NYT: بايدن يجد صعوبة حتى في خطوات السلام الإسرائيلي الفلسطيني المتواضعة
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفي مايكل كراولي، قال فيه "حتى في الوقت الذي يضغط فيه الرئيس بايدن، على إسرائيل، لكي تحدد بوضوح أهداف حربها ضد حماس في غزة، فإنه يحول نظره إلى نهاية أهم بكثير: الأمل بعيد المنال في التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين".
وفي حديثه للصحفيين، الأسبوع الماضي، قال بايدن إنه "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، ومن وجهة نظرنا يجب أن يكون حل الدولتين، مما يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب دولة إسرائيل"، غير أن السؤال هو: إلى أي مدى ينوي بايدن العمل لتحقيق هذه النتيجة.
وأضافت الصحيفة، أنه حتى الشهر الماضي، لم يكن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من بين أولوياته القصوى؛ حيث إن الرئيس، الذي كان يركز على مواجهة الصين، ومن ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يكن لديه سوى القليل من الوقت أو الميل لتحقيق هدف بعيد أعاق العديد من أسلافه وألحق بهم جروحا سياسية.
وأردفت الصحيفة، أنه كما شكك مسؤولو إدارة بايدن فيما إذا كانت القيادة الإسرائيلية المتشددة بشكل متزايد مهتمة بأي صفقة معقولة. وتساءلوا عمّا إذا كان الفلسطينيون سوف يثقون في الولايات المتحدة كوسيط للسلام، بعد أربع سنوات من ميل إدارة ترامب الكبير لإسرائيل، وخطة ترامب للسلام التي أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التي تم استبعاده منها، أنها ماتت فور وصولها.
وعلى عكس أسلافه القريبين، لم يعين بايدن مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط، ولم يكلف وزير خارجيته بمحاولة صياغة اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. وبدلا من ذلك، ركز على التوسط في اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، على أمل تحقيق تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين على الطريق.
وقال مفاوض عملية السلام السابق في إدارة أوباما، ديفيد ماكوفسكي: "لم يكن حل هذا الصراع هدفا سياسيا من المستوى الأول؛ كان الهدف هو تحقيق الاستقرار، وعدم المحاولة والفشل للمرة الخامسة".
لكن حتى الجهود المتواضعة أثبتت أنها صعبة بشكل مدهش، ويعتقد بعض المحللين أن نهج بايدن أهمل الفلسطينيين؛ على وجه الخصوص، كان الفلسطينيون يأملون أن يتراجع بايدن عن العديد من قرارات عهد ترامب التي خفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين وخففت القيود المفروضة على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وأبرز المصدر نفسه، أن ذلك لم يكن ليحدث كمرشح، إذ وعد بايدن بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والذي أغلقه ترامب، وطرد الممثلين الفلسطينيين من عاصمة البلاد، ولم ينفذ بايدن تعهده قط.
كما أنه لم يفي بوعده كمرشح بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، التي أغلقها ترامب أيضا، والتي كانت بمثابة نقطة الاتصال الدبلوماسية المحلية الأمريكية للفلسطينيين لفترة طويلة.
كما كان العديد من الفلسطينيين يأملون في أن تعيد الولايات المتحدة في عهد بايدن الرأي القانوني لوزارة الخارجية، الذي يعلن أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية. وألغى وزير الخارجية، مايك بومبيو، هذا الرأي الذي ظل ساريا منذ أربعة عقود. ولم يتحرك وزير الخارجية أنتوني بلينكن لعكس ذلك.
وكانت القضايا الثلاث كلها محل نقاش داخلي داخل إدارة بايدن؛ وفي كل حالة، خلص المسؤولون إلى أن الفوائد في العالم الحقيقي ستكون ضئيلة مقارنة بالتكلفة السياسية لإثارة غضب الحكومة الإسرائيلية والجمهوريين في الكونغرس، الذين دعموا خط ترامب المتشدد.
وقال خالد الجندي، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إنه وجد موقف بايدن مفاجئا؛ مردفا: "ما لم أتوقعه هو مدى التشابه الذي سيكون بين نهجه ونهج ترامب". فيما يقول مسؤولو بايدن، إنهم اتخذوا خطوات مهمة وملموسة لتحسين العلاقات مع الفلسطينيين.
وتابع المصدر، أن بايدن التقى مع عباس في عام 2021 والعام الماضي، منهيا تجميد الاتصالات في عهد ترامب. قبل هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل، قدمت إدارة بايدن 1.4 مليار دولار من المساعدات الإنسانية للبرامج التي تخدم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، بما في ذلك شبكات الغذاء والدواء والاتصالات، مما يجعل أمريكا أكبر جهة مانحة في العالم بفارق كبير. حيث لا تتدفق الأموال الأمريكية إلى حماس؛ وفي غزة، يتم توزيعها من قبل وكالة تابعة للأمم المتحدة تقدم الخدمات للفلسطينيين.
كما قام بلينكن، في أواخر العام الماضي، بتعيين مسؤول متوسط المستوى في وزارة الخارجية، هادي عمرو، ليكون ممثلا خاصا للشؤون الفلسطينية في واشنطن. غير أن بايدن وبلينكن، اللذين يواجهان حكومة إسرائيلية اتخذت موقفا متشددا بشكل متزايد ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، حيث استثمروا القليل من رأس المال السياسي في التراجع عن إجراءات ترامب.
وتعتبر الجهود الفاشلة لإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس مثالا على ذلك يصلح للدراسة. وكانت الفيلا المبنية من الحجر الجيري والواقعة على طريق أغرون بالقدس، قد أشرفت على العلاقات بين الولايات المتحدة والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لعقود من الزمن. وتقع البناية في "القدس الشرقية"، التي يأمل الفلسطينيون أن يجعلوها عاصمتهم في أي اتفاق سلام مع إسرائيل، كما أنها تؤدي دورا رمزيا أقرب إلى سفارة لدولة مستقبلية يأمل الفلسطينيون في إقامتها.
وأشار المصدر نفسه، أن بومبيو ألغى القنصلية فجأة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، واصفا إياها بأنها خطوة لتحسين الكفاءة، وأصر على أنها "لا تشير إلى تغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة"؛ لكن بالنسبة للمسؤولين الفلسطينيين، كان ذلك بمثابة صفعة على الوجه.
وضم بومبيو عملياته إلى "وحدة الشؤون الفلسطينية" في السفارة الأمريكية الجديدة في القدس، والتي نقلها ترامب من تل أبيب في وقت سابق من ذلك العام. وأثارت خطوة السفارة غضب الفلسطينيين.
بصفته مرشحا لعام 2020، أخبر بايدن، وكالة "التلغراف"، أنه سيتخذ عدة خطوات لإصلاح العلاقات مع الفلسطينيين، بما في ذلك إعادة فتح القنصلية. خلال زيارته في مايو 2021 مع عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في مدينة رام الله بالضفة الغربية، حيث قال بلينكن، إن "الولايات المتحدة ستتحرك لإعادة فتح القنصلية، واصفا إياها بأنها "وسيلة مهمة لبلادنا للتعامل مع و تقديم الدعم للشعب الفلسطيني".
وأيد الديمقراطيون الخطة، خلال رحلة إلى إسرائيل في ذلك الخريف، كتب السيناتور كريس فان هولين، الديمقراطي من ولاية ماريلاند، على وسائل التواصل الاجتماعي أنه من المهم أن يفي بايدن بوعده.
لكن الزعماء الإسرائيليين رفضوا الفكرة. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، أصر نفتالي بينيت، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، على أنه "لا يوجد مكان لقنصلية فلسطينية في القدس" مضيفا أن "القدس هي عاصمة دولة واحدة، وانتهى".
ولم يتمكن مسؤولو بايدن من التغلب على المعارضة الإسرائيلية، مما يشير إلى أنهم لا يستطيعون التصرف من جانب واحد. في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أخبر بريان ماكيون، نائب وزير الخارجية لشؤون الإدارة والموارد، لجنة بمجلس الشيوخ أن "فهمه" هو "أننا سنحتاج إلى الحصول على موافقة الحكومة المضيفة لفتح أي منشأة دبلوماسية".
ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أنه من الناحية العملية، يمكن لبايدن إعادة فتح مكتبه رغم الاعتراضات الإسرائيلية. وعندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية في ذلك الوقت، نيد برايس، عن مصير القنصلية في شباط/ فبراير، قال: "هذه الأمور تستغرق وقتا؛ من الواضح أن هناك أطرافا مختلفة تشارك في عملية كهذه".
من جهته، وصف سفير الولايات المتحدة السابق في القدس في إدارة جورج بوش الإبن، دانييل كيرتزر، السنوات التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر بأنها فرصة ضائعة، بالقول: "يمكن طرح السؤال: لماذا لم يتحرك بايدن لإلغاء ما فعله ترامب؟".
واعترف كيرتزر بأن بايدن ورث "الفوضى، بشأن القضية الفلسطينية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سياسات ترامب".مشيرا إلى أن وجود أجندة سياسية مختلفة لم يكن ليمنع على الأرجح عملية "طوفان الأقصى.
وبينما كان من المفيد أن أعاد بايدن فتح الحوار مع الفلسطينيين وتقديم المساعدة لهم، قال كيرتزر إن "الأشياء التي لم يفعلها الرئيس، مثل إعادة فتح القنصلية، أو إعادة الرأي القانوني بشأن مستوطنات الضفة الغربية هي رسالة سلبية".
ويقول كيرتزر إن ذلك أضر بمصداقية الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم العربي، ويعمل الآن على تعقيد جهود بايدن لدعم إسرائيل، وقال: "انظروا مدى سرعة تغير السردية، من التعاطف مع إسرائيل إلى إدانة إسرائيل".
وأكد المقال أنه "يبقى أن نرى ما إذا كان بايدن سيضغط بقوة هذه المرة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم. ولا يزال بعض المسؤولين الأمريكيين يعتبرون اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية فرصة، لكن الفرص تضاءلت عن ذي قبل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة بايدن غزة فلسطينية امريكا فلسطين غزة بايدن طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الضفة الغربیة مع الفلسطینیین تشرین الأول بین إسرائیل فی القدس لم یکن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
انعكاسات أزمة تقييد القضاء في إسرائيل على الفلسطينيين
في سياق ليس بعيدا عن التصدعات الداخلية بالتوازي مع الحرب على غزة التي طالت دون أن تحقق أهدافها، تأتي محاولات حكومة بنيامين نتنياهو لإعادة طرح خطة تقييد القضاء الإسرائيلي لتكشف عن أبعاد جديدة من أزماتها الداخلية المتراكمة.
ويرى معارضو هذه الخطة، التي تهدف إلى الحد من سلطة القضاء وتعزيز هيمنة السلطة التنفيذية، أنها تمثل حلقة جديدة في سلسلة محاولات فرض السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم.
حتى الآن، يرى خبراء أن نتنياهو، لم يتمكن من تمرير خطة تقييد القضاء بشكل كامل، إذ لا تزال على طاولة النقاش السياسي في إسرائيل، والتأجيلات المتكررة جاءت نتيجة الاحتجاجات الشعبية والضغوط السياسية الكبيرة، بالإضافة إلى التوترات الداخلية، خاصة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 المباغت وما تلاه من تبعات أمنية وسياسية.
ولا تنعكس أبعاد خطة التعديلات على الداخل الإسرائيلي وحسب، بل تمتد لتؤثر على السياسات القمعية تجاه الفلسطينيين. ووسط هذا المشهد المتأزم، تبرز تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطة على الاستقرار الداخلي ومستقبل نظام الحكم في كيان يواجه تشكيكا متزايدا في شرعيته الأخلاقية والسياسية داخليا وخارجيا.
يقول الائتلاف الحاكم في إسرائيل إن التعديلات القضائية تهدف إلى إعادة التوازن بين السلطات (الأوروبية) تحول النظام القضائيفي يناير/كانون الثاني 2023 أعلن وزير العدل ياريف ليفين عن خطة تقييد القضاء، وقدم ليفين -وهو عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو- الخطة كجزء من "إصلاحات قضائية" تهدف، حسب زعمه، إلى إعادة التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
إعلانوبرر الوزير إعلانه عن الخطة بأنها ستضع حدا لما وصفه بالتجاوزات التي تقوم بها المحكمة العليا وتدخلها في الشؤون التشريعية والتنفيذية، ولتعزيز سيادة الكنيست (البرلمان) باعتباره الممثل المنتخب من الشعب، ومعالجة ما يعتبره هيمنة قضائية على القرارات السياسية في إسرائيل.
في المقابل، يرى المعارضون أن هذه الخطة تأتي لتحقيق مصالح سياسية وشخصية، خاصة مع التحديات القانونية التي يواجهها نتنياهو في قضايا فساد، ما يجعل الخطة وسيلة لتعزيز نفوذ الحكومة وتقليص أي رقابة قانونية قد تعيقها.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا يلزم وزير القضاء، ياريف ليفين، بعقد جلسة للجنة تعيين القضاة لاختيار رئيس جديد للمحكمة العليا قبل 16 يناير/كانون الثاني 2025، وذلك بعد امتناع ليفين عن دعوة اللجنة منذ تقاعد القاضية إستر حيوت في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ردًا على هذا القرار، أعلن ليفين في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن نيته إعادة طرح قانون تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة في الكنيست، بهدف تعديل آلية تعيين القضاة وتوسيع تمثيل السياسيين في اللجنة. يهدف هذا التعديل إلى تقليص دور نقابة المحامين في التعيينات القضائية، مما يتيح للائتلاف الحكومي مزيدًا من السيطرة على تعيين القضاة.
الكاتب والمستشار القانوني، سائد كراجه، يرى أن النظام القضائي لم يعمل كجهة رقابة نزيهة، ولكن تقييده سيزيد من عدم الثقة في القضاء، وسيثير شكوكا حول الوجه "الديمقراطي" الإسرائيلي، على الصعيد الداخلي والدولي، بحسب وصفه.
وعن خطوات تطبيق التعديلات، يقول كراجه في حديثه للجزيرة نت، إنها ستبدأ بتعديل القوانين وتشريع نصوص جديدة، تحد من صلاحيات المحكمة العليا وتمنعها من إلغاء قرارات الحكومة أو الكنيست، وتسمح للحكومة بتعيين القضاة بشكل مباشر بدلًا من الاعتماد على لجنة مستقلة.
إعلانوهذا بدوره -بحسب كراجة- سيجعل التعيينات القضائية مسيّسة، وسيضع قيودا على قدرة القضاء على مراجعة قرارات الكنيست المتعلقة بالقوانين والسياسات الحكومية التي يصدرها نتنياهو، وهذا سيغير الهيكل الإداري للمستشارين في الحكومة.
واللافت أن الخطة لم يقتصر تأثيرها على المجال القضائي فحسب، بل ألقت بظلالها أيضًا على الأوساط العسكرية، إذ هددت مجموعات من ضباط وقادة قوات الاحتياط بالإعلان عن نيتهم الامتناع عن الخدمة إن تم تنفيذ الخطة.
العسكريون عبروا عن استيائهم من تقليص صلاحيات المحكمة العليا، مؤكدين أن هذا التغيير قد يؤثر سلبًا على دور القضاء في مراقبة تصرفات الجيش وضمان احترام حقوق الإنسان، لا سيما في العمليات العسكرية التي تتم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويرى الخبراء الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت، أن هذه الاحتجاجات تحمل دلالة سياسية أيضًا، حيث يظهر الانقسام الواضح بين السلطة السياسية في إسرائيل والجيش، الذي عادة ما يسعى للبقاء بعيدًا عن السياسة، إلا أن هذه الخطة ستعزز من التدخلات السياسية في الشؤون العسكرية، وتؤثر على استقلالية الجيش في اتخاذ قراراته الأمنية.
يخضع نتنياهو لمحاكمة بتهم تتعلق بتلقي رشاوى واحتيال وسوء استخدام السلطة (رويترز) دوافع شخصيةيواجه نتنياهو منذ سنوات عدة قضايا فساد، تشمل اتهامات بتلقي رشاوى، والاحتيال، وسوء استخدام السلطة. ويعتبر خبراء أن خطة تقييد القضاء قد تكون لها علاقة مباشرة بمحاولاته لتخفيف الضغط القانوني الذي يواجهه.
يتفق كراجة مع هذا الطرح، ويقول إن هذه الخطة ستقلل من قدرة النظام القضائي على محاسبته أو التأثير على مستقبله السياسي المعرض للخطر، مقابل تقوية تحالف اليمين وضمان دعم الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة عبر تغيير القوانين بما يتماشى مع أجندتهم، حيث يعمل ذلك على إبراز الاستقرار في حكومته.
إعلانفي حين يرى الأستاذ في العلوم السياسية، بدر الماضي، أن مساعي نتنياهو لتحويل القضاء لأمر ثانوي هي محاولة لتجاوز ما يتهم به من قضايا فساد، وتحسين صورته في الداخل الإسرائيلي من خلال إطالة أمد المحاكمات التي يعلم أنه قد يخسرها، ويريد أن يوصل رسالة للإسرائيليين أن لديه مهمة أكبر من أن يتم تحييده من قبل المؤسسة القضائية.
ويضيف "من هذه النقطة، يلعب نتنياهو على وتر تحييد المحكمة العليا والمؤسسة القضائية لتجنب أي إدانات تبعده عن الحياة السياسية وتؤول به الأمور لشخص فاسد وسارق".
إقالة المستشارة القضائيةولا يمكن الحديث عن خطة تقييد القضاء بمعزل عن مشروع إقالة المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، وهو جزء من الجدل الدائر حول علاقة القضاء مع السلطة التنفيذية في إسرائيل، إذ تتعلق القصة بالخلافات العميقة بين الحكومة الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، وبين المستشارة القضائية التي تُعتبر من المدافعين عن استقلال القضاء وسيادة القانون.
ويعتبر منصب المستشارة القضائية، الذي تتولاه غالي بهاراف ميارا، أعلى سلطة قانونية تقدم المشورة للحكومة، وتُمثل الدولة قانونيًا في المحاكم. واتخذت بهاراف ميارا مواقف معارضة لبعض سياسات الحكومة، خاصة الإصلاحات القضائية.
انتقدت ميارا في مناسبات عدة محاولات الحكومة للتدخل في القضاء، وحذرت من أن الإصلاحات القضائية قد تُضعف الديمقراطية في إسرائيل، ولعبت دورًا مهمًا في قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو، حيث أصدرت قرارات تتعلق بإجراءات قانونية ضده.
وعلى خلاف موقف الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، طالبت ميارا أكثر من مرة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما أثار غضب نتنياهو وحزبه الذين يطالبون بتشكيل لجنة "سياسية" محدودة الصلاحيات.
يعزو الكاتب والخبير القانوني، سائد كراجة، هذا الهجوم على المستشارة بهاراف ميارا إلى سعي التحالف الحكومي لتحييد المعارضة القانونية، معتبرا أن الهجوم على المستشارة القانونية للحكومة يثبت أنها تشكل عقبة في طريقهم للتعديل المنشود في السلطة، حيث رفضت المستشارة عدة مرات في السابق تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا في التماسات قدمت حول قضايا عديدة، بل دعمت أحيانا مواقف مقدمي الالتماسات.
إعلانويقول كراجة إن الادعاء ضد المستشارة بأنها تسعى لإسقاط "حكومة اليمين" بشكل مدروس، يعمل في الواقع كوسيلة لتعبئة أنصار التحالف ضد المؤسسات القانونية، مرجحا أن تستمر محاولات التحالف الحكومي لإقالتها في المستقبل القريب، خصوصا على ضوء التقدم في جلسات محاكمة نتنياهو بتهم الفساد وشهادته القادمة، مع خشية رئيس الحكومة وطاقمه من أن تُقدِم المستشارة القانونية على محاولة الإعلان عن تعذر قيام نتنياهو بمهامه رئيسًا للوزراء في ضوء محاكمته.
القضية الفلسطينيةويتفق الخبراء أن الخطة التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على مستقبل الفلسطينيين في الداخل، فمن خلال تقليص الرقابة القضائية، ستتمتع الحكومة الإسرائيلية بحرية أكبر لتمرير سياسات استيطانية توسعية في الضفة الغربية والقدس، مما يهدد بتكريس الاحتلال وتعميق المعاناة الفلسطينية.
ويرى المحلل السياسي المختص في الشأن الفلسطيني أحمد فهيم أن اسرائيل لم تعد معنية أن تبدو دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتَفصِل بين السلطات، وخاصة أنها مقبلة على مشروع استيطاني توسعي ضخم قد يقضم المزيد من التراب الوطني الفلسطيني وتحديدا في الضفة الغربية المحتلة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن التقييد قد يطلق يد الاحتلال الإسرائيلي دون حسيب أو رقيب في تعديل تشريعات بموجبها يطبق حكم الإعدام تجاه الفدائيين والمناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية، بدر الماضي، أن هذه التعديلات سيتم استخدامها ضد الفلسطينيين، لممارسة المزيد من الانتهاكات وخاصة أن المحكمة العليا كانت تمثل أحد المسارات القانونية التي يلجأ إليها الفلسطينيون للاعتراض على مصادرة أراضيهم أو هدم منازلهم، وكانت تحقق لهم الحد الأدنى من الإنصاف. ومع تقييد دور القضاء، ستصبح هذه المسارات أقل فعالية، مما يُعمق شعور الفلسطينيين بالظلم ويزيد من معاناتهم اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع تصعيد السياسات القمعية من خلال تبني إجراءات أقسى ضد الفلسطينيين دون خوف من مراجعة، وهذا يشمل قوانين تقييد الحركة، وفرض عقوبات جماعية، وتوسيع استخدام القوة العسكرية في الأراضي المحتلة، على حد تعبير الماضي.
وفي ظل استمرار الاحتلال وممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني، فإن الأزمات الداخلية الإسرائيلية قد تضيف من حيث النتيجة بعدا مأساويا جديدا إلى واقعهم المرّ.
إعلان