تجارب الألم والإنجاز لصحفيين لمعوا خلال العدوان على غزة
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
غزة- منذ اندلاع عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة في السابع من الشهر الماضي، لم يلتق الصحفي الشاب أنس الشريف بطفلته الصغيرة وزوجته الحامل سوى مرتين وعلى نحو سريع، لانشغاله على مدار اللحظة بتغطية تطورات العدوان في مناطق شمال القطاع.
يعيش الشريف (27 عاما) قلقا مركّبا على نفسه وأسرته، ويقول للجزيرة نت "الاحتلال يشن حربا شرسة لا حصانة فيها لأحد، والصحفيون وعائلاتهم باتوا جزءا من ضحايا هذه الحرب، فاستشهدوا وجرحوا في غارات جوية استهدفتهم في الميدان وداخل منازلهم".
ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين والمكتب الإعلامي الحكومي استشهاد 35 صحفيا وناشطا إعلاميا، وجرح عشرات آخرين، وتدمير مقار ومكاتب إعلامية، فضلا عن مآسي ألمّت بصحفيين فقدوا أسرهم بالكامل، أو أفرادا من عائلاتهم، بقصف منازلهم وكذلك منازل نزحوا إليها، بغرض إرهابهم وإسكات صوت الحقيقية.
أنس الشريف نقل الصور الأولى لمجزرة مخيم جباليا التي راح ضحيتها نحو 500 فلسطيني بين شهيد وجريح (مواقع التواصل) الناجي والشاهدوالصحفي الشريف نفسه نجا بأعجوبة من غارات جوية استهدفت مناطق في شمال القطاع، تصادف وجوده فيها خلال عمله الميداني، وكذلك فقد عددا من أبناء عمومته أثناء القصف. وقال إن تكرار الجرائم الإسرائيلية بحق الصحفيين وعائلاتهم يشعره بقلق كبير على أسرته الصغيرة وعائلته.
وما يخفف عن هذا الصحفي الشاب -برأيه- أنه يقوم بعمل وطني ومهني لكشف حجم المجازر التي ترتكبها آلات القتل والدمار لجيش الاحتلال بحق المدنيين.
ومن بين هذه المجازر التي انفرد الشريف بتوثيقها ما تعرض له مخيم جباليا للاجئين من غارات جوية إسرائيلية مساء الثلاثاء خاصة، دمّرت عددا كبيرا من المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وأسفرت عن 500 شهيد وجريح ومفقود.
وكاد الشريف نفسه أن يكون أحد ضحايا هذه المجزرة، وقال "ثوانٍ معدودة وخطوات قليلة حالت دون استشهادي، كنت على بعد أمتار قليلة من هذا المربع السكني، عندما انهمرت عليه صواريخ ثقيلة أحدثت دمارا هائلا في عشرات المنازل".
وفي سبيل مواصلة تأدية رسالته، يكابد أنس مشاق ومعوّقات، ولا يعرف من النوم والطعام إلا القليل، ومنذ اندلاع هذه العدوان لم ينم في اليوم الواحد أكثر من ساعتين، مع الكثير من القلق والاستيقاظ فزعا على أصوات الانفجارات في محيط المستشفى الإندونيسي، حيث ملجأ الصحفيين في مخيم جباليا وشمال القطاع خلال ساعات الليل التي تحمل معها الكثير من الرعب والموت والدمار.
وثقت الجهات المسؤولة استشهاد 35 صحفيا وجرح عشرات آخرين بسبب العدوان على قطاع غزة (غيتي) مشاهد مؤلمةبرز اسم الشريف منذ بداية العدوان، كصحفي مثابر يلاحق القصف الإسرائيلي جوا وبرا وبحرا، وانتشرت له مقاطع مصورة مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي، وبثت بعضها كبريات القنوات الإخبارية، أهمها قناة الجزيرة.
وما يجعله قادرا على المواصلة والاستمرار، رغم المخاطر المحدقة به وبأمثاله من الصحفيين في الميدان، مقدار التفاعل مع القصص الإنسانية التي يوثقها، لكن حسابات الشريف تعرضت للحجب والتعطيل بعدما وصل عدد متابعيه مئات الآلاف، غير أنه لم يستسلم للقيود المفروضة على المحتوى الفلسطيني، وافتتح حسابات جديدة، وخلال ساعات قليلة تابعه عشرات الآلاف.
يعتقد الصحفي الشاب أن الكثير من القصص التي كان شاهدا عليها، ستبقى محفورة في ذاكرته ولن ينساها لبقية حياته، وأشدّها ألما مشهد شاب ينبش بيديه بين ركام منزله المدمر بحثا عن والدته، ولسانه لا يتوقف عن الترديد بنبرة تقترب من الصراخ "حسبنا الله ونعم الوكيل".
وفي مشهد آخر لا يقل ألما، كان أفراد أسرة يصرخون من تحت ركام منزلهم يناشدون النجدة، في حين طواقم الدفاع المدني يكبلها العجز لقلة الكادر البشري والآليات المطلوبة.
تجربة أولى في الحربوبات الصحفي الشاب معتز عزايزة، واحدا من أبرز الأصوات الإعلامية الفلسطينية المتابعة عالميا من خلال نقله تداعيات القصف الإسرائيلي على الأطفال والعائلات والأحياء في غزة، باللغة الإنجليزية.
ويتابع عزايزة على حسابه في منصة "إنستغرام" أكثر من 12 مليون شخص حول العالم. ورغم فقدانه 15 فردا من عائلته في القصف الإسرائيلي، إلا أنه واصل بث مأساة غزة للعالم.
الصحفية بلستيا العقاد قفز عدد متابعيها إلى مليونين بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (مواقع التواصل)
أما الصحفية العشرينية بلستيا العقاد، فكانت هي الأخرى على موعد مع أحد المشاهد المؤلمة، بطلته الطفلة "ميليسا" وتبلغ من العمر عاما و4 شهور، وهي الناجية الوحيدة من قصف منزل مكون من 4 طوابق، وفقدت تحت أنقاضه أمها الحامل بتوأم في شهرها التاسع، ووالدها وشقيقها وأعمامها، ولم يتبق لها سوى عمتها، التي لم تكن موجودة لحظة القصف.
وبلستيا (22 عاما)، صحفية تتحدث باللغة الإنجليزية وتعمل لصالح وسائل إعلام غربية، وتنشر قصصا على حسابها بمنصة "إنستغرام"، الذي شهد عدد متابعيه عليه قفزة هائلة من 3 آلاف فقط قبل العداون إلى نحو مليوني متابع، وحصد أحد المشاهد نحو مليون مشاهدة.
وتجد بلستيا تفاعلا كبيرا من متابعيها الأجانب. وتقول للجزيرة نت "من المهم توظيف لغات أجنبية، خاصة اللغة الإنجليزية، في تغطية الحرب على غزة، ووضع العالم في صورة ما يحدث على الأرض".
عايشت بلستيا حروبا وجولات تصعيد عدة شنتها إسرائيل على القطاع خلال السنوات الماضية، غير أن هذه هي تجربتها الأولى للعمل صحفية بميدان الحرب، التي تصنفها -كما باقي أهل غزة- أنها الأعنف والأشد شراسة.
وإلى جانب مخاطر العمل بالميدان، تعيش بلستيا قلقا على أسرتها التي اضطرت إلى النزوح من مدينة غزة إلى أماكن عدة، قبل أن يستقر بها المقام في مدينة خان يونس جنوب القطاع.
وتقول "لم نعد كصحفيين في مأمن من صاروخ أو قذيفة، بعدما تكرر الاستهداف لزملاء ارتقوا شهداء أو أصيبوا بجروح"، غير أن الأخطر -برأيها- هو استهداف عائلات الصحفيين داخل منازلهم، الأمر الذي يجعلها دائمة القلق على أسرتها.
طفل يلقن الشهادة لشقيقهوإضافة إلى هذا القلق، يضاعف انهيار خدمات الاتصالات والإنترنت ونفاد الوقود، من تعقيدات عمل بلستيا والصحفيين في غزة، وأحدهم الصحفي هاني أبو رزق المقيم في مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط ظروف مأساويةـ بعدما نزح من مدينة غزة.
وبرز أبو رزق (29 عاما) من بين أسماء صحفيين من الجيل الشاب، الذين يوظفون التقنيات الحديثة في توثيق العداون، ومن بين أبرز القصص التي وثقها، حصد مقطع فيديو قصير تفاعلا واسعا لطفلين فلسطينيين يلقّن أحدهما الشهادة لشقيقه المصاب جراء غارة إسرائيلية.
ويعمل أبو رزق ليلا ونهارا، في رصد القصص الإنسانية اللافتة وسط أكوام المنازل المدمرة. ويقول للجزيرة نت "نحن لسنا أرقاما، ووراء كل شهيد وكل جريح وتحت كل حجر في غزة حكاية يجب توثيقها وأن يعرفها العالم".
ويرى أن مواقف الشعوب حول العالم تختلف عن الكثير من أنظمتها، وهو ما يظهره حجم التفاعل مع القصص المنشورة عن تداعيات الحرب على غزة، وأبو رزق نفسه لمس ذلك من ارتفاع أعداد متابعيه من 80 ألفا إلى أكثر من نصف مليون على منصة "إنستغرام"، وقال إن "إسرائيل ترتكب المجازر ويجب علينا جمع الأدلة وتوثيقها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکثیر من على غزة
إقرأ أيضاً:
جهود مُكثفة لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي على غزة
تُكثف السلطات الفلسطينية في غزة جهودها من أجل إعادة القطاع ليكون مكاناً قابلاً للحياة من جديد.
اقرأ أيضاً: صحف عبرية: حماس تعمدت إذلال إسرائيل في مراسم تسليم الأسرى
ونقلت شبكة القاهرة الإخبارية تأكيد مسئولين في فلسطين عن تكثيف الجهود لإزالة الذخائر والصواريخ غير المنفجرة.
وأكد المسئولون في هذا السياق على تحييد العشرات من مخلفات الاحتلال في جميع محافظات قطاع غزة
كما يتم تكثيف الجهود لتأمين المناطق السكنية وتقليل المخاطر على المدنيين
وفي وقتٍ سابق، ذكرت وكالة مُنضوية تحت لواء الأمم المتحدة ن الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة تسببت في استشهاد ما يزيد عن 13 ألف طفل فلسطيني.
وأشارت الوكالة الأممية إلى إحصائية دموية تؤكد إصابة نحو 25 ألف طفل فلسطيني في الحرب، كما تم نقل أكثر من 25 ألفا آخرين إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية.
وفي هذا السياق، قال نائب السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة جيمس كاريكي "كونك طفلا، فإن غزة هي اخطر مكان في العالم يمكن أن تكون فيه".
وأضاف بنبرةٍ حزينة :"أطفال غزة لم يختاروا هذه الحرب، ومع ذلك فقد دفعوا الثمن الأكبر".
وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إلى بأنه من بين 40 ألفا و717 شهيدا تم التعرف عليهم حتى الآن في غزة، كان العدد 13319 لأطفال".
تأهيل المناطق المنكوبة بعد الحروب يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الجهود الإنسانية، الاقتصادية، والاجتماعية لإعادة بناء المجتمعات المتضررة. يبدأ التأهيل بتقديم المساعدات العاجلة، مثل توفير الغذاء، الماء، والرعاية الصحية للناجين، إضافة إلى إزالة الأنقاض لضمان بيئة آمنة. يُعتبر تأمين البنية التحتية الأساسية، كالكهرباء، المياه، وشبكات الطرق، من أولويات إعادة الإعمار. كما يتم التركيز على ترميم المدارس والمستشفيات لضمان استئناف الخدمات الحيوية. تسهم المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة والصليب الأحمر، في توفير الدعم المالي والخبرات الفنية لضمان تنفيذ هذه العمليات بكفاءة.
على الجانب الاجتماعي، تهدف جهود التأهيل إلى معالجة الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الحرب. يتم ذلك عبر برامج دعم نفسي للناجين، خاصة الأطفال الذين يعانون من صدمات عميقة، إلى جانب مبادرات المصالحة الوطنية لتعزيز التعايش السلمي ومنع عودة النزاعات. اقتصاديًا، تسعى الجهود إلى تحفيز النمو الاقتصادي من خلال توفير فرص العمل، دعم المشاريع الصغيرة، وتشجيع الاستثمار. يتطلب ذلك إعادة بناء القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي للسكان.
التعاون بين الحكومات المحلية، المنظمات الدولية، والمجتمع المدني أمر أساسي لضمان استدامة عملية التأهيل. كما أن إشراك السكان المحليين في عمليات إعادة البناء يعزز الشعور بالانتماء والمساهمة في مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا للمناطق التي عانت ويلات الحروب.