مشاريع تفكيك هوية الشعوب وتدمير الجيوش وتجزئة المجزأ التي تتبناها (أمريكا وإسرائيل وبريطانيا) وتمولها (السعودية والإمارات وقطر) ومنها حروب تطييف لبنان، وتقسيم السودان، وتدمير العراق، ودعشنة سوريا، وامتلاك ليبيا، اذا كانت نفذت في كل هذه الدول مشروع، فإن كل المشاريع مجتمعة كانت ولا زالت من نصيب اليمن تطييفا وتقسيما وتدميرا ودعشنة وامتلاكا ومنذ تسعة أعوام، ولا يمكن مواجهة كل هذا الشر إلا بوحدة الصف الشعبي وتماسكه، ولا يمكن توحيد الصف إلا بوجود العدالة، فالعدالة هي الأرض الصلبة التي تبني عليها الشعوب وحدتها وتماسك صفها، والكفاءة هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع ان تدير تلك العملية، العدالة حالمة رحيمة، أما الكفاءة فقاسية متوحشة، ومع هذا ففي كلتيهما روح من الأخرى، فإن لم تنتصر الكفاءة، انتقمت العدالة.

.
مع نهايات حرب غزة وانكشاف المنافقين والمطبعين والمهزومين، بتنا نعلم جيدا ان كل مشاريع الشر في المنطقة هزمت وإلى زوال، ولهذا سوف تلجأ دول الشر لتحريك المجتمعات للتظاهر تحت حجج ومطالب حق يراد بها باطل.
في العراق ولبنان، سوف يتحرك المجتمع ضد نفسه، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو انعدام العدالة، وتغييب الكفاءة، بهذين السببين يمكن لأعدائك ان يحركوا الشارع ضدك في أي وقت، ولك ان تتخيل عدد مشاريع الشر لتحريك الشعب اليمني ضدك، إذ ان من اكبر الخطايا السياسية وأخطرها، هي المراوحة في نفس المكان، أن لا نتقدم إلى الأمام، أن لا نتراجع للخلف، فحالة الجمود ضد حركة التاريخ، لا تؤدي إلى أي تغيير، وتساهم بشكل أو بآخر في دعم التيارات الرجعية، وتؤسس للهزيمة وتقف عائقا أمام أي احتمالات للنصر..
بعد اليوم لا تغرقوا في التفاصيل، ابحثوا عن أصل المشكلة، وتخلصوا منها من جذورها، فعندما تنتفض المجتمعات ضد حكوماتها المستبدة والفاسدة، لن يسعكم سوى دعمها والدفاع عنها، وتصحيح مساراتها، والارتقاء بوعيها، ومشاركتها أدق التفاصيل، وعدم التعالي عليها بأي مبررات حتى لو كانت موضوعية، صوت الجماهير هو الصوت الصادق الوحيد، لأنه صوت المعاناة الإنسانية، أطلقوا مشروع العدالة، ودعوا الكفاءات تدير مؤسسات الدولة، وكفوا عن إطلاق الأحكام السياسية المطلقة التي لا تعبر عن جوهر الحقيقة، بل تعبر عن القدر النسبي من المعلومات التي تتوفر بالتحليل والاستنتاج السياسي المبني أصلا على حكم سياسي مسبق، ولا تركنوا لعشاق تحليل قضايا مواقع التواصل الاجتماعي، ولا لمدى موضوعيتهم في استخدام أدواتهم المنهجية لتسيير قراراتكم التي تغرقكم في وحل الاستبداد والفساد..

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

العبر والاعتبار

تتأمل العالم من حولك في اللحظة التي قد يبدو فيها أن القانون للضعفاء فحسب، وأن الأقوياء لا يسري عليهم القانون، أن المبادئ العليا والأخلاق إنما هي ستار براق، وعبارات تقال للاستهلاك الإعلامي فحسب، وأن المصلحة هي التي توجه التصرفات، وأن المال هو مرتكز القوة والنفوذ والتأثير، وكل ما عداه عليه الخضوع والانصياع؛ في اللحظة التي تضرب فيها الولايات المتحدة الأمريكية الأمثلة الحية على تأثير المال والأعمال حتى على المؤسسات القانونية والاجتماعية، وترفع هدفًا أسمى وأعلى هو ضبط الأموال وجني مزيد من الأموال، وشيئًا فشيئًا يتجرد الجشع من قناعه، خاصة إذا أدرك المرء ليس فحسب الاحتكارات الأمريكية في مجال التقنية والتكنولوجيا، والزراعة والمحاصيل، بل والمصارف، حيث في غالبية العالم لا تجري عملية مالية دون أن يكون للشركات الأمريكية نصيب منها، مع ذلك ها هي أمريكا نفسها تستشعر خطر السقوط، وكل ما يفعله الرئيس الأمريكي الحالي بتصرفاته هو إعلان ذلك الخوف الأمريكي على العالم بأسره، في سعيه الأخرق لإثبات أحقية أمريكا في جمع الإتاوات، والجزية إذا استعرنا لغة الفقه الإسلامي.

مع ذلك فإن وقفة العالم مع المظلومين في القضية الفلسطينية، خاصة تلك الوقفات التي لم تنبع من دافع ديني أو عرقي، الوقفات الحرة التي لم تملها الانتماءات القومية، والمصالح الذاتية، تقول عكس ما سبق، إن هناك من يؤمن بالنضال من أجل عالم أكثر عدالة ومساواة، عالم يسوده القانون الذي ينصف الضعيف من القوي، ويقف في وجه القوي الذي يريد سحق الضعيف لتحقيق مصالحه، كل ذلك يقول إن هناك أملا، لكنه أمل يتعزز بالوقفة البشرية الحرة وتجلي الضمير الإنساني الصادق مع نفسه وذاته، حتى وإن كانت مراكز القوى السلطوية متأثرة بثقافتها العدائية القديمة، تلك الثقافة العنصرية التي لا تبحث عن العدالة بل تقوم على التمييز ومحاباة الذات ومصالحها.

نقول العنصرية لأن ما يبدو على السطح قصة مصالح وتكديس الثروات وألعاب الحرب من أجل المنفعة الاقتصادية قصيرة النظر، قد لا يكون، بنظرنا، غير تجليات عنصرية، العنصرية المتسيدة التي ما زالت تقاوم دحرها؛ وأن تلك القضية الحساسة في نظرة الإنسان للإنسان، ما زالت قارة في الأنفس حتى وإن نفتها الألسن، وأن العالم ليس منشقًا في الواقع إلا من جهة تلك العنصرية نفسها، وأن العنصرية والتمييز ما زالا معشعشَيْن في الرؤوس، وما اللاعبون الرئيسيون على مسرح الأحداث العالمية اليوم غير بقايا داعمي تلك العنصرية نفسها، أينما ولّينا وجوهنا، وحين نرى دولة مثل جنوب أفريقيا تقف في وجه ذلك التيار، فتلك علامة، لأن جنوب أفريقيا دولة كافحت لتتحرر من عنصريتها، فهي تتعرف بسهولة على أعدائها القدماء، وهم نفس الحزب الذي حاول الوقوف في وجه تحررها في الماضي القريب.

لنا أن نتأمل بكثير من التمعن أن أعظم ثورتين سلميتين في عالمنا المعاصر، الهندية والجنوب أفريقية، قادهما محاميان، هما غاندي ونلسون مانديلا، لأن في ذلك ما يُقرأ عن روح العالم المعاصر وقواه، وأين يكمن مفصل الأزمة المعاصرة إن لم يكن في القانون؟ بين روح القانون وبين استغلال القانون، وذلك ما يعرّي ويجرّد كل النظام العنصري والاستعماري من أقنعته، وبصياغة أخرى ذلك ما يجعل الظلم يتميز من العدل بشكل حاد صريح، وذلك بالتحديد ما يجعل روح الإنسانية تتجلى.

كتب نلسون مانديلا بمذكراته، في معرض وصفه لأقسى وأعنف مديري سجن جزيرة روبين الذي قضى فيه معظم سنوات حياته، جملة كاشفة «إن في أعماق كل إنسان، حتى أكثر الناس وحشية وقسوة، قدرًا من الإنسانية»، ويبدو أن ذلك القدر من الإنسانية الذي يحمله كل إنسان هو الذي يبعث الأمل، ذلك القدر الضئيل الصغير كاف ليجعل الأمل حيًّا يرزق، مهما بدا الظلام والظلم كثيفًا وشاملًا، ومهما بلغ الفساد من التعاظم والسفور والاستفزاز، فهناك دومًا في الأعماق لحظة عدالة وحقيقة يؤمن بها كل إنسان، وهي اللحظة التي تجذبنا وتؤثر فينا جميعًا، أيًّا كان موقعنا من أي قضية.

إن الحق شيء يدعيه حتى أكثر الناس إيغالًا في الباطل، وذلك في حد ذاته دليل على أن الحق والعدالة والرحمة هما بوصلة الإنسانية ومنهجها الروحي، لذلك فإن مرجع الحقيقة يحكمنا ويؤثر على أفعالنا، وعلى ذلك فإن كل الدعاوى السطحية، وكل الخلافات الظاهرة إنما تنبئ عن مدى ضياعنا وظلام الأعماق التي نغوص فيها، عن المجاهيل الإنسانية داخلنا، والتي لم نتمكن حتى اليوم من كشفها للخروج منها، وهي نفسها المجاهيل التي تعيق معرفتنا للإنسان داخلنا وهي التي تدفعنا للحروب، والتقاتل، وهي دومًا كما جرت العادة تقع في الماضي، فنحن نستعيد الماضي كي نحارب في الحاضر، إنها القوة التي تبقينا في الخلف وتوهمنا أننا نتجه للأمام، وما ذلك إلا لأننا لم نعرف بعد كيف نتحرر من قيودنا، ولا أين اتجاه الزمن.

لقد مرت علينا خاصة في القرن العشرين، من أوله لآخره، كثير من الدروس البليغة في حياة الشعوب، كثير من العبر وديوان المبتدأ والخبر إذا استعرنا ابن خلدون، ليس فقط في ميدان تحرر الشعوب والبلدان من الاستعمار وما حل بها بعد ذلك، بل كذلك عن المدى الحالم الذي انفتح في القرن العشرين، حين هبت نسائم الحرية، وكيف أن ذلك المسار جرى إفشاله وإفساده من داخل وخارج الحركات نفسها، لكن مع ذلك تحققت للإنسانية تجارب يمكنها النظر والتأمل فيها بجدية والتعلم منها.

لا تكفي هذه العجالة لتأمل تجربة هائلة، لكن نوردها هنا للمغزى العام، فمع نهاية القرن العشرين سقط الاتحاد السوفييتي بالشكل الذي كان معروفًا عليه، ولكن لم يعن ذلك سقوط روسيا التي ما زالت فاعلًا دوليًّا مهمًّا، ولكنها كما يبدو لنا اليوم انجرت للعبة محاربة المعسكر الغربي، ولكن الاتحاد السوفييتي نفسه كتجربة، سواء اتفقنا أم اختلفنا معه، كان يحمل تجربة تاريخية فريدة، من جهة أنه كان قائمًا على حلم بالمستقبل، وكان قائمًا على تنظير ماركسي، وتطبيق وتنظير لينيني، وهي تجربة تاريخية فريدة من نتاج الأفكار البشرية المعاصرة، التي كانت باحثة عن العدالة والحق وكشف الظلم، واستمر كتجربة اتحادية ما يقارب المائة عام، وفي نهاية القرن العشرين كان لدى الروس من وضوح الرؤية والشجاعة ما جعلهم يتوقفون عن المضي قدمًا في مشروعهم الاشتراكي اللينيني، ومهما كان الأمر أو الخيارات المطروحة حينها، وصواب القرار من خطأه، فإن لنا أن ننظر في تلك اللحظة نفسها لنرى مدى وضوح الرؤية وعدم الرغبة في المكابرة على الخطأ الملموس، وذلك الصدق السوفييتي أمام النفس، بظننا دليل قوة وحساسية عالية ونتاج تحضّر، وهو الذي نبه باقي مجموعة الدول الاشتراكية إلى تصحيح أحوالها الاقتصادية، وهو الذي أنتج لنا الصين بالشكل الذي نعرف اليوم والذي تخشاه الولايات المتحدة كل الخشية.

العالم مليء بالعبر لكن المعتبر قليل، أو بطيء الاستيعاب، أو أنه لا يعتبر إلا بعد وقوع الكارثة.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • وزارة الكفاءة الحكومية أداة ترامب لمراقبة باقي الوزارات والوكالات
  • أحمد موسى: ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من جحيم الإخوان
  • أحمد موسى: أهل الشر لا يريدون التقدم لمصر.. والشعب لديه الوعي الكامل بالمخططات|فيديو
  • قطاع الفنون التشكيلية يفتتح معرض" فوتوغرافيا الشعوب الدولي السابع".. صور
  • في رمضان تختلف قصص الشعوب وعاداتهم.. تعرف على أبرزها
  • العبر والاعتبار
  • الحوار الوطني: اليوم العالمي للمرأة مناسبة لتجدد الشعوب التزامها بضمان حقوق النساء
  • ماذا حدث في الشمال السوري؟ تعرف على التفاصيل
  • ترمب: لا يمكن أن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي
  • كيف يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا؟.. محللون يجيبون