خسرت إسرائيل المعركة... من سيربحها؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
عقارب ساعة انفجار الصراع في الإقليم تتحرك بتسارع كبير وانفجاره مسألة وقت
نعم لقد خسرت إسرائيل المعركة!
كيف تخسر الأمم المعارك؟ تخسر حين تفتقد السبل لتحقيق مستوى أعلى من الأمن والردع، بل وتفشل في تحقيق أهدافها المعلنة. وبعدما تواطأت طويلاً على السلام، حاولت الطبقة السياسية الإسرائيلية رفع سقف أهدافها لعلها تستعيد ماء الوجه.
فلقد أعلنت إسرائيل سقف أهدافها:
أولاً: الترانسفير، الذي وضعته حكومة إسرائيل، من نتنياهو إلى بن غفير، على رأس أهدافها، وسرعان ما تم تنفيس هذا الهدف المغامر والكارثي، بفضل موقف عربي، مصري، وأردني وسعودي متضافر.
ثانياً: حين وضعت إسرائيل هدفها الثاني، سحق "حماس" وتطهير غزة من المقاتلين، فلقد أشهرت، منذ البداية، هزيمتها المسبقة أمام هدف مستحيل. فبعدما صحا العالم على فداحة الخسائر المدنية التي تسببت بها الهجمات الإسرائيلية، تجد العسكرية الإسرائيلية نفسها غير قادرة على اجتراح خطط عملية لتحقيق الهدف من دون قتل عشرات الألوف من المدنيين وتجويعهم.
ثالثاً: حين وضعت حكومة إسرائيل هدفاً لها تحرير الرهائن والأسرى من دون تفاوض، عمقت مأزقها العسكري، إذ تعلم إسرائيل أن لا قواتها الخاصة ولا قوات الدلتا الأميركية، كافية لتحرير الرهائن عنوة. فلكي تحرر رهينة واحدة تحتاج أولاً لاستخبارات ممتازة، وتحتاج لضمان عنصر المفاجأة، وتحتاج لكثير من الحظ. وإسرائيل تفتقد كل ذلك.
أما هذا القتل المنفلت لألوف المدنيين، والتدمير الأعمى للموارد والمباني في غزة، فليس له أي تفسير سوى افتقاد المغزى وغريزة الانتقام. اللهم إلا إن كانت إسرائيل لا تزال تسعى للعودة إلى دورة عقيمة من كسر معنويات الفلسطينيين، ما يعني أنها لم تتعلم شيئاً من دروس 56 عاماً من الاحتلال.
إنجازات إسرائيل لن تقاس بعدد قتلى الفلسطينيين من المدنيين، ولا بمستوى الخراب الذي ألحقته بأسباب الحياة، بل سيقاس بمدى تحقيق الأهداف السياسية. لذلك وبهدف الهروب من استحقاقات السلام تغرق العسكرية الإسرائيلية في وحلها. فما هي النتيجة؟
حين تفشل الأهداف العسكرية لجيش ما بهذا القدر الفاقع، لا تعزى خسارته إلى أخطاء القادة، بل إلى عيوب جوهرية في عقله الاستراتيجي والتاريخي.
منطق القوة المبني على الإكراه الاستراتيجي للإقليم بأسره، وتغير حقائق التاريخ، وإعادة صوغ الحقوق، وتطفيش الفلسطينيين والاستيلاء على الأرض، ليس إلا منطقاً موقتاً غير قابل للبقاء. إنه منطق لا تاريخي، عابر، وهو بالتالي مهزوم بالتعريف.
وبعدما خسرت هذه المعركة، لن تكون إسرائيل قادرة على استعادة ردعها بجرة قلم. لا بد من أن تتغير هي ذاتها! فليس ثمة ما يحمي أمن أي دولة بقدر السلام الإقليمي، ليشكل الاعتراف بحل الدولتين أفقاً حتمياً كمخرج عقلاني.
في بداية الأزمة، لم تدرك الإدارة الأميركية حجم العزلة الدبلوماسية والسياسية التي ستواجهها بسبب منحها إسرائيل البطاقة البيضاء للقتل والتدمير ومن دون أهداف عسكرية معتبرة. ترجع خلفية هذا الموقف إلى الذعر الذي انتاب الدول الغربية من احتمال تداعي الردع الاستراتيجي الإسرائيلي.
لكن أمام استمراء إسرائيل للموقف الأميركي وانطلاق العنان للانتقامية الإسرائيلية، بدا الموقف الأميركي تعيساً إقليمياً ودولياً. وسرعان ما تبين أن الوقت لن يحل مشكلة افتقاد إسرائيل الوضوح الاستراتيجي. واضطرت الدبلوماسية الأميركية لتحريك موقفها الدبلوماسي نحو وقف هدنة في المعارك، كما سنشاهد في الأيام المقبلة.
ونهاية الأمر، لا شك في أن هذه السياسة الأميركية كانت مدخلاً بائساً لرؤية إدارة بايدن الجديدة عن تحول الصراعات الدولية المتفرقة، إلى مجابهة مع روسيا وإيران والصين.
والآن، وقد خسرت إسرائيل المعركة، يصبح السؤال الأهم من سينتصر؟
حاول بايدن أن يرسم خندقاً يتمترس فيه بوتين وإيران و"حماس". كلام جميل لكن من سيكون في الخندق المقابل؟
ثمة مساران محتملان لصوغ خسارة إسرائيل وهندسة الخندق الثاني.
المسار الأول: من الواضح أنه باستمرار إطلاق يد الحكومة والجيش الإسرائيلي على الأرض، في بحثهما عن انتصار مفقود، ستجر إسرائيل الولايات المتحدة نحو المزيد من العزلة الإقليمية والمزيد من تداعي تحالفاتها الإقليمية بل والدولية. بل ربما تجرها مباشرة إلى المعركة.
لا شك في أن العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، المنافسين والأعداء للولايات المتحدة، يترقبون بشغف، ليحصدوا إفلاس الدبلوماسية الأميركية. بل ينتظرون انقشاع غبار المعارك، ليملأوا الفراغ الذي تخلفه العزلة الأميركية ويقطفوا نتائج انكفائها. عندها، ستحسم لعقود المعركة في ساحة الشرق الأوسط، لمصلحة معسكر تأبيد الصراع، ولينتصر انتصاراً حاسماً ومعلناً معسكر بوتين وإيران و"حماس" وربما نتنياهو!
ثمة مسار أفضل يفترض أن تدفعه الولايات المتحدة.
فبدلاً من تسليم الإقليم ليصبح مكسر عصا أبدياً لروسيا وإيران، ثمة فرصة تاريخية لرسم خندق من طراز آخر. خندق للجم الانتقامية العسكرية الإسرائيلية، خندق يضم أنصار سلام منصف للفلسطينيين، ويفتح الطريق لحل الدولتين، ليس بعد سنين بل إنه السلام الآن.
ستكون طريقة تعامل الولايات المتحدة في المعركة الراهنة هي العامل الحاسم في تحديد أي مسار تتخذه الأحداث، وأي أجندة ستنتصر بعد أن ينقشع دخان الحرب في غزة. ذلك أنه حتى الولايات المتحدة ذاتها، ليست قادرة على قلب هزيمة إسرائيل إلى انتصار. فلو كان في استطاعتها الانتصار في الحرب اللامتناظرة وحروب المدن لانتصرت في حربها في العراق أو أفغانستان.
عقارب ساعة انفجار الصراع في الإقليم تتحرك بتسارع كبير وانفجاره مسألة وقت، وهو مرهون بعوامل عدة، إذ أصبح "حزب الله" على يقين من أنه سيكون المستهدف التالي بعد "حماس"، ليس بالضرورة بتورط أميركا مباشرة في حرب إقليمية، بل عبر ضغوط إضافية هائلة على مجمل أذرع إيران، وبخاصة على "حزب الله". ولا شك في أن الغرب سيعمل كل ما هو ممكن من أجل إبعاد سكين "حزب الله" الموجه إلى رقبة إسرائيل. فلقد أمكن خلال العقود الماضية ضبط مدى اقتراب هذا السكين، بالكثير من الصفقات وقواعد الاشتباك المتبادلة.
لكن، بعدما اكتشفت إدارة بايدن مرة أخرى كم كان ساذجاً وهمها حول تحول إيران دولة طبيعة أو عامل استقرار في الإقليم، وبعدما اكتشفت إسرائيل من جديد سذاجتها، سواء في التعامل مع "حماس" أم مع "حزب الله" على أمل الاستمرار في قص العشب من دون اجتثاث المخاطر، بعد ذلك لا بد من تغيير مشهد "حزب الله" والميليشيات الإيرانية.
لم يعد السؤال إن كان الاشتباك سيحدث، بل صار متى ومن سيبدأه استباقياً. وكلما بدت الولايات المتحدة معزولة وضعيفة، شجعت خصومها على الاستباق.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة الولایات المتحدة حزب الله من دون
إقرأ أيضاً:
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الأداة الناعمة لنفوذ الولايات المتحدة
المؤسسة الأميركية الرئيسية للمساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية الدولية أدارت منذ تأسيسها عام 1961 معظم الإنفاق الرسمي الأميركي على المساعدات الخارجية، بميزانية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، وقوة عمل وصلت إلى نحو 10 آلاف موظف حول العالم.
وهي وكالة حكومية مستقلة، شكلت إحدى أدوات التأثير الناعمة للولايات المتحدة حول العالم، إذ تبعت في عملها توجيهات وزارة الخارجية، وأدت دورا فاعلا في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأميركية.
ومنذ تنصيبه لولاية ثانية في يناير/كانون الثاني 2025، استهدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوكالة، فأخضعها لإشراف مباشر من قبل وزارة الخارجية، وقرر تجميد مساعداتها الخارجية مؤقتا، في إطار إعادة تقييم عملها، واتهمها بإهدار المال وإدارة مشاريع لا تتماشى مع المصالح الأميركية، وقد تتعارض مع القيم الأميركية، وقال إنها تعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي.
النشأةتأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 1961 على يد الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، إبّان تصاعد حدة الحرب الباردة، وكان الهدف منها إدارة المساعدات الخارجية الأميركية، باعتبارها أداة ناعمة تعمل على توسيع الهيمنة الأميركية في الخارج، ومواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي في العالم.
وكان الكونغرس الأميركي قد أقر عام 1961 قانون المساعدات الخارجية، الذي نص على إنشاء وكالة حكومية مكلفة بإدارة الإنفاق الخارجي، وعلى إثره أصدر كينيدي أمرا تنفيذيا بإنشاء الوكالة، التي بدأت بالعمل بعد أن حظيت برامجها بموافقة الكونغرس.
إعلانوعام 1998 صادق الكونغرس على قانون أصبحت الوكالة بموجبه مؤسسة مستقلة، يقدم لها وزير الخارجية التوجيه في السياسة الخارجية، ويساهم في وضع ميزانيتها ومخصصاتها المالية، التي تتم الموافقة عليها من قبل الكونغرس، بما يتفق مع المصالح الأميركية في العالم.
ويتم تعيين مدير الوكالة بترشيح من الرئيس الأميركي وبموافقة من مجلس الشيوخ، ويرفع لوزير الخارجية تقارير دورية عن سير عمل الوكالة.
وأخذت الوكالة وضعا أكثر أهمية في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن (2021-2024)، إذ منح مدير الوكالة مقعدا دائما في مجلس الأمن القومي الأميركي، وقد اقتصر دوره على مدى عقود سابقة على حضور اجتماعات المجلس المتعلقة بعمل الوكالة وقضايا التنمية لا غير.
الأهدافتسعى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من خلال أنشطتها الإنمائية إلى تحقيق هدفين رئيسين هما:
تحسين ظروف الحياة في المجتمعات النامية. تعزيز المصالح الأميركية في العالم.وبناء على ذلك، نفذت الوكالة عديدا من المشاريع الإنسانية والتنموية، والبرامج الخاصة لتطوير المجتمعات الفقيرة حول العالم وتحسين الأوضاع الإنسانية فيها، والتي وُجهت نحو تحقيق مجموعة من الأهداف، أبرزها:
دعم النمو الاقتصادي في العالم. تحسين الصحة العالمية. محاربة الفقر والمجاعات وتعزيز الأمن الغذائي. تحسين الاستدامة البيئية. القضاء على الأمية والجهل وتعزيز التعليم. وقف الصراعات في العالم والتعافي منها. تقديم الإغاثة العاجلة والمساعدات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية والصراعات. نشر الديمقراطية في الخارج وحماية حقوق الإنسان.واستخدمت الوكالة تلك المشاريع لتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وخدمة المصالح الأميركية في العالم، وتقوية النفوذ السياسي والاقتصادي الأميركي في الخارج.
وعلى مدار عقود استُغلت المساعدات لبناء تحالفات لمواجهة خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، ودعم المصالح التجارية الأميركية، عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي للدول النامية، وتمكينها من المشاركة في التجارة العالمية، وإيجاد أسواق وشركاء تجاريين للولايات المتحدة حول العالم.
إعلان الميزانية والقوة العاملةتعتبر الولايات المتحدة أكبر ممول للمساعدات الإنسانية في العالم، وعبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنفقت الدولة عشرات المليارات من الدولارات سنويا، بما يناهز 1% من الميزانية العامة للبلاد.
ووفق تقرير لخدمة أبحاث الكونغرس، نُشر مطلع عام 2025، أدارت الوكالة أكثر من 43 مليار دولار في السنة المالية 2023 (أحدث سنة تتوفر عنها بيانات مالية كاملة)، أي ما تصل نسبته إلى أكثر من ثلث المخصصات المالية لوزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة.
وتُشغِّل الوكالة نحو 10 آلاف فرد، نحو الثلثين منهم خارج الولايات المتحدة، ويشمل ذلك الموظفين مباشرة للوكالة، الذين يشكلون أقل من نصف القوة العاملة، وموظفي التعيين غير المباشر، مثل المقاولين في مجال الخدمات الشخصية والمقاولين في مجال الدعم المؤسسي.
مظاهرة بواشنطن ضد إجراءات إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (الأناضول) المناطق المستهدفةتنتشر خدمات الوكالة في أنحاء العالم، وتشمل مناطق، أبرزها أوروبا وأوراسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق عديدة في جنوب وشرق ووسط آسيا.
ويقع مقر الوكالة الرئيسي في العاصمة الأميركية واشنطن، ولها مكاتب أخرى في أكثر من 60 دولة، ولها مكاتب ميدانية في مناطق عديدة حول العالم، أبرزها:
مكتب أوروبا وأوراسيا. مكتب آسيا. مكتب أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. مكتب الشرق الأوسط. مكتب الاستقرار ومنع الصراعات. مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوكمة. مكتب المساعدات الإنسانية. مكتب النمو الشامل والشراكات والابتكار. مكتب المرونة والبيئة والأمن الغذائي. مكتب الصحة العالمية. مكتب المساعدات الخارجية. مكتب الشؤون التشريعية والعامة. مكتب السياسات والتخطيط والتعلم. شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (الأناضول)ويستفيد من المساعدات التي تقدمها الوكالة ما يزيد على 100 دولة حول العالم سنويا، وتستهدف بشكل خاص الدول التي تشكل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة، والمناطق التي تحتدم فيها الصراعات، وتعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية.
إعلانويتفاوت حجم المساعدات وتوزيعها الجغرافي من عام لآخر، ففي السنة المالية 2023، شملت مساعدات الوكالة نحو 130 دولة، وتصدرت أوروبا وأوراسيا قمة المناطق المدعومة بالمساعدات، إذ حصلتا معا على نحو 40% من المخصصات المالية للوكالة، في حين جاءت منطقة الصحراء الكبرى في أفريقيا في المرتبة الثانية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المرتبة الثالثة.
أما الدول التي حظيت بأكبر نصيب من المعونات في تلك السنة، فكانت على رأسها أوكرانيا، تلتها إثيوبيا ثم الأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان وسوريا على التوالي.
القطاعات والبرامجتغطي الوكالة قطاعات مختلفة، منها الصحة والتعليم والزراعة والتنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والمساعدات الإنسانية وقطاع الحوكمة، الذي طغى على غيره من القطاعات في ما يتعلق بالمخصصات المالية للوكالة عام 2023، بسبب الدعم المقدم للحكومة الأوكرانية.
وتدير الوكالة المساعدات المالية عبر مجموعة كبيرة من المشاريع الإنمائية، التي تُنفذ عبر منح أو اتفاقيات، بالشراكة مع جهات متعددة أميركية وأجنبية، بما فيها حكومات أجنبية وجامعات ومنظمات غير ربحية ومقاولون يعملون من أجل الربح.
وتشمل مشاريعها برامج متنوعة، تتفاوت مهامها بين تقديم المساعدة الفورية، ووضع إستراتيجيات طويلة الأجل، تمكن البلدان النامية من الازدهار بشكل مستقل، ومن أهم تلك البرامج:
برامج تحسين الصحة العالميةحاز قطاع الصحة، حسب بيانات خدمة أبحاث الكونغرس، الاهتمام الأكبر للوكالة منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين الـ20، وركزت برامج الوكالة على مكافحة الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والملاريا والسل.
إضافة إلى ذلك عملت على تحصين المجتمعات ضد الأمراض عن طريق توفير اللقاحات، مثل لقاح شلل الأطفال، وساعدت في الحد من انتشار الفيروسات الخطرة، التي قد تتسبب في حدوث جائحة.
إعلانوفي العقد الأول من القرن الـ21، خصصت الوكالة مليارات الدولارات لمكافحة مرض الإيدز، ومع ظهور جائحة كورونا عام 2020، تزايد الدعم لقطاع الصحة من خلال بند المساعدات الطارئة، حتى حاز قطاع الصحة على أكبر حصة من مخصصات الوكالة للعام المالي 2022.
وساهمت الوكالة على مدى عقود في تعزيز النظم الصحية في المجتمعات الضعيفة، وتوفير الأدوية الأساسية فيها، ونفذت برامج تهدف إلى تحسين صحة الأم والطفل، وتعزيز فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية الجيدة.
برامج نشر التعليمتعمل الوكالة على تعزيز أنظمة التعليم الشاملة في البلدان النامية، وتحسين فرص الحصول على التعليم، لا سيما للفتيات والفئات المهمشة، وتقدم برامج تدريب للمعلمين وتستثمر في تطوير المناهج وطرق التدريس، وتساهم في تحسين البنية الأساسية للمدارس.
برامج التنمية الاقتصاديةتقدم الوكالة برامج مساعدات إنمائية في قطاعات، مثل: الزراعة والتنمية الريفية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الحضرية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتساعد برامجها في تعزيز الاقتصادات المحلية والاكتفاء الذاتي والممارسات الزراعية المستدامة وإنتاج الغذاء وتحسين القدرة على الوصول إلى الأسواق.
برامج الحفاظ على البيئةتقدم الوكالة مبادرات تهدف إلى حماية البيئة، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، ودعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على الغابات، وحماية التنوع البيولوجي، ومكافحة تغير المناخ.
برامج المساعدات الإنسانيةللوكالة دور حيوي في تقديم المساعدات الإنسانية وتوفير الإغاثة العاجلة في الدول التي ضربتها الكوارث الطبيعية أو مزقتها النزاعات، من خلال تقديم المساعدات الغذائية والإمدادات الطبية والمأوى للسكان.
فضلا عن ذلك، تساهم في دعم جهود التعافي في المجتمعات وإعادة التأهيل بعد الكوارث، من خلال تطوير البنى الأساسية واستعادة سبل العيش وتوفير الدعم النفسي للمتضررين.
وتزداد مخصصات الوكالة للمساعدات الإنسانية سنويا، استجابة للأزمات الإنسانية، التي تتمثل أغلبها في حركات النزوح الناجمة عن ظروف طبيعية أو عوامل بشرية.
إعلان برنامج مبادرات الانتقالتدير الوكالة حساب مبادرات الانتقال، الذي تأسس عام 1994، والذي يدعم مشاريع المساعدة في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية من الحرب إلى السلام، ومن الصراع المدني إلى المصالحة الوطنية.
برامج الدعم الاقتصاديتدير الوكالة صندوق الدعم الاقتصادي المخصص للمساعدات الاقتصادية في البلدان ذات الأهمية الخاصة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وكان الصندوق يستخدم في الأساس لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط، وفي السنة المالية 1997، ذهب نحو 87% من مخصصات الصندوق إلى إسرائيل ومصر والضفة الغربية والأردن، ومنذ السنة المالية 2022 سُحب غالبية الدعم لصالح الحكومة الأوكرانية.
برامج تعزيز الديمقراطيةتدعم تلك البرامج التحولات الديمقراطية في العالم، بما في ذلك الانتخابات الوطنية، ومساعدة منظمات المجتمع المدني على إعطاء صوت للمواطنين وزيادة نفوذهم، وبناء المرونة في المجتمعات، وتمكين المجتمع المدني من التجمع لدعم الاحتجاجات السلمية والدفع نحو الإصلاحات.
برامج دعم الإعلام المستقلتوفر الوكالة برامج التدريب والدعم للمنظمات الإعلامية التي تعمل في ظروف صعبة، من أجل تعزيز وسائل الإعلام المستقلة، وقد كشفت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن الوكالة موّلت عام 2023، أكثر من 6 آلاف صحفي، و700 وسيلة إعلامية غير حكومية، وما يقارب 300 منظمة غير حكومية تُعنى بالإعلام، في أكثر من 30 دولة حول العالم.
جزء من أنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية موجه للأراضي الفلسطينية (رويترز) التحدياتتتغير أولويات الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمساعدات الخارجية بمرور السنين، وهو الأمر الذي يشكل تحديا للوكالة، إذ يتطلب منها التكيف مع التغيرات التي تخضع لرقابة الكونغرس، وتتضمن جوانب عدة، منها:
وجود تباين كبير، في كثير من الأحيان، بين ما تحتاجه مشاريع الوكالة وبين ما يخصصه الكونغرس لها، وفي أحيان أخرى، يتم تحديد المخصصات المالية بعد أشهر من بداية السنة المالية، وهو ما يتطلب مرونة عالية من الوكالة في التعامل مع الميزانية، وإعادة توزيع الأموال لتلبية الاحتياجات العالمية بميزانية أصغر. تخصيص مبالغ مالية كبيرة من التمويل الطارئ للوكالة، بسبب ظروف معينة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، مما يستوجب التعامل مع مخصصات كبيرة في فترات زمنية قصيرة، وقد تشكل هذه التفاوتات والتأخيرات والتدفقات المفاجئة تحديات مستمرة لتخطيط الوكالة وإدارة برامجها. تفويضات التمويل في الكونغرس تسمح بتوجيه الوكالة ومواردها إلى قضايا تهم الأعضاء، ولكنها قد تحد من مرونة الوكالة، وقد تبتعد عن إطار سياستها أو إستراتيجيات الدولة، وهو ما يضر أحيانا بقطاعات معينة. إعلان إجراءات ترامباستهدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية فور تسلمه السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، وسعى لتفكيكها أو إلغائها بشكل كامل، وأصدر أمرا تنفيذيا لإعادة تقييم عملها وتنظيم المساعدات الخارجية.
وبموجبه، تم تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما -مع استثناء المساعدات الغذائية الإنسانية الطارئة- بحجة أن الوكالة تهدر الأموال، وأن المساعدات الخارجية لا تتماشى مع المصالح الأميركية، وفي كثير من الحالات تتعارض مع القيم الأميركية، وتعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي.
وقال ترامب إن إدارته ستعيد النظر في الإنفاق المالي للوكالة بما يتماشى مع سياسته الخارجية التي رفع فيها شعار "أميركا أولا"، وأخضع الوكالة للإشراف المباشر من وزارة الخارجية، كما عيَّن وزير الخارجية ماركو روبيو قائما بأعمال مدير الوكالة.
وقال إيلون ماسك مستشار الرئيس الأميركي، الذي يدير وزارة كفاءة الحكومة، التي تعمل على خفض الإنفاق والبرامج الفدرالية الأميركية في إدارة ترامب، إنه سيتم إغلاق الوكالة لأنه "لا يمكن إصلاحها".
وأدى القرار إلى إغلاق معظم برامج الوكالة، وهو ما نجمت عنه أزمات مالية وإنسانية في عديد من المناطق حول العالم، إذ تم منع تسليم المساعدات الإنسانية من الأدوية والسلع الأخرى التي تبلغ ملايين الدولارات، والتي ظلت عالقة في الموانئ.
وتم إغلاق مكتب الوكالة في واشنطن، وإغلاق موقعها الإلكتروني، وأصبحت المعلومات المتاحة عبر الإنترنت عن الوكالة منشورة على صفحة جديدة تشكل جزءا من موقع وزارة الخارجية الأميركية الإلكتروني.
وخلال الأسبوعين الأوليين من تنصيب ترامب، تم تسريح عديد من موظفي الوكالة أو إرسالهم في إجازة إدارية، من بينهم موظفون بمناصب قيادية في جميع مكاتب الوكالة.
وعلى إثر ذلك، بعث الأعضاء الديمقراطيون في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ رسالة احتجاج إلى روبيو، قائلين فيها إن ترامب لا يملك السلطة لإلغاء الوكالة المنصوص عليها في تشريع الكونغرس، وإن ضمها إلى وزارة الخارجية يجب أن يوافق عليه الكونغرس بموجب القانون.
إعلانوبالمبررات نفسها، رفعت جمعيات العمال الفدراليين دعوى قضائية في السادس من فبراير/شباط 2025، تطلب من المحكمة الفدرالية وقف إغلاق مكاتب الوكالة، وعلى الرغم من ذلك استمرت الإجراءات الرسمية ضد الوكالة، وبدأت الإجازات القسرية لموظفيها في واشنطن وحول العالم فعليا في السابع من فبراير/شباط 2025، ولم يستثن من ذلك إلا 294 موظفا، يشكلون الكادر الأساسي في الوكالة.