عشرات الأكفان البيضاء الملطخة بالدماء ترقد فى الساحة الخارجية لمستشفى الشفاء وسط قطاع غزة، الذى يخدم ما يزيد على مليون شخص، بينما يسرع الأطباء والممرضون إلى سيارة الإسعاف التى وصلت للتو محملة بالمصابين وعشرات الشهداء، ليتم تكفينهم ووضعهم إلى جانب من سبقوهم، فى زاوية المستشفى.

«عاكف»: استعنا بالصحفيين للمساعدة فى إسعاف المصابين بسبب نقص أعداد الأطباء

وبالقرب من الغرفة التى تحوى جثامين الضحايا فى ثلاجات الموتى يجلس الطبيب عاكف عودة، 50 عاماً، طبيب أطفال، واضعاً وجهه بين كفيه، بينما يهتز جسده من هول الصدمة والبكاء، لم يكن يخطر ببال الطبيب الخمسينى أنه سيستقبل من بين الشهداء جاره وزميل مهنته الطبيب عونى عايد، الذى انتشلته طواقم الدفاع المدنى رفقة أسرته من تحت أنقاض منزله الذى استهدفته غارات الاحتلال الإسرائيلى بحى الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة.

يقول «عاكف» فى حديثه لـ«الوطن» إنه لم يتعرف فى البداية على صديقه «عونى» وذلك بسبب كون جثته قد تمزقت إلى أشلاء، إلا أن قلادة كان يرتديها مكتوباً عليها اسمه هى التى كشفت عن هويته، ويتابع: «كان صديقى ومن أعز الناس اللى عرفتهم، من بداية الحرب كنا مع بعض ما افترقنا بس عونى أصابه دور برد وقال لى هروح البيت أنام شوية وأرجع المستشفى».

إلا أن صواريخ وقذائف طائرات الاحتلال الإسرائيلى حالت دون أن يودعه «عاكف» للمرة الأخيرة، لم تكن تلك الضغوطات هى الوحيدة التى يتعرض لها القطاع الصحى، حيث يقول الطبيب الخمسينى إن هناك ضغوطات إضافية يعيشها الأطباء والمسعفون بسبب دعوات إسرائيل لإخلاء المستشفيات تمهيداً لقصفها على غرار مجزرة مستشفى الأهلى المعمدانى.

ويتابع: «رغم تلك التهديدات والحرب النفسية إلا أن جميع الفرق الطبية فى كافة المستشفيات صامدة»، ويقول الطبيب الخمسينى إن النقص الكبير فى أعداد الكوادر الصحية نتيجة الاستهداف بالإضافة إلى اكتظاظ مجمع الشفاء بالشهداء والمصابين دفع الأطباء إلى الاستعانة ببعض الصحفيين لمساعدتهم.

وأضاف: «المستشفى بيكون فيها أعداد كبيرة من الصحفيين والإعلاميين الذين يوثقون الأحداث ولكن مع دخول الحرب أسبوعها الثالث أصبحت الأحداث تفوق قدراتنا، لذلك لجأنا إلى تدريبهم على بعض الأمور التى يتم من خلالها التعامل مع المصاب كتنظيف الجرح وتثبيت الأطراف التى تعرضت للكسر بالإضافة إلى مرافقتهم لغرفة الأشعة والرنين المغناطيسى».

وحول التهديدات بالقصف يبدى «عاكف» تخوفه من إشاعة حكومة الاحتلال الإسرائيلى بأن مستشفى الشفاء يشكل خطراً على إسرائيل، ويضيف: «هم يزعمون أن هناك أنفاقاً للمقاومة أسفل المستشفى، وهذا ما هو إلا تمهيد لاستهداف المستشفى الذى يضم آلاف الأسر النازحة من القصف، ونسأل الله ألا يحدث ذلك لأنها ستكون مجزرة وحمام دماء».

«الدحدوح»: لن نغادر أماكن عملنا رغم الاستهداف والتحذيرات

لم يكن ذلك هو المشهد الوحيد لاستهداف الطواقم الطبية فى قطاع غزة، إذ اعتاد الفلسطينيون على أصوات دوى سيارات الإسعاف التى باتت تحمل المسعفين بدلاً من المدنيين، وذلك عقب استهدافهم بغارات متتالية أثناء تأدية عملهم لإسعاف المصابين، بالإضافة إلى مساعدة رجال الدفاع المدنى بانتشال الضحايا من تحت ركام المنازل المدمرة.

ويقول محمد الدحدوح، مسعف بمستشفى القدس، إن فريق المسعفين الذى يعد واحداً منهم مستمرون فى عملهم، وإنه حمل اثنين من زملائه بعد استشهادهما إلى المستشفى لتكفينهما، وذلك عقب قصف سيارة الإسعاف التى كانا يستقلانها.

ويتابع: «السيارة كان فيها شهداء ومصابين من عائلة العجرم بمنطقة تل الهوى والسيارة اتدمرت واللى فيها استشهدوا واحترقوا»، ويضيف: «لن نغادر أماكن عملنا رغم الاستهداف والتحذيرات والخوف، المستشفى تلقى تهديدات بالإخلاء، لكننا لا نستطيع مغادرته فهناك العديد من المصابين والمرضى على أجهزة التنفس الصناعى».

من جهته قال محمد أبوسلمية، مدير مجمع الشفاء الطبى، لـ«الوطن» إن هناك عدداً كبيراً من المستشفيات التى خرجت عن الخدمة بسبب العدوان، ومنها المستشفى التركى وبيت حانون والوفاء والدولى للعيون وغيرها الكثير، لافتاً إلى أنه بالإضافة إلى صعوبات تقديم الخدمات الطبية فى ظل هذه الظروف، فإن هناك صعوبات نفسية وإنسانية أخرى غير مسبوقة أيضاً أثناء تقديم الرعاية الصحية.

وأضاف: «يتعامل الأطباء والمسعفون مع حالات إصابة صعبة للغاية، من بينها كثير من حالات بتر أطراف وحروق من الدرجة الرابعة وإصابات فى الرأس، إنها إصابات صعبة، إضافة إلى الكم الهائل من المصابين والشهداء، ولفت مدير مجمع الشفاء الطبى إلى أن نقص الوقود والمستلزمات الطبية تسبب فى انهيار المنظومة الصحية داخل القطاع».

وتابع: «الاحتلال الإسرائيلى يمنع دخول الوقود إلى غزة ضمن قوافل المساعدات، كما أن المستلزمات الطبية التى يستقبلها القطاع ليست كافية إطلاقاً فى ظل ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين التى تتجاوز المئات يومياً نتيجة القصف الإسرائيلى المتواصل على غزة».

وواصل: «مستشفيات القطاع لا تستطيع أن تعمل دون وقود وكذلك سيارات الإسعاف كيف يمكنها أن تنقل ضحايا العدوان دون وقود وبنزين، ولهذا السبب بدأ السكان فى الأيام القليلة الماضية بنقل مصابيهم وشهدائهم على عربات تجرها الحيوانات، فى مشهد قد يبدو من العصر الحجرى، ولذلك ما زلنا نطالب ونكرر بضرورة فتح ممر إنسانى لدخول المساعدات وتدفقها بشكل أكبر، لأن توقف المستشفيات عن العمل يعنى انفجار الأوضاع ووصولها للمحطة الأخيرة فى القطاع».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة الاحتلال الإسرائیلى بالإضافة إلى

إقرأ أيضاً:

طائرات الاحتلال الإسرائيلى تشن غارات عنيفة على مدينة طرطوس ودير الزور السورية

شهدت سوريا تطورًا خطيرًا بعد تنفيذ غارات إسرائيلية وُصفت بأنها الأعنف منذ عام 2012، وفقًا لما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان. استهدفت الضربات مواقع عسكرية في منطقة الساحل السوري، تحديدًا في محافظة طرطوس، مما يسلط الضوء مجددًا على استمرار الصراع العسكري في الأراضي السورية.

استهدفت الغارات الإسرائيلية المكثفة عدة مواقع عسكرية في طرطوس، شملت وحدات للدفاع الجوي ومستودعات صواريخ أرض-أرض، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ووصف المرصد الضربات بأنها الأعنف التي تطال الساحل السوري منذ بداية الحملة الإسرائيلية على سوريا عام 2012.

وفي وقت سابق من يوم الأحد، شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلى غارات مماثلة على مدينة دير الزور، استهدفت محيط المطار العسكري في المدينة. ولم تسفر الهجمات عن سقوط ضحايا، لكنها أدت إلى تدمير واسع في البنية التحتية والمعدات العسكرية التابعة للجيش السوري.

مقالات مشابهة

  • الأم احترقت في حضن طفلها.. شهود عيان يروون مأساة مصرع أسرة بتفحم شقتهم
  • طائرات الاحتلال الإسرائيلى تشن غارات عنيفة على مدينة طرطوس ودير الزور السورية
  • حماس تحذر من انهيار المنظومة الدولية لعجزها عن وقف جرائم الاحتلال
  • تحديات معيشية قاسية وتدهور في الأوضاع الإنسانية والصحية
  • لا تتأخر دقيقة عن زيارة الطبيب إن ظهرت هذه العلامة على قدميك.. مرض مميت
  • كشفه بـ20 جنيه.. المئات يشيعون جثمان الطبيب أحمد عبده بالإسماعيلية
  • “عبد الجليل”: بناء قدرات الكوادر الطبية خطوة أساسية في تطور الخدمات الصحية
  • عبدالجليل: بناء قدرات الكوادر الطبية خطوة أساسية لتطوير الخدمات الصحية
  • مراجعة سقف التعويض للوصفات الطبية.. الوزير يكشف
  • تطوير التعليم.. المنظومة تعود إلى المسار الصحيح (ملف خاص)