كهلان الخروصي: لزوم الدفاع ووجوب رفع الظلم ومقاومة المحتل والنكاية فيه
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
الأحداث الدائرة الآن في أرض فلسطين وفي أكناف بيت المقدس هي شغل المسلمين الشاغل «فالمسجد الأقصى قضية دين وعقيدة وإيمان»، هذا ما أكد عليه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان في حلقة خاصة في البرنامج التلفزيوني «سؤال أهل الذكر» الذي يعده ويقدمه الدكتور سيف الهادي، في حلقة خاصة عن «مكانة الأقصى والدفاع عنه»، ففي سؤال عمَّا الذي أعطى الأقصى هذه المكانة حتى يكون محورا لصراع شديد بين المسلمين وغيرهم وكذلك بين الشرق والغرب؟ أجاب مساعد المفتي العام لسلطنة عمان: الحقيقة أن المسجد الأقصى قضية دين وعقيدة وإيمان، ونحن إذا نظرنا في كتاب الله عز وجل سنجد جملة من الأوصاف التي ذكرها لنا ربنا تبارك وتعالى مما يجعل من هذه القضية قضية عقيدة وإيمان، أول ما نجده في كتاب الله عز وجل هو قوله تبارك وتعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» فهذه الآية الكريمة يجمع الله تبارك وتعالى فيها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ملة إبراهيم الخليل وميراثه وميراث الأنبياء من ذريته من بعده؛ ذلك أن إبراهيم عليه السلام كان بعض ذريته في فلسطين، فإسحاق كان في فلسطين، وكذلك كان يعقوب عليهما السلام، وكذلك كان أكثر الأسباط حتى بلغ يوسف عليه السلام في القصة المذكورة في سورته من كتاب الله عز وجل إلى أرض مصر، لكن هذا الفرع من ذرية إبراهيم عليه السلام كان في فلسطين، وفرعه الآخر وهو إسماعيل عليه السلام كان في مكة المكرمة، وتسلسل النبوات من بعد إنما كان من ذرية إبراهيم عليه السلام، فجمع الله عز وجل في النبي الخاتم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الميراث المرتبط بمكة المكرمة وبالمسجد الأقصى من بلاد فلسطين.
الخليل وخاتم الأنبياء
وهذا ما لا ينتبه له كثير من الناس حين يقرأون سورة الإسراء، ذلك أن آخر سورة النحل ورد فيه «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» فتحدثت الآيات هنا عن إبراهيم عليه السلام وتأتي سورة الإسراء لتتحدث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حدث معجز فارق في تاريخ الدعوة الإسلامية يرتبط فيه المكانان، يرتبط فيه المسجد الحرام بالمسجد الأقصى مما يشي بوراثة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المقدسات ووراثته لما تركه إبراهيم الخليل مما يتعلق بالملة وتوحيد الله تبارك وتعالى، واستعمال وصف المكانين بأنهما مسجدان يؤكد هذا المعنى، فإن الله تبارك وتعالى لم يقُل من مكة إلى فلسطين، ولم يقُل من الحجاز إلى الشام، وإنما قال من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهذا معنى آخر.
البركة
ثم إن الله تبارك وتعالى وصف المسجد الأقصى بقوله: «الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ» ولئن كان ما حوله مباركا فمن باب أولى أن يكون المسجد الأقصى محور هذه البركة، وهذا المعنى نجده متكررا في كتاب الله عز وجل، فالله تعالى يقول: «وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ» ولما تحدث عن سليمان عليه السلام قال: «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ» مرة أخرى نجد أن الله تبارك وتعالى يصف أرض فلسطين بما يشتمل عليه من المسجد الأقصى بأنها أرض مباركة للعالمين، ونجد في القرآن الكريم أن الله تبارك وتعالى حينما أخبرنا عن أهل سبأ قال: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ» مرة أخرى يصف قرى فلسطين الدائرة في أكناف بيت المقدس، بأنها محفوفة بالبركات بسبب المسجد الأقصى، وبسبب تاريخ النبوات فيها، وبسبب من أقام فيها من الأنبياء والمرسلين الكرام عليهم الصلاة والسلام، وبسبب الخير الذي أودعه الله فيها. لكن لما يخبرنا الله عز وجل عن مباركته لهذه الأرض، وأن بركتها هي بركة للعالمين، لو لم يكن إلا للفت انتباه المخاطبين أهل القرآن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن لهذه البقعة شأنا عند الله عز وجل فيلفت أنظارهم إلى هذه المنزلة العظيمة، ولئن كان سبب البركة مما أودعه فيها مما تقدم ذكره من الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ومن النبوات ودعوات الرسالات الربانية الإلهية ومما أنزل فيها من كتب سماوية ومن هدايات وحي الله تبارك وتعالى ومن المؤمنين الأتقياء الصلحاء الذين اتبعوا الأنبياء والمرسلين فيها ولما أودعه فيها أيضا من خير ولمن دفن فيها من الأنبياء والمرسلين إلا ليكون ذلك باعثا لهؤلاء المخاطبين لحفظ أسباب هذه البركة، والمحافظة عليها ومواصلة موجبات هذه البركات.
التقديس
يتأكد هذا المعنى أيضا بما ورد في قصة موسى مع المؤمنين من بني إسرائيل حينما خاطبهم قائلا: «يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ» لكن هنا نجد وصفا آخر وهو أنها أرض مقدسة، والتقديس هو من أعلى الصفات لأنه يدل على التنزيه والطهارة والنقاء، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى سمَّى نفسه القدوس في كتابه عز وجل، وجعل خير الملائكة روح القدس جبريل عليه السلام، وهذا الوصف لا يرد إلا فيما هو جليل القدر عظيم الشأن لأنه يدل على النقاء والطهر والخلاص من كل الشوائب، وهذا لا يكون إلا بتطهير الأرض المقدسة، أرض فلسطين والمسجد الأقصى من مظاهر الشرك والنفاق والخيانة وكل ما يسخط الله تبارك وتعالى إذ لو كان المقصود تقديسها في المقام الأول من النجاسات الحسية لوجدنا تعارضا بين تاريخ هذه البلاد وبين مثل هذا الفهم، ينافي القداسة والبركة لكن المقصود هو إذا ربطنا هذا المعنى بمعنى البركة المتقدم بأسباب البركة وأصولها التي أودعها الله تبارك وتعالى في أرض فلسطين في المسجد الأقصى فإننا سنفهم أن المقصود هو حفظ هذه القدسية للمسجد الأقصى ولأرض فلسطين بمعنى تطهيرها من مظاهر الإلحاد والشرك وكل ما يتعارض مع توحيد الله تبارك وتعالى وإخلاص العبودية له وتخليصها من كل أنواع الظلم والطغيان والعدوان، ولذلك كانت بركتها للعالمين لأنها مطهرة منقاة من كل هذه الأنجاس والأقذار النفسية والإيمانية والخلقية، وقد كانت كذلك عبر تاريخها، فقد كانت الصخرة الكأداء التي تقف في وجه الظلم والعداوة وفي وجه الإلحاد والشرك، وعند صخرتها تحطم المغول، وتحطم الرومان في وثنيتهم، وتحطمت شوكتهم في نصرانيتهم، والصليبيون كذلك انكسرت شوكتهم في زمن صلاح الدين عند أكناف بيت المقدس، فهذا يؤكد كل هذه المعاني جميعا.
القِبلة الأولى
وإذا نظرنا إلى جانب آخر سنجد أن من المعاني الإيمانية أن الله تبارك وتعالى قال: «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ» فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى المسلمون معه في مكة المكرمة إلى بيت المقدس، صحيح أن الكثير من الآثار تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتّجه إلى الكعبة ومن ورائها بيت المقدس فكان يجعل الكعبة بين يديه في توجهه إلى بيت المقدس، لكنه حينما هاجر إلى المدينة المنورة، بعد 16 شهرا خلال هذه الأشهر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار يتّجهون في صلواتهم الخمس إلى بيت المقدس، لكن حتى لا يظن ظان أن تلك القِبلة إنما كانت باجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا ربنا تبارك وتعالى مع أنه لا يوجد في القرآن أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتّجه إلى المسجد الأقصى إلا أن هذا من الوحي غير المتلو، ولكن آية «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا» هي التي بيّنت أن ذلك إنما كان بتشريع من الله تبارك وتعالى، وهذا التشريع كان به امتحان للمؤمنين الصادقين من أولئك السفهاء الطاعنين في دين الله تبارك وتعالى، فالتوجه إلى القِبلة في بيت المقدس في صدر الإسلام، وفي 16 شهرا من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على مكانة المسجد الأقصى وعلى منزلته في هذا الدين الحنيف، وأن المسجد الأقصى هو من المقدسات الإسلامية التي يجب عليهم حفظها وصيانتها والدفاع عنها والذود عن حياضها، وبذل الغالي والرخيص في سبيل حفظ هذه المكانة التي أودعها الله تبارك وتعالى لها.
الأقصى وعزة الأمة
وفي سؤال آخر عن ارتباط المكانة التي يحتلها المسجد الأقصى بعزة الأمة فإذا التفتت إلى المسجد الأقصى كانت عزيزة، وإذا أهملت النظر إليه وتركته في يد غيرها كانت ذليلة، أجاب الشيخ كهلان بقوله: هذا تلازم ظاهر واضح، ثم إن التاريخ يؤكده، ونحن إذا نظرنا إلى ما ورد من أدلة شرعية مما يدعو المسلم إلى أن يجعل هذه القضية قضية مركزية محورية في إيمانه وفي تصوّره الصحيح فإن أي غبش يمكن أن يكتنف هذه القضية مما يمكن أن يدعو إلى شيء من التنازلات أو الضعف وقبول الذلة والهوان لا مكان له؛ لأنه سيصطدم بحقيقة قرآنية وبحقيقة أكّد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَرَصَ على التذكير بها، حينما قال في حديث ورد من عدة طرق أشهرها من طريق أبي هريرة ومن طريق أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، إلى المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى» هنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعله في هذا الحكم الخاص من شد الرحال بقصد أداء العبادة وزيارة هذه البقاع المقدسة، نجد أنه يجعل المسجد الأقصى في رتبة واحدة مع المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.
ثواب الصلاة فيه
ومن حيث مضاعفة أجر وثواب أداء الصلاة والعبادة نجد روايات عديدة تتعلق بالمسجد الأقصى تختلف في حجم المضاعفة لكنها جميعا ما هو مقبول منها وما هو غير مقبول من حيث الصنعة الحديثية تتفق على أن للصلاة في المسجد الأقصى أجرا مضاعفا غير أجور أداء الصلوات في أي بيت من بيوت الله تبارك وتعالى سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي، فقد ثبت أن لأداء الصلاة في المسجد الأقصى فضلا مضاعفا وأجرا كبيرا وإن اختُلف فيه في بعض الآثار وإن كان فيها نظر أنها بخمسين ألف صلاة، ولكن في سند هذه الرواية نظر كما أن في المتن نظرا، وقيل بألف صلاة وقيل بخمسمائة صلاة وقيل بمائتين وخمسين، وقيل بمائة صلاة، والأكثر والأرجح عند الفقهاء أنها بألف صلاة، لكن ليس هذا هو المحل الآن، وإنما الالتفات إلى أن هنالك أجرا مخصوصا جعل للمسجد الأقصى هو على خلاف الأجور المضاعفة في سائر بيوت الله تعالى باستثناء الحرمين الشريفين.
شد الرحال إليه
ولذلك انتبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وخيار سلف هذه الأمة رضوان الله تعالى عليهم إلى هذه المنزلة فكانوا يشدون الرحال لأداء الصلاة في المسجد الأقصى، حتى أن الواحد حينما ورد أنه مَن خرج من بيته على راحلته فصلّى في المسجد الأقصى لا يريد إلا وجه الله تعالى رجع كيوم ولدته أمه، فكانوا لا يشربون حتى شربة ماء حتى تكون نيتهم خالصة للحصول على هذا الأجر الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك هاجر إليها عدد من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك اعتنى بها سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه حسا ومعنى؛ أمّا معنى فبفتحها وإزالة مظاهر الرجس والشرك والوثنية والبُعد عن الله تبارك وتعالى، وأمّا حسًّا فإنه كان رضوان الله تعالى عليه هو الذي يقوم بخدمتها وإزالة الرجس والقذر عنها، وما ذلك إلا لعلمه وعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانة المسجد الأقصى.
ثاني بيت وُضِعَ في الأرض
وفي حديث ورد من طريق أبي ذر عند طائفة من أصحاب السنن والأسانيد أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي بيت وُضِع في الأرض أول، فقال عليه الصلاة والسلام: المسجد الحرام، فقال أبو ذر فقلت ثم أي؟ فقال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما، قال: أربعون سنة. إذن المسجد الأقصى وقد سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسجد الأقصى» كما ورد في كتاب الله عز وجل، وبالمناسبة هو له في السنّة وفي كلام أهل العلم ما يقرب من 16 اسما، منها: «المسجد الأقصى، بيت المقدس، بيت القدس، إيليا»، كما في وثيقة سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، وموضع الشاهد هو أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وُضِع للناس في هذه الأرض بعد الكعبة المشرّفة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كل هذه الأوصاف التي أحيطت بالمسجد الأقصى في كتاب الله وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ننظر بعد في أحاديث الفتن والملاحم في ما يتعلق ببيت المقدس أو أرض فلسطين، وإنما لو اقتصرنا فقط على هذه الأدلة الشرعية لكان ذلك كافيا لتأكيد مكانة الأقصى وأرض فلسطين، ولتأكيد واجب المسلمين في تخليص هذه المقدسات من دنس كل من يعتدي عليها ويظلم أهلها ويغتصب أرضها ويجوس فيها بالفساد، فهذه مسؤولية هذه الأمة تقع على عاتقها ولا مناص لها من أداء هذه الأمانة وإبراء ذمتها أمام الله تبارك وتعالى بأداء هذه المسؤولية والله تعالى المستعان.
اليهود ونشر الإشاعات
وحول تعمد اليهود في نشر الشائعات والكذب قال الشيخ كهلان: لكن لا يستغرب من العدو المغتصب المحتل أن يعمد إلى نشر الإشاعات والتلفيق وتزوير الحقائق، ولو كان ذلك بما لا يقبله عقل؛ لأن القرآن الكريم في الحقيقة كشف لنا أن ذلك من جوهر طباعهم، فالله تبارك وتعالى يقول: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ» أما الحبل من الله فهو ما كان يرسله إليهم من الأنبياء الذين كانوا يسوسونهم فقد بعث الله تبارك وتعالى في بني إسرائيل النبي بعد النبي بعد النبي، فقد كان يجتمع لهم في الوقت الواحد العدد الكبير من الأنبياء ولكنهم كانوا يقتلونهم، ولذلك كشف لنا ربنا تبارك وتعالى هذا الطبع فيهم أنهم كانوا يقتلون الأنبياء، فكيف يمكن أن يتوقع منهم أن يحفظوا دم بريء وهم قد عدوا على أنبيائهم تقتيلا وتنكيلا وتعذيبا، وأما الحبل من الناس فهو أنهم لا قضية لهم، فليس لهم مبدأ، ويعرفون أنهم على باطل، وأنهم ظلمة معتدون، ولذلك فإنهم يسعون إلى أن يكون مددهم من الخارج، ليست لهم قضية ذاتية إلا بمدد من الخارج، يستغيثون بغيرهم، ويستنصرون، يستمطرون المدد ويطلبون العتاد من غيرهم، وينشرون الأكاذيب والشائعات.
الفئة القليلة الغالبة
وفي سؤال آخر فيما يتعلق بالمقاومة نفسها، هناك من يقول بأنه لا يوجد توازن قوى؛ فالصهيونية تقف خلفها ترسانة هائلة من الدول التي تدعمها وتريد منها أن تكون موجودة في المنطقة لإثارة القلاقل، إضافة إلى ما تملكه هي أمن الترسانة الكبيرة والخطيرة، بينما المقاومة لا تمتلك سوى القدرة التي يمكن أن تحدث بها أثرا قليلا في العدو، فكيف تجيبون على من يقول إن المقاومة دخلت مغامرة غير محسوبة وغير مسؤولة وعليها أن تتحمَّل مسؤوليتها الآن؟
أجاب مساعد المفتي العام لسلطنة عمان: أيضا هذا هو من دعاوى المخذلين الأذلاء، وذلك لأن ما صنعته المقاومة يدل على عكس هذا تماما؛ لأن الألم الذي أحدثته فيهم كان ألما بالغا، ولو لم يكن إلا تداعي هذه الأمم التي تداعت من أجل العدو لكان ذلك كافيا في تأكيد أن ما أحدثوه فيهم من جرح غائر، ومن إيلام شديد، ومن ضعضعة لأوضاعهم، ومن إصابتهم بهزيمة بالغة كل ذلك يدل على أن ما صنعته المقاومة دليل على مكنتهم من الدفاع عن أرضهم ومن مقاومتهم للمحتلين وما حصل أيضا من بعد من تأييد من عقلاء العالم جميعا، من الشعوب المسلمة ومن غير شعوب المسلمين أيضا من العقلاء في العالم دليل أنه لا سبيل إلا المقاومة والدفاع، فكيف إذا نظرنا إلى أن ربنا تبارك وتعالى قد أمرنا بذلك، فالله تبارك وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ».
وقد بيّن ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم في سياقات مختلفة أن النصر إنما هو من عند الله تبارك وتعالى وحده ما على المكلفين إلا أن يأخذوا بالأسباب، فالله تعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» ويقول: «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» وقال تعالى: «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» كل هذه الأدلة وغيرها في كتاب الله عز وجل وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد على لزوم الدفاع ووجوب رفع الظلم ومقامة المحتل، والنكاية فيه.
ولو استعرضنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنهم لم ينصروا بكثرتهم، وهذا ما فهمه أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصيته لسعد بن أبي وقاص يكشف له هذه الحقيقة حينما يأمره بتقوى الله تبارك وتعالى، ويأمره ومن معه من الأجناد باجتناب معصية الله تبارك وتعالى يبيّن له أنه إن لم ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا لأن عددنا ليس كعددهم، وقوتنا ليست كقوتهم فإن لم ننتصر عليهم بقربنا من الله تعالى وتقوانا له لم ننتصر عليهم، وهذا شأن هذه الأمة في سائر معاركها وفتوحاتها لم يكن التعويل على عددها وعدتها، إنما بأخذها بالأسباب وتوكلها على الله تبارك وتعالى نصرة له ولدينه حينئذ يكون النصر من عند الله عز وجل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة رسول الله صلى الله علیه وسلم محمد صلى الله علیه وسلم إبراهیم علیه السلام فی المسجد الأقصى المسجد الحرام من الأنبیاء أرض فلسطین إلى المسجد بیت المقدس تعالى یقول ی ب ار ک ن ا یمکن أن یدل على کل هذه کان فی ما کان ما ورد إلى أن
إقرأ أيضاً:
40 ألفًا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
القدس المحتلة - متابعة صفا
أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، رغم تشديدات وعراقيل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وذكرت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، أن 40 ألف مصلّ أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، والغائب على أرواح الشهداء في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان.
وأفاد مراسل وكالة "صفا"، بأن قوات الاحتلال فرضت تشديدات وعراقيل عند مداخل مدينة القدس ومحيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى، تزامناً مع توافد المصلين إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.
وأضاف مراسلنا، أن قوات الاحتلال نصبت الحواجز الحديدية في الشوارع والطرق المؤدية للمسجد، ومنعت العشرات من الشبان من الوصول للمسجد، بعد توقيفهم وتفتيشهم وتحرير هوياتهم.
وقال خطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد سرندح، إن "المؤمنين في الأرض وخاصة أهل غزة ولبنان، نالوا أعلى الدرجات بما أصابهم من البلاء والجوع والحرمان مع المعاناة والألم والقتل والتدمير، بلا مجير ولا نصير بين حرارة الشمس وبرد الشتاء".
وأضاف سرندح، أن "أهلنا في فلسطين وغزة قبضت فلذات أكبادهم، ولم يثنهم ذلك عن الحمد، فهم أهل الحمد والرضا".
وتابع: "نساؤنا في غزة هن الماجدات العفيفات الطاهرات الحامدات، رغم أنف المشككين والمطبعين والمتحررين، وهن عنوان شرف الأمة وعفتها".
وعن الجاحدين، قال سرندح: "أما الجاحدون من يرون مصابنا في غزة، ويشاهدون جرحنا وألمنا في مقدساتنا، وأعرضوا ظلما وعلوا وطغيانا".
وفي الخطبة الثانية، عبّر قائلاً: "نبكي على أهلنا وقلوبنا تعتصر ألماً وحزناً على فلذات أكبادنا، جراء القتل بالسلاح المشبوه، فكم خسرنا من أهلنا، ونشكر رجال السلم المجتمعي على دورهم في حل النزاعات والمشاكل".