3 اعتبارات تحكم طبيعة تحرك تركيا تجاه إسرائيل
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
في آخر خطاباته أمام حشد تضامني كبير مع غزة وسط إسطنبول، زاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان من جرعة انتقاداته الموجهة لإسرائيل، وبينما كرر على فكرة أن "حماس ليست منظمة إرهابية"، أعلن أن بلاده "تستعد لأن تعلن إسرائيل للعالم بأنها مجرمة حرب".
وعقب هذا الخطاب مباشرة أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين أنه "أمر بعودة الممثلين الدبلوماسيين من تركيا من أجل إعادة تقييم للعلاقات"، "نظرا للتصريحات الخطيرة الصادرة من تركيا"، حسب تعبيره، وفي إشارة منه لكلمات الرئيس التركي.
ولم تتخذ أنقرة في المقابل خطوات شبيهة، كاستدعاء سفيرها من إسرائيل، ما يطلق تساؤلات تتعلق بالأسباب التي تقف وراء ذلك، وما إذا كانت ستسلك هذا المسار في الأيام المقبلة، كما اتبع الأردن يوم الأربعاء ولحقته البحرين الخميس، وفي السابق دول لاتينية.
وكانت إسرائيل قد أقدمت على سحب ممثليها من تركيا قبل أيام من التصعيد الخطابي من جانب الرئيس التركي، لدواع أمنية شملت أيضا دولا أخرى غالبيتها عربية.
ومع ذلك ينظر للخطوة التي أعلن عنها كوهين بعد خطاب إردوغان مباشرة، على أنها تضع حاجزا على طريق العلاقة، والتي كان من المفترض أن تتكلل أبرز محطاتها بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو إلى أنقرة، في نهاية أكتوبر.
لماذا لم تتخذ "خطوات عملية"؟وحتى الآن وبعد مرور 28 يوما على الحرب الإسرائيلية في غزة لم يطرأ على صعيد العلاقة بين تركيا وإسرائيل سوى اتجاه الأخيرة إلى سحب ممثليها من أجل "إعادة تقييم العلاقات"، وقبل ذلك عندما أعلن إردوغان إلغاء زيارته المقررة لإسرائيل.
كما ألغى وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار رحلة مخططة إلى تل أبيب، كان من المفترض أن تتم في وقت لاحق من هذا العام"، وتحدثت وسائل إعلام أن أنقرة أيضا "أوقفت جميع خطط التعاون المتبادلة في مجال الطاقة".
ويرى المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، أن إقدام تركيا على سحب سفيرها من إسرائيل "أمر وارد"، لأن العلاقات بين الجانبين "تتدحرج نحو الأسوأ بسبب الحرب في غزة".
وربما يكون هناك "انتظار بسيط"، ومع ذلك يضيف المحلل لموقع "الحرة" أن "تركيا ترى أن مستقبل نتانياهو انتهى وكذلك حكومته، وتفكر في المرحلة التي ستلي ذلك".
لكن الباحث والمحلل التركي، محمود علوش، يرى جانبا آخرا للموقف التركي، ويعتقد أن "أنقرة لاتزال حذرة في تصعيد موقفها في الحرب إلى درجة قد تؤدي إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل".
وما سبق يرتبط بـ "3 اعتبارات"، أولها أن تركيا تريد أن تلعب دورا أكثر نشاطا في الجهود لإنهاء الحرب وترغب أن يكون لها دور في أي ترتيبات مستقبلية لغزة، وبالتالي الحفاظ على حد أدنى مع إسرائيل يساعدها في لعب هذا الدور.
ويضيف علوش لموقع "الحرة" أن الاعتبار الثاني يرتبط بـ"التداعيات الكبيرة للتوترات التركية الإسرائيلية خلال العقد الماضي على العلاقات الاقتصادية والعسكرية الثنائية، وعلى المصالح الجيوسياسية للبلدين".
ولذلك "لا يزال إردوغان يأخذ بالاعتبار هذه العلاقات والمصالح في إعادة تشكيل الموقف مع إسرائيل بعد الحرب".
ومن جانب ثالث يشير علوش إلى أن "الاضطرابات التركية الإسرائيلية خلال العقد الماضي عملت كعنصر إضافي في تأجيح التوتر في علاقات أنقرة بالغرب، لا سيما الولايات المتحدة".
ويوضح أن "إردوغان يسعى، في الوقت الراهن، إلى تجنب توتر أكبر مع إسرائيل من شأنه أن يُعقّد جهود تركيا لتحسين علاقاتها مع الغرب".
"خطوة إسرائيلية غامضة"وكانت العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد دخلت فترة تدهور منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لعدة عوامل أبرزها ملف قطاع غزة والصراع الإسرائيلي الذي تجدد لأكثر من مرة هناك.
وبعد السنوات المضطربة، قرر البلدان الدخول في عملية "تطبيع" وتعيين سفراء متبادلين في أغسطس 2022.
وعلى الرغم من المشاكل والتقلبات المختلفة التي شهدتها العلاقات التركية الإسرائيلية بعد عام 2010، إلا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية لم تتأثر إلا قليلا.
ووفقا لبيانات نظام التجارة الخاصة الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK)، بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل في عام 2002، عندما بدأت حكومة "العدالة والتنمية"، 861.4 مليون دولار؛ وبلغت وارداتها من إسرائيل 544.5 مليون دولار.
وفي عام 2022، ارتفعت الصادرات إلى 6.74 مليار دولار، فيما ارتفعت الواردات إلى 2.17 مليار دولار.
فيما يتعلق بإسرائيل يرى كبير الخبراء في "المجلس الأطلسي"، ريتش أوتزن أن "خطوة وزير الخارجية كوهين كانت غامضة بعض الشيء، لأنه تم الإعلان عنها لأول مرة كجزء من انسحاب أمني من عدة دول، ثم أعيد وصفها بأنها إعادة تقييم للعلاقات".
ويمنح ذلك إسرائيل "ردا خطابيا على انتقادات إردوغان دون تصعيد الوضع"، كما يقول أوتزن، مضيفا لموقع "الحرة" أنه "لا يتوقع أي خطوات أخرى من أنقرة على الأقل حتى الآن".
وكان الجانب التركي قد امتنع عن اتخاذ خطوات عسكرية أو اقتصادية من شأنها أن تكون عقابية أو ضارة للطرفين، وكان الخطاب خلال الأيام الماضية على قدم المساواة مع خطاب عام 2014 وعمليات غزة الأخرى.
ومن وجه نظر أوتزن "يعكس إردوغان الغضب الشعبي الحقيقي ويوفر متنفسا له (ويجني فائدة سياسية محلية نتيجة لذلك)"، ويتابع قوله: "ليس لدي أدنى شك في أنه يشعر بغضب حقيقي أيضا، لكنه يدرك حدود ما يمكن أن تفعله تركيا بالمعنى العملي".
من جهته، يعتبر المحلل السياسي رضوان أوغلو أن "تركيا ملزمة بحماية الشعب الفلسطيني كدولة إسلامية وكدولة لها قوة فاعلة في المنطقة، ولن تقبل أن تتغير ملامح الشرق الأوسط، بينما هي متفرجة".
ويعتقد المحلل أن "بقاءها مكتوفة سيضر بمصالحها"، مؤكدا أن "التصعيد قادم لكن بحدود، والعلاقات تتجه نحو الأسوأ".
وقد يتصاعد الموقف التركي في المرحلة المقبلة، ولاسيما "أننا أمام حرب طويلة الأمد، وقد تزداد مخاطرها بشكل كبير".
وبالتالي، وحسب الباحث علوش "لا يمكن لتركيا أن تتوقع أن مستوى الخطاب التصعيدي ضد إسرائيل قد يستقر عند الحد، الذي وصل إليه في الوقت الحالي".
"كلما تزايدت الحرب كلما تزايد الضغط على تركيا لاتخاذ مواقف أكبر ضد إسرائيل سواء دبلوماسيا أو اقتصاديا"، ومع ذلك يشير الباحث إلى أن أنقرة تسير بحذر، وعلى "حبل مشدود".
ما الخيارات الأخرى؟ولا توجد حتى الآن مؤشرات أو دلائل عما سيكون الوضع عليه في غزة، وما إذا كانت الحرب هناك ستتوسع لتأخذ طابع إقليمي أم تبقى محصورة في القطاع المحاصر.
وكانت إسرائيل قد بدأت توغلا بريا في القطاع، قبل أيام، ولاتزال تواصل شن الغارات الجوية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 9 آلاف شخص غالبيتهم نساء وأطفال، حسب وزارة الصحة في غزة.
وبدأت إسرائيل قصف القطاع بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال.
وجاءت الحرب في غزة في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تستعد لاستقبال نتانياهو، حسبما أعلن إردوغان في أعقاب لقائه مع الأخير في "البيت التركي" بنيويورك، مبديا في التوقيت ذاته، في أغسطس الماضي، نيته زيارة إسرائيل بعد ذلك.
وتلت المصافحة بين إردوغان ونتانياهو قبل شهرين زيارة "تاريخية" أجراها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة، في 2021، وكلل فيها جهودا بالتدريج سار عليها مسؤولو الطرفين، من أجل إصلاح العلاقات المتوترة، بعد قطيعة دامت سنوات.
ومع مراعاة دور تركيا في تحقيق الاستقرار بعد الحرب في غزة، واستئناف التطبيع مع إسرائيل في المستقبل، وهي تريد الجانبين "يتعين عليها أن تحافظ على ردها في مجال الإدانة العلنية، والضغط من أجل الضغط الدولي الجماعي من أجل وقف إطلاق النار"، كما يقول الباحث أوتزن.
لكنه يضيف: "قد تكون هناك مرحلة من الوفيات بين المدنيين أو الدمار في غزة حيث يشعر إردوغان بالحاجة إلى إرسال إشارة أقوى".
وبخلاف "استدعاء الموظفين الدبلوماسيين، لا توجد خيارات كثيرة من شأنها أن تحقق حتى تأثيرا رمزيا"، بحسب ذات الباحث الأميركي، المهتم بشؤون الشرق الأوسط.
من جانبه يرى الباحث علوش أن جانب من الحذر التركي بالرد الدبلوماسي على إسرائيل "يعكس أن أنقرة تريد أن تكون جزء من الرد الإقليمي الأوسع".
ويوضح حديثه بالقول: "بمعنى في حال استمرت غالبية الدول مثل مصر والأردن والإمارات في الحفاظ على علاقات دبلوماسية لن تكون تركيا مستعجلة على تخفيض العلاقات الدبلوماسية".
لكن وفي حال قررت الدول أن تحذو حذو البحرين والأردن "يمكن أن تنتقل تركيا للخطوة الثانية من التصعيد تجاه إسرائيل".
وتحاول أنقرة في الوقت الحالي "وضع استراتيجية متكاملة تقارب من خلالها الصراع من منظور أوسع بعيدا عن العلاقات والجانب الضيق مع إسرائيل".
"هي حرب قد تتحول لصراع كبير وقد تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية والإقليمية من جديد"، ويعتقد الباحث علوش أن "أنقرة وبناء على ذلك تحاول ضمان أن يكون لها دور أكبر في وضع جديد يتماشي في شكل الشرق الأوسط بعد الحرب".
ويرتبط حذرها في الوقت الحالي أيضا بـ"حرصها على تجنب المزيد من التوترات مع الغرب لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصا أن العلاقات تمر بفترة تحول مهمة".
ويتابع علوش: "تركيا راغبة في تهدئة حدة التوترات وتسعى إلى إتمام صفقة إف 16 ولديها رغبة في جلب الاستثمارات الأجنبية لدعم اقتصادها المتعثر في هذه المرحلة. هي تحاول أن تدير موقفها بشكل دقيق مع إسرائيل دون أن تصل إلى تأزيم العلاقات مع الدول الغربية مرة أخرى".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مع إسرائیل إسرائیل قد فی الوقت فی غزة إلى أن من أجل
إقرأ أيضاً:
رمضان في سجون “إسرائيل”.. قمع وتجويع بحق الأسرى الفلسطينيين
الثورة/ متابعات
منذ اللحظة الأولى لدخول الأسرى الفلسطينيين إلى سجون الاحتلال، يواجهون تحديات قاسية، لكنهم يصرون على خلق حياة خاصة داخل المعتقلات، انتظارًا للحظة الإفراج التي تأتي عادة بصفقات تبادل تنظمها فصائل المقاومة.
فرغم ظلم الزنازين، يسعى الأسرى لصناعة واقع يمنحهم الأمل والقوة في مواجهة القمع الإسرائيلي.
ومع حلول شهر رمضان، تتضاعف هذه التحديات، لكن الأسرى يتمسكون بأجواء الشهر الفضيل رغم كل القيود والانتهاكات التي يفرضها الاحتلال عليهم.
ورغم القيود المشددة، يسعى الأسرى لصناعة أجواء رمضانية تذكرهم بالحرية، وتمنحهم قليلًا من الروحانيات وسط ظروف الاحتجاز القاسية، يحرصون على التقرب إلى الله بالدعاء والعبادات، رغم التضييق على أداء الصلاة الجماعية ومنع رفع الأذان.
حيث يقوم الأسرى بتحضير أكلات بسيطة بأقل الإمكانيات، مثل خلط الأرز الجاف مع قطع الخبز والماء لصنع وجبة مشبعة.
والتواصل الروحي مع العائلة بالدعاء لهم، خاصة بعد منع الاحتلال لهم من معرفة أخبار ذويهم.
ولكن كل هذه الممارسات تعرضت للقمع الشديد خلال الحرب الأخيرة على غزة، حيث فرض الاحتلال إجراءات أكثر تشددًا على الأسرى الفلسطينيين.
شهادات
كشف المحرر الغزي ماجد فهمي أبو القمبز، أحد الأسرى المفرج عنهم ضمن صفقة “طوفان الأحرار”، عن معاناة الأسرى في رمضان الأخير قبل الإفراج عنه، قائلًا: “أجبرنا الاحتلال على أن يمر رمضان كأنه يوم عادي بل أسوأ، فقد كان ممنوعًا علينا الفرح أو الشعور بأي أجواء رمضانية”.
ومع بدء الحرب، شدد الاحتلال قبضته على الأسرى عبر: تقليل كميات الطعام، حيث لم تزد كمية الأرز اليومية المقدمة للأسرى عن 50-70 جرامًا فقط، مما اضطرهم إلى جمع وجبات اليوم بأكملها لتناولها وقت الإفطار.
بالإضافة إلى منع أي أجواء رمضانية داخل السجون، بما في ذلك رفع الأذان أو أداء الصلوات الجماعية، حتى وإن كانت سرية.
ومصادرة كل المقتنيات الشخصية، ولم يبقَ للأسرى سوى غطاء للنوم ومنشفة وحذاء بسيط.
والاعتداءات اليومية، حيث كان السجان يقمع الأسرى لأي سبب، حتى لو ضحك أسيران معًا، بحجة أنهما يسخران منه!
تعتيم
ومنع الاحتلال الأسرى من معرفة أي أخبار عن عائلاتهم، بل تعمد نشر أخبار كاذبة لإضعاف معنوياتهم، مدعيًا أن عائلاتهم استشهدت في الحرب.
وقد عانى المحرر أبو القمبز نفسه من هذا التعتيم، إذ لم يعرف من بقي من عائلته على قيد الحياة إلا بعد خروجه من الأسر!.
ويواجه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال انتهاكات خطيرة، في ظل صمت دولي مخجل، وفي رمضان، حيث يتضاعف القمع والتنكيل، تبقى رسالتهم واحدة، إيصال معاناتهم إلى العالم وكشف جرائم الاحتلال بحقهم، والمطالبة بتدخل المنظمات الحقوقية لوقف التعذيب والتجويع المتعمد داخل السجون، والضغط على الاحتلال للإفراج عن الأسرى، خاصة في ظل تزايد حالات القمع والإهمال الطبي.