القصف الجوي والمدفعي.. الجيش و«الدعم» يتورطان في قتل المدنيين
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
أودى القصف الجوي والمدفعي المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع داخل المدن المأهولة بحياة الكثيرين فضلاً عن المصابين وتدمير البنية، وهي جرائم حرب يعاقب عليها القانون- وفق ما أكد خبراء.
الخرطوم: التغيير
تناهى إلى سمع أحد المواطنين بمنطقة الثورة شمال أم درمان بالعاصمة السودانية الخرطوم، صوت جاره «حسن» وهو ينادي على ابنته «نون» ذات السبع سنوات ويحثها على دخول المنزل بعد أن بدأت الشمس رحلتها نحو الغروب، لكن «نون» التي لم تهتم لطلب والديها كانت تصر على مواصلة اللعب والمرح مع رفيقتيها في الحي وكأنما كانت تحس بأنها لعبتها الأخيرة في الحياة، ثم وعدت صديقتيها بمواصلة اللعب صباح اليوم التالي وهي تهم بالدخول للمنزل، ولم تكن تعلم أن الصباح سيجدها أشلاء متناثرة بعد أن قصفت صواريخ يقال إنها تتبع لمليشيا الدعم السريع الحي بحجة أنه يتستر على عناصر للجيش السوداني، حيث أودى القصف بحياة سبعة من أسرة «حسن» الذي يقطن المنطقة منذ أعوام، وفي مقدمتهم «نون» التي لازال صوت مرحها يتردد في الآذان.
هذه القصة واحدة من عشرات الحوادث التي تشير فيها أصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع المتهمة باستهداف المدنيين في حربها الشعواء ضد الجيش الذي يواجه اتهامات مماثلة أيضاً باستخدامه القصف الجوي.
حوادث مماثلةومنذ اندلاع النزاع بين الجيش والدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى في 15 ابريل الماضي، وجد المدنيون العزل أنفسهم وسط القصف المتبادل، وأجبر الصراع نحو 7 ملايين شخص على ترك منازلهم والنزوح داخل السودان واللجوء إلى دول الجوار.
فيما قتل أكثر من 9 آلاف من المدنيين بجانب آلاف المصابين، فضلاً عن مقتل وإصابة آلاف العسكريين، إضافة للخسائر المالية والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمؤسسات العامة والخاصة، وتعددت المآسي الناتجة عن القصف المتبادل بين الطرفين.
ويؤكد المواطن «م. ن»- من منطقة الحتانة بمحلية كرري- شمالي أم درمان، أن القصف المدفعي على المنطقة لم ينقطع منذ أشهر. وقال إن القصف حصد أرواح الكثير من المواطنين وأدى إلى تشريد عشرات الأسر.
وأضاف أنه في يوم واحد تم تشييع عشرات من القتلى إلى مقابر السرحة بأم درمان.
وأشار إلى أن سكان منطقة الحتانة أصبحوا يدفنون قتلاهم في «مقابر الأطفال» والتي كانت من قبل مخصصة لدفن الأطفال فقط، بسبب الظروف الأمنية.
واتهم «م. ن» قوات الدعم السريع باستهداف المواطنين لإجبارهم على مغادرة المنطقة من أجل الزحف للوصول إلى محلية كرري باعتبارها المحلية الوحيدة التي لم يصلوا إليها.
وأكد أن المواطنين يتعايشون حالياً مع القصف المدفعي لكنهم سيغادرون المنطقة في حال وصول الدعم السريع إليها لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا معهم بعد الفظائع التي ارتكبوها في حق المواطنين بمحليات الخرطوم المختلفة.
تزايد القصفولم يحقق أي من الطرفين تقدماً ميدانياً منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، فيما تشهد جميع مدن العاصمة المثلثة «الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان»، اشتباكات بشكل شبه يومي، وتسيطر قوات الدعم السريع على أحياء سكنية بالعاصمة وتنتشر في أجزاء واسعة، مما يجبر الجيش على مواجهتها بسلاح الطيران والقصف المدفعي الذي يعتمد عليه بشكل كبير لترجح كفته في القتال الدائر الآن.
وفقًا لشهود عيان فإن القصف الجوي زادت حدته في الآونة الأخيرة، وارتفت معه حصيلة الضحايا المدنيين، مع محاولة الجيش استعادة مواقع في العاصمة.
وقال مواطنون لـ«التغيير»، إن عشرات العائلات نزحت من منطقة أمبدة غربي أم درمان جراء القصف المدفعي المتبادل بين الطرفين إلى مناطق الثورات التابعة لمحلية كرري والتي تضم قاعدة وادي سيدنا العسكرية التي ينطلق منها الطيران الحربي للجيش السوداني إلى جانب معسكر كرري الذي يضم الآلاف من المستنفرين للقتال بجانب الجيش.
البنية الطبيةوتشهد منطقة الثورات استقراراً نسبياً، حيث يستقبل مستشفى النو «المشفى الوحيد الذي يعمل في المنطقة» العشرات من الجرحى والقتلى، بشكل يومي- وفقًا لمصدر طبي بالمستشفى.
وقال المصدر لـ«التغيير» إن المستشفى استقبل في أكتوبر الماضي، عشرات الإصابات بعضها فارق الحياة لاحقاً ومنها من فقد أجزاء من جسده، حراء القصف المدفعي المكثف والاشتباكات.
وشكا المصدر من أن المستشفى به نقص كبير في الأدوية المنقذة للحياة والأدوات المستخدمة في غرف العمليات والطوارئ، وتخوف من سقوط القذائف على المشفى مجدداً.
وقال إن القصف في المرة الماضية تسبب في أضرار بالمستشفى وراح ضحيته أكثر من شخص وأدى إلى إغلاقه جزئياً.
وكانت منظمة أطباء بلا حدود حذرت، في وقتٍ سابق، من أن العنف الدائر في السودان مع دخوله الشهر السادس يهدد مستشفى النو، الذي أكدت أنه يمثل شريان حياة أساسي للسودانيين في أم درمان شمال غربي الخرطوم.
وظل الجيش وقوات الدعم السريع، يتبادلان الاتهامات بشأن القصف الجوي والمدفعي، وينفيان عن نفسيهما تهمة استهداف المدنيين.
جرائم حربوأكد عضو اللجنة القانونية بتحالف قوى الحرية والتغيير المحامي معز حضرة، أن قصف المدنين بواسطة طيران الجيش يعتبر من جرائم الحرب ومخالفة لاتفاقيات جنيف لحماية المدنيين أثناء الحروب.
وأضاف لـ«التغيير»: تواجد قوات الدعم السريع في داخل المدن لا يبرر للجيش أن يقصف المدنيين.
وتابع: كذالك لا يجوز للدعم السريع أن يقوم بحربه من داخل المدن. وشدد على أن هذه الجرائم تعتبر من جرائم الحرب وفقاً للقانون الدولي ووفقاً للقانون الجنائي السوداني.
أهداف عسكريةمن جهته، قال الخبير العسكري عقيد ركن م. خالد محمد عبيد الله، إن قوات الدعم السريع تسعى لإدانة الجيش السوداني واتهامه بضرب المدنيين في الوقت الذي تقوم فيه بضرب دانات مدفعية أثناء تحليق الطيران، وأكد أن هذا الأمر أصبح لا يخفى على المواطن.
وأضاف لـ«التغيير»: أهداف الطيران تدرس وتراجع من عدة اتجاهات من الأقمار الصناعية من الخرط المحدثة ثم تعطي درجة أهمية قصوى، مؤجلة، عادية.
وتابع: العامل في المعركة طيران حديث ولا يعتمد على رؤية الطيار بالعين المجردة بل هي إحداثيات تترجم لضربة جويه نسبة الخطأ فيها بسيط جداً.
واستدرك الخبير العسكري: هناك خطأ طيار وهذا يحدث في أنواع معينة من الطائرات ونسبة خطأ الآلة وهذه تجاوزتها حداثة الطيران العامل.
واتهم عبيد الله الدعم السريع بالسعي إلى تغطية جرائمها باتهام طيران الجيش السوداني.
وغض النظر عن دفوعات طرفي النزاع بشأن الاستخدام المفرط للأسلحة الثقيلة في المناطق المدنية المأهولة بالسكان، فإن شهادات الشهود وتقارير المنظمات المحلية والإقليمية والدولية وإفادات العاملين في غرف الطوارئ والناشطين والكوادر الطبية، تؤكد تورط الجانبين في قتل المدنيين الأبرياء والتضييق عليهم في أماكن سكنهم دون مراعاة للقانون الدولي الإنساني وضوابط حماية المدنيين.
الوسومأطباء بلا حدود أم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان القصف الجوي حرب 15 ابريل كرري مستشفى النو وادي سيدنا العسكريةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أطباء بلا حدود أم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان القصف الجوي حرب 15 ابريل كرري مستشفى النو وادي سيدنا العسكرية قوات الدعم السریع القصف المدفعی القصف الجوی لـ التغییر أم درمان
إقرأ أيضاً:
هجوم الطائرات المُسيّرة على «الأبيض» .. تحول جديد في الصراع يُضاعف مخاوف المدنيين
تعيش مدينة الأبيض أوضاعا إنسانية صعبة مع استمرار الحرب التي بدأت في 15 أبريل كصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
التغيير – فتح الرحمن حمودة
و بعد فترة من الهدوء النسبي عادت المدينة لتشهد تصعيداً خطيراً أمس الثلاثاء حيث شنت قوات الدعم السريع هجوما بالطائرات المسيرة لأول مرة منذ اندلاع الحري ما أثار حالة من الهلع والخوف بين السكان.
ووفقا لمصدر موثوق تحدث لـ «التغيير» استهدفت الطائرات المسيرة مقر قيادة الفرقة الخامسة مشاة في المدينة حيث تصدت لها المضادات الأرضية وأسقطت عدداً منها.
وتعد هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها قوات الدعم السريع الطائرات المسيرة في هجوم على المدينة ما يعكس تصعيداً جديداً في طبيعة الهجمات المستمرة بين الطرفين.
حصارو من جهة أخرى أفاد مصدر لـ «التغيير» أن قوات الدعم السريع ما زالت تفرض حصاراً على المدينة من الاتجاهات الشمالية والغربية والجنوبية بما في ذلك شارع «الزريبة» ما زاد من تعقيد الوضع الأمني والإنساني.
و توسعت الحرب الدائرة منذ أبريل لتشمل المدن الرئيسية للبلاد والمناطق الحيوية ما أدى إلى انهيار المؤسسات الحكومية وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وتأتي الهجمات المتكررة مثل التي شهدتها مدينة الأبيض لتؤكد على حجم الدمار الذي ألحقته الحرب بالنسيج الاجتماعي مع استمرار المآسي الإنسانية وسط عجز المجتمع الدولي في إيجاد حلول ناجعة.
و أعتبر مراقبون أن استخدام الطائرات المسيرة في مناطق مأهولة بالسكان مثل الأبيض ينذر بكارثة إنسانية كبرى ونوهوا إلى أن الهجمات الجوية قد تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين فضلاً عن تدمير البنية التحتية بما في ذلك المنازل، المستشفيات، والمدارس.
مخاوفوقالت المواطنة «ر. أ» وهي أم لطفلين إن أصوات الطائرات المسيرة التي سمعتها لأول مرة جعلتها تقضي الليل في خوف لم تشعر به حتى أثناء المواجهات السابقة التي شهدتها المدينة.
وأعرب عدد من سكان الأبيض لـ «التغيير» عن مخاوفهم النفسية من تكرر هذا النوع من الهجوم بالمسيرات مشيرين إلى أنه يزيد من شعورهم بالعجز أمام تهديد غير مرئي يحلق فوق رؤوسهم مما يضاعف من معاناتهم اليومية.
وتفاقمت معاناة سكان المدينة معيشياً واقتصادياً وأصبحوا يواجهون خطر المجاعة جراء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وانعدام السيولة النقدية نتيجة حالة الحصار المفروضة عليهم منذ المواجهات العسكرية التي دارت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو الماضي.
وتواجه المدينة حصاراً محكما من قبل قوات الدعم السريع التي وسعت من نقاط تفتيشها بعد أن فرضت رسوماً باهظة على جميع ناقلات البضائع في معظم الطرق المؤدية من وإلى الأبيض .
و أوضح المواطن «ج. م» أن الحصار أدى إلى إلى ارتفاع أسعار السلع الضرورية مثل الدقيق السكر والعدس بشكل غير مسبوق إلى جانب المعاناة من انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت منذ أكثر من شهر حيث تظل شبكة “زين” للمكالمات متوفرة ولكن بشكل ضعيف.
رسومفي حين أكد المواطن «ع. ح» أن قوات الدعم السريع تفرض “رسوم تحصيل” على الشاحنات التجارية التي تحاول دخول المدينة مما يزيد من صعوبة وصول الإمدادات الأساسية إلى السكان المحاصرين.
و تظهر الأحداث الأخيرة في مدينة الأبيض الوجه المأساوي للحرب التي أدت إلى تصاعد المعاناة الإنسانية في مناطق كردفان و تبقى معاناة سكان الأبيض انعكاسا حقيقيا لحال سكان تلك المناطق .
ويبدي سكان المنطقة خشيتهم من الواقع المعيشي السيئ الذي باتوا يتعايشون معه على اعتبار أنه سيناريو جديد للموت إلى جانب سيناريوهات دوي الانفجارات والأسلحة الثقيلة التي شاهدوها في كثير من العمليات العسكرية الدامية التي دارت بين الأطراف المتقاتلة في مدينة الأبيض.
ومع اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومناطق أخرى كانت قد شهدت مدينة الأبيض مواجهات عسكرية دامية بين طرفي القتال ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل بين الطرفين.
ومنذ 15 أبريل الماضي تحاول قوات الدعم السريع دخول المدينة والسيطرة عليها، فيما يواصل الجيش حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمواقع الاستراتيجية داخل المدينة.
وتتمتع مدينة الأبيض بموقع استراتيجي في غرب البلاد، حيث تضم أكبر سوق لمحصول الصمغ العربي على مستوى العالم، بالإضافة إلى أسواق أخرى للمحاصيل والماشية، إلى جانب ارتباطها بطريق الصادرات الرابط بين ولايات غرب السودان المختلفة.
الوسومالأبيض حصار كردفان مسيرات هجوم