بين تشرينين.. “طوفان الأقصى” يعلو وعد بلفور
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917، قدّم وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر بلفور، وعده الشهير إلى الصهيوني البريطاني، ليونيل وولتر دي روتشيلد، بمنح “اليهود وطناً قومياً لهم” في فلسطين، بصفة الأول وزير خارجية حكومة المملكة المتحدة التي تنتدب فلسطين آنذاك، وكون الثاني صهيونياً نشطاً وصديقاً حميماً لحاييم وايزمان، الصهيوني صاحب أقوى العلاقات مع بريطانيا، والذي ترّأس لاحقاً المنظمة الصهيونية العالمية بين عامي 1920 و1946.
جاء الوعد في رسالةٍ أرسلها بلفور إلى دي روتشيلد، تعهّد فيها -نيابةً عن حكومة المملكة المتحدة- ببذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق “إقامة وطنٍ قومي” لما أسماه “الشعب اليهوديّ” في فلسطين، حيث نُشر نص الوعد أو الإعلان في الصحافة البريطانية في 9 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917.
أسّس الوعد الذي قدّمه بلفور، والمعروف فلسطينياً بوعد “من لا يملك، لمن لا يستحق”، نقطة ارتكازٍ رئيسية لاحتلال فلسطين ومحاولة تهويدها وتهجير أهلها وتوسيع حركة الاستيطان فيها، وبالنتيجة، انطلاقاً للنضال الفلسطيني وكفاح شعبها في مواجهة سياسات بريطانيا والصهيونية.
ارتكز الصهاينة على وعد الاستعمار لإنشاء كيانهم الاحتلالي، ليتحوّل الدور البريطاني الحاضن لسرقتهم الأرض واحتلالها إلى دعمٍ متواصل، وينتقل مع التغيرات الدولية التي رافقت إعلان تأسيس الكيان، ونكبة الشعب الفلسطيني بتهجيره عن أرضه، ونهاية الحرب العالمية الثانية، إلى رعايةٍ أميركية مُطلقة لكيان الاحتلال، ودعمٍ على المستويات كافة وفي كلّ المجالات.
“طوفان الأقصى” يضرب وعدهم
كان إعلان وعد بلفور بمثابة الخطوة الأولى للاستعمار الغربي على طريق إقامة كيانٍ صهيوني يُثبّتون فيه احتلال أرض فلسطين، لتمثّل كل ثورات ومقاومات الشعب الفلسطيني، منذ عشرينيات القرن الماضي إلى معارك المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة “سيف القدس” و”وحدة الساحات” و”ثأر الأحرار”، رفضاً قاطعاً للاستعمار الصهيوني ومؤسّسيه، وصموداً استثنائياً على طريق إسقاط الوعد.
منذ وعد بلفور إلى اليوم، لم يتوانَ الاحتلال وداعموه عن تكريس سرقة الأرض وقتل الإنسان، ليأتي السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبعد قرابة 106 سنوات على الوعد بالظلم، ويعلن لحظةً تاريخية فارقة، حيث كسرت مقاومة الشعب الفلسطيني كل المعادلات، وحطّمت بإنجازها كل ما حاول أن يبنيه الاحتلال طوال قرنٍ من الزمان، بدخول الفلسطيني إلى أرضه المحتلة، في مشهدٍ صدم أمن الاحتلال وهزّ أركان وجوده.
بنى الاحتلال على وعد بلفور، واستند إليه في إقامة كيانه والتسويق له عالمياً، ليأتي “طوفان الأقصى” ويفرض على قادة الكيان حديثاً بنفسٍ جديد، فقد سمّى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عدوانه المستمر على قطاع غزّة “حرب الاستقلال الثانية”، كما عدّه “دفاعاً عن مصير إسرائيل”، في اعترافٍ صريح بأنّ “طوفان الأقصى” ضرب وجود “إسرائيل” ووضع مصير كيانها على المحك.
فوضى إخلاء من فشل بلفور في تثبيتهم
باحتدام تطورات الأوضاع الأمنية على عدّة جبهات، مع معركة “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزّة، علّقت صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية، على الوضع الأمني عند الحدود اللبنانية – الفلسطينية، وذكرت أنّ مستوطنة “كريات شمونة” تحوّلت، وفق كمية الدبابات والأسلحة فيها، إلى “موقعٍ أمامي”، مشيرةً إلى أنّها أُفرغت من المستوطنين.
وقال رئيس المجلس الإقليمي للاحتلال في الجليل الأعلى، غيورا زلتس، إنّ المستوطنين لن يعودوا إلى منازلهم في الشمال، “إذا لم يكن هناك أمن على الحدود مع لبنان”، وذلك إضافة إلى ما شهدته مستوطنات منطقة غلاف قطاع غزّة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما تلاه ضمن المعركة المتواصلة، حيث سقط فعلياً أمن كيان الاحتلال، وسقط معه ما حاول وعد بلفور التأسيس لتثبيته.
وزارة الأمن الإسرائيلية، من جهتها، أعلنت ارتفاع عدد المستوطنين الذين تم نقلهم من الشمال والجنوب إلى الفنادق، إلى 125 ألف شخص، في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وفي سياقٍ متصل، قال عضو “الكنيست”، من حزب “القوة اليهودية”، ألموغ كوهين، إنّ الإسرائيليين لن يعودوا إلى مستوطناتهم في غلاف غزة، مُصرّحاً في حديثه أنّه”حتى الكلب لن يفعل ذلك، إذا لم يتمّ القضاء على العدو”، مشيراً إلى أنّ “نسبة الأراضي الإسرائيلية ستنخفض 15%”.
ووصلت التساؤلات بقادة ومسؤولي الكيان لأن يسأل كوهين بشأن “لماذا أقاموا إسرائيل؟”، مُشيراً إلى أنّ المستوطنين فقدوا أصل الحياة، وأصل البقاء، ومضيفاً: “فقدنا حقنا في التنفّس”.
بعد أكثر من قرنٍ على الوعد المشؤوم، ومع “طوفان الأقصى” الهادر، كشفت وسائل إعلامٍ إسرائيلية عن خطةٍ حكومية إسرائيلية لإقامة مستوطنةٍ من “الخيام” قرب مستوطنة “إيلات”، المُقامة على أرض أم الرشراش، جنوبي فلسطين المحتلة عند البحر الأحمر، وذلك من أجل “استيعاب مستوطني منطقة غلاف غزّة الفارين”.
ويوجد في “إيلات” وحدها – التي تعرّضت للقصف – حتى الأسبوع الماضي، أكثر من 10 آلاف مستوطن جرى نقلهم من مستوطنات غلاف قطاع غزة فقط.
كما أعلن المتحدث باسم “الجيش” الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، أنّ نحو 500 ألف مستوطن “نزحوا من أماكن سكنهم” إلى مناطق أخرى في “الجبهة الداخلية”، منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها المقاومة الفلسطينية رداً على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي.
تراجع دعم “إسرائيل”.. اعتراف داخلي
تعيش بريطانيا، مطلقة وعد السرقة، أيضاً وضعاً استثنائياً بين رأيٍ عام مساند للقضية عبّر عنه من خلال مسيراتٍ متضامنة مع الفلسطينيين كانت الأكبر في العالم، وبين قرارٍ سياسي يقدّم دعماً مطلقاً لكيان الاحتلال، ورافضاً إلى حدّ الآن حتى الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وعرفت القضية الفلسطينية لحظاتٍ مصيرية فرضت على بريطانيا مسؤوليةً تاريخية بشأن وعد وزير خارجيتها، حيث لم ينفك الفلسطينيون يطالبونها بالتراجع عن الوعد وتقديم اعتذار للشعب الفلسطيني وللأحرار حول العالم بشأن الظلم الذي أسّس له ضد فلسطين.
كيان الاحتلال أصبح يرى بشكلٍ واضح كيف تغيّر الرأي العام العالمي بشأن طبيعته ووجوده ومستقبله، حيث أشار مراسل القناة “الـ12” الإسرائيلية في لندن إلى رؤيته “عشرات الآلاف من المتظاهرين خرجوا في شوارع لندن تأييداً للفلسطينين”، لافتاً إلى سماعه هتافاتٍ مثل “ستحرّر فلسطين من النهر إلى البحر”، وهتافاتٍ تدعو إلى “تدمير إسرائيل”.
وفي استطلاعاتٍ للرأي، نقلها المراسل على أنّها تتوالى في الفترة الأخيرة في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، مؤكداً أنّ الغالبية المطلقة لشريحة الشبان بين 18 و24 سنة في أوروبا “لا ينظرون لحركة حماس كمنظمة إرهابية”، وأنّه في بريطانيا وحدها، النسبة تصل إلى 66%، لافتاً إلى أنّه “قطعاً التأييد للفلسطينيين يكبر، والمعارضة لإسرائيل تزداد”.
بعد مرور قرن، فشل بلفور في تأسيس وجودٍ صهيوني في فلسطين، ليبدو سقوطه واضحاً من تداعيه، والصهيونية بكل الدعم الغربي فشلت تماماً في بناء روح البقاء والترسّخ لدى المستوطنين، ليبزغ مع السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فجر تاريخٍ واضح المعالم، يكسر وعود الاستعمار.
الميادين / أسامة أبو دراز
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: تشرین الأول أکتوبر طوفان الأقصى وعد بلفور قطاع غز ة إلى أن
إقرأ أيضاً:
“فايننشال تايمز”: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا وتقوض أمن الناتو
الولايات المتحدة – أفادت صحيفة “فايننشال تايمز” إن سعي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لإبرام اتفاق مع روسيا يهدد ضمانات الناتو الأمنية في أوروبا وخاصة بريطانيا التي يشكل الحلف حجر أساس في أمنها.
وجاء في منشور الصحيفة نقلا عن مسؤول بريطاني: “لقد أثار ترامب الشكوك حول الضمانات الأمنية لأوروبا من قبل الولايات المتحدة.. قد لا ينسحب الرئيس المنتخب من حلف شمال الأطلسي، لكن حرصه على التوصل إلى اتفاق مع (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين من شأنه أن يؤدي إلى تقويض استقرار التحالف بشكل خطير”.
وأشار المسؤول إلى أن “حلف شمال الأطلسي يعتبر حجر الزاوية الأساسي في أمن بريطانيا” لافتا إلى أن “بريطانيا لا تمتلك سياسة دفاعية فعالة بعيدا عن الحلف”.
ورأت الصحيفة أن “النظام الدولي يواجه حالة من الانهيار بسبب الصراع في أوكرانيا، بما جعل العالم في وضع أكثر خطورة منه في أي وقت مضى، منذ نهاية الحرب الباردة”.
وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” خلال ولاية ترامب الأولى، الذي انتقد الحلف واتهم أعضاءه الأوروبيين الذين يكافحون أصلا للسيطرة على الدين الحكومي في بلدانهم بإنفاق القليل جدا على الدفاع.
وأكد ترامب أنه لا يجب على الولايات المتحدة الدفاع عن دول الناتو التي لا تدفع مستحقاتها للحلف.
وصور حلفاء الناتو وكأنهم “طفيليات” على جسم الجيش الأمريكي، وتساءل علنا عن قيمة التحالف الذي شكل السياسة الخارجية الأمريكية لعقود.
ومع فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية ازدادت مخاوف الناتو، بسبب تهديداته خلال فترة رئاسته السابقة بانسحاب بلاده من الحلف، وهو ما من شأنه بحسب الكثير من القادة الأوروبيين أن يزعزع الضمانات الأمنية لدول الحلف في أوروبا، ويشكل تهديدا وجوديا للتحالف الذي تأسس عام 1949، وخاصة مع دخول الصراع في أوكرانيا عامه الثالث، واعتماد كييف على تدفق ثابت من المساعدات العسكرية والمالية المقدمة من الغرب.
يشار إلى أن ترامب كرر مرات عديدة خلال حملته الانتخابية أنه يعتزم حل النزاع في أوكرانيا حتى قبل تنصيبه، كما أنه وصف زيلينسكي في أحد مهرجاناته الانتخابية بأنه “أفضل مساوم في التاريخ”، حيث يغادر بمليارات الدولارات في كل مرة يزور فيها الولايات المتحدة.
من جانبها أكدت روسيا أن هذه مشكلة معقدة للغاية بحيث لا يمكن إيجاد حل بسيط كهذا لها، وأكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن موسكو ستحكم على موقف ترامب، الذي أعلن رغبته في إحلال السلام في أوكرانيا، من خلال خطواته الملموسة الأولى كرئيس.
وأعربت موسكو مرارا عن استعدادها لإجراء مفاوضات مع أوكرانيا، إلا أن فلاديمير زيلينسكي قطع طريق المفاوضات منذ 2023، كما وقع على قانون يمنع التفاوض مع روسيا.
المصدر: “فايننشال تايمز”+ RT