ضمن عائلة تقليدية يرعاها جدّ مثقف، حاصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر. وخوّل له تميّزه بين أقرانه أن يختتم دراسته الجامعية في مصر بالحصول على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة القاهرة بتفوّق والحصول على منحة للدراسة في فرنسا. وهناك أحرز على البكالوريوس في الرياضيات من جامعة باريس ثم على درجة الدكتوراه في تاريخ الرياضيات وتطبيقاتها.

ولأنه يرفض العيش في بلاد لا تحترم معنى المواطنة ويتبنى مواقف فكرية وسياسية لا ينظر إليها النظام بعين الرضا عاش مغتربا. فانخرط بصفته باحثا، في أهم مراكزها البحثية كالمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي ثم تولى إدارة بعضها كمركز الأبحاث في معهد تاريخ العلوم والفلسفة في باريس أو أبحاث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم في جامعة دنيس ديدرو ـ باريس أو مركز الفلسفة والعلوم والفلسفة العربية للعصور الوسطى وأسّس فريق بحوث الابستمولوجيا وتاريخ العلوم والمعاهد العلمية. وأشرف على موسوعة تاريخ العلوم العربية التي صدرت في لندن ونيويورك طبعتها الأولى في 1996م وحرّر بنفسه بعض مداخلها. وبديهي أن يكون الحصاد العلمي وفيرا. فقد نشر أكثر من ثلاثين كتابًا في مجالات تخصصه الدقيق ووجد الاعتراف العالمي فنال الجوائز الكبيرة والأوسمة التقديرية.

ـ 2 ـ

مثلت دراسته للهندسة الكروية وعلم الفلك وبحوثه في الرياضيات التحليلية وفي فلسفتها وتطبيقاتها في العلوم الاجتماعية أُسس مشروعه العلمي. ومثّلت نظرية الاحتمالات قطب الرحى منه.  ولعلّه تأثر بهاجس الفلسفة الوضعية التي كان لها وقع على مختلف مناحي الحياة المعاصرة وبسليلتها، البنيوية من بعد. فاشتغل على موضوع ترييض النظريات غير المهيأة، ويقصد بالمصطلح شكلنة العلوم الإنسانية رياضيا ضمن نظريات وقواعد.

لا يجد رشدي راشد في هزيمة 1967 هزيمة عسكرية بقدر ما يفهمها باعتبارها هزيمة وثقافية وحضارية. فمن الجانب العربي يُرجِع سببها إلى خلل في التعاطي مع العلم والحرية السياسية والديمقراطية. وبالمقابل فمن خلقوا إسرائيل، هم في معظمهم يهود أوروبيون بل وأمريكيون وهم بالأساس أشخاص من ذوي الثقافة والعلم. أضف إلى ذلك أنّ إسرائيل قد احتضنت عددا مهولا من العلماء السوفييت. والتوازن الذي يحفظ الحقوق يقتضي وجود دول عربية تقدمية، واعية ثقافيا، تستثمر في العلم وما ينتج عن العلم. وهذا غير موجود في زمننا الحالي.وعمل على تطبيق الرياضيات في العلوم الاجتماعية. وكانت غايته أن يفهم طبيعة عمل العلوم الاجتماعية ودرجة موضوعيتها وأن يجيب عن بعض الأسئلة الحارقة حينها. فقد كان الاختلاف قائما حول طبيعة هذه العلوم، هل هي علوم حقيقية أم إيديولوجيا خالصة وبسيطة، وحول مدى قابلية تلك العلوم للشكلنة الرياضية. ومن هنا نشأةُ ما اصطلح عليه بعلم الاحتمال. والمراد به حساب الاحتمالات بما هي حسابات مطبقو في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية.

ـ 3 ـ

انتهى البحث برشدي راشد إلى أنّ النظرية الاجتماعية ذاتها لم تتبلور بشكل كاف. فهي ليست محكمة الترابط كفاية لتقبل تشكّلا رياضيا. وقدّر أننا لا نتوفر بعدُ على نظرية في العلوم الاجتماعية تقبل أن تُلبس، بالمعنى الصارم للكلمة، الرياضيات، وإنما توجد إيديولوجيات ليبرالية خاصّة تهيمن على كل الدراسات وتوجه نتائجها العلمية لفائدتها، وتعيق بالنتيجة كل محاولات ترييض العلوم الاجتماعية. وهذا ما جعله يتفق مع كلود لفي شتراوس في رأيه القائل بكونه "لا يشعر بأي ضيق في الاعتراف بأنه ليس بوسعنا أن نزعم وجود تكافؤ حقيقي بين هذه العلوم والعلوم الدقيقة والطبيعية".

ومثلت دراسته للعلوم الرياضيات العربية ولتطبيقاتها في مجال البصريات مجال اهتمامه الثاني. فبحث في فكر كبار العلماء العرب واعتنى بتحليل أعمالهم ونزّلها في سياقاتها الحضارية. وسعى من خلال البحث في تاريخ العلوم العربية وفي فلسفتها إلى أن يمنح للتراث العلمي العربي المكانة التي هو جدير بها ضمن العقلانيات والتقاليد العلمية التاريخية. وظلّ مدافعا عن أطروحته القائلة بفكرة وجود عقلانيات متعددة ممكنة. وللبرهنة على صواب فكره عرّف مختلف أشكال العقلانية وبلورها. وبيّن علاقة العلوم العربية التطورية بالعلم اليوناني السابق عليه والعلم الغربي الحديث اللاحق به. و"أمكن له بواسطة هذا المنهج، وفق محرر الكتاب، أن يكشف عن الطبيعة الخاصة للعلم العربي/الإسلامي وللمجتمعات العربية / الإسلامية التي أنتجته وكيفية تميزه عن العلوم السابقة واللاحقة عليه".

ـ 4 ـ

على مستوى علاقته بهموم المجتمع العربي وانخراطه في قضاياه يذكر رشدي راشد أنه حضر في العام 1958 حفلا في سفارة مصر بباريس احتفاء بالوحدة مع سوريا. وكان طالبا بعد يعوّل على منحة الدولة المصرية لمواصلة دراسته. فإذا به يأخذ الكلمة، وخلافا لخطابات الاحتفاء والتمجيد عبّر عن تشاؤمه بشأن مستقبل هذه الخطوة السياسية لأنّ  "الوحدة لا يمكن أن تقوم في ظل الدكتاتورية". وكان لهذا الرأي تبعات. فقد تم إيقاف صرف منحته ممّا جعله مضطرا للعمل بصفة مساعد في فلسفة العلوم والمنطق في برلين، في ظل جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

ورغم عودته للوطن الأم في العام 1965 بعد أن وصلته دعوة للحضور إلى مصر وبعد أن منحه عبد الناصر الأمان، اختار الهجرة من جديد. فالخطاب السياسي حينها جعله يشعر أنه لا وجود لمفهوم المواطن أو لفكرة المواطنة في أذهان السّاسة، سواء كان مثقفاً أو غير مثقف. ويبدو أنه ظل قريبا من الهموم السياسية العربية فكريا، بعيدا عنها جغرافيا، على الأقل. وهذا ما منحه القدرة على التفكير في القضية الفلسطينية وفي أثر هزيمة 1967  ومعاهده كامب دافيد  ونزعات التدين التي اجتاحت العالم العربي وما صحبها من ظهور للإسلام السياسي بروية بعيدا عن الحماسة والانفعال.

ـ 5 ـ

لا يجد رشدي راشد في هزيمة 1967 هزيمة عسكرية بقدر ما يفهمها باعتبارها هزيمة وثقافية وحضارية. فمن الجانب العربي يُرجِع سببها إلى خلل في التعاطي مع العلم والحرية السياسية والديمقراطية. وبالمقابل فمن خلقوا إسرائيل، هم في معظمهم يهود أوروبيون بل وأمريكيون وهم بالأساس أشخاص من ذوي الثقافة والعلم. أضف إلى ذلك أنّ إسرائيل قد احتضنت عددا مهولا من العلماء السوفييت. والتوازن الذي يحفظ الحقوق يقتضي وجود دول عربية تقدمية، واعية ثقافيا، تستثمر في العلم وما ينتج عن العلم. وهذا غير موجود في زمننا الحالي.

من هنا يجد في معاهدة كامب دافيد أكبر الأخطاء السياسية. فهذه الخطوة التي لجأ إليها نظام أنور السادات المهدّد بالمحافظة على بقائه بشكل رسمي، تسبّبت في تفتيت وحدة العالم العربي، وسمحت بصرف النظر عن القضية الفلسطينية. ورغم ما فيها من بنود تخص الفلسطينيين، شأن مسألة حق العودة وإنشاء دولة فلسطينية، فإن إسرائيل لقي بها عرض الحائط ولا يمكن لمصر أن تفرض تفعيلها. وما البنود الأخرى التي لم يفصح عنها بشكل علني كمنع مصر من الاستثمار في بعض حقول البحث، لا سيما في مجال الفيزياء النووية فتنفذ بدقة. وعليه وبشكل، ما يجد أنّ ما يجري اليوم في غزة من بين تبعاتها الثقيلة.

ـ 6 ـ

يصدر رشدي راشد في آرائه من قناعته بأنّ القضية الفلسطينية هي القضية الأساسية في العالم اليوم. ويجد في الطريقة التي يعامل بها فلسطينيو 48 إحدى أكبر فضائح القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. ذلك أنّ دولة إسرائيل دولة يهودية وأن الأقلية العربية مسلوبة لحقوق. فيطرد الناس من ديارهم وتغتصب أراضيهم. وقانون الجنسية الذي تم التصويت عليه حديثا في البرلمان الإسرائيلي، على سبيل المثال، لا يسمح، للفلسطيني المتزوج بعربية إسرائيلية الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وبالمقابل لا تحرك المجموعة الدولية بأسرها ساكنا إزاء التمييز العرقي وحروب التطهير والإبادة الجماعية. وتدع الأشياء تحدث. والأدهى أنّ الأمم المتحدة، التي تمثل المجموعة الدولية، تدعم دولة إسرائيل بشكل ممنهج.

يمكننا أن نكون شيوعيين ملحدين. ولكن لا يمكننا أن ننكر أنّ الدين الإسلامي قد أسهم في خلق حضارة عظيمة توجب علينا أن نقدرها حق قدرها أولا وقد لعب دورا بخصوص قيمة اللغة العربية ومباحثها اللغوية ثانيا.أما عن السلطة الفلسطينية فيقدّر أننا لا نستطيع فهم تصرف مسؤوليها دون تحليل اجتماعي. فمن يكون هؤلاء الأشخاص من الناحية الاجتماعية، مقارنة بالشعب الفلسطيني؟ وفي أسئلته ما ينزع عنها التزامها بالخط الوطني. وهذا السؤال لا يطرح بشأن السلطة في غزة. ومع ذلك يجد أن رجالها يفتقرون إلى النضج السياسي الذي يخول لهم تحليل الوضع السابق، والعلاقة مع الوضع الدولي للتصرّف بحكمة.

هل هم يتصرفون من منطلق اليأس أكثر من التحليل العميق للوضع الراّهن؟ تدفعنا مجريات الأمور إلى التسليم بذلك. فالولايات المتحدة تبارك بشكل ممنهج ما تقوم به إسرائيل. ومن مصلحتها أن تحافظ على هذه الوضعية أي أن يكون لها رجل مسلح على عين المكان طالما مثّلت المنطقة مصدر رئيسيا للطاقة. وكل الفاعلين الآخرين ليسوا سوى شركاء عاجزين. والإسرائيليون الذين يريدون التوصل إلى حلّ حقيقي وسلام دائم يمثلون أقلية تتناقص بشكل مطرد. ولا سلام يلوح الآن في الأفق.

ـ 7 ـ

يمثل الإسلام السياسي وعلاقته بتديّن الشعوب ركنا رئيسيا اليوم في كلّ تفكير حضاري. ويرى رشدي راشد الذي نشأ في شبابه قريبا من الفكر الإخواني ثم وجد نفسه يتبنى أطروحات اشتراكية لاحقا، ضرورةَ التمييز بين ما هو أصيل وما هو غير أصيل. فيمكننا ألا نؤمن بدين معين، ولكن لا يمكننا إلاّ أن نؤمن بحضارة لعب فيها الدين دورًا رياديا. وعليه يمكننا أن نكون شيوعيين ملحدين. ولكن لا يمكننا أن ننكر أنّ الدين الإسلامي قد أسهم في خلق حضارة عظيمة توجب علينا أن نقدرها حق قدرها أولا وقد لعب دورا بخصوص قيمة اللغة العربية ومباحثها اللغوية ثانيا. فقد حفز الهمم. فظهر نحاة كبار كانت دوافعهم دينية في بواكير الحضارة الإسلامية، ثم أصبحت هذه العلوم مقصودة بذاتها لاحقا.

ومن هنا يرى الباحث أنّ الإسلام ليس مجرد دين، إنه ثقافة عريقة تمتد إلى خمسة عشر قرنا تحققت فيها الكثير من الاكتشافات. وعليه أيضا فأغلبنا مسلم دينيا ولكنّ جميعنا مسلم ثقافياً وحضارياً. ومنه يخلص إلى أنّ ["الإسلام قد خلق حضارة عظيمة، أما أن يوجد اليوم استعمال آخر للإسلام أو أن أشخاصا آخرين يحوّلون وجهته، فتلك مسألة أخرى. ذلك هو التاريخ فأولئك الذين يسمون جهاديين أو إرهابيين ليسوا متدينين البتة. أنا أنتمي إلى جيل أو إلى تكوين ينظر إلى الدين كما هو علاقة بالمقدس وعنصر مؤسس الحضارة". وبأسف حول تراجع حريّة التفكير، يذكّرنا بأنّ ابن حزم مفكر قرطبة الكبير، في القرن الحادي عشر، قال : " إن القرآن ليس معجزة"، وأنه لو قالها اليوم، لقتل. لكنه قال ذلك ولم يُحدث صدمة. ووجه الانحراف في العالم العربي الحديث وجود حكم جاهز يؤخذ دون دراسة معمقة للنصوص"]. ولئن عدّ كل الأطروحات ممكنة، فإنّه يحترز على الدفاع عن بعضها دون عمل العقل في بنائها مسبقا.

مقالات مشابهة

  • غدا.. حفل نجوم الموسيقى العربية بروائع أم كلثوم
  • على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.. الشيباني يلتقي رئيس إقليم كردستان العراق وممثل ليشتينشتاين بالأمم المتحدة
  • علوم العرب القديمة وقضاياهم المعاصرة بعيون أبرز العقول العربية المهاجرة
  • قمة الشعوب العربية ترفض خطة ترامب.. فلسطين ستظل قضية العرب الأولى
  • تكريم عمان الأهلية في السعودية بحفل تصنيف الجامعات العربية لحصولها على المرتبة 2 محلياً و16 عربياً
  • «بذرة القمر».. إصدار جديد لمركز أبوظبي للغة العربية عن مشروع كلمة
  • "بذرة القمر" إصدار جديد لمركز أبوظبي للغة العربية عن مشروع كلمة
  • بكاء زوجة الخطيب أثناء كلمة رئيس النادي في احتفالية الأهلي
  • اتحاد «العمال العرب»: نتمسك بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة
  • خبراء أردنيون: القمة العربية التي دعت لها مصر رسالة للعالم بوحدة الصف العربي ضد التهجير