أبو عبيدة.. الرجل الظاهرة الذي يريد الجميع أن يرى وجهه
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
تتحول الأصوات الهادرة إلى صمت مطبق أثناء المظاهرة الضخمة في عمّان لحظة بدء خطاب أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). يأخذ المتظاهرون جرعة من المعلومات والأمل الذي يبثه ذلك الرجل الذي اعتادوا عليه في مثل هذه المحطات منذ سنوات، ويبدو بالنسبة لهم على قدر كبير من الصلابة والهمة وإدراك أهمية ما يقوم به سياسيا وعسكريا.
بات أبو عبيدة رجلا أقرب إلى الأيقونة أو الرمز، يختزل صوت المعركة والقضية برمتها أيام المواجهة هذه. تسأل عنه عجوز ثمانينية في قرية تونسية نائية تتابع كغيرها العدوان الإسرائيلي على غزة. متى يأتي أبو عبيدة ليطمئننا؟ لا يهم الحضور الكامل، يكفي الصوت والكوفية الحمراء المميزة.. من "الوهم المتبدد" إلى "طوفان الأقصى".. من ناطق عسكري إلى أيقونة الصادق، رغم أنها تمنت أن ترى وجهه الخفي.
تحب طلاقته وما يختم به مداخلاته شبه اليومية "وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد" فهو "يبرّد لها قلبها" -كما تقول- أي يطفئ نار غضبها من جرائم إسرائيل في أهل غزة- وتتذكر فيه لفرط ما عاشت من فصول القضية الفلسطينية "أبو عمار" بكوفيته التي لم يفتها أنها لا تشبه كوفية أبو عبيدة، وأبو جهاد وأبو إياد، ورموز النضال الذين ما زالوا في ذاكرتها من زمن إدمانها الاستماع إلى "صوت فلسطين صوت الثورة الفلسطينية".
أبو عبيدة صوت لمرحلة أخرى من النضال الفلسطيني المسلح الذي أسعفها العمر لتشهدها أيضا ضمن الكثير من فصول وتقلبات القضية، فتتزاحم في ذاكرتها أسماء المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ممزوجة بلحظات المقاومة والفخر، لاسيما يوم "طوفان الأقصى" الذي لم تفوت بعده إطلالة لأبو عبيدة.
بين أجيال مختلفة ومشارب متنوعة، صنع أبو عبيدة لنفسه شعبية لم يطلبها ولم يكن ساعيا وراءها، لكنها يندر أن تتكرر، ناقض مفهوم "النجومية" تماما بمقاييس الحضور الكامل والمميز، رجل ملثم بكوفية ولا أحد يعرف اسمه أو رسمه، يلقي بيانات ومعلومات عسكرية فيصبح ظاهرة عسكرية واتصالية وحديث العالم.
وصباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف "طوفان الأقصى" وترك لأبي عبيدة -وهو مثله على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية- مهام تفصيل وتفسير سير العمليات العسكرية للمقاومة وبيان المواقف في الجبهات، فبات الناس على موعد شبه يومي معه.
الضيف، تعرفه إسرائيل اسما وصورة قديمة وتعرف تاريخه النضالي، يظهر في اللحظات الفارقة ظلا وصوتا وكابوسا مزعجا لها، كما في صباح "طوفان الأقصى" ويختفي.
أما أبو عبيدة، فهو رجل من نوع آخر، فلا اسم ولا صورة أو ملف له لدى الموساد، أو الاستخبارات العسكرية (أمان) أو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وتبقى شخصيته مجرد تخمينات إسرائيلية.
لم يتغير أبو عبيدة كثيرا منذ ظهوره الأول عام 2006، ربما لون الكوفية والخلفيات والشريط الذي يحيط به رأسه، بقي إيقاع الصوت الواثق ودقة الإلقاء واختيار المفردات والتراكيب وترتيب المعلومات ولغة اليدين والإلمام بما يقول.
في 25 يونيو/حزيران 2006، برز أبو عبيدة لأول مرة ليعلن تنفيذ المقاومة عملية "الوهم المتبدد" شرق مدينة رفح، والتي أدت لقتْل جنديين إسرائيليين وجرح اثنين آخرين وأسر الجندي جلعاد شاليط.
اعتبر ذلك ردا مكافئا بعد ارتكاب بارجة إسرائيلية مجزرة بحق "عائلة "أبو غالية" في 9 يوينو/حزيران، على شاطئ منطقة بيت لاهيا، وانتشر مقطع الطفلة "هدى" تصرخ ملتعاعة "يابا يابا" تركض بلا هدف بين جثث عائلتها، متعثرة بالرمل ثم تجثو على ركبتيها منهارة قرب جثة أبيها وتكمل صرختها، وكانت تلك فاجعة هزت الوجدان الفلسطيني، مع الجرائم الأخرى التي ارتكبتها إسرائيل.
جسد الراحل محمود درويش تلك الفاجعة في قصيدته "البنت /الصرخة" حين قال:
على شاطئ البحر بنتٌ. وللبنت أَهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتان وبابْ..
وفي البحر بارجَةٌ تتسَلَّى بصَيْدِ المُشَاة على شاطئ البحر:
أَربعَةٌ، خَمْسَةٌ، سَبْعَةٌ،
يسقطون على الرمل ، والبنتُ تنجو قليلا..
كان الفلسطينيون حينها يحتاجون أيضا إلى ناطق باسمهم، وإلى من يعبر عن الغضب المكتوم عسكريا، فخرج أبو عبيدة مؤكدا أن "الكتائب في حالة استنفار عام للرد على العدوان، وتلقين العدو درسا قاسيا" ورغم العدوان الإسرائيلي الجوي والبري، لم يخرج الجندي شاليط إلا بعد "صفقة الأحرار" عام 2011، والتي أفرجت إسرائيل فيها أيضا عن 1027 أسيرا فلسطينيا.
#عاجل هذا هو المدعو حذيفة كحلوت الذي يتستر وراء كنية أبو عبيدة وهو يتستر كذلك وراء كوفيته الحمراء. تمامًا مثلما تتستر حماس وراء المنشآت المدنية لإطلاق القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل. هو وغيره من قادة #دواعش_حماس يحبون التستر داخل الأنفاق ووراء النساء والأطفال، وكذلك وراء… pic.twitter.com/FmtuByc7Bv
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 25, 2023
تخمينات إسرائيليةعام 2014، وبعيد عملية "العصف المأكول" التي أطلقت عليها إسرائيل عملية "الجرف الصامد" أفادت تقارير إسرائيلية أن أبو عبيدة هو نفسه شخص يسمى سمير عبد الله الكحلوت، ونشرت صورة له بوجه مكشوف في محاولة دعائية لتشويه صورته تحت عبارة "لا تصدقوا الكاذب".
ويعيد الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي نشر تغريدة تؤكد نفس المعلومة التي نشرت قبل 7 سنوات، وأثار سخرية واسعة، لكن ليس هناك ما يؤكد أن أبو عبيدة هو سمير الكحلوت الذي يدعيه أدرعي، وتلك قد تكون رواية دعائية باطلة كبقية الدعايات الإسرائيلية.
وتشير التخمينات الإسرائيلية إلى أن أبو عبيدة بدأ الظهور في وسائل الإعلام منذ عام 2002 كأحد كبار نشطاء كتائب القسام الميدانيين. بل إنه -بحسب التقارير- كان حاضرا جميع المؤتمرات الصحفية، دون أن يظهر وجهه، وبعد عام 2006 أصبح المتحدث الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام.
وتقول المصادر الإسرائيلية أيضا إن أبو عبيدة ينحدر من قرية "نعليا" في غزة، التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وظل يعيش في جباليا شمال شرقي غزة، وتعرض منزله للقصف الإسرائيلي أكثر من مرة أعوام 2008 و2012 و2014، ومرة أخرى خلال معركة "طوفان الأقصى".
ووفق التقرير -الذي نشره موقع يديعوت أحرنوت في 25 يوليو/تموز 2014- يتبين أن أبو عبيدة لديه وقت للدراسة، إذ حاز عام 2013 درجة الماجستير من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة عن عمله حول موضوع "الأرض المقدسة بين اليهودية والمسيحية والإسلام" كما يعد درجة الدكتوراه في نفس السياق.
وبات الإسرائيليون أنفسهم ينتظرون إطلالاته بمزيج من الخوف والتوجس، وهم يعرفون أنه جزء من حرب نفسية شديدة الوطأة عليهم، لكنهم للمفارقة باتوا يصدقونه أكثر من نتنياهو وأدرعي وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، منذ أحداث يوم "السبت الأسود" وما قبلها.
لفت أبو عبيدة الأنظار منذ ظهوره عام 2006 بثباته وطلاقته وقدرته على اختزال المعلومات والأفكار، لكن حضوره هذه الأيام بدا كبيرا، بحجم الإنجاز العسكري الذي تحقق يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبحجم ثبات المقاومة الفلسطينية على الميدان وبحجم الارتباك الإسرائيلي.
وتجاوز أبو عبيدة في شعبيته حواجز كثيرة، فهو يحظى بمتابعة في الوطن العربي والعالم الإسلامي وفي أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا، وينظر إليه هناك كصوت للمقاومة والقضية الفلسطينية، لذلك هو لا ينسى أن يخاطب دائما أحرار العالم في إطلالاته.
وفي عصر الأدوات الاتصالية المتنوعة والمتعددة، يملك أبو عبيدة المهارات الاتصالية الأساسية للتأثير، فهو أولا الناطق الرسمي باسم أقوى فصيل سياسي وعسكري فلسطيني في غزة مما يعطيه أولوية المتابعة، وكوفيته مفتاح رئيسي للمتابعة، فهي رمز فلسطيني عالمي.
ويعطي غموض شخصيته ولباسه نوعا من الكاريزما اللازمة للتأثير، ويمزج في المخاطبة بين المرونة والبأس بنبرات صوته وهزات يده وطريقة تحريك أصابعه، ويسرد تفاصيل الأحداث والمعلومات العسكرية والسياسية بدقة وفق الأولويات، ودون إطالة وبلا انفعالية زائدة.
وهكذا بنى أبو عبيدة صورته وحضوره المؤثر، بلا اسم حقيقي معروف، وبوجهه المخفي بشماغ أحمر وزيه العسكري مع علم فلسطين على الذراع اليسرى، تراقبه إسرائيل جيدا وتترجم خطاباته، وتتمنى أن تُميط عن وجهه اللثام.
ويتابعه اليوم أكثر من 600 ألف على حسابه في تليغرام الذي أنشأه عام 2020، وليس لديه أي حسابات عبر مواقع التواصل الأخرى، وحين يُغرد، فإن أكثر من نصف مليون شخص يقرؤون خلال دقائق معدودة ما كتب.
يدرك أبو عبيدة أنه يواجه آلة دعاية إسرائيلية وغربية ضخمة، فهو يعطي كل مرة المعلومة اللازمة والأساسية والجديدة وذات المصداقية -التي تضطر إسرائيل للاعتراف بها لاحقا- وهو ينطلق من الخاص إلى العام، بمنهجية واضحة، ويتوجه إلى كل العالم، معتمدا على الصدقية بلا مبالغة.
ويقوم أبو عبيدة بدوره الإعلامي والاتصالي على أكمل وجه، ويتولى إدارة جانب عسكري وسياسي مهم، فتصبح معلوماته التي يقدمها عن الميدان والجبهات الأبرز والأكثر مصداقية ويأخذها الإعلام الإسرائيلي نفسه، وقاده كل ذلك إلى أن يصبح لدى ملايين المتابعين العرب وفي العالم الإسلامي معيارا ومقياسا وصدى لطبيعة المعارك بأكثر مما يقوم به أي ناطق عسكري.
وقد أعطى أبو عبيدة روحا وقلبا لمهمة الناطق العسكري الذي عادة يتكلم حقائق لا يرمي من وراءها كسب تعاطف. ولكن شخصية أبو عبيدة وحضوره وطبيعة المعركة جعلته أكثر من مجرد ناطق عسكري، فيتابعه من يريد المعلومات عن طبيعة سير المعارك، لكن الغالبية يعتبرونه صوت معركة وقضية، وصوتا يبعث على الأمل ويسكت السرديات الإسرائيلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: طوفان الأقصى أن أبو عبیدة أکثر من عام 2006
إقرأ أيضاً:
معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
#سواليف
عنونت صحيفة ” #معاريف ” العبرية مقالًا لمحللها #آفي_أشكنازي بـ ” #الكنز الذي سرقته #حماس من #إسرائيل.. قرار دراماتيكي اتخذه الجيش الإسرائيلي بشأن الجنود”، وتضمن #معلومات_استخباراتية_ذهبية حصلت عليها حماس قبل السابع من أكتوبر 2023، ومعركة #طوفان_الأقصى.
وبحسب الصحيفة، فإن التحقيقات في #المعركة التي جرت في قاعدة ” #ناحال_عوز ” العسكرية، أذهلت #جيش الاحتلال، حيث كان مستوى المعلومات الاستخباراتية التي جلبها #المقاومون_الفلسطينيون إلى المعركة من أعلى المستويات التي يمكن جمعها استعداداً لمثل هذه العملية.
وتضمنت المعلومات #خرائط_تفصيلية للموقع من الداخل، ومعرفة عدد الجنود ومواقعهم أثناء العمليات الروتينية وأثناء إطلاق الصواريخ، وموقع الغرف ومركز القيادة، وعدد الدبابات وموقع الآليات، وغيرها.
مقالات ذات صلة الأمن يمنع شاب من القفز عن جسر في إربد / فيديو 2025/03/04ويتبين من التحقيق أن أجزاء كبيرة من المعلومات التي جمعتها حماس عن جيش الاحتلال بشكل عام وموقع “ناحال عوز” بشكل خاص، تم أخذها من شبكات التواصل الاجتماعي، حيث قام الجنود بتوفير المعلومات الاستخبارية.
ويطرح أشكنازي مثلًا، حيث اتضح أن #مجندة كانت مقيمة بالقاعدة، قامت بتصوير نفسها في فيلم تظهر فيه لأصدقائها في المنزل القاعدة بأكملها وتتنقل بالكاميرا من غرفة إلى غرفة ومن جناح إلى آخر في القاعدة العسكرية، ويعلق: “كان من المذهل أنها قامت بتصوير القاعدة بأكملها وتحميلها كقصة “ستوري”، واحتوى الفيديو على قدر هائل من المعلومات التي كانت حماس في حاجة إليها”
ويستدرك: “الأمر غير المفهوم هو أن الجنود والقادة شاهدوا الفعلة في وقتها ولم يفكر أحد في منعها من تصويرها وتوزيعها”.
وبحسب الصحيفة، فإن التحقيقات العسكرية تشير إلى أن حماس، كانت على علم بترتيبات القوات للجنود الذين يذهبون في إجازة، ومتى سيعودون، استناداً إلى المعلومات الواسعة التي جمعتها على مدى فترة من الزمن من وسائل التواصل الاجتماعي.
كما كانت حماس على علم بترتيبات الحراسة على مستوى عميق وحتى حيث كانت هناك خروقات في السياج.
وتنقل الصحيفة عن مصدر عسكري قوله: “حماس حصلت عليها على طبق من فضة، كان عليه فقط أن تجمع الأمور وترسم الصورة الكاملة”
وتشير الصحيفة إلى أنه وبعد هجوم 7 أكتوبر، سيمنع جيش الاحتلال جنوده وموظفيه الدائمين ومسؤوليه من ممارسة أي نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي. كما تقرر عدم السماح بالتصوير لمناسبات منح الرتب وأعياد الميلاد وحفلات التسريح والاحتفالات إلا تحت إشراف أمن الميدان.
كما قرر الجيش اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة ضد أي جندي يقوم بتحميل مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه وهو يلتقط صوراً أو يصور داخل منشأة عسكرية.
وأمس الإثنين، أكمل جيش الاحتلال الإسرائيلي التحقيق العملياتي بشأن الهجوم والمعركة التي وقعت في قاعدة “ناحل عوز” العسكرية، وجرى عرضه أمام عائلات الجنود القتلى، والجنود الذين كانوا في القاعدة خلال الهجوم. التحقيق، الذي أشرف عليه رئيس أركان جيش الاحتلال هليفي، قُدّم أيضًا إلى وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي، إسرائيل كاتس.
وعثر الجيش خلال حربه البرية على غزة على كتيب يتضمن أمر حماس لمقاتليها بمهاجمة قاعدة “ناحال عوز” يوم السابع من أكتوبر، لافتًا إلى أن المعركة في “ناحل عوز” تعبر عن فشل منهجي خطير ومؤلم يمسّ جوهر قيم حيش الاحتلال، فقدت فيه مبادئ أساسية في الدفاع، وكان هناك أيضاً جنود وقادة لم يسعوا إلى القتال وهربوا.
وبحسب مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي، فإن هذا الملف لا يقل عن ملف عملياتي لوحدة النخبة في جيش الاحتلال، وهو يفصل جميع نقاط الضعف وخصائص القاعدة: الثغرات في السياج التي اخترقها 60 مقاومًا من النخبة القسامية في الموجة الأولى، واجتاحوا المكان فعلياً في غضون نصف ساعة؛ والثغرات في الجدار الغربي التي كانت بمثابة فتحات للمقاومين لإطلاق النار على الجنود في الداخل.