برافدا الروسية: بتدمير غزة إسرائيل تدمر نفسها
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
قالت صحيفة برافدا الروسية في تقرير لها إن رد فعل إسرائيل الباطش على هجمات حماس أثار صدمة العالم الإسلامي والرأي العام في مختلف أنحاء العالم، حيث دفع سقوط الآلاف من الضحايا بين المدنيين واستهداف المباني السكنية الناس إلى طرح سؤال: هل وقوع مثل هذا الدمار ممكن في هذا الزمن؟
وأضاف التقرير بأن عدد ضحايا الهجمات الإسرائيلية تجاوز حتى الآن 8 آلاف شخص جراء ضربات الجيش الإسرائيلي على غزة، نصفهم من الأطفال، مبرزا بأن اللامبالاة التي أبداها الجانب الإسرائيلي تجاه مصير المدنيين العاديين أججت الرأي العام داخل البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وفي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ويتجلى ذلك في تنظيم مسيرات ومظاهرات شارك فيها الآلاف حتى في روسيا.
صورة قاتمة
وتساءل التقرير: هل تدرك السلطات الإسرائيلية أنه من خلال هجماتها العشوائية على المناطق السكنية في غزة تخلف صورة سلبية عن إسرائيل وتؤلب جزءا كبيرا من المجتمع العالمي ضدها؟
وذكر بأن تل أبيب تعمل على إعادة تهيئة الأساس الأيديولوجي القديم الذي تشكلت عليه أيديولوجية كراهية اليهود لقرون من الزمن. بينما تشكلت معاداة السامية في العصور القديمة على أساس الحكايات والأساطير، فاليوم تلتقط صورا واضحة من مسرح الأحداث.
ويشرح التقرير أنه منذ العصور القديمة وحتى نهاية القرن 19، أصبحت أية وفاة مشبوهة لطفل مسيحي بالقرب من المجتمع اليهودي سببا للمحاكمات أو حتى المذابح اليهودية.
وتابع أنه على خلفية الخسائر البشرية الجماعية لأطفال غزة بسبب القصف الإسرائيلي، فإن فكرة "قتلة الأطفال" تكتسب زخما كبيرا. وفي ظل هذا الوضع لا يحتاج المحرضون إلى اختراع قصص جديدة لمعاداة إسرائيل.
أبعاد توراتية
ومن الأمثلة الحية على ذلك الأحداث التي وقعت في مطار محج قلعة عند خروج حشد غاضب إلى طائرة من إسرائيل رافعين شعارات "قتلة الأطفال ليس لهم مكان في داغستان" مع العلم أن معظم هؤلاء الأشخاص لا يهتمون بالأساطير والحكايات القديمة وهم على دراية بالصور المروعة لجثث الأطفال التي يناهز عددها الآلاف.
وختمت برافدا تقريرها بأنه ليس هناك داع اليوم لاختراع قصص مخيفة عن تعذيب طفل مسيحي على الصليب لأغراض طقسية، لأن صورة المباني السكنية الشاهقة المتفجرة بغزة تغني عن ذلك، وتعكس كارثة ذات أبعاد توراتية. وحسب الصحيفة ترتكب إسرائيل هذه المجازر من تلقاء نفسها، وهو ما يخدم خصومها.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | غادة نبيل.. ظلال شاعرة لا تُسمّي نفسها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حين نقترب من عوالم غادة نبيل الشعرية، لا نكاد نمسك بحواف ثابتة أو نبلغ يقينًا، فالنص عندها ليس مرآة لواقعٍ، ولا قناعًا لذاتٍ، بل هو صدمةٌ لغويةٌ تتخذ من الهشاشة قناعها ومن الجسد ميدانها ومن اللغة مهبط وحيها. غادة نبيل ليست شاعرةً بالمعنى الذي يألفه القارئ، بل هي زعزعةٌ مستمرةٌ للتقاليد، رفضٌ قاطعٌ للانسياق، واحتفاءٌ صارخٌ بالأنوثة كقوة لغوية وجمالية، لا كهوية بيولوجية.
من يقرأ غادة نبيل، يخرج دائمًا مثقلًا بجسد. الجسد في قصائدها ليس موضوعًا، بل هو البنية ذاتها. هي تكتب من الجسد، لا عنه، وتستعمل اللغة كجلدٍ إضافي، كامتدادٍ لحضورها الأنثوي المتوتر، المتشظي، المتوحد. إنها تمزق القواميس لتصوغ معجمها الخاص، حيث يتحول الشعر إلى فعل جسدي، إلى قُبلةٍ على خد اللغة، أو جرحٍ مفتوحٍ في خاصرتها.
في قصائدها، تتجلى هذه الجمالية الجسدية بوضوح، حيث الحب لا يُعاش فقط، بل يُرتكب. الشاعرة هنا لا تهجو الرجل بقدر ما تهجو السياق الثقافي الذي يجعل من المرأة هامشًا ومن الحب ذريعةً لتدجينها. الجسد في هذه النصوص ليس محط نظرة ذكورية، بل هو مركز الثقل الشعري، هو ما يُبنى عليه إيقاع القصيدة ومجازها.
واحدة من أبرز ميزات شعر غادة نبيل هي قدرتها الفائقة على اقتناص التفاصيل الصغيرة واليومية ومنحها بعدًا شعريًا غير متوقع. إنها تستخرج الشعر من "لا حدث"، من لحظة عابرة، من نظرةٍ في المصعد، أو من خيبةٍ في رسالةٍ قصيرة. لكنها لا تفعل ذلك كتوثيق، بل كمجاز. لا تبحث عن المعنى، بل تُفجر المعنى من قلب التفاهة.
قصيدتها أشبه ما تكون برسالة لم تُكتب قط، أو باعترافٍ وُلد من رحم صمت طويل. وفي هذا، تُشبه غادة نبيل شعراء مثل فيسوافا شيمبورسكا، لكن بلغتها الخاصة، بعنفها المصري، برقتها القاهرة، وبتلك الجرأة التي لا تخجل من أن تُسمي الأشياء بأسمائها ثم تتركها معلقةً في هواء القصيدة.
الأنثى في شعر غادة نبيل ليست ضحية، لكنها أيضًا ليست بطلة لا تُقهر. إنها كائنٌ يتقلب، يخطئ، يهرب، يبكي، يثور، ويكسر صورته كما يكسر المرآة. لا تُجمّل الشاعرة وجع المرأة ولا تُسجّله في سجلّات الأمل، بل تكتبه على جلده، بجراحه المفتوحة، بلا مساحيق ولا ترميزٍ زائف.
هي تعرف أن اللغة، كما العالم، ذكورية، لذلك تنحاز إلى التهكم، إلى الكسر، إلى اللعب. لغتها مراوغة، لا تطمئن إلى الصور الجاهزة، ولا تستقر في بنى لغوية مستقرة. تعيد بناء الجملة لتسكنها امرأة جديدة، امرأة ليست أمًا فقط، ولا عشيقة، ولا بنتًا، بل كائنًا حرًا يكتب ويُحبّ ويُهزم، دون أن يطلب عذرًا أو يغفر شيئًا.
غادة نبيل تكتب قصيدة النثر لا باعتبارها شكلًا شعريًا مغايرًا، بل كاختيار مُلح. هي تدرك أن هذا الشكل لا يضع قيدًا على إيقاعٍ أو وزنٍ، لكنه في المقابل يطلب من الشاعر أن يكون صادقًا، عاريًا، وعارفًا بما يفعل. القصيدة عندها لا تتبع نسقًا موسيقيًا خارجيًا، بل تنبع من داخل النص، من تدفق الصورة، ومن رجفة الجملة.
إنها تكتب كمن يخاطب شخصًا ما في الظل، أو كأنها تكتب نفسها إلى نفسها، وكأننا نتلصص على دفتر خاص لا يُفترض بنا أن نقرأه. وهذا هو سر سحرها: الكتابة كمكاشفة، كنوع من العُري المتقن، لا باعتباره فضيحة، بل كأقصى درجات الصدق الشعري.
غادة نبيل ترفض أن تُختزل في صفتها الجندرية، وتكتب من مكانٍ يتجاوز التصنيفات. هي لا تطالب بحقٍ، بل تمارسه. لا تحتج على الظلم، بل تفضحه بضحكةٍ مريرة. لا تحفر في الذاكرة، بل تنقّب في الخواء.
قصيدتها ليست بيتًا يأوي القارئ، بل بابًا مفتوحًا على العراء، على الوحشة، على الارتباك، حيث كل شيء مُحتمل. إنها تكتب لا لتُفهم، بل لتُحدث أثرًا، لتوقظ شيئًا نائمًا فينا، شيئًا أنثويًا ربما، أو هشًا، أو منسيًا.
ولهذا، تظل تجربتها واحدة من أنضج التجارب في مشهد قصيدة النثر العربية، وأكثرها صدقًا وجرأة وتفردًا.