بريطانيا وأمريكا وجهان لعملة واحدة
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
مازالت الجهود المصرية مستمرة وبقوة وتمارس ضغوطًا كبيرة على المجتمع الدولى لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، فى ظل هذه المذابح الشنيعة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى الأعزل. فمصر لم تتوانَ أو تتوقف أبدًا عن ضرورة وقف الحرب الطاحنة، وتبذل قصارى الجهد من أجل إحلال السلام العادل والشامل بالمنطقة، فى ظل القناعة المصرية أن هذه الحرب وتوسيع رقعة الصراع ستتضرر منها المنطقة والإقليم بل والعالم أجمع الذى له مصالح كثيرة بالشرق الأوسط.
ومؤخرًا ناقش الرئيس عبدالفتاح السيسى مع ريشى سوناك رئيس وزراء بريطانيا، ضرورة اتخاذ المجتمع الدولى موقفًا حاسمًا للدفع بجدية فى اتجاه وقف إطلاق النار وإنفاذ هدنة إنسانية فورية فى ضوء الأوضاع الإنسانية المتدهورة فى قطاع غزة.. ومازالت القيادة السياسية تصر على موقف مصر الثابت وهو استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى والعمل على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ومازالت مصر تبذل الجهود المضنية من أجل وقف التصعيد العسكرى ومنع توسيع رقعة الصراع فى المنطقة، لما يحمله من آثار بشعة على المنطقة والإقليم وكل دول العالم التى لها مصالح بالمنطقة، ويخطئ من يظن أن العالم ينجو من آثار هذا الصراع البشع، فالكل سيقع عليه الضرر البالغ، وهذا مثار الدهشة للمجتمع الدولى المتخاذل والذى لا يفعل شيئًا سوى تأييد إسرائيل فيما تقوم به من حرب إبادة بشعة لا يتصورها عقل.. ألا يعلم المجتمع الدولى بتصرفاته هذه أن الضرر البالغ سيلحق به، لو اضطربت المنطقة وزادت رقعة الصراع بها؟!.. الإجابة الصريحة والواضحة أنه يعلم حجم الأضرار البالغة التى ستلاحقه ورغم ذلك يقف مع إسرائيل بشكل مريب!! إن مصر تحمل على أكتافها عبء القضية الفلسطينية، منذ وعد بلفور الإنجليزى وحتى كتابة هذه السطور، وستظل تبذل مصر الجهود الكبيرة سواء على المسار السياسى لتهدئة الموقف ووقف الحرب الإسرائيلية، وحقن الدماء على المستوى الإنسانى من خلال التصدى لقيادة عملية تنسيق وإدخال المساعدات الإنسانية لإغاثة أهالى غزة.
ويبقى السؤال المهم: ماذا كان يريد رئيس الوزراء البريطانى من اتصاله، هل فعلت بريطانيا شيئًا والتى كانت سببًا فى جلب اليهود إلى فلسطين، والتى أنشأت لهم وطنًا على حساب الفلسطينيين، ووقفت إلى جوار إعلان الدولة العبرية؟!.. ويخطئ من يظن أن بريطانيا بعيدة عن الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط، فإذا كانت أمريكا ظاهرة فى المشهد، فإن بريطانيا تتحرك من وراء ستار، ولها أدوار فعالة ومهمة فى تحريك السياسة الأمريكية التى تبغى سحق الفلسطينيين، أو إنشاء وطن لهم آخر بديل عن أرضهم.. الدور البريطانى أكثر خطورة من الدور الأمريكى ويلعب أدوارًا عدائية بشعة تأييدًا لإسرائيل، ولو أن المملكة المتحدة تخلت عن دورها الداعم لإسرائيل لتغيرت المعادلة تماما فى المنطقة. أما الذين يظنون أن البريطانيين تابعون لأمريكا فهم مخطئون تمامًا، والعكس صحيح وهو أن هناك اتفاقيات مبرمة بين أمريكا وبريطانيا تعتمد فى المقام الأول على مناهضة العرب والتأييد لليهود على حساب أى شيء. وأعلم أن المصالح الأمريكية والبريطانية مع إسرائيل أهم من مصالحها مع العرب.
ورغم المظاهرات الحاشدة فى بريطانيا ضد الحرب الإسرائيلية والمطالبة بوقف ابادة الشعب الفلسطينى، إلا أن الساسة البريطانيين لا يعيرون لها أدنى اهتمام، وهو ما تحدثت عن بالأمس، عندما قلت إن ساسة وقادة المجتمع الدولى يخونون فى المقام الأول شعوبهم وإلا ما تفسير كل هذه المظاهرات العارمة التى تجتاح العالم، تأييدًا للشعب الفلسطينى فى الحصول على حقوقه المشروعة، ورغم ذلك تجد المجتمع الدولى «قيادات وساسة» لا يعيرون لهذا الغضب الشعبى الغربى أى اعتبار.
وهذا ما يدفعنى للقول إن فرصة الحرب الإسرائيلية الآن يجب ألا نفوتها وتمر مرور الكرام أمام الأمة العربية ولابد أن يتم لم الشمل العربى ويكون يدًا واحدة فى ظل انهيار حاد داخل إسرائيل، وفى ظل صحوة الشعوب الغربية المؤيدة للفلسطينيين، هل فكر قادة العرب فى هذا الأمر واستغلاله أولا لصالح أنفسهم وثانيًا لصالح القضية الفلسطينية؟!.. للأسف لا حتى الآن.
الآن بات من الضرورى الوقوف إلى جوار مصر من كافة الدول العربية بلا استثناء حتى تقوم للعرب قائمة من جديد، فى ظل ظروف متوالية تمامًا لهذا الأمر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجهود المصرية المجتمع الدولي العالم الحرب الإسرائیلیة المجتمع الدولى
إقرأ أيضاً:
هل هي حرب بلا نهاية؟
التطوراتُ الأخيرةُ في الحرب المتواصلة منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في المنطقة بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة أولاً، ثم لاحقاً التحاق «حزب الله» اللبناني بها، تحمل مؤشرات عديدة.
لعل أهمها أن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتانياهو لم تستطع بعد أكثر من عام وآلاف الضحايا والدمار تحقيق أهدافها العسكرية بهزيمة حركة «حماس» عسكرياً وإنهائها سياسياً، والشيء نفسه يقال عن «حزب الله» في لبنان رغم الخسائر الكبيرة التي مني بها من اغتيال قادته وتدمير ضاحيته، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، أما المذبحة التي تتعرض لها غزة فليس لها مثيل. هذا أولاً.وثانياً أن وعود نتانياهو بإنقاذ الرهائن وعودتهم إلى أهاليهم تبخرت متلاشية في الهواء، فلا هو أنقذهم من الأسر، ولا هو بقادر على حمايتهم في أسرهم بتجنيبهم ويلات الموت من القنابل والصواريخ الإسرائيلية. وثالثاً أن نتانياهو وحكومته بدلاً من تحقيق هدفهم ممثلاً في إعادة النازحين إلى قراهم وبلداتهم في الشمال، وجدوا أنفسهم، بسبب القصف الصاروخي المكثف مؤخراً، أمام أزمة نزوح سكاني جديدة في عدة مناطق ومدن أخرى.
النتائج المذكورة أعلاه، تفضي بدورها إلى استنتاج واحد لا غير، وهو أن الجلوس إلى مناضد التفاوض، يبقى الحل الممكن غير المجرب والمرفوض، وفي الوقت ذاته القادر على وضع نهاية لأزمات المنطقة. وأن سياسة دفن الرؤوس في الرمال، والتعلق بمبدأ الهروب إلى الأمام، بإشعال المزيد من الحروب والقتل والدمار ليس سوى سكب المزيد من البنزين على نار مشتعلة. وأن الطريق إلى تحقيق سلام دائم في المنطقة يمر عبر عملية قبول واقتناع بعدم جدوى الحرب لاستحالة تحقيق طرف نصر عسكري نهائي، وضرورة العمل على تجرع الدواء المُرّ، أي تقديم تنازلات، وأهمها القبول بحق العيش المشترك، مما يعني قبول إسرائيل بفشلها في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وضرورة القبول بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
وهذا يعني أن إسرائيل لكي تحظى بالسلام، وتحقق ذلك الهدف، في حاجة إلى البحث عن شارل ديغول إسرائيلي، يتمكن من الوقوف ضد التيار اليميني المتطرف، وإجباره على تجرع الدواء المرفوض، أي نزع النظارات السوداء عن العيون، ورؤية الواقع من دونها. الأحداث طوال السنوات الماضية أبانت بما لا يدع مجالاً لشك أن بنيامين نتانياهو لن يكون شارل ديغول. ومهمة البحث تبدأ من الآن.
الحرب الجارية لم تقترب من نهايتها، ولا أظنني الوحيد الذي يعتقد ذلك. ودائرة الدمار تتسع كل يوم. والاحتمالات عديدة، وللأسف كلها غير مُسرّة، خصوصاً فيما يتعلق بتفاقم ارتفاع أعداد الضحايا والجرحى والمشردين والنازحين من المدنيين واتساع رقعة الدمار. والإدارة الأمريكية القادمة في العام الجديد قد تكون قادرة على وضع ضغوط على حكومة كييف للقبول بالدخول في مفاوضات سلام مع روسيا ووضع نهاية للحرب. إلا أن مفاتيحها السحرية تلك لا تجدي في الشرق الأوسط، لأن إسرائيل غير أوكرانيا. ولأن الأزمة أكثر تعقيداً، وأساسها وضع ضغوط سياسية وعسكرية على قادة إسرائيل لإرغامهم على قبول التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وبهدف الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. الأمر الذي لا يجرؤ رئيس أمريكي على التفكير فيه فما بالك بفعله.